مدونة روابط
الثلاثاء، 24 مايو 2022
جامع الأصول في أحاديث الرسول ومعه: تتمة جامع الأصول - ت الأرناؤوط لمجد الدين أبو السعادات ابن الأثير تحميل
- جامع الأصول في أحاديث الرسول ومعه: تتمة جامع الأصول - ت الأرناؤوط لمجد الدين أبو السعادات ابن الأثير تحميل
- ------
وصف الكتاب
جمع ابن الأثير في كتابه هذا أحاديث الكتب الستة المعتمدة في الحديث وهي : الموطأ، وصحيح البخاري ، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود ، وسنن الترمذي ، وسنن النسائي.
وقد حذف أسانيد الأحاديث ولم يثبت إلا اسم الصحابي الذي روى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إن كان خبراً ، أو اسم من يرويه عن الصحابي إن كان أثراً ، اللهم إلا أن يعرض في الحديث ذكر اسم أحد رواته فيما تمس الحاجة إليه ، فإنه يذكره لتوقف فهم المعنى المذكور في الحديث عليه .
وأما متون أحاديث الكتب الستة ، فقد أثبت منها ما كان حديثاً عن رسول الله صلى لله عليه وسلم ، أو أثراً عن الصحابي ، ولم يذكر ما في تلك الكتب من أقوال التابعين والأئمة المجتهدين إلا نادراً .
وقد عمد المؤلف إلى الأحاديث جميعاً التي في الكتب الستة ، فاعتبرها وتتبعها ، واستخرج معانيها، ووضع كل حديث في الباب الذي يناسبه ، فإذا كان للحديث انفراد بمعنى أثبته في باب يخصه ، وإن اشتمل على أكثر من معنى واحد وغلب أحد معانيه على بقية المعاني فإنه يثبت الحديث في الباب الذي هو أخص به وأغلب عليه ، وإن كانت المعاني المشتمل عليها الحديث متساوية فإنه يضع الحديث في آخر الكتاب في باب سماه كتاب اللواحق .
وقد فصل الكتاب الواحد إلى أبواب، والأبواب إلى فصول ، والفصول إلى أنواع ، والأنواع إلى فروع ، والفروع إلى أقسام .
وقد عمد إلى كل فصل وكل فرع وكل باب ، فرتب الأحاديث فيه ، كل حديث يتلو ما يشبهه ، أو يماثله ، أو يقاربه.
وقد رتب أبواب الكتاب على حروف المعجم ( أ، ب، ت، ث،…) طلباً للتسهيل ، وقد لزم في الترتيب الحرف الذي هو أول الكلمة ، سواءً كان أصلياً أو زائداً ، ولم يحذف من الكلمة إلا الألف واللام التي للتعريف فحسب .
تحقيق : عبد القادر الأرنؤوط
الناشر : مكتبة الحلواني - مطبعة الملاح - مكتبة دار البيان
الطبعة : الأولى
الجزء [1 ،2] : 1389 هـ ، 1969 م
الجزء [3 ، 4] : 1390 هـ ، 1970 م
الجزء [5] : 1390 هـ ، 1971 م
الجزء [6 ، 7] : 1391 هـ ، 1971 م
الجزء [8 - 11] : 1392 هـ ، 1972 م
الجزء [12] (التتمة) : ط دار الفكر ، تحقيق بشير عيون
أعده للشاملة : موقع مكتبة المسجد النبوي الشريف
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ، وهو مفهرس فهرسة موضوعية]
[ملاحظات]
1 - ترقيم الكتاب موافق للمطبوع
2 - يمكن الانتقال للجزء والصفحة أو رقم الحديث
3 - الكتاب مفهرس فهرسة موضوعية تفصيلية
4 - أضيفت تعليقات أيمن صالح شعبان (ط : دار الكتب العلمية) في مواضعها من هذه الطبعة]
المحقق: عبد القادر الأرناؤوط
حالة الفهرسة: مفهرس فهرسة كاملة
الناشر: مكتبة الحلواني - مطبعة الملاح - مكتبة دار البيان
سنة النشر: 1389ه - 1969م
عدد المجلدات: 12
الحجم (بالميجا): 125
نبذة عن الكتاب: - ملحوظة: تتمة (جامع الأصول) بتحقيق: بشير محمد عيون
- وتم فهرسة جميع المجلدات فهرسة دقيقة شاملة
حيث تم إضافة آلاف العناوين تسهيلاً للبحث في هذا الكتاب.
تاريخ النشر
1427/3/1 هـ
عدد القراء
49323
روابط التحميل
=
مجلد 20. تاريخ الطبري الاخر والحمد لله رب العالمين
مجلد 20. تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ) (صلة تاريخ الطبري لعريب بن سعد القرطبي، المتوفى: 369هـ)
== سنه
خمس وثلاثين وثلاثمائة
توفى هذه السنه على بن عيسى بن داود بن الجراح، وزير المقتدر بالله رحمهما الله،
وهو من دورقنى.
قال ابو سهل بن زياد القطان: كنت معه لما نفى الى مكة، فدخلناها في حر شديد، وقد
كاد يتلف، فطاف وسعى، وجاء فالقى نفسه، وهو كالميت من الحر والتعب، تلق قلقا
شديدا، وقال: اشتهى على الله شربه ماء مثلوج، فقلت: سيدنا ايده الله، يعلم ان هذا
مما لا يوجد بهذا المكان، فقال: هو كما قلت، ولكن نفسي ضاقت عن ستر هذا القول
فاسترحت الى المنى.
قال: وخرجت من عنده، فرجعت الى المسجد الحرام، فما استقررت فيه حتى نشأت سحابه
وكثفت ورعدت رعدا شديدا متصلا، ثم جاء مطر شديد وبرد كثير، فبادرت الى الغلمان،
وقلت: اجمعوا، فجمعنا شيئا كثيرا وملانا منه جرارا.
فلما كان وقت المغرب وقد حان إفطاره، جئته بذلك، وقلت: أنت مقبل والنكبه ستزول،
ومن علامات الاقبال انك طلبت ماء ثلج وهذا ما طلبته.
فاخذ يسقى كل من في المسجد من المجاورين والصوفية السويق بالسكر والبلح، ولم يشرب
حتى مضى قطعه من الليل وقد شربوا اجمع، فقال: الحمد لله، ليتنى كنت تمنيت المغفره،
بدلا من الثلج، فلعلى كنت أجاب.
ولم أزل به حتى شرب، ومدحه بعض الشعراء فقال فيه:
بحسبك انى لا ارى لك عائبا ... سوى حاسد والحاسدون كثير
وانك مثل الغيث اما سحابه ... فمزن واما ماؤه فطهور
قال ابن كامل القاضى: سمعت على بن عيسى يقول: كسبت سبعمائة الف دينار، اخرجت منها
في وجوه البر ستمائه وثمانين ألفا.
وحكى هلال بن المحسن، قال: قال ابو على بن محفوظ: لما ورد معز الدولة وابو جعفر
الصيمرى معه الى بغداد، اراد ابو الحسن على بن عيسى الركوب اليه،
(11/359)
وقضاء
حقه، فاتفق انه نزل الى داره ليجلس في سميريه، وابو جعفر مجتاز في طيارة، وانا
وأخي وابو الحسن طازاذ بن عيسى معه، فقال لنا: من هذا؟ فقلنا: الوزير ابو الحسن
على بن عيسى، فقال لأبي الحسن طازاذ: قدم بنا اليه فاساله ان ينزل معنا في الطيار،
فقربنا منه وسلمنا عليه، فقال له ابو الحسن طازاد: الى اين توجه سيدنا؟ فقال: اشار
فتياننا بلقاء الأمير الوارد، وقضاء حقه، فعملت على ذلك، فقال له: فينتقل سيدنا
الى الطيار فانه اولى، فامتنع ولم يزل يراجعه، وكان معه ابنه ابو نصر، فخاطبه حتى
فعل وسهل عليه ذلك، ونزل، فقام له ابو جعفر الصيمرى عن موضعه، وقد وصانا الا نعرفه
اياه وكان ابو نصر عرفه، واراد ان يشعر أباه، فلم يدعه طاعه لأبي جعفر وسرنا
مصعدين، ووصلنا الى معسكر معز الدولة بباب الشماسيه، وقدم الطيار الى المشرعه،
فقال ابو جعفر لأبي الحسن: تجلس يا سيدنا بمكانك، حتى اصعد الى الأمير واعرفه
خبرك، واوذنه بحضورك، فقال له: لك- اطال الله بقاءك- عند الأمير اثره وبه انسه؟
قال: نعم، وصعد، فلما صعد قال ابو نصر لأبيه: هذا الأستاذ ابو جعفر الصيمرى،
فارتاع وقال له: الا أعلمتني ذلك لاوفى للرجل حقه! قال: منعني أصحابنا، واقبل على
طازاذ فقال له: لا احسن الله جزاءك، كذا يفعل الناس، فقال: والله يا سيدنا ما فعلت
ما فعلته، الا لان الأستاذ أمرني به، ولم تمكنى المخالفه لَهُ، فَقَالَ: إِنَّا
لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ! ووجم وجوما شديدا، ثم قال:
من هذان أعزهما الله! واشار الى والى أخي، فقال طازاذ أبناء محفوظ، فاستثبته،
وقال: الذى كان يصحب جعفر بن الفرات؟ قال نعم، فقال: قد كان جعفر من العمال
الظلمه.
ولما صعد الصيمرى الى معز الدولة، وجده على شراب، فلم يقل له شيئا، وعاد الى على
بن عيسى، فنهض له واعظمه، وقال له: قد جنى على أصحابنا في كتمانى موضع الأستاذ،
حتى كان من تقصيري في قضاء حقه ما لم اعتمده، وانا اعتذر اليه ادام الله عزه من
ذلك، فقال: فعل الله بك يا سيدنا وصنع، واى تقصير جرى؟ فالتفت الى طازاذ فقال: الم
اوصك بترك اعلامه امرى! فقال ابو نصر ولده:
اعلمه، وقد حصلت بين العتب ايها الأستاذ منك ومنه، وقال له ابو جعفر: الأمير
(11/360)
على
حال لا يجوز لقاء مثلك عليها، وهو يعتذر من تأخر الاجتماع باعتراض ما اعترض منها،
وإذا تكلف سيدنا العود في غداه غد، لقيه ووفاه من الحق ما يجب ان يوفيه اياه،
والطيار يباكر بابه وانصرف ابو الحسن.
وعاد ابو جعفر الى معز الدولة، فقال له: وافى على بن عيسى للقائك وخدمتك، فاعتذرت
اليه عنك بانك على نبيذ، ولم يجز ان يراك عليه، فقال: من؟ على بن عيسى فقال: وزير
المقتدر بالله، قال: ذلك العظيم! قال: نعم، قال: ما وجب ان ترده، فانى كنت اقوم
الى مجلس آخر والقاه فيه، فقال: ما كان يحسن ان يشم منك رائحه شراب، وفي غد
يباكرك، فقال معز الدولة: فكيف اعامله؟ وما الذى اقول له؟ فقال له الصيمرى: تنزعج
له بعض الانزعاج، وترفع مجلسه، وتعطيه مخده من مخادك وتقول له: ما زلت مشتاقا الى
لقائك، ومتشوقا للاجتماع معك، واريد ان تشير على في تدبير الأمور، وعماره البلاد
بما يكون الصواب فيه عندك.
وجاء ابو الحسن على بن عيسى من غد، ودخل معز الدولة، فوفاه من الإجلال والاكرام
اكثر مما وافقه عليه ابو جعفر، واعطاه مخده من دسته، فقبلها ابو الحسن وقال له ما
يقال لمثله، فقال له معز الدولة: كنا نسمع بك، فيعظم عندنا امرك، ويكثر في نفوسنا
ذكرك، وقد شاهدت منك الان ما كنت مؤثرا واليه متطلعا، والدنيا خراب، والأمور على
ما تراه من الانتشار، فأشر على بما عندك في اصلاح ذلك.
فقال له ابو الحسن: هذه النيه منك ايها الأمير داعيه الى الخير، ومسهله للنجح،
وطريق العمارة ودرور المادة، واستقامه امر الجند والرعية والعدل، والذى اهلك
الدنيا، واذهب الأموال، واخرج الممالك عن يد السلطان خلافه، وانما يتأتى الصلاح
وتطرد الأغراض بالولاة الموفقين، والأعوان الناصحين.
وحدثنا عمر بن شبه قال: حدثنا فلان-[وذكر الاسناد عن النبي ص- انه قال: إذا اراد
الله بوال خيرا قيض له وزير صدق، ان غفل اذكره، وان رقد أيقظه،] وقد وفق الله
للأمير من هذا الأستاذ، - واشار لأبي جعفر- من تمت فيه اسباب الكفاية، وبانت فيه
شواهد المخالصة، ويوشك ان يجرى الخير على يده ويتأتى المراد بحسن تدبيره
(11/361)
فتراجع
ابو جعفر عن موضعه، وتوقف عن تفسير هذا القول لمعز الدولة، وفطن معز الدولة ان
توقفه لامر كره ذكره، فقال لأبي سهل العارض: انظر ما يقول، ففسر له تفسيرا لم يفهم
عنه، ولا استوفى القول فيه، وتلجلج في ذكر رجال الحديث حتى استفهم معز الدولة
اسماءهم، وقال: هؤلاء أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال
ابو الحسن: لا، هؤلاء رجال نقلوا لنا الحديث عنه.
ثم عاد ابو جعفر الى الترجمه بينهما، وقال ابو الحسن: ومن اولى ما نظر فيه الأمير
وقدمه، سد هذه البثوق التي هي اصل الفساد وخراب السواد، فقال:
وقد نذرت لله عند حضورى في هذه الحضره، الا اقدم شيئا على ذلك، ولو انفقت فيه جميع
ما املك، قال: اذن يحسن الله عونك، ويذلل لك كل صعب، ويسهل كل مراد بين يديك.
فلما انقضى القول بينهما في ذاك، قال معز الدولة، اذكر حوائجك، لأتقدم فيها بما
اقضى به حقك، قال: الحاجة الحاضره هي الى الله تعالى في ان يطيل بقاءك ويديم علاك،
ومتى عرضت من بعد حاجه إليك، كان المعول فيها عليك، قال: لا بد من ان تذكر شيئا،
قال: حراسه منازلي، فإنها تشتمل على عدد كثير من بنين وبنات وعجائز واهل واقارب
واتباع واصحاب، قال: هذا اقل ما افعله.
ونهض ابو الحسن، وشيعه ابو جعفر ومشى الغلمان بين يديه.
وتوفى ابو الحسن بعد عبور معز الدولة، وهزيمته ناصر الدولة بيوم، فمضى ابو عمران
موسى بن قتادة، وكان معه مائتا رجل من الديلم، فنزل داره، وركب الصيمرى إليها، وقد
فرغ من تجهيزه، ووضع في تابوته فصلى عليه، وقال لموسى:
اخرج من هذه الدار، فما يجوز نزولك فيها، فقال: لا اخرج، فقال: لا لا امكنك منها،
فقال: لا اقبل منك، قال: إذا لم تقبل اكرهتك، وتنابذا بالقول تنابذا تولدت منه
فتنه، واجتمع الى موسى اصحابه، والى ابى جعفر آخرون.
وعرف معز الدولة ذاك، فبادر لإطفاء النائرة، وقال للصيمرى: ليس هذا وقت ذاك، قال:
بلى ايها الأمير، هذا وقته، ومتى افتتحنا امرنا بسقوط هيبتنا استمر ذلك وبعد
تلافيه، وازداد الأمر من بعد وهنا، والطمع استحكاما
(11/362)
فاخذ
معز الدولة بيد موسى بن قتادة فاخرجه معه، وقال له: يكون نزولك في الدار التي
أنزلها، ولا تفتتح امرا بما يقبح من انزعاج اولاد هذا الشيخ المشهور ذكره في
الدنيا وعياله عن منازلهم وأوطانهم.
وبقيت دور ابى الحسن على ولده ودور ابن أخيه ابى على بن عبد الرحمن عليه في حياته
بفعل ابى جعفر ما فعله.
وكان على بن عيسى لا يخل بالجمع، ولما حبس كان يلبس ثيابه ويتوضأ ويقوم ليخرج،
فيرده الموكلون فيرفع يديه الى السماء ويقول: اللهم اشهد وكان لا يفارق الدراعه
ولا يترك الوقار في خلواته.
وحكى ابنه ابو القاسم: انه كان يرتفع لأبيه من ضياعه في كل سنه عند الاعتزال
والعطله بعد ما ينصرف في نفقاته، وما كان يصرفه الى بنى هاشم، واولاد المهاجرين
والانصار، فان رسومهم عليه، كانت نيفا واربعين الف دينار، فكان الحاصل بعد هذا
كله، وهو يلزم منزله، ثلاثين الف دينار.
وكان حاصل ابن الفرات من ضياعه إذا تعطل الف الف دينار، وإذا وزر اضعفت.
وفي هذه السنه تمت اماره معز الدولة ابى الحسين، فكانت امارته ببغداد احدى وعشرين
سنه واحد عشر شهرا ويومين، وذلك لما بعد ناصر الدولة والاتراك وابن شيرزاد الى
الموصل، واستخلف المطيع لله، ومضى الى دار الخلافه، وتقلد ابو احمد الشيرازى
كتابته.
وتسلم الخليفة من معز الدولة اقطاعا بمائتي الف دينار.
وكان ابو الحسين على بن محمد بن مقله يواصل معز الدولة في ايام الحصار بالهدايا
والاخبار، فلما عبر الى الجانب الشرقى حمى داره بها، واستخدمه، فاخذ في المصادرات
للتجار والشهود فصادف احد العامه معز الدولة منصرفا منفردا نصف النهار، فعرفه ما
الناس فيه من الجزف، فتقدم بصرف ابن مقله.
واحترقت دور ابن شيرزاد، ودور أسبابه وأخيه، وصودر على مائه وثمانين الف الف درهم.
وقلد معز الدولة الشرطه أبا العباس بن خاقان
(11/363)
وورد
الخبر باستيلاء ركن الدولة ابى على على الري والجبل.
واجتمع راى الاتراك على الإيقاع بناصر الدولة، فاستجار بام ملهم حتى امرت ولدها
بتسييره، فسار ومعه ابن شيرزاد الى مرج جهينة، فلما امن سمل ابن شيرزاد.
وامرت الاتراك على نفوسها تكين الشيرزاذى، وانفرد عنهم ينال كوساه ولؤلؤ، واستامنا
الى معز الدولة.
وغلب تكين والاتراك على الموصل، ومضى الى سنجار، وراى ناصر الدولة، فانجد معز
الدولة باسفهدوست والصيمرى، والتقيا بتكين بالحديثه في جمادى الآخرة واستؤسر تكين،
وانهزم اصحابه، وسار الصيمرى مع ناصر الدولة الى الموصل، ودخل على الصيمرى خيمته
ولم يعد اليه، قال: لما دخلتها عليه علمت انى قد أخطأت فبادرت بالانصراف وندم
الصيمرى عند خروج ناصر الدولة على ترك القبض عليه.
وسلم الى الصيمرى ابن شيرزاد.
وضمن له طازاذ وابو سعيد بن وهب النصراني الكاتب- وهو الكاتب الذى مدحه ابن نباته-
خمسين الف دينار على ان يطلقهما فلم يفعل، وسلمهما الى الصيمرى، وكان الصيمرى
مراعيا لطازاذ، وانفذ معهم تكين الشيرزادى مسمولا، وانفذ ابنه هبه الله بن ناصر
الدولة رهينه.
فلما وصلوا اطلق معز الدولة تكينا، واقطعه اقطاعا بأربعين الف درهم.
وكتب ابو عبد الله بن ثوابه عن المطيع لله كتابا بالفتح الى عماد الدولة منه.
فلم يسفر العجاج الا عن قتيل مرسل، او غريق معجل، او جريح معطل، او اسير مكبل، او
مستأمن محصل، او حقيبه ملاها الله بلا تعب، او غنيمه أفاءها الله بلا نصب.
وكان مع ناصر الدولة قائد يقال له ابراهيم بن احمد، واخوه صاحب خراسان، فقتل ابن
أخيه نوح بن نصر بن احمد بعض اقارب ابى على بن محتاج، فكاتبه ابو على بن محتاج،
واستعانه على محاربه ابن أخيه.
ففارق ناصر الدولة بتكريت في سبعين غلاما، فانفذ اليه ناصر الدولة خلع الخليفة
ولواءها مع جوجوخ التركى المسمول ولقبه
(11/364)
ومضى
ابراهيم مع ابن محتاج، فهزما نوحا، وملك ابراهيم، ثم وقعت الوحشة بين ابى على،
فمضى ابراهيم مستأمنا الى ابن أخيه، ومضى ابو على الى بلاد الصغد.
وانتبهت رجال ابن شيرزاد، لان الصيمرى صرفه وطالبه بالأموال.
فاستخلف الصيمرى بالحضرة طازاذ، وانحدر فواقع اصحاب ابى القاسم البريدى، فاسر خلقا
منهم.
وفي هذه السنه، صرف ابو الحسن بن ابى الشوارب عن القضاء بالجانب الغربي.
واضيف الى عمل القاضى ابى الحسن محمد بن صالح الهاشمى.
وفي النصف من شعبان من هذه السنه، خرجت العامه لزيارة قبر الحسين عليه السلام
وعقدت القباب بباب الطاق.
وورد الخبر ان سيف الدولة، قبض على القراريطى، واستكتب بعبده أبا عبد الله ابن فهد
الموصلى.
وفي هذه السنه انقطعت قنطره دهما بأسرها.
(11/365)
سنه
ست وثلاثين وثلاثمائة
في صفر انحدر المطيع لله ومعز الدولة لمحاربه ابن البريدى، وسارا من واسط في
البريه الى البصره.
وانفذ الصيمرى وموسى قتادة فدخلا دار البريدى بمسماران ورحل الخليفة ومعز الدولة،
فاستامن اليه عسكر البريدى بالدرهميه.
وهرب ابو القاسم الى هجر، وقبض معز الدولة على أمواله وقواده واحرق سفنه.
ولما استولى على البصره، قصد أخاه عماد الدولة بارجان، وكان يقف بين يديه، واتفق
وصوله من عنده ووصول الصيمرى والخليفة الى بغداد، في خامس عشر من شوال.
وورد الخبر، بان نوحا صاحب خراسان، عاد الى بخارى، وسمل عمه ابراهيم، وصار اليه
ابن محتاج في الامان.
ولما ورد المطيع لله من البصره، وكان في صحبته ابو السائب، ولاه قضاء القضاه، وصرف
ابن أم شيبان، ولم يرتزق ابو السائب، واستخلف أبا بشر عمر بن أكثم.
وورد الخبر بان ركن الدولة فتح طبرستان وجرجان، وهزم وشمكير بن زيار واستأسر من
اصحابه مائه وثلاثة عشر قائدا.
وفي ذي القعده ضمن روزنهان الديلمى السواد والضرائب بعشره آلاف الف درهم، واستكتب
على ذلك ابن سنجلا.
وضمن الصيمرى اعمال واسط، واستكتب عليها أبا الحسن طازاذ.
وفي ذي الحجه، خلع معز الدولة على هبه الله بن ناصر الدولة الذى كان رهينه عنده،
وانفذه مع ابن قرابه الى ابيه.
(11/366)
سنه
سبع وثلاثين وثلاثمائة
ورد الخبر بانهزام سيف الدولة من الروم، واستيلائهم على مرعش.
ودخل ابو القاسم البريدى بغداد في الامان، فاقطعه معز الدولة اقطاعا بنهر الملك
بمائه وعشرين الف درهم، واعاد عليه ضيعته المعروفه بفروخاباذ من بادوريا، وانزله
في الدار المعروفه بالموزه، بمشرعه الساج محتاطا عليه.
وقبض على ابن اسفهدوست، لأنه اشار على معز الدولة بمبايعه ابى عبد الله ابن
الداعي، فقال الصيمرى: انه قصد ان يوليه الإمارة إذا صار الأمر اليه، فكان ذلك سببا
لاعتقاله برامهرمز، ومات بقلعتها معتقلا.
وانفذ الصيمرى وروزهان الى هيت، فقبضا على ابى المرجى عمرو بن كلثوم، واعتقل
ببغداد.
واخر ناصر الدولة المال الذى صولح عليه من معز الدولة، فخرج معز الدولة طالبا له
الى نصيبين، واتى سيف الدولة أخاه ناصر الدولة معاونا له.
وسفر ابن قرابه في الصلح، على ان يخطب ناصر الدولة لعماد الدولة ولمعز الدولة
ولابنه بختيار، وان يحمل ابنه رهينه، ويؤدى ثمانية آلاف الف درهم في السنه فتم
ذلك.
وقال ابو الطيب المتنبى يذكر انجاد سيف الدولة لأخيه في قصيده مدحه بها:
ان السعادة فيما أنت فاعله ... وفقت مرتحلا او غير مرتحل
اجر الجياد على ما كنت مجريها ... وخذ بنفسك في اخلاقك الاول
ينظرن من مقل ادمى احجتها ... قرع الفوارس بالعساله الذبل
فلا هجمت بها الا على ظفر ... ولا وصلت بها الا الى امل
(11/367)
واستولى
اصحاب ركن الدولة على اذربيجان، وخلت الري منهم، فقصدها ابن قراتكين، فانفذ معز
الدولة بسبكتكين ومعه القرامطة، واكثر الجيش وامده بروزهان معاونه لأخيه ركن
الدولة.
وفي ثانى شهر رمضان، وهو الخامس من آذار، بلغت زياده دجلة احدى وعشرين ذراعا
وثلثا، فغرقت الضياع والدور.
(11/368)
سنه
ثمان وثلاثين وثلاثمائة
في شهر ربيع الاول مات ابو محمد الحسن بن احمد الماذرائى الكاتب.
وفيه انحدر الصيمرى لمحاربه عمران بن شاهين، وهذا عمران من اهل الجامدة جنى بها
جناية، فهرب من العامل، واقام بين القصب يصيد السمك، ثم تلصص، واجتمع معه جماعه من
الصيادين، واستامن الى البريدى، فقلده الجامدة والاهواز، فما زال امره يقوى.
ولما انحدر الصيمرى لقتاله، هرب من بين يديه، فاستاسر الصيمرى اهله واولاده، ولم
يبق غير استيلائه على البطيحة، فورد الخبر بموت عماد الدولة بشيراز، فكاتب معز
الدولة الصيمرى بالمبادره الى هناك، فترك حرب عمران وتوجه.
وكان ركن الدولة قد وافى أخاه عماد الدولة، وسلما فارس الى ابى شجاع فناخسرو ابن
ركن الدولة، الملقب بعد ذلك عضد الدولة.
وانفذ الصيمرى بابى الفضل العباس فسانحس، فقلده معز الدولة الدواوين.
ووافى سبكتكين والجيش من الري.
وعاد الصيمرى من شيراز، وعاود محاربه عمران، فمات بالمرمونى من اعمال الجامدة.
وكان الصيمرى يحسد المهلبى، على تخصيصه وأدبه، فكان إذا جلس معه على الطعام، راى
كلامه وفصاحته، فيأمر الفراشين بعينه، فيطرحون المرقه على ثيابه، فكان المهلبى
منغصا به، وكان يستصحب مع غلامه دائما ثيابا يغير بها ما عليه.
وكان في الصيمرى شجاعة وقوه نفس، وهو الذى فتح الجانب الشرقى لمعز الدولة، لان
الديلم لم يقدم على العبور، فلما رأوا كاتبا قد تقدمهم انفوا.
وقال القاضى ابو حامد المروروذي: كنت واقفا بين يدي معز الدولة، فقال
(11/369)
للصيمرى:
اريد خمسمائة الف درهم لمهم، فقال: من اين؟ ودخلك لا يفى بخرجك، فقال: الساعة
احبسك في الكنيف، حتى تحضر ما طلبته، فقال: إذا حبستني في الكنيف، خريت لك بقره
وضربتها دراهم، فضحك منه وامسك.
ولما خرج الصيمرى في هذا الوجه، استخلف أبا محمد المهلبى، فلما علم نفاقه على معز
الدولة، اطلق لسانه فيه، فكان ابو محمد قد تيقن انه يهلكه على يد الصيمرى، فانفذ
الى معسكره طيورا، واوقف من يكتب عليها اخباره، فأتاه البراج بطير قد ابتل بالماء
بكتاب لم يقف عليه، فقال للصابئ: تلطف في قراءته، فقراه بعد جهد، فإذا فيه هلاك
للصيمرى، فدخل الى معز الدولة، وعزاه وجلس للعزاء به.
وترشح للوزارة ابو على الطبرى وهو عامل للاهواز.
قال التنوخي: من اعظم المصادرات مصادره معز الدولة لأبي على الحسن ابن محمد
الطبرى، صادره على خمسمائة الف دينار، فلما مات الصيمرى، طمع في الوزارة، وبذل
فيها مالا عظيما، قدم منه أول نوبه ثلاثمائة الف دينار، فلم يبن عليه خروجها،
فأخذها منه وقلد المهلبى.
(11/370)
سنه
تسع وثلاثين وثلاثمائة
في هذه السنه، رد القرامطة الحجر الأسود الى مكة، وكان بجكم قد بذل لهم ان ردوه
خمسين الف دينار، فلم يجيبوه، وكان بين قلعه ورده اثنتان وعشرون سنه.
وفي هذه السنه، كانت وزارة ابى محمد الحسن بن محمد بن هارون المهلبى لمعز الدولة،
خلع عليه معز الدولة القباء والسيف والمنطقه، وسار سبكتكين بين يديه الى دار
الخلافه، فخلع عليه السواد والسيف والمنطقه.
وكان المهلبى ثقيل البدن، ومشى في صحون الخلافه، وقد اثقله ما عليه من اللباس،
فسقط بين يدي المطيع لله عند دخوله من ذلك، ومن شده الحر، ووقع على ظهره، فأقيم
وظن من معه انه يحصر بما جرى، فتكلم واحسن واطال في الشكر والقول، وتمثل بابيات،
فتعجب الناس من بديهته، وركب الى داره، ومعه جميع الجيش وحجاب الخلافه، وداره هي
الدار المعروفه بالمرشد، ونزلها السلطان ركن الدولة في سنه سبع واربعين وأربعمائة
عند دخوله بغداد، ونقضها موفق، خادم القائم بأمر الله رضوان الله عليه في سنه خمس
وخمسين وأربعمائة وبنى بآلتها حجره للطيور، بباب النوبى، وعمرها سعد الدولة
الكهورانى، في سنه تسعين وأربعمائة، ولما قتل وقفتها زوجته نقد ما كان نقض ما بقي
في الدور الشاطبية بباب الطاق، وما امتدت يده من قصر بنى المأمون رضى الله عنه ثم
نزلها قوام الدولة كريغا، في سنه ثلاث وتسعين وأربعمائة، ثم خلت بعد خروجه.
وقال ابو نصر عبد العزيز بن عمر بن نباته السعدي يمدح المهلبى بقصائد منها:
دع بين أثوابي وبين وسادي ... شخصا يصد فوارسى وجيادي
وقال فيه من اخرى:
اذم زيادا في ركاكه رايه ... وفي قوله اى الرجال المهذب
تكلم والنعمان شمس سمائه ... وكل مليك عند نعمان كوكب
(11/371)
ولو
ابصرت عيناه شخصك مره ... لابصر منه شمسه وهو غيهب
وفيها:
كفى وزراء الملك في الناس مفخرا ... بانك منهم حين تعزى وتنسب
كان قد كفى الابطال بأسا ونجده ... بان قيل منهم في الهياج المهلب
وانحدر المهلبى وروزهان لمحاربه عمران، فهزمهما واستأسر قوادهما.
ومضى المهلبى الى البصره.
وكاتب سيف الدولة الخليفة، يستاذنه في الغزو، فاذن له، فاوغل في بلاد الروم، وسبى
وافتتح حصونا، وعاد في ثلاثين ألفا، فاخذ عليه الروم الدرب، فلم يفلت الا في عدد
يسير، وقال المتنبى قصيده منها:
قل للدمستق ان المسلمين لكم ... خانوا الأمير فجازاهم بما صنعوا.
(11/372)
سنه
اربعين وثلاثمائة
فيها تم الصلح بين عمران ومعز الدولة، وقلده البطائح، واطلق عياله الماسورين واطلق
القواد.
وورد الخبر بمعاودة ابن قراتكين حرب ركن الدولة بعد انهزامه، ودخول ركن الدولة
الري بعد ان تقابلا سبعه ايام.
وواصل ابن قراتكين الشرب أياما، فمات فجاه، وكفى ركن الدولة خطبه بعد ما حل به
وبعسكره من البلاء بحصاره.
وورد ابن وجيه صاحب عمان البصره فقاتله المهلبى، وأخذ منه خمسه مراكب وهزمه، ووصل
المهلبى الى بغداد ومعه الأسارى والمراكب.
وفيها مات ابو القاسم الكلواذى بعد الفقر، وقد مضت اخباره.
وفيها مات ابو الحسن عبيد الله بن الحسين الكرخي، امام اصحاب ابى حنيفه.
قال الخطيب: كان مع غزاره علمه، وكثره روايته، عظيم العباده، كثير الصلاة، صبورا
على الفقر والحاجة، عزوفا عما في أيدي الناس ولما اصابه الفالج في آخر عمره، حضره
اصحابه فقالوا: هذا مرض يحتاج الى نفقه وعلاج، وهو مقل، ويجب الا نبذله الى الناس،
ونكتب الى سيف الدولة فنطلب منه ما ننفق عليه، ففعلوا، واحس ابو الحسن بما هم
عليه، فسال عن ذلك، فاخبر به فبكى وقال: اللهم لا تجعل رزقي الا من حيث عودتني،
فمات قبل ان يحمل اليه سيف الدولة شيئا ثم ورد كتاب سيف الدولة ومعه عشره آلاف
درهم، ووعد ان يمده بأمثالها، فتصدق اصحابه بها.
ومات ليله النصف من شعبان من هذه السنه، ومولده سنه ستين ومائتين، وصلى عليه
القاضى ابو تمام الحسن بن محمد الهاشمى الزينبى- وكان من اصحابه- بحذاء مسجده في
درب ابى زيد، على نهر الواسطيين، وقد بقي من مسجده اليوم
(11/373)
قطعه
من حائط القبله، يعرف اليوم بمقلع ابن صابر.
قال التنوخي: كان ابو زهير الجنابى الفقيه ورعا عارفا بمذهب ابى حنيفه، فدخل
بغداد، فبلغه اخبار ابى الحسن الكرخي في ورعه، فلقيه، فقال: يا أبا الحسن، بلغنى
انك تأخذ من السلطان رزقا في الفقهاء، قال: نعم، قال: ومثلك في علمك ودينك يفعل
هذا؟ قال له ابو الحسن: اوليس قد أخذ الحسن البصرى في زمنه، وفلان وفلان، فعدد
خلقا من الصالحين الفقهاء ممن أخذ من بنى اميه، فقال ابو زهير: ذهاب هذا عليك
اطرف، بنو اميه كانت مصائبهم في اديانهم، وجباياتهم الأموال سليمه، لم يظلموا في
العشر ولا الخراج، فكان الفقهاء يأخذون منهم الأموال مع سلامتها، وهؤلاء الأمراء
الذين تأخذ منهم أموالهم فاسده، مع اديانهم وجبايتهم لها بالظلم والغشم، فسكت ابو
الحسن، ولم يأخذ شيئا الى ان مات.
(11/374)
سنه
احدى واربعين وثلاثمائة
ورد الخبر بدخول الروم سروج، واحراقهم مساجدها وسبى أهلها.
وفيها بنى سيف الدولة مرعشا، فقال ابو الطيب المتنبى يمدحه بقصيده:
فديناك من ربع وان زدتنا كربا
يقول فيها:
هنيئا لهذا الثغر رأيك فيهم ... وانك حزب الله صرت له حزبا
فيوما لخيل تطرد الروم عنهم ... ويوما بجود تطرد الفقر والجدبا
سراياك تترى والدمستق هارب ... واصحابه قتلى وأمواله نهبي
اتى مرعشا يستقرب البعد مقبلا ... وادبر إذ اقبلت يستبعد القربا
وهل رد عنه باللقان وقوفه ... صدور العوالي والمطهمة القبا
ارى كلنا يبغى الحياه لسعيه ... حريصا عليها مستهاما بها صبا
فحب الجبان النفس اورده البقا ... وحب الشجاع الحرب اورده الحربا
ويختلف الرزقان والفعل واحد ... الى ان يرى احسان هذا لذا ذنبا
كفى عجبا ان يعجب الناس انه ... اتى مرعشا تبا لأربابها تبا
وما الفرق ما بين الأنام وبينه ... إذا حذر المحذور واستصعب الصعبا
لامر اعدته الخلافه للعدى ... وسمته دون العالم الصارم العضبا.
(11/375)
سنه
اثنتين واربعين وثلاثمائة
ورد الخبر في شهر ربيع الآخر، بغزاة سيف الدولة وغنيمته واسره لقسطنطين ابن
الدمستق، فقال النامي يمدحه بقصيده منها:
ومن جمع الفخرين فخر ربيعه ... وفخر ابى الهيجاء كان بلا ند
يمر عليك الحول سيفك في الطلا ... وطرفك ما بين الشكيمه واللبد
ويمضى عليك الدهر فعلك للعلا ... وقولك للتقوى وكفك للرفد
بنى الأصفر اصفرت وجوه حماتكم ... وقد ردها في البيض تحمر في الرد
فلم تر يوما مثلك الخيل فارسا ... اجر لخيل في الجهاد على الجهد
وقد سار في الروم الدمستق باغيا ... له ساعه نكراء في نوب نكد
فتسقى دم الأكباد وهي على ظما ... وتخترم الاعمار وهي على حقد
إذا حبست في حد سيفك سخطها ... توثب او تلقى الظبى مطلق الحد
وكمن قسطنطين تحت صليبه ... ومد القنا من فوق ارعن معتد
كأنك قد قدمت جندا لهزمها ... وقد سرت في جند وحزمك في جند
واسلم قسطنطين للاسر بردس ... وولى وقد خدته فوهاء في الخد
وقال ابو الطيب قصيده:
ليالي بعد الظاعنين شكول.
فيها:
وما قيل سيف الدولة اثار عاشق ... ولا طلبت عند الظلام ذحول
- قال ابن جنى: اثار افتعل من الثار، واصله اتثار فابدلت التاء ثاء لتوافقهما في
الشده وقرب مخرجهما، وقال قيس:
(11/376)
ثارت
عديا والخطيم فلم أضع ... وصيه اشياخ جعلت ازاءها
والذحول: جمع ذحل وهو الثار.
فيها:
على قلب قسطنطين منه تعجب ... وان كان في ساقيه منه كبول
لعلك يوما يا دمستق عائد ... فهل هارب مما اليه يؤول
نجوت باحدى مهجتيك جريحه ... وخلفت احدى مهجتيك تسيل
اغركم طول الجيوش وعرضها ... على شروب للجيوش اكول
وورد الخبر بموت ابى الفضل العباس بن فسانحس، بالبصرة، وسنه سبع وسبعون سنه، وحمل
تابوته الى الكوفه.
وتقلد الديوان بعده ابنه ابو الفرج محمد.
وورد الخبر بتمام الصلح بين ركن الدولة وبين ابى على بن محتاج، بعد حروب جرت
بينهما على باب الري، ومنازله ثلاثة اشهر، وانصرف ابن محتاج الى خراسان وركن
الدولة الى الري.
وفي شوال مات ابو عبد الله بن فهد الموصلى.
وفي هذه السنه ماتت بدعه الصغيره والمعروفه بالحمدونيه عن اثنتين وتسعين سنه.
(11/377)
سنه
ثلاث واربعين وثلاثمائة
في هذه السنه، ورد رسول ابى على بن محتاج الى معز الدولة، فاوصله الى الخليفة،
وذلك بعد موت نوح بن نصر، فعقد لأبي على على خراسان، وسلم اليه العهد والخلع، وضم
اليه أبا بكر بن ابى عمرو الشرابي، واقام الخطبه للمطيع في هذه السنه، ولم تكن قد
أقيمت له ببلاد خراسان الى هذه الغاية.
وبلغ الخبر بموت موسى قتادة، فانحدر المهلبى لحيازه تركته وكانت عظيمه.
وفي مستهل شعبان، ورد الخبر بوقعه كانت بين الدمستق وبين سيف الدولة بالحدث، وقتل
سيف الدولة خلقا من اصحاب الدمستق، واسر ابن ابنه وصهره وبطارقته، وبنى الحدث بعد
ان اخربوها، وقال السرى مذكرا اخرابهم لها:
ان تشتك الحدث الحسناء حادثه ... سعى بها خائن منهم ومغرور
فإنها نشوه ولت عذوبتها ... وخر ذو التاج عنها وهو مخمور
سينقض الوتر من اعدائه ملك ... عدوه حيث كان الدهر مقهور
فحاذروا وزرا منه وهل وزر ... والسيف في يد سيف الله مشهور!
وقال ابو الطيب قصيدته:
ذي المعالى فليعلون من تعالى ... هكذا هكذا والا فلا لا
- قال ابن جنى: يريد انهم بعثوا سيف الدولة على اتمام بنائه واعلائه، فكانوا سبب
ذلك، يقول فيها:
قصدوا هدم سورها فبنوه ... وأتوا كي يقصروه فطالا
واستجروا مكايد الحرب حتى ... تركوها لهم عليه وبالا
رب امر أتاك لا تحمد الفعال ... فيه وتحمد الافعالا
(11/378)
-
قال ابن جنى: الفعال: الهراب، والافعال انهزامهم-
وقسى رميت عنها فردت ... في قلوب الرماه عنك النصالا
أخذوا الطرق يقطعون بها الرسل ... فكان انقطاعهم إرسالا
وهم البحر ذو الغوارب الا ... انه صار عند بحرك آلا
الغوارب: الأمواج.
وفي شوال مات ابو جعفر محمد بن القاسم الكرخي.
وعرض لمعز الدولة مرض في إحليله، وهو الإنعاظ الدائم.
وورد الخبر بدخول ركن الدولة وابن محتاج جرجان ومضى وشمكير هاربا الى خراسان.
(11/379)
سنه
اربع واربعين وثلاثمائة
عقد معز الدولة لابنه بختيار الرئاسة.
وارجف على معز الدولة عند عمران، فاجتاز به مائه الف دينار، قد حملت من الاهواز
وأمثالها للتجار فأخذها معز الدولة الكوكبى نقيب الطالبيين برسالته في اطلاق ماله
واموال التجار، فرد ما يتعلق بمعز الدولة، ومضت امتعه التجار.
وفي هذه السنه سد معز الدولة فوهه نهر الرفيل، وسد ى يثق النهروانات، وحفر للخالص
فحوله، وشرع في سد يثق الروبانيه ببادوريا.
وفي رجب ورد الخبر بموت ابى على بن محتاج بالري، في وباء حدث بالبلد.
وورد رسول ابى الفوارس عبد الملك بن نوح، فعقد الخليفة له على خراسان.
وانحدر روزهان في شهر رمضان لقتال عمران، وجاء المهلبى الى زاوطا لمعاونته.
(11/380)
سنه
خمس واربعين وثلاثمائة
ترك روزبهان محاربه عمران، ومضى الى الاهواز عاصيا، واستكتب أبا عبد الله الجويني
واستامن اليه رجال المهلبى.
وكان روزبهان من صنائع معز الدولة لأنه رقاه الى هذه المنزله، وكان يتبع موسى
قتادة، فاضطرب الديلم على معز الدولة، وأظهروا ما في نفوسهم.
وانصرف المهلبى الى الأبله وانحدر معز الدولة والمطيع لله.
وهم ناصر الدولة بالانحدار الى بغداد، وأخذها، فوصلها سبكتكين فلم يقدم.
وواقع معز الدولة روزبهان بقنطرة اربق، سلخ شهر رمضان، وقاتله بالاتراك ولم يثق
بالديلم، فاسره واصعد به الى بغداد في زبزب.
وكثر دعاء العامه على روزهان، ورجموه بالأجر، واشار عليه مسافر باتلافه.
وعلم معز الدولة ان الديلم على اخذه، وكره قتله، لان معز الدولة كان يكره الدماء،
ولم يكن متسرعا الى اراقتها، ثم اخرجه ليلا الى الانايتين تحت البلد فغرقه.
وكان أخو روزهان قد عصى بفارس، فظفر به هناك.
ودخل الخليفة داره، في مستهل ذي القعده، بعد وصول معز الدولة.
ومات في هذا اليوم ابو عبد الله الحسين بن احمد الموسوى.
وفيها مات ابو عمر الزاهد، غلام ثعلب، وجوز العالم جنازته في الكرخ، فوقعت الفتنة
لأجلها.
وحكى ابو عمر قال: كان سبب انفرادى في هذه الخربه اننى أخذت كتاب سيبويه، وتوجهت
لأقرأه على المبرد، فسمعت الشبلى يقص في الجامع وانشد في قصصه:
قد نادت الدنيا على أهلها ... لو ان في العالم من يسمع
كم واثق بالعمر واريته ... وجامع فرقت ما يجمع
(11/381)
ووجدت
بخط التميمى قال: عاد ابو عمر مريضا فلم يجده، فكتب على بابه:
واعجب شيء سمعنا به ... مريض يعاد فلا يوجد
وحكى رئيس الرؤساء ابو الحسن بن صاحب النعمان قال: مضيت مع ابى الى ابى عمر، فلما
دخلنا عليه قال: تاجروا، فاخذ كل واحد منا آجره وجلس عليها، ثم أخذ ابى يعتذر من
تاخره عنه، فقال: يا أبا الحسين، كم تعتذر؟ اما علمت ان الصديق لا يحاسب، وان
العدو لا يحسب، ثم قال: يا أبا الحسن ان ابن عبيد الله كان يبرني، واراد منى
الخروج الى الكوفه لتعليم ولده برزق سماه لي فلم افعل، فغضب وقطع ما كان يعطيني،
اما علمت يا أبا الحسن ان رزقي على من إذا غضب لم يقطع، قال: وطال الحديث وودعه
ابى وانصرفنا.
(11/382)
سنه
ست واربعين وثلاثمائة
خرج ابو الحسين بن مقله الى كربلاء، للزيارة وبه فالج، فمات في طريقه، واعيد الى
داره، ودفن بمربعه ابى عبد الله.
وفيها تزوج بختيار بابنه سبكتكين بحضره الخليفة.
(11/383)
سنه
سبع واربعين وثلاثمائة
ورد الخبر ان الروم نهبوا سواد ميافارقين، وقتلوا نادرا، غلام سيف الدولة، وانهم
غلبوا على سميساط وأحرقوها، وان سيف الدولة افلت منهم في عدد يسير، وأسروا اهله
وقرابته.
واخر ناصر الدولة حمل المال عن معز الدولة، فسار الى نصيبين وراءه وبعد ناصر الدولة
الى ميافارقين.
وانفذ معز الدولة بسبر مردى، وهو حدث، في خمسمائة من الديلم الى سنجاب، فهرب منه
ابو المرجى جابر وهبه الله، ابنا ناصر الدولة، الا ينفذه، فلم يقبل منه، فقال:
طفل يرق الماء في ... وجناته وينض عوده
ويكاد من شبه العذارى ... منه ان تبدو نهوده
جعلوه قائد عسكر ... ضاع الرعيل ومن يقوده
وقال السرى المعروف بالرفاء يمدح أبا المرجى:
الله اكبر فرق السيف العدا ... فتفرقت أيدي سبا اخبارها
لا تجبر الأيام كسر عصابه ... كسرت وذل بجابر جبارها
رحلت فكان الى السيوف رحيلها ... وثوت فكان الى السيوف مزارها
علم الأعاجم ان وقع سيوفكم ... نار تشب وأنتم اعصارها
من ذا ينازعكم كريمات العلا ... وهي البروج وأنتم اقمارها
الحرب تعلم انكم آسادها ... والارض تشهد انكم أمطارها
(11/384)
في
وقعه لك عزها وسناؤها ... وعلى عدوك عارها وشنارها
عمرت ديارك من قبور ملوكها ... وخلت من الانس المقيم ديارها
ولابن الحجاج في ذلك:
لله يا سير مردى يوم حجار ... حين دعاك الى ذي لبده ضار
سرى إليك وجنح الليل منسدل ... بجحفل مثل جنح الليل جرار
وصبحتك جيوش الله معلمه ... من كل اغلب ماضى العزم مغوار
يأبى له الضيم- ان الضيم منقصه ... انف حمى وجاش غير خوار
لما سما لك في الهيجاء منفردا ... بمرهف القد ماضى الحد بتار
عضب المهزة لا يبتز رونقه ... يوم الكريهة الا نفس جبار
لقيتم غير انكاس ولا عزل ... ولا نكول على الهيجاء اغمار
لما راى العز في ايراد مهجته ... مضى فاوردها من غير احدار
ليث يكر إذا كروا وان لجئوا ... الى الفرار راوه غير فرار
ابى النزول على حكم نزلت به ... فما انثنى بعد اقبال لادبار
حتى هوى تحت أيدي الخيل يخبطه ... في سائل من دم الأوداج موار
ثاو بسنجار لا يغدو إذا ظعن ... الغادون عنها ولا يسرى مع السارى
يا آل احمد ايها هكذا ابدا ... صونوا الحريم وحوطوا حوزه الدار
واصلوا بنار الردى من دون شحنكم ... والحر بالنار اولى منه بالعار
لا ترهبوهم فان القوم اكثرهم ... من حزتموهم لثاما يوم سنجار
لله ذلك من يوم اعاد لكم ... يا شيعه الله فيهم يوم ذي قار
كروا فان صدور الخيل عابسه ... يحملن كل رحيب الصدر كرار
يحملن أسدا بخفان مواطنها ... منها الهصور ومنها المشبل الضاري
فاما حال ناصر الدولة، فانه توجه من ميافارقين الى حلب، قاصدا لأخيه سيف الدولة،
واستامن اكثر جيشه اخوه ابو زهير الى معز الدولة.
واكرم سيف الدولة أخاه، ونزع خفه بيده، وتوسط الحال بين معز الدولة وبين أخيه على
ما تقرر ضمنه
(11/385)
وقال
السرى يذكر ذلك لسيف الدولة:
راى من أخيك الشام اكرم شيعه ... واصدق برق في المحول يشام
ارى الخائن المغرور قام بأرضكم ... كان المنايا الحمر عنه تنام
فطورا لكم في العيش رحب منازل ... وطورا لكم بين السيوف رجام
وأنتم على اكباد قوم حراره ... وبرد على أكبادنا وسلام
ورجع معز الدولة بضمان سيف الدولة الى الموصل، وتقرر معه دفع الفى الف وستمائه الف
درهم، واطلاق الماسورين من اصحابه.
فلما سار بين المؤنسيه وادرمه، وذلك في ثالث ذي الحجه، وهو الخامس عشر من شباط،
هبت ريح مغرب بارده، فتلف من عسكره ثمانمائه رجل، ولحق معز الدولة الغشي من البرد
مع كثره ما عليه من الخز والوبر، وقلع العسكر سقوف ادرمه وأبوابها، فاوقدوها،
واطلق لهم معز الدولة ثلاثة آلاف درهم عوضا عما أخذ من الخشب.
(11/386)
سنه
ثمان واربعين وثلاثمائة
في هذه السنه، وافى ابو إسحاق القراريطى مصر مع الحاج.
في شهر ربيع الاول، توفى ابو بكر محمد بن جعفر الادمى القارئ.
قال دره الصوفى: كنت بائتا بكلواذى على سطح عال، فلما هدئ الليل قمت لأصلي، فسمعت
صوتا ضعيفا يجيء من بعد، فأصغيت اليه وتاملته شديدا، فإذا صوت ابى بكر الادمى،
فقدرته منحدرا في دجلة، فلم أجد الصوت يقرب، ولا يزيد على ذلك القدر ساعه ثم
انقطع، فشككت في الأمر وصليت ونمت.
فبكرت فدخلت بغداد بعد ساعتين من النهار، وكنت مجتازا في السميريه، فإذا بابى بكر
الادمى ينزل الى الشط، من دار ابى عبد الله الموسوى العلوي، التي بقرب فرضه جعفر
على دجلة، فصعدت اليه وسألته عن خبره، فأخبرني بسلامته، فقلت: اين بت البارحه؟
فقال: في هذه الدار، فقلت: قرات النوبه الفلانية؟
قال: نعم قبل نصف الليل، فعلمت انه الوقت الذى سمعت فيه صوته بكلواذى، فعجبت من
ذلك عجبا شديدا بان ما في له، فقال: مالك؟ فاخبرته، قال:
فاحكها للناس عنى، فانا احكيها دائما.
وقال ابو جعفر عبد الله بن اسماعيل الامام: رايت أبا بكر الادمى في النوم بعد
مديده من وفاته، فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: أوقفني بين يديه وقاسيت شديدا وأمورا
صعبه، قلت له: فتلك الليالى والمواقف والقرآن؟ فقال: ما كان شيء أضر على منها، لأنها
كانت للدنيا، قلت له: فالى اى شيء انتهى امرك؟
قال: قال لي الله تعالى: آليت على نفسي الا اعذب أبناء اليثانين
(11/387)
وكان
ابو بكر محبوبا الى الناس، قال: كسبت بالقرآن ثلاثمائة الف دينار.
وحكى قال: لما ولد ابنى ابو عبد الله، قال: جئت الى مؤنس المظفر وحدثته الحديث،
فوهب لي دنانير كثيره، فلما كان بعد مده سألني، فقال: يا أبا بكر ايش خبر الصبى
المولود؟ فقلت: قد احتاج الى القميص ايها الأستاذ وهو عريان، فاستدعى الخازن وقال:
احضر ما عندك من الخرق، فجاء باكثر من عشرين كاره من القصب والدبيقى والديباج
والعتابى، فقال للخازن: أعطه من كل شيء الربع، فأعطاني ما حمله جماعه من الحمالين،
وبعت الباقى عن كسوه ابنى واهلى بتسعه آلاف درهم.
وقبر ابى بكر عند قبر ابى عمر الزاهد في الضفة التي تقابل قبر معروف الكرخي رحمه
الله:
وفي هذه السنه كثر موت الفجأة بالطاعون، فجلس احد القضاه بسواده في الجامع ليحكم
فمات.
وافتض رجل بكرا فمات على صدرها.
وكان كافور الإخشيدي، قد ولى شبيب بن جرير العقيلي عمان والبلقاء، فعلت منزلته،
واشتدت شوكته، وغزا العرب وتجمعت عليه، فعصى على كافور وأخذ دمشق وسار إليها في
عشره آلاف، فخر عن فرسه ميتا، ففي ذلك يقول المتنبى يمدح كافورا:
عدوك مذموم بكل لسان ... ولو كان من اعدائك القمران
قال ابن جنى: هذا مدح ويحتمل ان يكون هجاء، بان يجعله مستخلفا ساقطا والساقط لا
يعاديه الا مثله، وخرج عن ذلك يقول:
ولله سر في علاك وانما ... كلام العدا ضرب من الهذيان
(11/388)
يقول
فيها:
برغم شبيب فارق السيف كفه ... وكانا على العلات يصطحبان
اتته المنايا في طريق خفيه ... على كل سمع حوله وعيان
ولو سلكت طرق السلاح لردها ... بطول يمين واتساع جنان
تقصده المقدار بين صحابه ... على ثقه من دره وأمان
وهل ينفع الجيش الكثير التفافه ... على غير منصور وغير معان
وفي هذه السنه خلع المطيع لله على بختيار، وقلده امره الأمراء ولقبه عز الدولة.
وعقد لأبي على بن الياس على كرمان وتزوج عز الدولة بنته في رجب.
وفي رجب ماتت سريره الرائقيه، اشتراها ابن رائق من ابنه ابن حمدون، بثلاثة عشر الف
دينار، وكانت مولده سمراء حسنه الغناء ولما قتل ابن رائق تزوجها ابو عبد الله
الحسين بن حمدان.
وحكى التنوخي: ان المهلبى دعاها، واظهر من التحمل ما اعياه في مجالسه وسماطه،
وتبخر بما زاد على الحد، فقالت له جاريته تجنى: اننى أراك هود اتزانك حتى ونيت بك،
فقال لها: ويحك! ان هذه قد نشأت في نعمه تستصغر فيها نعم ملكنا، فما اريد ان تزري
علينا إذا خرجت.
وفي شعبان مات ابو على عبد الرحمن بن عيسى بن داود بن الجراح، وزير الراضي بالله.
حكى ابو محمد جعفر بن ورقاء قال: دخلت على ابى جعفر الكرخي بعد تقليده للوزارة،
صارفا عنها لأبي على عبد الرحمن بن عيسى، وقد كان الراضي بالله حلف على الا يقنع
من عبد الرحمن باقل من مائه الف دينار، وراعاه الكرخي لحقوق أخيه، وانكشف له ان
جميع ما يملكه عشره آلاف دينار، فعدل الى ان قسط تقسيطا على الناس، بدا فيه بنفسه،
والتزم ثلاثمائة الف درهم.
قال ابو محمد: فدخلت على الوزير فسلم الى الدرج، وخاطبني في التزام شيء، فقلت:
يدعني الوزير ادبر الأمر، فقطعت الخطوط، وكتبت: ضمن
(11/389)
لمولانا
امير المؤمنين اطال الله بقاءه جعفر بن ورقاء، ان يصحح له لمن يأمره بتصحيح ذلك
عنده، عن عبد الرحمن بن عيسى مائه الف دينار، واخذه اى وقت امره بتصحيحها، وقلت
للوزير: أنفذها مع رسول عاقل ينظر ما يجرى، فعاد الخادم الذى انفذه وقال: استدعاني
الخليفة حين عرض عليه الحاجب الخط، فدخلت وهو جالس على كرسي كالمغتاظ، وفي يده
الرقعة مخرقه، فقال: من عند مولاك؟ فقلت ولم اجسر على كذبه: جعفر بن ورقاء، فقال:
قل له يا اعرابى، اردت ان ترى الناس ان نفسك تتسع، لا تغرم غمرا لا حرمه له، وهو
خادمى ما ضاقت نفسي عن تركه عليه، فتظهر بذلك انك اكرم منى، والله لا كان هذا، قل
لمولاك:
اطلق عبد الرحمن، وترد خط هذا الأعرابي الجلف، وانى اكفر عن يميني، ورمى بالرقعة
مخرقه.
قال: فقلت للكرخى: كيف راى الوزير رأيي؟ والله ما اعتمدت الا ان يقع في نفسه مثل
هذا، فيفعل ما فعله لعلمي بجوده عقله وكرم نفسه، ولو جرى الأمر بخلاف ذلك لوزنت
جميع ما املكه، واستسمحت الوزير والناس بعده حتى اقوم بتصحيح المال، فاطلق ابو على
الى منزله.
وفي هذه السنه ورد الخبر بان الروم، خذلهم الله، أسروا محمد بن ناصر الدولة من
نواحي حلب، وأسروا أبا الهيثم بن القاضى ابى حصين بن عبد الملك بن بدر ابن الهيثم
وغلمانه من سواد حران، فكتب ابو فراس الى ابيه:
أيا راكبا نحو الجزيرة جسره ... عذافره ان الحديث شجون
تحمل الى القاضى سلامي وقل له ... الا ان قلبي مذ حزنت حزين
وان فؤادى لافتقادى اسيره ... لعان بأيدي الحادثات رهين
لعل زمانا بالمسره ينثني ... وعطفه دهر باللقاء تكون
فأشكو ويشكو ما بقلبي وقلبه ... كلانا على نجوى أخيه أمين
إذا غير البعد الهوى فهوى ابى ... حصين منيع الفؤاد حصين
(11/390)
سنه
تسع واربعين وثلاثمائة
ورد الخبر بغلاء السعر بالموصل، وبلوغ الكر من الحنطة بها ألفا ومائتي درهم، فهرب
الناس عنها الى بغداد والشام.
وفي هذه السنه انحدر ابو احمد الشيرازى، كاتب المستكفى بالله الى شيراز، فقبله عضد
الدولة، واقطع ابنه أبا الفضل مائه الف درهم وحصن به.
وورد الخبر بان نجا غلام سيف الدولة واقع الروم، وقتل منهم عده وافرة.
وان سيف الدولة غزا في جمع كثير، فاثر في بلد الروم، وفتح حصونا كثيره، وانتهى الى
خرشنه، فاخذ عليه الروم المضائق والدروب، في ثلاثمائة من اصحابه بعد جهد، ومضى
باقى اصحابه قتلى واسرى، واشار عليه اهل طرسوس بترك الخروج، فلم يقبل، فاصيب.
وورد الخبر، بان أبا نصر بن المكتفي بالله، ظهر بناحيه أرمينية، وتلقب بالمستجير
بالله، ولبس الصوف، وامر بالمعروف، ونهى عن المنكر، وغلب على اذربيجان، فسار اليه
ابن سالار فاسره.
وفي مستهل شهر رمضان، ورد تابوت ابى عبد الله بن ثوابه من القصر، وكان قد احيل
بحاريه عليها، فمات هناك.
وتقلد ديوان الرسائل ابو إسحاق الصابى.
وفي ذي الحجه، مات ابو القاسم البريدى ببغداد.
وصودر ابو السائب قاضى القضاه، على مائه الف درهم.
(11/391)
سنه
خمسين وثلاثمائة
في هذه السنه بنى معز الدولة داره بقصر فرج عن بستان الصيمرى، وهدم ما جاورها من
العقارات وابتاعها من أهلها، وكان ابو العباس بن مكرم، وابو القاسم ابن حسان
العدلان وكيليه في ذلك، وقلع الأبواب الحديد، التي على مدينه المنصور، والتي
بالرصافة، ونقلها إليها، ونقض قصور الخلافه بسر من راى، ونزل في المسنات ستا
وثلاثين ذراعا، ولزمه على بنائها ثلاثة عشر الف الف درهم، وكان المتولى للبناء ابو
الفرج بن فسانحس.
وفيها مات ابو الحسن احمد بن الفضل بن عبد الملك الهاشمى، وتقلد ابنه ما كان اليه
من الصلات ونقابه العباسيين.
وفي المحرم مات القاضى ابو بكر بن كامل، عن سبعين سنه.
وفي شعبان ابتدئ ببناء المغيض بنهر الرفيل، تولى بناءه ابو بكر بن الحلبى.
وفي هذه السنه توفى ابو السائب عتبة بن عبيد الله قاضى القضاه، ولابن سكره فيه
قصائد تجنبت إثباتها.
وسفر ارسلان الجامدار لأبي العباس بن ابى الشوارب في قضاء القضاه، وقرر عليه مائتا
الف درهم في كل سنه، وامتنع الخليفة من تقليده، فقلده معز الدولة.
وورد الخبر بان أبا بكر بن مقاتل توفى بمصر وهو يتقلد اعمال الخراج بها، ووجد له
مدفونا في داره ثلاثمائة الف دينار.
وورد الخبر بان نجا غلام سيف الدولة، دخل بلد الروم، واسر وغنم وسبى خمسمائة الف،
اتى بهم في السلاسل.
وتمطر فرس عبد الملك بن نوح به فمات، وولى مكانه اخوه منصور بن نوح.
وفي آخر ذي الحجه، انحدر عز الدولة الى المطيع لله، ووصل اليه ابن سالار صاحب
اذربيجان، حتى عقد له، وسلم اليه العقد مع خلع سلطانيه
(11/392)
سنه
احدى وخمسين وثلاثمائة
ورد الخبر بان اهل زربه دخلوا في أمان الروم، وانهم غدروا بهم فقتلوهم، وقطعوا
منها اربعين الف نخله، واعاد سيف الدولة بناءها بعد ذلك.
واتى الروم منبجا، وكان فيها ابو فراس بن ابى العلاء بن حمدان، متوليا لها، فأسروه
فقال في اسره اشعارا كثيره منها:
ارث لصب بك قد زدته ... على بقايا اسره اسرا
قد عدم الدنيا ولذاتها ... لكنه لم يعدم الصبرا
فهو اسير الجسم في بلده ... وهو اسير القلب في اخرى
وكتبه الى أمه:
فيا امتا لا تعدمى الصبر انه ... الى الخير والنجح القريب رسول
ويا امتا لا تحبطى الاجر انه ... على قدر الصبر الجميل جزيل
اما لك في ذات النطاقين أسوة ... بمكة والحرب العوان تجول
اراد ابنها أخذ الامان فلم تجب ... وتعلم علما انه لقتيل
تاسى كفاك الله ما تحذرينه ... فقد غال هذا الناس قبلك غول
وكوني كما كانت بأحد صفيه ... إذا لعلتها رنه وعويل
لقيت نجوم الليل وهي صوارم ... وخضت سواد الليل وهو وحول
ولم ارع للنفس الكريمه حرمه ... عشيه لم يعطف على حليل
وما لم يرده الله فهو ممزق ... ومن لم يعز الله فهو ذليل
وما لم يرده الله في الأمر كله ... فليس لمخلوق اليه سبيل
ووافى الدمستق الى حلب ومعه ابن اخت الملك ولم يعلم سيف الدولة بخبره،
(11/393)
وخرج
عند علمه، وحاربه قليلا، فقتل جميع اولاد داود بن حمدان، وابن الحسين ابن حمدان،
وانهزم سيف الدولة في نفر يسير، وظفر الدمستق بداره- وهي خارج مدينه حلب- فوجد
لسيف الدولة فيها ثلاثمائة وتسعين بدره دراهم، والف وأربعمائة بغل، فاخذ الجميع، وأخذ
له من السلاح ما يجاوز الحد، واحرق الدار، وملك الربض، وقاتله اهل حلب من وراء
سورهم، فسقطت ثلمه على قوم فقتلتهم، وقاتل عليها اهل البلد، واجتمعوا بالليل
وبنوها، وانصرف الروم عنهم، فانتهب رجال الشرطه منازل الناس، وامتعه التجار فمضوا
لحربهم.
فلما خلا السور صعد الروم، وفتحوا الأبواب، ووضعوا السيف، وكان في حلب عند
المسلمين الف ومائتا اسير من الروم، فاطلقوهم وسبوا بضعه عشر الف صبى وصبيه،
وأخذوا من الأموال ما لا يحد، وضربوا الباقى بالنار، واقام الروم بها تسعه ايام،
وكان عسكرهم مائتي الف وثلاثين الف رجل بالجواشن، وكان معهم ثلاثون الف صانع للهدم
وتطريق الطرق، واربعه آلاف بغل، عليها الحسك الحديد يخندقون به على عسكرهم.
وقال ابن اخت ملكهم: لا ابرح او افتح القلعة، وصعد الى مدرجها، فرماه ديلمى بخشب
في صدره فانفذه.
وسار متقدم الروم الى بلده عند ذلك، ولم يتعرض للسواد، وامر اهله بعمارته، ووعدهم
بالعود اليهم.
وفي جمادى الآخرة مات دعلج بن احمد بن دعلج المحدث العدل، وله خان بسويقه غالب،
عند قبر ابن سريج، وقف على اصحاب الشافعى رحمه الله الى اليوم، وعمره نظام الملك
رحمه الله، وقد اطلق له مائه دينار، في أول نوبه دخلها حين مضى اليه اصحاب ابى
رحمه الله، واعلموه مقاسهم واستشفعوا بصحبته.
وحكى ابن نصر في كتاب المفاوضه قال: أنزلني الشيخ ابو الحسن العلوي
(11/394)
الحنفي
الدار المعروفه بدعلج، في درب ابى خلف، بإزاء داره، فقلت داره، فقلت له: لم أزل
اسمع الناس يعظمون شان هذه الدار، وما أجدها كما وصفت، فقال لي: كان دعلج في هذه
الدار، وكان شاهدا ومحدثا وعظيم الحال موسرا وكان المطيع لله قد اودع أبا عبد الله
بن ابى موسى الهاشمى عشره آلاف دينار قبل إفضاء الخلافه اليه، فتصرف فيها وأنفقها
وادل بالقدره عليها في طلبها، فلما ولى الخلافه، طالبه بها، فوعده بحملها، ورجع
الى منزله، وشرع في بيع شيء من املاكه وثماره فتعذر، فالح المطيع بالمطالبة
بالوديعة، فاعتذر بأنها مخبوءه لا يقدر عليها الا بعد ثلاثة ايام، فانظره، فلما
حضر وقت الوعد قلق ولم ينم، ولم يتجه له وجه، وخاف ان يحرق به، ولم يعود ثلم جاهه،
فركب في بقية الليل بغير غلام، وترك راس البغله تمشى حيث شاءت، فافضت به الى قطيعه
الربيع، فدخلها وعطف الى درب ابى خلف، فإذا دعلج قد خرج وفي يده سمكه، فتأمله فقال
له: خير، فقال: لا، ابالله انزل، فنزل ودخل داره وقص قصته، فقال: لا باس، اى نقد
كانت الدنانير؟ فقال: النقد الفلاني فقال: يا غلام، اغلق الباب، وحط ما عندك من
العين، واجلس مع الشريف، وانتقد النوع الفلاني الى ان ارجع من الحمام فلما عاد كان
الغلام قد انتقد القدر، فجعلها في اكياس، وأنفذها مع غلمانه، ثم قال: اكتب خطك في
دفترى، فكتبت خطى بذلك، الى مده اربعه اشهر وانصرفت.
واستدعيت الظرف التي كانت دنانير المطيع فيه، فنقلتها اليه، وختمتها بالاسريحات
التي كانت عليه، فأتاني رسول المطيع، فحملت المال ووضعته بين يديه، وقلت: ان راى
امير المؤمنين ان يتقدم بوزنه! فقال: ما افعل ذلك وهي تحت ختمى، فخفت ان يتأمل
الختم، فعجلت الى كسره، وحلفت بنعمته لا بد مما تزنه، فوزن.
واتفق انه دخل من ضيعتى ثلاثة آلاف دينار قبل الأجل، فحضرت عند دعلج ودفعتها اليه،
فقال: لا اله الا الله، ايها الشريف، بم استحققت منك هذا! ارتجعه قبل المده فأكون
كذابا! فامسكت الدنانير حتى تكاملت في وقتها
(11/395)
وفيها
خلع معز الدولة على ابى الفرج محمد بن العباس، وقلده كتابه عز الدولة مضافا الى ما
اليه من الديوان وفي ذي القعده مات ابو عبد الله بن ابى موسى الهاشمى.
ومات بعده ابو بكر النقاش، صاحب شفاء الصدور في تفسير القرآن.
وفيه لقب عضد الدولة بهذا اللقب.
(11/396)
سنه
اثنتين وخمسين وثلاثمائة
في هذه السنه، خرج النساء منتشرات الشعور، مسودات الوجوه، يلطمن في الشوارع يوم
عاشوراء على الحسين رضى الله عنه، وغلقت الاسواق.
وفي جمادى الآخرة، خرج المهلبى لفتح عمان.
وورد الخبر بغزاة سيف الدولة لنواحى ملطيه وغنيمته، فقال الببغاء يمدحه بقصيده
منها:
ورد الدمستق دون منظره ... خبر تضيق بشرحه الكتب
ناجته عنك البيض من بعد ... نصحا وانفذ جيشه الرعب
ولى ولو احببت حين نجا ... إدراكه لم ينجه الهرب
يا كالئ الاسلام يحرسه ... من ان يخالج حقه الريب
ان كنت ترضى ان يطيعك ما ... سجدوا له سجدت لك الصلب
وفي رجب عزل ابن ابى الشوارب عن القضاء، وقد ذكر انه ضمنه، فكان النظار يحيلون
عليه بمشاهره الساسة والنفاطين، فكانوا يجيئونه ويشدون نعالهم على بابه، ويدخلون
يطالبونه، كما يفعلون بضامن الماخور، فاتى ابو عبد الله بن الداعي العلوي، معز
الدولة وقال له: رايت في المنام جدي عليا، رضى الله عنه، وهو يقول لك:
أحب ان تقطعني ما على الفضاء، وتامر بإزالته، قال: قد فعلت.
ولابن سكره في ابن ابى الشوارب:
نوب تنوبك بالنوائب ... وعجائب فوق العجائب
وغرائب موصوله ... في كل يوم بالغرائب
مما جنى قاضى القضاه ... حدندل بن ابى الشوارب
قاض تولى بالصبوح ... وبالطبول وبالدبادب
ومناديان يناديان ... عليه في وسط الكواكب
(11/397)
هذا
الذى ضمن القضاء ... مع الفروج بغير واجب
هذا قدار زماننا ... وأخو المثالب والمعائب
ولما عزل ابن ابى الشوارب تقلد ابو بشر عمر بن أكثم القضاء بغير رزق.
وقد ذكرنا خروج المهلبى قاصدا عمان، ولما بلغ الأبله، تضجر خدمه بسلوك البحر،
ومفارقه نعمهم ببغداد، فسموه، ظنا منهم ان حالهم تبقى عليهم، فنشبت به المنيه وعاد
الى زاوطا في محفه، يتناوبها الرجال، ومات بها في آخر شعبان.
قال التنوخي: مضيت في أول يوم من شهر رمضان لتهنئه ابى الغنائم الفضل بن المهلبى،
وأبوه في الطريق لم يأت الخبر بموته، وهو جالس بداره على الصراة، في دست، ودخل
عليه صهره ابو العباس بن الحسين، وابو الفرج محمد بن العباس فما تحرك لهما، فجاء
خادم للفضل، فساره بشيء فقال: قم يا أبا الغنائم فقد طلبك مولانا معز الدولة، وقد
مات ابوك، فقام ابو الغنائم باكيا، فقلنا: الان كنا بين يديه، وهو الساعة ذليل بين
أيدينا! وختم ابو الفضل على دار المهلبى، وعلى أمواله، وعلى تجنى جاريته.
وكان المهلبى، قد اصطنع أبا العلاء عيسى بن الحسن بن ايزونا النصراني الكاتب،
واستكتبه على خاصه، واطلعه على اموال وذخائر دفنها، فاخذ ابو العلاء في جمله
المأخوذين، وعوقب أشد عقوبة، وضرب ابرح ضرب، وهو لا يقر بشيء ولا يعترف بذخيرة.
فعدل ابو الفضل وابو الفرج الى تجنى، فامرا بضرب ابنها ابى الغنائم بين يديها،
فبكى من عرفها من الذى نم عليها، وقالت لهم: ان مولاى المهلبى فعل هذا بي حين
استدعى آلات العقوبة لزوجه ابى على الطبرى، لما قبض عليها بعد وفاته، ثم قالت:
احضرونى أبا العلاء بن ايزونا، فاحضروه وحمل في سبنيه بين اربعه فراشين، فطرح بين
يديها، فجعلت تسأله عن شيء، وهو يخبرها بمكانه، حتى كان في جمله ذلك
(11/398)
ثلاثون
الف دينار، فقال له من حضر: ويلك! الست من الآدميين تقتل هذا القتل، ويفضى حالك
الى التلف، وأنت لا تعترف! فقال: يا سبحان الله! أكون ابن ايزونا والطبيب الفصاد
على الطريق بدانق ونصف دانق، يأخذني الوزير ابو محمد، ويصطنعنى ويجعلني كاتب سره،
واعرف بخدمته! واطلع الناس على ذخيره ذخرها لولده، والله ما كنت لأفعل هذا ولو
هلكت، فاستحسن فعله، وكان ذلك سببا لإطلاقه، وتقدم بذلك عند ابى الفضل وابى الفرج
وابن بقية، وتوفى سنه تسع وستين وثلاثمائة في ايام عضد الدولة.
ومولد المهلبى بالبصرة سنه احدى وتسعين ومائتين، وكان ظريفا أديبا، ومن شعره:
وصل الكتاب طليعه الوصل ... وذخيره الافضال والفضل
فشكرته شكر الفقير إذا ... اغناه رب المجد بالبذل
وحفظته حفظ الأسير وقد ... ورد الامان له من القتل
وله:
وحياه الهوى ومر التجنى ... وبخط العذار في صحن خده
لاذيبن وجنتيه بلحظي ... مثل ما قد أذاب قلبي بصده
قال التنوخي: وشاهدت المهلبى، وقد اشترى له ورد بألف دينار في ثلاثة ايام، فشرب
عليه، وانهبه.
قال ابو حيان: كان المهلبى يطرب على اصطناع الرجال، كما يطرب سامع الغناء على
الستائر ويرتاح لذلك كما يرتاح مدير الكاس على العشائر، وقال:
لأكونن في دوله الديلم أول مذكور، إذ فاتنى ان أكون في دوله بنى العباس رحمه الله
عليهم آخر مذكور.
فممن نوه به ابو الفضل الشيرازى وابو عبد الله البقرى وابو معروف القاضى وابو
إسحاق الصابى وابو العلاء صاعد وابن جعفر صاحب الديوان، وغيرهم كابى تمام الزينبى،
وابن مريعه، وابى حامد المروروذي، وابى عبد الله البصرى، وابى سعيد السيرافي وابن
درستويه، والسرى، والخالدي، الى من لا يحصى كثره.
وكان ابو الفرج الاصبهانى، يؤاكله، وكان اقذر الناس، فافرد له المهلبى مائدة يجلس
عليها وحده، فقال يهجوه:
(11/399)
ابعين
مفتقر إليك رأيتني ... بعد الغنى فرميتنى من حالق
لست الملوم انا الملوم لأنني ... املت للإحسان غير الخالق
وقال ابن الحجاج يرثى المهلبى:
يا معشر الشعراء دعوه موجع ... لا يرتجى فرج السلو لديه
عزوا القوافى بالوزير فإنها ... تبكى دما بعد الدموع عليه
مات الذى امسى الثناء وراءه ... وجميل عفو الله بين يديه
هدم الزمان بموته الحصن الذى ... كنا نفر من الزمان اليه
وتضاءلت همم المكارم والعلا ... وانبت حبل المجد من طرفيه
ولتعلمن بنو بويه انما ... فجعت به ايام آل بويه
قال التنوخي: قال المهلبى: لما عزم معز الدولة على إنفاذي الى عمان، طرقني امر
عظيم، فبت بليله ما بت في عمرى مثلها، لا في فقري، ولا في صفر حالي، وما زلت اطلب
شيئا اتسلى به عما دهمني فلم أجد الا انى ذكرت انى كنت حصلت في ايام صباي بسيراف،
لما خرجت إليها هاربا، فعرفت هناك قوما اولونى جميلا، وحصلت لهم على ايادى، ففكرت
وقلت: لعلى إذا قصدت تلك البلاد ان اجدهم او بعضهم او اعقابهم، فاكافئهم على تلك
الأيادي فلما ذكرت هذا، تسليت عن المصيبة بالخروج، وسهل على، ووطنت نفسي عليه ودفن
المهلبى بالنوبختيه بمقابر قريش.
وجعل معز الدولة أبا الفضل الشيرازى وأبا الفرج بن فسانحس، المدبرين للأمور من غير
تسميه لواحد منهما بوزاره.
وفي ليله الخميس، ثامن عشر ذي الحجه، وهو اليوم الذى تسميه الشيعة غدير خم، اشعلت
النيران في الاسواق ولم تغلق الدكاكين، كما يعمل في الاعياد، وضربت الدبادب
والبوقات، وبكر المتشيعون الى مقابر قريش، وصلوا هناك.
(11/400)
سنه
ثلاث وخمسين وثلاثمائة
استهدى القرامطة في هذه السنه من سيف الدولة حديدا، فقلع أبواب الرقة، وسد مكانها،
وأخذ كل حديد بديار مضر حتى صنجات البقالين والباعه، واحدوه في الفرات الى هيت
وحملوه منها الى البريه.
وأخذ ناصر الدولة المال عن معز الدولة، فاصعد الى الموصل، ومضى ناصر الدولة الى
ميافارقين، فسار وراءه الى نصيبين، واستخلف على الموصل سبكتكين، فسار ابو تغلب
واخوته لحربه، فهزمهم سبكتكين، فاحرقوا زبازب معز الدولة بالموصل، وأسروا الاتراك،
وصعد ابو احمد الطويل غلام موسى قتادة، وكان قد ضمن الاهواز، واصعد منها، ليفسخ
ضمانه.
وأخذ بنو حمدان كراع معز الدولة وسلاحه، وما وجدوه من ماله.
فاقبل معز الدولة الى برقعيد، فأتاه حمدان بن ناصر الدولة مستأمنا، وأتاه ابو
الهيجاء حرب بن ابى العلاء بن حمدان مستأمنا أيضا.
واتى معز الدولة الموصل، واستامن اليه المهيا والمسيب غلاما ابى تغلب، فخلع عليهما
وطوقهما وسورهما، وأتاه ابو الحسن على بن ميمون، ورهن نفسه عنده، على سته آلاف الف
ومائتي الف درهم، واطلاق الأسارى، فرحل حينئذ ومعه ابن عمرو الى الحديثه، وأتاه
الأسارى والمال بها، فانحدر الى بغداد.
وفي هذه السنه خرج ابو عبد الله محمد بن القاسم المعروف بابن الداعي الحسنى، الى
بلد الديلم.
وورد الخبر الى بغداد سنه سبع وثلاثين وثلاثمائة، فلزم الكرخي الحنبلى، وقرأ عليه
الفقه، وقرأ الكلام على ابى عبد الله البصرى، ومنشؤه بطبرستان، وكان يجيب في
الفتاوى احسن جواب
(11/401)
والزمه
معز الدولة النظر في نقابه الطالبيين ببغداد، سنه تسع واربعين وثلاثمائة ففعل
مجبرا وعمر وقوفهم.
وساله معز الدولة عن طلحه والزبير، فقال: هما من اهل الجنه، لان النبي ص، بشرهما
بالجنة، وكان المهلبى يخافه، فوضع عليه موضوعات، منها انه كان يأخذ البيعه على
الديلم.
وبلغ من اجلال معز الدولة له، انه دخل عليه وهو مريض، فقبل يده استشفاء بها.
ولما غاب معز الدولة في هذه السفره الى نصيبين، استخلف ابنه عز الدولة ببغداد،
فدخل ابن الداعي، فخاطبه بعض اصحاب عز الدولة في معنى علوي خطا أومى عليه، فامتعض
ابو عبد الله من ذلك وخرج مغضبا.
وكان ينزل بدار على دجلة بباب الشعير، فرتب قوما معهم بالجانب الشرقى، واظهر انه
مريض، وخرج مختفيا ومعه ابنه الاكبر، وخلف اولاده وعياله وزوجته ببغداد، ونعمته
وكل ما تحويه داره، ولم يستصحب غير جبه صوف بيضاء وسيف ومصحف، وسلك طريق شهرزور
ومضى الى هوسم وسمه علوي هناك قام بعده، وكانت وفاته سنه تسع وخمسين وثلاثمائة.
واقام الدمستق على المصيصة ثلاثة اشهر، ووقع الوباء في اصحابه، فاتى المستنفرون
سيف الدولة، فسار معهم وهو مريض، فولى الدمستق، وكان المتنبى بالعراق، فكتب اليه
جواب كتابه ورد عليه:
فهمت الكتاب ابر الكتب ... فسمعا لامر امير العرب
وغر الدمستق قول العداه ... بان عليا ثقيل وصب
وقد علمت خيله انه ... إذا هم وهو عليل ركب
أتاهم باوسع من ارضهم ... طوال السبيب قصار العسب
تغيب الشواهق في جيشه ... وتبدو صغارا إذا لم تغب
فغرق مدنهم بالجيوش ... واخفت أصواتهم باللجب
(11/402)
سنه
اربع وخمسين وثلاثمائة
فيها قتل غلمان سيف الدولة بحضرته، ونجا غلامه، فغشى على سيف الدولة لذلك، فأمرت
زوجته بنت ابى العلاء سعيد بن حمدان، برمي من نجا من قصرها، ولما افاق قتل قتله،
وبلغ الخبر أبا فراس، فكتب اليه وهو ماسور شعرا:
ما زلت تسعى بجد ... برغم شانيك مقبل
ترى لنفسك امرا ... وما يرى الله افضل
واوصل معز الدولة أبا احمد خلف بن ابى جعفر بن يانو الى الخليفة، فقلده سجستان،
وخلع عليه، وعقد له لواء.
وفيها دخل ملك الروم المصيصة، وساق من أهلها مائتي الف انسان، واعطى اهل طرسوس
الامان، وامرهم بالانتقال عنها الى اى بلد اختاروا، ومعهم من أموالهم ما شاءوا، ففعلوا
وحماهم الى أنطاكية، وجعل جامع طرسوس اصطبلا، واحرق المنبر، وتقدم لعماره البلد،
واستخلف عليه بطريقا في خمسين ألفا.
وفي جمادى الآخرة قلد معز الدولة أبا احمد الموسوى نقابه الطالبيين باسرهم، سوى
ابى الحسين بن ابى الطيب وولده، فإنهم استعفوه فاعفاهم، ورد اليه اماره الحاج.
(11/403)
سنه
خمس وخمسين وثلاثمائة
فيها لقب الخليفة الحبشي بن معز الدولة سند الدولة.
وانحدر معز الدولة لمحاربه عمران.
وانحدر الى الأبله، ونزل في دار البريدى بشاطئ عمان، وبنى الشذاءات والمراكب.
ووافاه نافع الأسود، مولى يوسف بن وجيه مستأمنا، فقبله.
وانفذ أبا الفرج محمد بن العباس مع نافع في مائه مركب، فلما صار بسيراف وافاه جيش
عضد الدولة، في مركب وشذاءات، نجده لعمه معز الدولة.
وملك ابو الفرج عمان، واحرق لأهلها تسعه وتسعين مركبا.
واصعد معز الدولة الى بغداد واستخلف على قتال عمران أبا الفضل العباس بن الحسين
الشيرازى، فاخذ في سد الانهار، واستخلف على واسط سبكتكين.
وفي رجب فادى سيف الدولة الروم، وارتجع أبا فراس منهم، فقال الببغاء يمدحه:
ما المال الا ما أفاد ثناء ... ما العز الا ما ثنى الأعداء
شحت على الدنيا الملوك وعافها ... من لم يطع في حفظها الأهواء
باع الذى يفنى بما ابقى له ... ذكرا إذا دجت الخطوب أضاء
فليهن سيف الدولة الشرف الذى ... لو كان مرئيا لكان سماء
وطهاره الخلق الذى لو لم يكن ... عرضا من الاعراض كان الماء
ورجاحه الحلم الذى لو حل بالهضبات ... من رضوى ثناه هباء
بدر تحققت البدور بأنها ... ليست وان كملت له أكفاء
القى اليه الدهر صعب قياده ... فاستخدم الأيام فيما استاء
امحقق الامال بالكرم الذى ... أحيا العفاة وبخل الكرماء
شكر الإله من اهتمامك بالهدى ... ما زاد باهر نوره استعلاء
راعيته وسواك في سنه الهوى ... ما ذاد عنه لسيفك الأعداء
(11/404)
وفديت
من اسر العدو معاشرا ... لولاك ما عرف الزمان فداء
كانوا عبيد نداك ثم شريتهم ... فغدوا عبيدك نعمه وشراء
والاسر احدى الميتتين وطالما ... خلدوا به فاعدتهم احياء
وضمنت نفس ابى فراس للعلا ... إذ منه اصبحت النفوس براء
ما كان الا البدر طال سراره ... ثم انجلى وقد استتم بهاء
يوم غدا فيه سماحك يعتق الأسرى ... ومنك ياسر الأمراء
خصت بنو حمدان منه بنعمه ... عمت بفضلك تغلب الغلباء
وقال ابن نباته يمدحه بقصيده منها
تطيع الله في خوض المنايا ... وسيف الدولة الملك الجليلا
إذا طلبت ملوكهم إلينا ... دخول الحرب زدناهم ذحولا
فداؤك من فديت من البرايا ... وان كانوا لان تفدى قليلا
فأنت خلقتهم خلقا جديدا ... وصيرت السماح بهم كفيلا
تزيد بحسنه الدنيا ضياء ... وابصار الملوك به كلولا
إذا ما جئت والاملاك جمعا ... غدوت نباهه وغدوا خمولا
احقهم ببذل المال فينا ... فتى يمسى لمهجته بذولا
واولاهم بان يسمى جوادا ... فتى يهب الرغائب والعقولا
تريك بنانه في كل يوم ... طعانا محييا وندى قتولا
وفضلا يستفيد الدهر منه ... كريم الطبع والخلق الجميلا
وورد الخبر بان ركن الدولة ملك الطرم، ومضى وهسودان منصرفا عنها، فقال المتنبى
يمدح عضد الدولة:
ازائر يا خيال أم عائد ... أم عند مولاك اننى راقد
(11/405)
يقول
فيها:
نلت وما نلت من مضره وهسوذان ... ما زال رايه الفاسد
معناه: انه جنى على نفسه الشر، بتعرضه لقتالكم.
يبدأ من كيده بغايته ... وانما الحرب غاية الكائد
معناه: انه من سبيله الا يحارب الا مضطرا، والكائد: الذى يبغى الغوائل والشر-
ماذا على من اتى يحاربكم ... فذم ما اختار لو اتى وافسد
بلا سلاح سوى رجائكم ... ففاز بالنصر وانثنى راشد
وليت يومى فناء عسكره ... ولم تكن دانيا ولا شاهد
ولم يغب غائب خليفته ... جيش ابيه وجده الصاعد
وقدم ابو الفرج بن فسانحس من عمان، فقال ابن نباته يمدحه بقصيده طويله منها:
لعمري لقد اهدى النصيحه مره ... لال عمان خير حاف وناعل
وناشدهم بالله حتى تقطعت ... عرى القول وانحلت عقود الوسائل
فلما رآهم لا تثوب حلومهم ... رماهم بامثال القسي العواطل
فركب اغصان المنيه فيهم ... وراء الاعالى ظامئات الأسافل
سريت لهم ليلا تحول نجومه ... وهمك في اعجازه غير حائل
كأنك إذ جردت رأيك فيهم ... طلعت عليهم بالقنا والقنابل
دنا الحق حتى ناله كل طالب ... وكان بعيدا من يد المتناول
واصبح شمل الناس بعد تبدد ... ينظم في سلك من الحق عادل
(11/406)
سنه
ست وخمسين وثلاثمائة
[أخبار]
فيها قصد معز الدولة عمران بن شاهين، وابى ان يقبل منه مالا، والا يقنع الا بحضور
بساطه فاعتل من ضرب ذرب لحقه، واستخلف على عسكره سبكتكين، ورجع الى بغداد، وعهد
الى ابنه عز الدولة، واظهر التوبة، واحضر أبا عبد الله البصرى، وتاب على يده.
وكان مع ابى عبد الله صاحبه ابو القاسم الواسطي، فكانا إذا حضر وقت الصلاة خرجا من
الدار، وصليا في مسجد على بابها، فسألهما عن السبب في خروجها، فقال ابو عبد الله:
ان الصلاة في الدار المغصوبه عندي لا تصح، وساله عن عمر ابن الخطاب، رضى الله عنه
وعن الصحابه رضوان الله عنهم، فذكر ابو عبد الله سابقتهم، وان عليا زوج عمر ابنته
أم كلثوم رضى الله عنهم، فاستعظم ذلك وقال:
ما سمعت هذا قط! وتصدق معز الدولة باكثر ماله، واعتق مماليكه، ورد شيئا كثيرا من
المظالم، وتوفى في شهر ربيع الآخر.
قال ابو الحسين بن الشيبه العلوي: بينما انا في دارى على دجلة بمشرعه القصب، وكانت
ليله مظلمه، والسماء متغيمه، وقد اشتد الرعد القاصف، ولمعان البرق الخاطف، ولم تمض
ساعه الليل، حتى هطلت السماء بعظيم السيل، فخرجت الى الروشن لانظر الى السماء،
واسمع وقع المطر على الماء، فانى لواقف إذ سمعت صوت الهاتف يقول:
لما بلغت أبا الحسين ... مراد نفسك في الطلب
وامنت من حدث الليالى ... واحتجبت عن النوب
مدت إليك يد الردى ... فأخذت من بين الذهب
(11/407)
فأرخت
الوقت، وكان لاربع ساعات مضت من ليله الثلاثاء سابع عشر شهر ربيع الاول.
ثم اتصل الوابل فحبس الناس أياما في المنازل، فلما انقشع الغمام وانتشر الناس، شاع
الخبر بان معز الدولة توفى تلك الساعة، في تلك الليلة ومولد معز الدولة سنه ثلاث
وثلاثمائة.
ومن آثاره سد بثق الرومانيه، وعمل المعيض بالسندية، وسد البثق بالنهروان.
واسقط المواريث الحشريه، وامر بردها الى ذوى الارحام، وتسليم مالا مستحق له الى القضاه
ليصرفوه في مصالح المسلمين.
وكان قد سال المطيع لله ان يطوف في دار الخلافه، فشرط عليه الا يخترق الدار الا في
نفسين، وتقدم الى شاهد خادمه، وابن ابى عمرو حاجبه، ان يمشيا بين يديه.
فدخل معز الدولة ومعه الصيمرى وحاجبه ابو الحسن الخراسانى، فقال له الصيمرى بالفارسيه-
واصحاب الخليفة لا يعرفونها: في اى موضع أنت حتى تسترسل؟ اما تعلم انه قد فتك في
هذه الدار بألف امير ووزير! اليس لو وقف لنا عشره من الخدم في هذه الممرات الضيقه
لأخذونا! فقال: صدقت، وان رجعنا الساعة، علم اننا قد فزعنا وخفنا، وضعفت هيبتنا،
فقال الصيمرى: ادن منى، فان مائه من الخدم لا يقاوموننى.
فانتهوا الى دار فيها صنم من صخر، على صوره امراه، وبين يديها أصنام صغار، فسال
عنها، فقيل: هذا حمل من بلدان الهند، وقد فتح في ايام المقتدر رحمه الله، وكان
يعبد هناك، فقال: لو كان مكانه جاريه لاشتريتها بمائه الف دينار على قله رغبتي في
الجوارى، واريد ان اطلبه من الخليفة فمنعه الصيمرى.
وما رجع الى معز الدولة عقله، حتى رجع الى طيارة، وقال: قد رايت محبتي للخليفة
وثقتي به، ولو اراد بنا سوءا لكنا اليوم في قبضته، وتصدق بعشره آلاف درهم، شكرا
لله على سلامته.
وفي هذه السنه قتل ابو الطيب المتنبى، وكان عند عضد الدولة بشيراز، فودعه بقصيدته
التي نعى فيها نفسه، وقال فيها أشياء لم يقل في عقبها ان شاء الله، منها:
(11/408)
إذا
التوديع اعرض قال قلبي ... عليك الصمت لا صاحبت فاكا
وكم دون الثوية من حزين ... يقول له قدومى ذا بذاكا
فلو سرنا وفي تشرين خمس ... راونى قبل ان يرووا السماكا
- قال ابن جنى: بالغ وبغى في ذكر السرعة، لان السماك يطلع لخمس خلون من تشرين
الاول، اى كنت اسبقه الى الكوفه بالطلوع عليهم-
وما انا غير سهم في هواء ... يعود ولم يجد فيه امتساكا
يعنى في سرعه الأوبة.
ولما قال:
وأيا شئت يا طرقي فكونى ... أذاه او نجاه او هلاكا
قال عضد الدولة: يوشك ان تكون منيته في طريقه، وعاد وقد اوقره مالا، ولما بلغ
همانيا مقابل دير العاقول، خرج عليه فاتك بن ابى الجهل الأسدي، فقاتل المتنى قتالا
شديدا وقتل واصحابه وأخذ ماله:
وقال ابو احمد العسكرى يجيب ابن هارون، وقد رثى المتنبى:
يا شقوه المتنبى ما اتيح له ... بعد الكرامه من ذل ومن هون
تقضى منيته في ارض مضيعه ... ويستباح ويرثيه ابن هارون
انى لارثى له مما رثاه به ... قول ركيك وشعر غير موزون
لو كان يسمع شعرا قد رثاه به ... لقام من قبره في زي مجنون
وقال ابو الحسن محمد بن يحيى الزيدي العلوي- واقام بعسكر مكرم: كان المتنبى ينزل
في جواري بالكوفه، وهو صبى وأبوه يسمى عبدون السقاء، يستقى لأهل المحله، ونشا هو
محبا للعلم والأدب، وصحبه الاعراب بالبادية، فجاءنا بعد سنين بدويا، وكان لا يعترف
بنسبه ويقول: متى انتسبت لم آمن ان يأخذني بعض العرب بطائله بينه وبين قبيلته،
وكان اخوه ضريرا يتصدق ببغداد، وادعى انه حسينى، ثم ادعى بكلب انه نبى، فأشرف على
القتل ثم استتابوه
(11/409)
قال
التنوخي: كنت أحب ان اسال المتنبى عن سبب لقبه، فكنت استحى لكثرة من يحضر مجلسه
ببغداد، فلما جاء الاهواز ماضيا الى فارس، قلت: في نفسي شيء: أحب ان اسالك عنه،
فقال: عن لقبى؟ قلت: نعم، فقال:
هذا شيء كان في الحداثة اوجبته ضرورة قال التنوخي: فما رايت في دهشه الف منها،
لأنه يحمل المعنى انه كان نبيا إذا عمد الكذب، او ان عنده انه كان صادقا، الا انه
اعرف بذلك.
اماره عز الدولة ابى منصور بختيار بن معز الدولة
كانت امارته احدى عشره سنه وشهورا.
وكان عز الدولة من احسن الناس واشدهم قوه، كان يصرع الثور الجلد بيديه من غير حبال
ولا اعوان، يقبض على قوائمه ويطرحه الى الارض حتى يذبح، وكان يقبض على رقبتي
غلامين بيده، وهو قائم وهما قائمان، ويرفعهما من الارض وهما يصيحان ويضطربان ولا
يمكنهما الخلاص.
وكان من قوه القلب على امر عظيم، وبارز في متصيداته غير اسد، وطرقه اسد على غفله
وثب على كفل فرسه، فضربه بخشبه وقتله.
وخلع عليه الخليفة، وطوقه وسوره وكتب عهده.
وفي هذه السنه، لحق أبا على بن الياس عله الفالج، وخلفه اولاده.
فملك عضد الدولة كرمان.
ومضى ابو على الى خراسان، فنادم صاحبها، واطمعه في ملك الديلم، فانفذ صاحبه محمد
بن سمحور ومعه هدايا الى الحسين بن الفيروزان، والى وشمكير، وجعل الى وشمكير تدبير
الحبس.
وكاتب ركن الدولة عضد الدولة يستمده، وكفى وشمكير بالموت، فانه ركب
(11/410)
فرسا
ادهم حسن الصورة، ونهاه منجمه على الركوب، فعارضه خنزير قد افلت من حربه رمى بها،
فشب الفرس ووشمكير غافل، فسقط على دماغه، فخرج من انفه دم وحمل ميتا، وكتب ابن
العميد في ذلك كتابا اوله: الحمد لله الذى اغنى بالوحوش عن الجيوش، وقال: أخذت هذا
من كتاب كتبه صبى بين يدي عمرو بن مسعده، وقد ولدت بقره آدميا، فقال له عمرو: اكتب
في ذلك، فكتب كتابا اوله:
الحمد لله خالق الأنام في بطون الانعام، فحسد عمرو الصبى، وخاف ان يتمم فسير
بلاغته، فاخذ الدرج من يده.
واجتهد عز الدولة بسبكتكين، ان يخرج الى الجيش لمساعده عمه ركن الدولة، فلم يفعل،
فانفذ الفتكين، ووصل الى الري وقد وقع الغناء عنه.
وفي شعبان خلع على القاضى ابى محمد بن معروف، وولى القضاء بالجانب الغربي.
وخلع على ابن سيار، وقلد القضاء بالجانب الشرقى.
وفيه توفى ابو جعفر هارون بن المعتضد بالله.
وفي ذي الحجه توفى مفلح الأسود، خادم المقتدر بمصر.
وفيه قبض ابو تغلب بن حمدان على ابيه ناصر الدولة، حين كبر وساء خلقه.
فانفذ اليه الخلع واللواء من الحضره.
وفي هذه السنه توفى كافور الإخشيدي صاحب مصر.
قال ابو جعفر مسلم بن طاهر العلوي: ما رايت اكرم من كافور، كنت اسايره يوما، وهو
في موكب خفيف مؤيد متنزها، وبين يديه غلمانه، وعده جنائب بمركب ذهب ومراكب فضه،
وخلفه بغال الموكب والفرش كما تكون الملوك، فسقطت مقرعته من يده، ولم يرها ركابيه
فنزلت من دابتى، وأخذتها من الارض ودفعتها اليه، فقال:
يا أبا جعفر، اعوذ بالله من بلوغ الغاية، ما ظننت ان الزمان يبلغني الى ان تفعل
هذا، ثم ودعني، فلما سرت التفت، فإذا خلفي البغال كلها والجنائب، فقلت: ما هذا؟
فقالوا: امر الأستاذ ان يحمل هذا إليك، فادخلته دارى، وكانت قيمته زياده على خمسه
عشر الف دينار، وحكاياته عن المتنبى مشهوره.
وفي هذه السنه هلك سيف الدولة، ونصب غلمانه ابنه أبا المعالى بحلب
(11/411)
وغزا
سيف الدولة الروم اربعين غزوه، له وعليه.
ومن شعره:
تجنى على الذنب والذنب ذنبه ... وعاتبنى ظلما وفي جنبه العنب
واعرض لما صار قلبي بكفه ... فهلا جفاني حين كان لي القلب
إذا برم المولى بخدمه عبده ... تجنى له ذنبا وان لم يكن ذنب
وكان قد ترك الشرب لمواصله الحرب، فوردت مغنيه من بغداد، ولم يمكن أبا فراس ان
يدعوها قبله فكتب اليه:
محلك الجوزاء او ارفع ... وصدرك الدهناء او اوسع
وقلبك الرحب الذى لم يزل ... للجد والهزل به موضع
رفه بصرع العود سمعا غدا ... قرع العوالي جل ما يسمع
فامر بعمل المجلس، واستدعى بها والجماعه، وبلغت الأبيات المهلبى، فامر ان يصاغ لها
لحن.
وحكى ان سيف الدولة، لما ورد الى بغداد وقت تووزن، اجتاز وهو راكب فرسه، وبيده
رمحه، وبين يديه عبد له صغير، وقصد الفرجه، والا يعرف، فاجتاز بشارع دار الرقيق،
على دور بنى خاقان وفيها فتيان، فدخل وسمع وشرب معهم وهم لا يعرفونه وخدموه، ثم
استدعى عند خروجه الدواءه، فكتب رقعه وتركها فيها، ثم انصرف ففتحوا الدواءه، فإذا
في الرقعة الف دينار على بعض الصيارف، فتعجبوا وحملوا الرقعة، وهم يظنونها ساذجه،
فأعطاهم الصيرفى الدنانير في الحال والوقت، فسألوه عن الرجل فقال: ذاك سيف الدولة
بن حمدان.
وقال الببغاء يرثيه بقصيده، منها:
خلف المدائح بعدك التابين ... عن اى حادثه يعزى الدين
ما كان في الدنيا كيومك مشهد ... بهر العقول ولا نراه يكون
(11/412)
لم
يبق محذورا فكل مصيبه ... جلل لديه وكل خطب دون
هب للهدى من بعد فقدك سلوه ... فحراكه مذ غبت عنه سكون
ابقى نعيك في القبائل لوعة ... فيها لمنسرب الدموع معين
اربيعه الفرس استجدى نجده ... فسهول عزك بالمصاب حزون
كن كانت اسى ولكن بالحجى ... يتفاضل المحزون والمحزون
ولى بسيف الدولة العز الذى ... كانت عليه به الخطوب تهون
(11/413)
سنه
سبع وخمسين وثلاثمائة
وزارة ابى الفضل الشيرازى
فيها قلد عز الدولة أبا الفضل العباس بن الحسين الوزارة، وخلع عليه، واقطعه اقطاعا
بخمسين الف دينار.
واظهر ابو الفرج الامتناع عن العمل، فالزمه، وخلع عليه الدراعه.
وقال ابن الحجاج، يهنىء أبا الفضل:
هذا لواء العلا والمجد قد رفعا ... والبدر بدر الدجى للتم قد طلعا
وكان بالأمس لطخ دون رؤيته ... فانجاب بالأمس هذا اللطخ وانقطعا
فاليوم اصبح شمل الخوف مجتمعا ... يشكو الشباب وشمل الأمن مجتمعا
قد أذعن الناس وانقادوا لسيدهم ... فمن تحرك منهم بعدها صفعا
فديت من لم أكن بالغمض مكتحلا ... خوفا عليه ولا بالعيش منتفعا
حتى كفى الله مولانا وخيب من ... سعى عليه وفي ايامه طمعا
ومر بي سائرا في موكب لجب ... لو جلجل الرعد في قطريه ما سمعا
مضى على وقلبي طائر جزعا ... أخشى العثار على مولاى ان يقعا
فليت لي بدره منها مكسره ... الف وسائرها ضرب كما طبعا
حتى إذا مر مجتاز بعسكره ... نثرت منها الصحاح الدق والقطعا
والضرب في البيت عندي كنت ارفعه ... فانه جوف بيتى ربما نفعا
ولو تلوح من مولاى لي فرج ... نثرت غلتها ثم الصحاح معا
لكن ابقى لنفسي ما اعيش به ... فان رزقي مرفوع قد انقطعا
وكان الحبشي بن معز الدولة، قد تغلب على البصره فانحدر الوزير ابو الفضل الى
الاهواز، واستخلف أبا العلاء صاعدا، وكاتب الحبشي يسكنه ويأمره بانفاذ مال، فانفذ
اليه مائتي الف درهم، فأنفذها الوزير الى عز الدولة
(11/414)
ثم
ظفر الوزير بالحبشى، وامنه وانفذه الى عمه ركن الدولة، واستخلف على البصره
المرزبان بن عز الدولة.
وفي ليله النصف من شعبان، مات المتقى لله ابراهيم بن المقتدر بالله في داره التي
على دجلة، المعروفه بابن كنداحميق، ودفن في دار تحاذيها.
وفي شوال قدم ابو احمد الشيرازى من شيراز، فاخبر ان عضد الدولة توجه الى كرمان
لينزعها من يد اليسع، وخطب بنت عز الدولة للأمير ابى الفوارس بن عضد الدولة، وكان
الخطيب في العقد أبا بكر بن قريعة، وثبتت وكاله ابى احمد عند ابن معروف، من عضد
الدولة، بعقد النكاح لابنه لصغره، وكتب كتابين من نسخه واحده، على صداق مائه الف
دينار.
وورد الخبر بوفاه الحسن بن الفيرزان بالبلاد التي تغلب عليها من جرجان.
وفي هذه السنه توفى ابو الفرج على بن الحسين الاصفهانى، صاحب الأغاني، وهو من ولد
مروان بن محمد الاموى، ومولده سنه اربع وثمانين ومائتين، ولم يعرف اموى يتشيع
سواه، وله في المهلبى تهنئه بابن ولد له من سريه رومية:
اسعد بمولود أتاك مباركا ... كالبدر اشرق جنح ليل مقمر
سعد لوقت سعاده جاءت به ... أم حصان من بنات الأصفر
متبجح في ذروتى شرف الورى ... بين المهلب منتماه وقيصر
شمس الضحى قرنت الى بدر الدجى ... حتى إذا اجتمعت أتت بالمشترى
ويروى ان المهلبى، دخل الى تجنى، فلما رآها تمثل:
فما انس لا انس إقبالها ... وتميس كغصن سقته الرهم
وقد برزت مثل بدر السما ... سما في العلو علوا وتم
على راسها معجر ازرق ... وفي جيدها سبحه من برم
(11/415)
ولم
ترتقب لطلوع الرقيب ... ولم تحتشم من حضور الحشم
لقد سؤتنى يا نظام السرور ... واسقمتنى يا شفاء السقم
بجودك عن عفر في الكرى ... وبخلك مسئوله عن امم
اهذا المزار أم الازورار ... والمامكم الم او لمم
فقالت له تجنى: تتمثل بشعر قائله ولا تزيل شعثه، قال: ومن هو قائله؟
قالت: الاصبهانى، يمدحك به ويقول فيه:
فداؤك نفسي هذا الشتاء ... علينا بسلطانه قد هجم
ولم يبق من سنتي درهم ... ولا من ثيابي الا رمم
يؤثر فيها نسيم الهوا ... وتحرقها خافيات الوهم
فأنت العماد ونحن العفاة ... وأنت الرئيس ونحن الخدم
فامر له بمال.
(11/416)
سنه
ثمان وخمسين وثلاثمائة
في المحرم مات ابو احمد الفضل بن عبد الرحمن بن جعفر الشيرازى، ومن شعره
أهلا وسهلا بالحبيب الذى ... يصفينى الود واصفيه
محاسن الناس التي فرقت ... فيهم غدت مجموعه فيه
قد وضح البدر باشراقه ... والغصن غضا بثنيه
أفديه احميه وقلت له ... من عبده أفديه احميه
وفي هذه السنه اتى الهجريون عين التمر، فتحصن منهم صنبه العيني بشفاثا، فاستاقوا
المواشى وانصرفوا.
واتى ملك الروم طرابلس، فاحرق ربضها، وأخذ من بلدان الساحل مائه الف شاب وشابه،
وعزم على قصد بيت المقدس، فهاب القرامطة، وقد كانوا نزلوا الشام، وأوقعوا بابن عبد
الله بن طغج.
وفي جمادى الآخرة مات الأمير ابو جعفر بن الراضي بالله، وكان نازلا بالرصافة.
وفيه كثر ببغداد موت الفجأة.
وبلغ الكر زياده على تسعين دينارا.
ولم تزد دجلة والفرات والنهروان في هذه السنه.
وفي هذه السنه خطب لعضد الدولة بسجستان، واستخلف على كرمان ابنه شيرزيل ووجد الأكراد
في جبل جلود الوقيعه، بسيل كثيف عزارج، معقود فيه مال وصياغات ودراهم، في كل درهم
منها خمسه دراهم، وفي احد وجهيه صوره بقره، وعلى الوجه الآخر صوره انسان وعليه
كتابه رومية.
وكان ابو تغلب قد سلم الى أخيه حمدان الرحبه، ثم أساء الى وكلائه، فكتب اليه حمدان
يحلف بطلاق ابنه سعيد بن حمدان، وبكل يمين انه ان أحوجه استعان عليه بالديلم، فان
انتصف والا استعان بالقرامطة، فان بلغ غرضا والا استعان بملك الروم،
(11/417)
فكان
جواب ذلك من ابى تغلب، ان قبض ضياعه، وطرد وكلاءه، وانفذ أخاه أبا البركات، فانتزع
الرحبه من يد حمدان.
فدخل حمدان بغداد في شهر رمضان، وتلقاه عز الدولة وسبكتكين في ميدان الاشنان،
وانزله في دار ابن رزق الكاتب النصراني، وحمل اليه مائه وخمسين الف درهم،
وثلاثمائة ثوب، أصنافا من ديباج وعتابى ودبيقى، وثلاثين راسا بغالا وخيالا وجمالا
وسبع مراكب ذهبا، وكاتب أخاه يسفر في الصلح بينهم، فتم ذلك، ولما خرج شيعه عز
الدولة، وحمل اليه اكثر مما حمله أولا عند قدومه.
وحكى انه يوم دخوله صدم سبكتكين العجم احد القواد، فقتله، ورضخ فرسه صاعدا فاعتل،
فلما وصل وافاه القاضى ابو بكر بن قريعة مسلما، فقال حاجبه:
ان الأمير نائم، فعاد فلقيه انسان، فقال: من اين جاء القاضى؟ فقال: أتانا حمدان
وافدا، لأخيه مباعدا، فقتل قائدا، ورضخ صاعدا، وظل راقدا.
وقال ابن نباته في حمدان قصيده، منها:
إليك صحبنا اليوم ترعد شمسه ... وحيره ليل اسود النجم فاحم
ودهرا سمت حيتانه في سمائه ... وانجمه في بحره المتلاطم
الى صده ان يستخف عتابنا ... وما الظلم فيه غير شكوى المظالم
تكون بها أنفاسنا وحديثنا ... مدائح حمدان المليك القماقم
فتى لم ترق مساء الشبيبة شعره ... على الخد حتى رام شم المراوم
أخو الحرب يثنى جيدها وهو صارم ... ويسلم منها والقنا غير سالم
فتى لا يرى ان الهموم مصائب ... وان سرور العيش ضربه لازم
يؤمل في أمواله كل آمل ... ويرحم من اسيافه كل راحم
إذا السيف لم يستنزل الهام لمعه ... فما هو من آرائه والعزائم
ليهنيك جد يفلق الصخر جده ... ويهتك صدر الجحفل المتلاطم
انك لا تلقى الندى غير باسم ... اليه ولا صرف الردى غيرى حازم
وسار حمدان عن بغداد، وخلف حرمه واولاده، وشيعه عز الدولة، فلما وصل الى الرحبه،
عاد الخلف بينه وبين أخيه، وانفذ ابو تغلب أخاه أبا البركات، فانتزع الرحبه من يد
حمدان، وسار حمدان عنها في البر الى تدمر، فنفذ زاده، ولحقه
(11/418)
عطش
شديد، فعاود الرحبه، ودخلها من ثلم عرفها، وقد ترك ابو البركات اصحابه فيها، واصعد
الى الرقة، فاستولى حمدان على ذخائره وأمواله واصحابه.
فبلغ ذلك أبا البركات، فانحدر، فتلقاه حمدان وعدته قليله، وقال لأصحابه:
لا بد من الصبر، فقاتل فنصر، وقتل أبا البركات، وانفذه الى أخيه ابى تغلب في تابوت
فكفن بسل توبه، واعتذر بانه دفع عن نفسه بقتله، فقال ابو تغلب: والله لألحقنه به
ولو ذهب ملكي.
وقبض ابو تغلب على أخيه ابى الفوارس محمد، صاحب نصيبين، وعرف انه وافق حمدان على
الفتك به.
ولما عرف هبه الله بن ناصر الدولة ما جرى على ابى الفوارس، ثار به المرار، وانكر
فعل ابى تغلب.
وكتب الحسين بن ناصر الدولة الى أخيه ابى تغلب، وهو صاحب الحديثه يقول:
ان الله قد وفق الأمير في افعاله، ونحن وان كنا اخوه، فنحن عبيد، ولو أمرني بالقبض
عليه لفعلت، فقال ابو تغلب: هذا كتاب من يريد ان يسلم.
وانحدر حمدان واخوه ابو طاهر ابراهيم الى بغداد.
وكان عز الدولة بواسط فانحدرا اليه فتلقاهما، ونزل حمدان دار ابى قره، وانزل أبا
طاهر ابراهيم في دار ابى العباس بن عروه، وحمل إليهما هدايا كثيره، واصعدا معه الى
بغداد.
وفي شهر رمضان قدم الوزير ابو الفضل العباس بن الحسن من الاهواز وتلقاه عز الدولة
واصعد الى بغداد.
وفيه مات ابو الحسين الكوكبى العلوي الذى كان يتقلد نقابه الطالبيين.
وفي ذي القعده انحدر ابو إسحاق بن معز الدولة الى دار السلطان، ووصل الى المطيع
لله وعقد لعضد الدولة على كرمان، وانفذ اليه الخلع واللواء والطوق والسوارين.
وفيه نقل عز الدولة أباه معز الدولة الى تربه بنيت له بمقابر قريش، بعد ان كفنه
وطيبه، ومشى بين يدي تابوته الوزير ابو الفضل، والرئيس ابو الفرج والأمراء من
الديلم والاتراك.
وملك الروم أنطاكية يوم النحر.
سنه تسع وخمسين وثلاثمائة
فيها فتح الروم منازكردم، من اعمال أرمينية بالسيف.
وفي شهر ربيع الاول صرف القاضى ابو بكر بن سيار عن القضاء في حريم دار الخلافه،
وتولاه ابو محمد بن معروف.
وفي هذه السنه اقام ابو المعالى بن سيف الدولة الخطبه في اعماله واعمال فرعونه
للخارج بالمغرب.
وفي آخرها قبض على الوزير ابن ابى الفضل الشيرازى، وتولى الوزارة مكانه ابو الفرج
محمد بن العباس بن فسانحس، وقال ابن الحجاج يمدحه:
يا وزيرا بنوه طلعت ... انجم العدى
صحن خدي لارض نعلك ... يا سيدي الفدا
بك قامت سوق النوال ... وقد اصبحت سيدي
وسمعنا فيها النداء ... على الجود والندى
فاما ابو الفضل العباس بن الحسين الشيرازى، فمولده بشيراز سنه ثلاث وثلاثمائة.
وورد مع معز الدولة بغداد، وناب عن المهلبى، وصاهره على بنته زينه من تجنى، وكان
ذلك سبب تقدمه، ثم فسد ما بينهما وكان واسع المروءة والصدر، وداره على الصراة
ودجلة، وهي التي كانت بستانا لنقيب النقباء الكامل، وانتقلت الى الفضلونى، وانفق
عليها ابو الفضل زائدا على مائه الف دينار، ثم احترقت، فامر عضد الدولة ببسطها
بستانا.
وعمل دعوه لمعز الدولة، وجعل في وسط السماط قصورا من السكر، فيها مخانيث اغان
يغنون ويرقصون ولا يشاهدون، وقطع دجلة من فوق الجسر الى دار الخلافه بالقلوس
الغلاظ وطرح الورد فيها حتى ملاها، وغطى دجلة ولم ينزل بغداد قيان الا احضره، وذلك
في سنه اربع وخمسين وثلاثمائة
(11/419)
فلما
كان في سنه خمس وخمسين، قال له معز الدولة: يا أبا الفضل، تلك الدعوة فريده بلا
اخت؟ فقال: بل هي في كل سنه.
وعمل دعوه انفق فيها الفى الف درهم، ووهب فيها جواري وغلمانا واتراكا وضياعات
واستعد بعد عملها عند الشوائين الف جمل مشوى.
وحمل الى ابى الفضل اصحابه ما امكنهم من الهدايا.
وكان لابن الحجاج كميت فاراد ان يقوده، ثم خاف ان يقبله، فكتب اليه:
وصاحب لي أمس شاروته ... كيف ترى لي اليوم ان افعلا
فقال قد هذا الكميت الذى ... قد جمع الحسن وقد اكملا
فقلت لا والله لا قدته ... اخاف يا احمق ان يقبلا
واما ابو الفرج محمد بن العباس بن فسانحس، فمولده بشيراز سنه ثلاث وثلاثمائة، وورد
مع معز الدولة في ذي الحجه سنه ثمان وثلاثمائة.
وأبوه من اصحاب النعم الوافره بفارس، صادره عماد الدولة على ستمائه الف دينار
وقال: انى كسبت معه خمسين الف الف درهم، وجاء مع معز الدولة الى بغداد، وولاه
الزمام على المهلبى، وتوفى سنه اثنتين واربعين ثلاثمائة، وتكفل المهلبى بأمر ابنه،
حتى رد اليه الديوان.
(11/421)
سنه
ستين وثلاثمائة
[أخبار]
في صفر لحقت المطيع لله سكنه، استرخى فيها جانبه الأيمن، وثقل لسانه.
وفيه توفى ابو الفضل محمد بن الحسين بن العميد، كاتب ركن الدولة، فاستكتب مكانه
أبا الفتح، ووالده ابو عبد الله العميد، كان يكتب لمرداويج بن زيار، ولأخيه
وشمكير.
ورتب ركن الدولة أبا الفضل بن العميد، مع عضد الدولة، فهذبه وأدبه، ثم تغير عليه،
فحلف الا يقيم بفارس، ومضى الى ركن الدولة، ومات بالري، وقدم عليه المتنبى وهو
بارجان فمدحه بقصيدته التي أولها:
باد هواك صبرت أم لم تصبرا ... وبكاك ان لم تجر دمعك او جرى
ومنها:
فدعاك حسدك الرئيس وأمسكوا ... ودعاك خالقك الرئيس الاكبرا
خلفت صفاتك في العيون كلامه ... كالخط يملا مسمعى من أبصرا
- قال ابن جنى: اى، فكما ان الخط يقوم لقارئه مقام ما تسمعه اذنه، فكذلك ما يشاهد
من فضلك، يقوم مقام خالقك
من مبلغ الاعراب انى بعدها ... شاهدت رسطاليس والاسكندرا
ومللت نحر عشارها فاضافنى ... من ينحر البدر النضار إذا قرى
وسمعت بطليموس دارس كتبه ... متملكا متبديا متحضرا
اى جمع الملوكيه والبدوية والحضريه، ونصب دارس على الحال.
ولقيت كل الفاضلين كأنما ... رد الإله نفوسهم والاعصرا
اى اجتمع في زمانه الفضلاء المتقدمون
(11/422)
نسقوا
لنا نسق الحساب مقدما ... واتى فذلك إذ اتيت مؤخرا
- اى مضوا مثل الحساب الذى يذكر تفاصيله، ثم يقال في الأخير: والجميع كذا، فلما
جئت أنت آخرهم، كنت كأنك جمله التفصيل
يا ليت باكيه شجاني دمعها ... نظرت إليك كما نظرت فتعذرا
شجاني أحزنني، يقول: ليت من بكى لفراقك، نظر إليك فيعذرنى، ونصب فتعذر على التمنى.
وترى الفضيلة لا ترد فضيله ... الشمس تشرق والسحاب كنهورا
الكنهور: القطع من السحاب، اى وترى الفضيلة فيك مشرقه، غير مشكوك فيها، كما ترى
الشمس إذا اشرقت، والسحاب إذا كثر، ونصب الشمس والسحاب بفعل مضمر تقديره: ترى
برؤية فضائلك الشمس والسحاب، ونصب فضيله على الحال
انا من جميع الناس اطيب منزلا ... واسر راحله واربح متجرا
ووصله ابن العميد لهذه القصيده، بثلاثة آلاف دينار.
وقال يودعه من قصيده:
تفضلت الأيام بالجمع بيننا ... فلما حمدنا لم تدمنا على الحمد
- اى لم تدم على حمدنا، وجعل الحمد منها جميعا، لان كل واحد منا أحب لقاء صاحبه
وكره فراقه-
جعلن وداعي واحدا لثلاثة ... جمالك والعلم المبرح والمجد
المبرح: الذى يكشف حقائق الأمور من قولهم: برح الخفاء، اى انكشف الأمر-
وقد كنت أدركت المنى غير اننى ... يعيرني اهل بإدراكها وحدي
(11/423)
اى
أدركت بلقائك المنى، الا ان اهلى يعيروننى كيف لم اشاركهم في ذلك-
وكل شريك في السرور بمصبحى ... ارى بعده من لا يرى مثله بعدي
اى كل من يشاركني في السرور بقدومى يرى ما افدتنيه.
فجد لي بقلب ان رحلت فاننى ... مخلف قلبي عند من فضله عندي
قال ابن الصابى: قيل ان مما نفق به ابن العميد على ركن الدولة، ان ركن الدولة اراد
ان يحدث بناء بالري، واختار له موضعا، وكانت فيه شجره، ذات استداره عظيمه، وعروق
نازله متشعبه، فقدر لقلعها واخراج عروقها جمله كثيره، ولم تقع ثقته بأنها تستأصل
استئصالا قاطعا، فقال ابن العميد: انا اكفى الأمير هذه الكلفه، واقطع هذه الشجرة
بعروقها بأهون شيء، في اقرب أمد، واقل عدد.
فاستبعد ذلك ركن الدولة، وقال من طريق الإزراء: افعل، فاستدعى حبالا وأوتادا وسلك
هذا السلك المعروق في جر الثقيل، فلما رتب ما رتبه، ونصب ما نصبه، اقام نفرا قليلا
حتى مدوا، ومنع ان يقف احد على جربان كثيره من الشجرة، بحسب ما قدره من وشوج
أصولها ورسوخ عروقها.
ووقف ركن الدولة في موكبه ينظر، فما راعهم الا تزعزع الارض وانفتاحها وانقلاب قطعه
كبيره منها، وسقوط الشجرة منسله بجميع عروقها، فتعجب ركن الدولة من ذلك، واستظرفه
واستعظمه، ونظر الى ابى الفضل بعين الجلاله.
وهذا امر لا يعظم عند من يعرف الحيله فيه، والطريق المقصود اليه.
ومن شعر ابن العميد يذكر حال حبيب له بعد:
هبيه كما قال العذول هبيه ... اما آن ان تغضى العواذل فيه
دعيه ولا ترضى لإتلاف جسمه ... أفانين ان لم تفنه ستريه
إذ اعتلقت كفى خليلا تعرضت ... له نوب الأيام تسلبنيه
وفي شهر ربيع الاول وصل ابو الحسن على بن عمرو بن ميمون، وقد ثبتت وكالته عند
القاضى ابى محمد بن معروف بن ابى تغلب، وتزوج له بنت عز الدولة
(11/424)
بختيار،
ومنها ثلاث سنين على صداق مائه الف دينار، وكناه الخليفة أبا تغلب، وجدد له ضمان الموصل،
وسائر اعماله بديار ربيعه ومضر في كل سنه بألف الف ومائتي الف درهم.
ووصل ابن عمرو الى المطيع لله مع ابى عمر محمد بن فسانحس الخازن، حتى سلم اليه
الخلع لصاحبه والسيف.
وانحدر الوزير ابو الفرج الى الاهواز، فشرع ابو الفضل الشيرازى في الوزارة، فتم
ذلك له.
وانفذ عز الدولة بمن قبض على ابى الفرج بالاهواز، وقبض على أخيه ابى محمد الخازن
ببغداد، واطلق أبا الفضل من اعتقاله بدار ابى الفرج، فكانت وزارة ابى الفرج ثلاثة
عشر شهرا وثلاثة ايام.
وزارة ابى الفضل العباس ابن الحسن الشيرازى الثانيه
قال التنوخي: كنا جلوسا في دار ابى الفضل الثانيه، ننتظر خروجه حتى يخلع عليه،
وكان معنا ابن الحجاج، صاحب السفه في شعره، فانشدنا مديحا لأبي الفضل منه:
يا سيدا طلعته لم تزل ... أشهى الى عيني من النوم
لم تظلم القوم وحاشاك ان ... تنسب في الظلم الى القوم
جازيتهم مثل الذى اسلفوا ... في الدار والمجلس واليوم
وكان معنا ابن زنجى حاضرا، فانشدنا ابيات ابن رزيق:
انا لقينا حجابا منك أعرضنا ... فلا يكن ذلنا فيه لك الغرضا
فاسمع مقالي ولا تغضب على فما ... ابغى بنصحك لا مالا ولا عرضا
الشكر يبقى ويفنى ما سواه فكم ... سواك قد نال ملكا فانقضى ومضى
في هذه الدار في هذا الرواق على ... هذى الوساده كان العز فانقرضا
(11/425)
وهذه
الأبيات قالها ابو محمد بن زريق، وقد اتى الى باب الكوفى، وقد استكتبه بجكم، وعزل
ابن شيرزاد، وانزل الكوفى دار ابن طومار بخان ابى زياده، وكانت من قبل ديوانا لابن
شيرزاد، فجاء ابن زريق فحجب عن الكوفى، فقال لحاجبه حين انشده الأبيات: ويلك! اما
كان له أسوة بمن دخل، ولكنك اردت ان يمزق عرضي، ويواجهنى به، ورفق بابن زريق، ولم
يزل به حتى جلس ورضى.
وفي رجب، تقلد ابن معروف قضاء القضاه.
وانحدر عز الدولة والوزير ابو الفضل لمحاربه عمران، واقام ابو الفضل لحربه.
ولابن الحجاج في ذلك، وقد كسر عمران عسكر الوزير غير مره، انشدنى ذلك شرف المعالى
ابن أيوب، وكان احسن الرؤساء محاضره، واجملهم معاشره، وكم له من مكارم أجزلها وكم
لبيته من مناقب اثلها:
ان عمران مذ نشا النصر فينا ... قد صفعنا قفاه حتى عمينا
قال قوم حرم من صفعوه ... قلت لا بل حرم من يعنينا
في ابيات.
وقام ابو الفضل يحارب عمران سنه، حتى ملك تله، فانتقل عمران الى هوكولان.
وفي هذه السنه قبض على ابى قره بالجامده، وحمل الى جنديسابور، فمات تحت المطالبه،
وكان قد نقل القبه التي على قبر الوزير القاسم بن عبيد الله، وهي قبة مشهوره
بالشؤم، ونصبها على مجلس في داره، وكان القاسم قد تنوق في عملها، ودفن تحتها حين
تمت.
سنه احدى وستين وثلاثمائة
في شهر ربيع الاول، خلع على ابى احمد محمد بن حفص بواسط، وقلد الديوان مكان ابى
قره وانحدر عز الدولة الى البصره.
وفيها مات ابو القاسم سعيد بن ابى سعيد الجناني بهجر، وعقد القرامطة لأخيه ابى
يعقوب، لم يبق من اولاد ابى سعيد غيره.
وفي هذه السنه صالح ركن الدولة وابنه عضد الدولة صاحب خراسان، على ان يحملا اليه
مائه وخمسين الف دينار.
وتزوج صاحب خراسان بنت عضد الدولة، وتوسط الأمر عابد.
وفي شعبان قبل ابن معروف شهاده ابى طالب بن الميلوس العلوي.
وفي شهر رمضان، توفى عيسى بن المكتفي بالله.
وفيه توفى ابو الغنائم الفضل بن ابى محمد المهلبى بالبصرة، وحمل تابوته الى بغداد.
(11/426)
سنه
اثنتين وستين وثلاثمائة
[أخبار]
خرج الدمستق في جموع كثيره الى بلاد الاسلام، فوطئها واثر الآثار القبيحه فيها،
واستباح نصيبين، واقام بها خمسه وعشرين يوما، وانفذ اليه ابو تغلب ما لا هادنه به.
واتى المستغيبون من اهل تلك البلاد الى بغداد، وضجوا في الجامع، وكسروا المنابر،
ومنعوا من الخطبه، وصاروا الى دار المطيع لله، وقلعوا بعض شبابيكها.
وكان عز الدولة بالكوفه، فخرج اليه ابو بكر الرازى، وابو الحسين على بن عيسى
الرماني، وابو محمد الداركى وابن الدقاق، في خلق من اهل العلم والدين، مستنفرين
ووبخوه على حرب عمران بن شاهين، وصرف زمانه الى القبض على ارباب الدواوين وعدوله
عن مصالح المسلمين.
فادى اجتهاد ابى الفضل الشيرازى، ان قال للمطيع لله: يجب ان تعطى ما تصرفه في نفقه
المجاهدين، فقال المطيع لله: انما يجب على ذلك، إذا كنت مالكا لأمري، وكانت الدنيا
في يدي، فاما ان أكون محصورا ليس في يدي غير القوت، الذى يقصر عن كفايتي، فما
يلزمني غزو ولا حج، وانما لي منكم الاسم على المنبر، فان آثرتم ان اعتزل اعتزلت.
والتزم له بعد ذلك أربعمائة الف درهم باع بها انقاض داره وثيابه.
ثم وصل الخبر بان الدمستق قصد أمد، فخرج اليه واليها هزار مرد، مولى ابى الهيجاء
بن حمدان وانضم اليه هبه الله بن ناصر الدولة، وساعدهم اهل الثغور، فنصرهم الله
تعالى، وكثر القتل والاسر لأصحاب الدمستق، وأخذ مأسورا، وذلك في ثانى شوال.
وكان اكثر السبب في خذلان الله تعالى للروم ان هبه الله تعالى متقدمهم في مضيق،
وقد تقدم عسكره ولم يتأهب، فكانت الحال في اسره كما وصفنا.
وكتب ابو تغلب كتابا الى المطيع لله، يخبره بالحال، وكتب الصابى الجواب عنه،
(11/428)
وهو
مذكور في رسائله ومات الدمستق من جراح به.
وفي شعبان قتلت العامه والاتراك خمارا صاحب المعونة برأس الجسر من الجانب الشرقى،
واحرقوا جسده، لأنه كان قد قتل رجلا من العوام وولى مكانه الحبشي، فقتل احد
العيارين في سوق النخاسين، فثارت العامه وقاتلته، وانفذ ابو الفضل الشيرازى حاجبه
صافيا لمعاونه صاحب الشرطه، وكان صافى يبغض اهل الكرخ، فاخترق النخاسين الى
السماكين، فذهب من الأموال ما عظم قدره.
واحرق الرجال والنساء في الدور والحمامات واحصى ما احترق فكان سبعه عشر ألفا
وثلاثمائة دكان وثلاثمائة وعشرين دارا، اجره ذلك في الشهر ثلاثة واربعون الف دينار
واحترق ثلاثة وثلاثون مسجدا.
وكلم ابو احمد الموسوى أبا الفضل الشيرازى، بكلام كرهه، فصرفه عن النقابة، وولى
أبا محمد الحسن بن احمد بن الناصر العلوي.
وركب ابو الفضل الى دار ابن حفص التي على باب البركه، واحضر التجار وطيب قلوبهم،
فقال: له شيخ منهم: ايها الوزير أريتنا قدرتك، ونحن نؤمل من الله تعالى ان يرينا
قدرته فيك، فامسك ابو الفضل ولم يجبه، وركب الى داره.
نزول الخارج بالمغرب بمصر
وكان جوهر صاحب الخارج بمصر، قد اتى مصر، واقام الدعوة لصاحبها وبنى له قصره،
وأتاها ابو تميم معد بن اسماعيل، الملقب بالمعز فنزلها.
وفي سادس عشر ذي القعده خلع على إسحاق بن معز الدولة من دار الخلافه بالسيف
والمنطقه، ورسم بحجبه المطيع لله على رسم أخيه عز الدولة في ايام ابيه، ولقب عمده
الدولة.
وفي سادس ذي الحجه قبض على ابى الفضل الشيرازى، وقد كثر الدعاء عليه في المساجد
والبيع والكنائس، وقد ذكرنا مصادراته للمطيع لله، واحراق غلامه الكرخ، وما بت من
المصادرات، وسلم الى الشريف ابى الحسن محمد بن
(11/429)
عمر،
فانفذه الى الكوفه، فسقى ذراريح في سكنجبين، فتقرحت مثانته، ومات من ذلك.
قال ابو حيان: قيل له في وزارته الثانيه: كنت قد وعدت من نفسك، ان اعاد الله يدك
الى البسطه، ورد حالك الى السرور والغبطة، انك تجمل في المعاملات، وتنسى المقابله،
وتلقى وليك وعدوك بالإحسان الى هذا والكف عن هذا! فكان جوابه ما دل على عتوه لأنه
قال: اما سمعتم قول الله تعالى: وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ فما
لبث بعد هذا الكلام الا قليلا حتى اورد ولم يصدر، ولم ينعش بعد ان عثر، وتولى ابن
بقية مصادرته، فصادره على مائه الف دينار.
وزارة ابى طاهر بن بقية لمعز الدولة
كناه الخليفة، وخلع عليه، ولقبه الناصح، وكان يخدم في مطبخ معز الدولة، حتى خدم
أبا الفضل الشيرازى، وكان واسع النفس، وكانت وظيفته في كل يوم الف رطل ثلجا، وفي
كل شهر اربعه آلاف منا شمعا، وكان يفعل كما يفعل وزراء الخلفاء، من الجلوس في
الدسوت الكامله، ويضع وراء مجلسه أساطين الشمع، وبين يديه عده اتوار فيها
الموكبيات والثلاثيات، وفي كل مجلس من الدار تور فيه ثلاثية، وان كان المكان
خاليا، وفي أيدي الفراشين الموكبيات، بين يدي من يدخل ويخرج، وفي الشتاء يترك بين
يديه كوانين الفحم، فيها جمر الغضا، ويترك عليه اقطاع الشمع، فكان يشتعل احسن
اشتعال.
وفي هذه السنه توفى القاضى ابو حامد احمد بن عامر بن بشر المروروذى بالبصرة.
(11/430)
سنه
ثلاث وستين وثلاثمائة
[أخبار]
طولب ابو محمد بن معروف ان يستحل بيع دار ولد ابى الحسن محمد بن ابى عمرو الشرابي
حاجب الخليفة، وكان أبوه قد مات، والبائع لها وكيل نصبه المطيع لله.
فامتنع واغلق بابه، واستعفى من القضاء، فقلد مكانه القاضى ابو الحسن محمد بن صالح
بن أم شيبان الهاشمى، بعد ان امتنع، وأجاب على الا يقبل رزقا، ولا خلعه، ولا
شفاعه، وان يدفع الى كاتبه من بيت مال السلطان ثلاثمائة درهم، ولحاجبه مائه وخمسون
درهما، وللقاضي في الفروض على بابه مائه درهم، ولخازن ديوانه وأعوانه ستمائه درهم،
وان يصل اليهم ذلك من الخزانه، فأجيب.
وركب معه ابن بقية والوجوه، وتسلم عهده بحضره المطيع لله، فتولى انشاءه ابو منصور
احمد بن عبيد الله الشيرازى، صاحب ديوان الرسائل يومئذ، وقرئ عهده في جامع المدينة.
وصرف ابو تمام الزينبى عن نقابه العباسيين، وتقلدها ابو محمد عبد الواحد بن الفضل
بن عبد الملك الهاشمى.
وفي رجب لقب ابو تغلب عده الدولة، وخرج باللقب اليه ابو الحسن بن عمرو كاتبه.
واضاق عز الدولة، فانحدر الى الاهواز، فتنازع تركي وديلمى في معلف بالاهواز، فوقعت
بينهم وقعه، فقيل ارسلان التركى وهو لعرجنه، وكان قد ظهر بين سبكتكين وعز الدولة،
فقبض عز الدولة على الاتراك الذين عنده.
وحل اقطاع سبكتكين بالاهواز، وقبض على عماله ووكلائه، وفعل باصحابه بالبصرة كذلك
وكتب على الاطيار الى أخيه ابى إسحاق، وامره ليقبض على سبكتكين.
فاشاع ابو الحسن عمده الدولة ان عز الدولة أخاه قد مات، وقصد ان يأتيه سبكتكين
(11/431)
معزيا،
فيقبض عليه، وحسب ذلك، ووردت عليه كتب اصحابه بالشرح.
وجمعت أم عز الدولة الديلم بالسلاح.
وركب سبكتكين الى دار عمده الدولة، وهي دار مؤنس، فحاربهم يومين، فاستسلموا وسألوه
ان يفرج لهم لينحدروا، ففعل وانحدروا.
وتفرق الديلم بمرقعات الى عز الدولة، واستولى سبكتكين على اموال عز الدولة وسلاحه.
وانحدر المطيع لله فانفذ سبكتكين ورده.
ونهبت الاتراك دور الديلم، ثم نهبوا دور التجار، فافتقر الناس، واعتزل المطيع لله
الخلافه، ونذكر سبب عزله.
وكان المطيع لله كريما أديبا، حكى ابو الفضل التميمى، عن المطيع لله قال:
سمعت شيخي ابن منيع يقول: سمعت أبا عبد الله احمد بن حنبل يقول: إذا مات صدقا
الرجل ذلك ذل.
خلافه الطائع لله ابى بكر عبد الكريم بن المطيع لله
كانت سبع عشره سنه، وثمانية اشهر، وسته ايام.
لما وقف سبكتكين على حال المطيع لله، رحمه الله عليه، في حال العله التي لحقته،
وللفالج الذى تمادى به، حتى ثقل لسانه، دعاه الى خلع نفسه، وجعل الأمر الى ولده
الطائع لله.
وبويع له يوم الأربعاء، لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي القعدة، سنه ثلاث وستين وثلاثمائة،
ولم يتقلد الخلافه من له أب حي غيره، وغير ابى بكر الصديق رضى الله عنه:
وركب الطائع لله يوم بويع له، وعليه البرده، وقد خلع على سبكتكين، وكناه ولقبه
نصير الدولة، وطوقه وسوره، وسار سبكتكين بين يديه، وركب في يوم
(11/432)
الاضحى
الى المصلى، وصلى بالناس وخطب وخلع على ابى الحسن على بن جعفر كتابته.
واصعد عز الدولة من الاهواز الى واسط.
وصارت بغداد حزبين، فالسنيه تنادى بشعار سبكتكين، والشيعة تنادى بشعار عز الدولة.
وواصل عز الدولة استنجاد ركن الدولة وابى تغلب وعمران بن شاهين.
(11/433)
سنه
اربع وستين وثلاثمائة
توفى في المحرم ابو منصور إسحاق بن المتقى لله على احدى وخمسين سنه.
وقدم حمدان بن ناصر الدولة على سبكتكين، واحدره على مقدمته، واصعد دبيس بن عفيف
على مقدمه عز الدولة، فالتقى دبيس بحمدان تحت جبل، فاسر حمدان من اصحاب دبيس خلقا،
وقتل آخرين، واستامن بعد ذلك الى عز الدولة.
وانحدر سبكتكين والاتراك، لقتال عز الدولة.
وانحدر الطائع لله ومعه أبوه المطيع، فلما بلغوا دير العاقول، توفى المطيع ليله
الاثنين لثمان بقين من المحرم، وتوفى سبكتكين بعده، ليله الثلاثاء لسبع بقين منه،
لذرب ناله، فكانت مده امارته شهرين وثلاثة عشر يوما، ففي ذلك يقول ابن الحجاج:
اغضوا وفي الأحشاء جمر الغضا ... واستقبلوا الحزن على ما مضى
عجبت من امركم ما بدا ... حتى تولى معرضا وانقضى
تفسحت دودتكم هيبة ... للصل في واسط إذ فضضا
لما سما مولاه في جحفل ... اسود كالليل يسد الفضا
ولاح برق الموت من سيفه ... والموت من حديه قد اومضا
امرضه الخوف ومن حق من ... ساوره الرئبال ان يمرضا
وانفتحت ثلمه باب استه ... فلم يزل يسلح حتى قضى
يا معشر الاتراك لا تعرضوا ... عن قول من صرح او عرضا
نوحوا وصيحوا يا قتيل الخرا ... قد كنت فينا ثقه مرتضى
قال الرئيس ابو الحسن: وجدت بخط سابور نسخه، ما خلفه سبكتكين الف الف دينار
مطيعيه، وعشره آلاف الف درهم ورقا، وصندوقان طويلان فيهما جوهر،
(11/434)
وستون
صندوقا طوالا، منها خمسه واربعون فيها آنيه الذهب والفضه، وخمسه عشر منها بلور
محكم، وثلاثون مركب ذهب، ومنها خمسون، كل واحد وزنه الف مثقال، وستمائه مركب فضه،
واربعه آلاف ثوب ديباجا، منها الفان وخمسمائة تستريه، وخمسمائة رومية ملكيه،
والباقى بغداديه وعشره آلاف راس جمالا، وثلاثمائة داريه، واربعون خادما.
وحمل المطيع لله الى بغداد، ودفن في تربه والده المقتدر بالله رحمه الله عليهما
بالرصافة، وصلى عليه ابن معروف، وكبر عليه خمسا.
ودفن سبكتكين بالمخرم.
وعقدت الاتراك الأمر لفتكين بن منصور، مولى معز الدولة، وعرض عليه الطائع اللقب
فامتنع وكان يكتب من ابى منصور، مولى امير المؤمنين.
وانحدروا الى واسط وعز الدولة نازل بغربيها، واقامت الاتراك بشرقيها، وعبروا اليه وقاتلوه،
واستظهروا عليه أياما كثيره.
وبينما حمدان يقاتلهم مع الديلم رماه تركي بنشابه فوقعت في صماخ دابته، فتمطرت به
فوقع، فضربه الاتراك بالدبابيس حتى انحل وركه، واخذوه أسيرا.
وكان عز الدولة قد كاتب أبا تغلب، يستدعيه الى بغداد، فاستولى عليها العيارون،
فدخلها ابو تغلب، وقتل منهم جماعه، وأخذ ما وجده الاتراك.
وذكر ابو حيان في كتاب الامتاع والمؤانسه، قال: حصل ببغداد من العيارين قواد منعوا
الماء ان يصل الى الكرخ، وكان فيهم قائد يعرف باسود الزبد، لأنه كان يأوي الى
قنطره الزبد، ويستطعم من حضر، وهو عريان لا يتوارى.
فلما فشا الهرج، راى هذا الأسود من هو اضعف منه، قد أخذ السيف، فطلب سيفا ونهب
واغار، وظهر منه شيطان في مسك انسان، وضح وجهه، وعذب لفظه، وحسن جسمه، وأطاعه
رجال، فصار جانبه لا يرام، وحريمه لا يضام، وظهر من حسن خلقه مع شره، ولعنه وسفكه
الدم، وهتكه الحريم، وركوبه الفواحش، وتمرده على
(11/435)
ربه
القاهر، ومالكه القادر، انه اشترى جاريه بألف دينار، فلما حصلت عنده، حاول منها
حاجته فمنعته، فقال: ما تكرهين منى؟ فقالت: اكرهك كما أنت.
فقال: ما تحبين؟ قالت: ان تبيعني، قال: او افعل معك خيرا من ذلك؟
وحملها الى مسجد ابن رغبان، فأعتقها بين يدي القاضى ابن الرقاق، ووهب لها الف
دينار، فعجب الناس من نفسه وهمته وسماحته وصبره على خلافها، وترك مكافاتها على
كراهتها، ثم صار في جانب ابى احمد الموسوى، فحماه وسيره الى الشام، فهلك بها وقال
ابن الحجاج، يذكر دخول ابى تغلب الى بغداد:
وأنت يا بغداد قولي فقد ... سألتك الحق ولا تكذبى
ارايت بدرا قط في تمه ... احسن من وجه ابى تغلب
دلى عليه او فهاتيه من ... اى مكان شئت او فاطلبى
هيهات هذا طلب فائت ... مختلف المعنى فلا تتعبى
وكنت قد اخبرت حاشاك يا ... نظيره الجنه ان تخربى
جاءتك من تغلب ساداتها ... وطال ما استعجمت فاستعر بي
فو الذى يعفو بإحسانه ... مقتدرا عن ذله المذنب
لو نطقت بغداد قالت نعم ... سبحان من فرج ما حل بي
اعاش حتى بعد ما مات أم ... في ليله القدر دعا لي النبي
يا عده الدولة كم دعوه ... مجابه فيك ولم تحجب
ولما بلغ الاتراك استيلاء ابى تغلب على دورهم، واخذه ما وجد فيها من انقاض وغيرها،
اصعدوا معهم الطائع، فلما قاربوها اصعد ابو تغلب عنها فاصعدوا وراءه الأنبار،
وانحدروا وقد بعد ودخلوا بغداد وانحدر الطائع الى داره.
وجدد الفتكين التوثقه على حمدان بن ناصر الدولة، ثم اطلقه وخلع عليه.
وانفذ ركن الدولة جيش الري مع ابى الفتح بن العميد، وساروا الى عضد الدولة، وامر
بالنفوذ لمعارضه عز الدولة، فالتقوا بارجان، وساروا، وكان اكثر خوفهم ان
(11/436)
يتلقاهم
الاتراك بباذبين وهم تعبون فكفوا ذلك باصعاد الاتراك.
ولما وصل عضد الدولة اجتمع به بختيار، واصعدوا عن واسط، وسار عضد الدولة في شرق
دجلة، وعز الدولة في غربيها.
فاحضر الطائع الاشراف والقضاه، وأخذ على الاتراك الايمان بالطاعة، والمناصحة في
الثبات والمكافحة، وركب الى باب الشماسيه، واستقر الناس لقتال عضد الدولة، واجتمع
من العامه اليه الجم الغفير.
وكان عز الدولة، مع إيثاره لنصره ابن عمه، يخاف من مجيئه ومشاهده نعمته.
ولما قاربوا بغداد، انحدر المطيع والفتكين، وعبروا ديالى، وعسكروا ما بينه وبين
المدائن، والتقوا بعضد الدولة، فكانت للاتراك أولا، ثم انهزموا، فغرق منهم خلق
كثير، واستامن آخرون، ودخل بغداد في النصف من جمادى الاولى، ونزلوا عند باب
الشماسيه، ثم رحلوا عند اسفار الصبح، وقد أخذوا عيالاتهم وأسبابهم، وتبعهم الخلق
الكثير من اهل بغداد.
وانفذ عضد الدولة، ونادى ببغداد بالتسكين لأهلها، والعفو عن جناتها، ونزل بباب
الشماسيه عند دخوله.
فلما وصل خبرهم من تكريت بتشتتهم، نزل عضد الدولة، في دار سبكتكين، ونزل عز الدولة
داره، وهي دار المتقى لله.
وقال ابن الحجاج يستعطف عضد الدولة لأهل بغداد:
يا ايها الملك الرءوف المنعم ... ارحم فمثلك من يرق ويرحم
مولاى وصفك كان يعظم عندنا ... فالان أنت اجل منه واعظم
بغداد كانت جنه مسكونه ... فيما مضى فالان فهى جهنم
وراسل عضد الدولة الطائع لله، بابى محمد بن معروف حتى استعاده، ودخل الى بغداد في
حديدى، جلس على سطحه، وخرج عضد الدولة في طيارة، فتلقاه قريبا من قطيعه أم جعفر،
وصعد الحديدى، وقبل البساط، ويد الطائع
(11/437)
لله،
وطرح له كرسي بين يديه، فجلس عليه، وكان عضد الدولة عليه قباء اسود وسيف ومنطقه،
واحدقت الطيارات والزبازب بالحديدى.
وانحدروا كذلك الى دار الخلافه، وكان عضد الدولة تقدم بعمارتها وتطريتها، وانفاذ
الفرش والآلات إليها.
وحمل الى الطائع مالا وثيابا وطيبا، وخطب له يوم الجمعه عاشر رجب، بعد ان قطعت
الخطبه له، من عاشر جمادى الاولى، ولم يحطب الى هذه الغاية لأحد.
وكتب الصابى عن عضد الدولة: لما ورد امير المؤمنين البردان انعم بالاذن لنا في
تلقيه على الماء، فامتثلناه وتقبلناه، وتلقانا من عوائد كرمه، ونفحات شيمه،
والمخايل الواعده بجميل رايه، وعواطف انجابه وارعائه ما كنفنا يمينه، وشايعنا عزه،
الى ان وصلنا الى حضرته البهيه، شرفها الله في الحديدية التي استقلت منه بسليل
النبوه، وعقيد الخلافه، وسيد الأنام، والمستنزل بوجهه دار الغمام، فتكفأت علينا في
ظلال نوره ونشره، وغمرتنا حميات بفضله وفضيلته، وأوسعنا من جميل لقياه وكريم
نجواه، ما وسم بالعز اعقال النعم، وتضمن الشرف في النفس والعقب، وتكفل من الفوز في
الدين والدنيا بغايات الأمل.
وكانت لنا في الوصول اليه، والمثول بين يديه، في مواقع الحاظه، وتوارد ألفاظه،
مراتب لم يبلغها احد فيما سلف، ولم تجد الأيام بمثلها لمن تقدم.
وسرنا في خدمته على الهيئة التي القى شرفها علينا، وحض جمالها مدى الدهر لنا، الى
ان سار الى سده دار الخليفة، والسعود تشايعه، والميامن تواطئه، وطالع الامال
يستشرف له، وثغر الاسلام يتبسم اليه، فعزم علينا بالانقلاب عنه على ضروب من
التشريف، لا مورد بعدها في جلال، ولا موقف وراءها لمذهب في جمال، واجتلت الاعين
عين محاسن ذلك المنظر، وتهادت الالسن من مناقب ذلك المشهد، ما بهت الناظر، وعاد
شمل الاسلام مجموعا، ورواق العز ممدودا، وصلاح الدهماء ماهولا.
ومدح عضد الدولة ابو نصر بن نباته، بقصيده يذكر فيها الفتح، منها:
(11/438)
فما
ذاب شطر اليوم حتى تصافحت ... اسنه ارماح العدى وخدودها
واقدم وثابا على الهول خيله ... إذا كملت لا تقشعر جلودها
يعيد الى جر الطعان صدورها ... ولا يدرك الغايات الا معيدها
رميت جباه الترك يوم لقيتهم ... بشهباء من سر النزال قيودها
وكل فتى تحت العجاجة وكده ... إذا الخيل جالت ميته يستجيدها
تداركت اطناب الخلافه بعد ما ... وهي سمكها العالي ومال عمودها
فاعفيت من تدبيرها متكلفا ... يحل به يوم الحفاظ عقودها
وسربلت ايوان المدائن بهجه ... اناف به والحاسدون شهودها
هو الملك المخلوق من خطراته ... طريف المعالى كلها وتليدها
ملوك بنى ساسان تزعم انه ... له حفظت اسرارها وعهودها
فتاها ومولاها ووارث مجدها ... وسيدها ان كان رب يسودها
قبيله بهرام واسره بهمن ... يميت ويحيى وعدها ووعيدها
على زمن الضحاك كانت عصابه ... ولوعا بهامات الملوك حديدها
إذا سترت غب الحروب جراحها ... أتتها العوالي والسيوف تعودها
ولم أك ادرى ان إخوتها القنا ... وان الظبى آباؤها وجدودها
تفارق في رحب الثناء نفوسها ... وقد علمت ان الثناء خلودها
فلا تجعلوا الأقدار مثل سيوفها ... فقد تسبق الأقدار فيمن يكيدها
اقول وقد سلت عشيه جازر ... ولاذت بها أغمادها تستعيدها
اتلك رقاب زايلتها رءوسها ... لقى او سيوف زايلتها غمودها
وفي شهر رمضان، اعيد ابو تمام الزينبى الى النقابة على العباسيين وصرف ابو محمد
عبد الملك عنها، وامر على الصلاة في الجوامع، واعيد ابن معروف الى قضاء القضاه،
وصرف ابن أم شيبان.
واعيد ابو احمد الموسوى الى نقابه الطالبيين.
ومات ابو العباس احمد بن خاقان المفلحى، عن تسعين سنه، وحجب اربعه خلفاء، وتقلد
المعونة بالحضرة دفعات.
وزادت الأسعار، وعدمت الأقوات، وبيع الكر من الدقيق بمائه وخمسه وسبعين
(11/439)
دينارا،
وكانت الدراهم اربعه عشر بدينار، وبيع كل ثلاثة أرطال بدرهم.
ووافق عضد الدولة الديلم حتى شغبوا على عز الدولة، فاراد استصلاحهم، فقال لعضد
الدولة: تقلد الأمر، وانفذ حينئذ الى داره فختم على خزائنها، وتولى له ابن بقية
ذلك.
وقبض على ابى إسحاق وابى طاهر، اخوى عز الدولة.
وقرئ على القضاه والشهود والاشراف والأماثل بالجامع، كتاب يتضمن استعفاء عز الدولة
من النظر، ورد الأمر الى عضد الدولة، ووعدوا بإفاضة العدل واحسان الرعية.
واختار ابن بقية ان يضمن واسط وتكريت وعكبرا واوانا، فأجيب الى ذلك، وخلع عليه،
واقطع خمسمائة الف درهم في كل سنه، وانحدر الى واسط.
وقد كان عضد الدولة، قد عاهد عمران بن شاهين، واعفى أبا تغلب من حمل مال، وكان
بينهما موده قديمه ومكاتبه.
ولما حصل ابن بقية بواسط، خلع الطاعة، وعول على انه متى قصد النجا الى نهر الفضل
واعمال عمران، فكاتبه عضد الدولة بتسكينه، وبذل الامان في كتابه، فأجابه: اننى
افلت إفلات المجروح المكلوم، وتخلصت تخلص المصلوب المظلوم، وقد حصلت على اهلى بين
قوم سيوفهم حداد، وجعلت دون كل واحد منهم أناسا على البغاة غلاظ شداد، وقد وجدته
اعطى قبلي أمانا لقوم قولا، واسقطه فعلا، فلم يف بشيء منه، بل صدق في الجميع عنه،
فليت شعرى اى الأمانات يعطيني؟
أمان بنى شيرزيل، وقد عاهدهم الصيمرى له، واستعان بهم على سائر عساكره، بعد وفاه
عماد الدولة، وحلف لهم ايمانا نقض جميعها، وابطل سائرها، واباد خضراءهم، وقلع من
فارس اصولهم! أم بنى شكرسنان، وقد كانوا الممهدين له الدولة، والمصلحين له الجمله،
أم الموصلين وقد اوردهم بساطه، واظهر بتقريبهم سروره واغتباطه، فلما حصلهم ببلاده
واراضيه، قضى فيهم بالغدر اقبح قواضيه
(11/440)
وحكى
لي ابو الزيان صاحبه متبجحا، انه ما بقي منهم صاحبه بأرض الا سته نفر، وما بقي من
أماناته فهو أكبرها وأجلها، وهو وروده تحت الركاب لنصره ابن عمه، على زعمه.
فلما ورد على تلك الصورة، وقع التشكك فيه قبل ان يحكم أموره، واعطاه من الايمان
والعهود ما استدعى التائبين بفعله، واستجلب السكون الى ما اضمره من اغتياله وختله،
وعز الدولة ينسب الى ما يأتيه الى الجميل، ولا يستريب به في كثير ولا قليل.
فلما سكن اليه، واعتمد في التوسط بينه وبين اوليائه عليه، وانتهز فرصته، واستلب
غرته، واستولى على الأمور كأنه مالكها، وانشب مخالبه فيها، فكانه لم يزل مدبرها،
وجعل أرش مسيره لمعاونته انتهاك محارمه، وتشتيت اصحابه وحرمه، وتناسى افعال معز
الدولة له ولوالده منذ ثلاثين سنه، وبذله عنهما عظيم الأموال، ونفيس الاحوال، في
دفع اصحاب خراسان كل دفعه، وكسر عساكر وشمكير، والله تعالى يهلك الظالمين، ويأخذ
الباغين.
وراى انه متى عاجلني ظهر تمويهه، وثار به سائر الأولياء، وانكشف تدبيره، فاسر امرى
في نفسه، ولم يتمكن من اظهاره في وقته، فأطمعته كل الأطماع في ارتفاع ما ضمنته من
الأموال، واعتمدت في أموره على من أعطاني المقدره عليها، ولجات الى كرمه فيما عود
منها، حتى قفزت من بين يديه قفزه يا لهفه عليها لو أدركها، واسفه على ما تم لي
فيها، وكنت بحول الله في تدبيرى، كما قال ثابت الخزاعي:
إذا المرء لم يحتل وقد جد جده ... اضاع وقاسى امره وهو مدبر
ولكن أخو الحزم الذى ليس نازلا ... به الخطب الا وهو للقصد مبصر
وكانت نفسي تنازعنى تقديم ما تأخر، وتجاذبني تعجيل ما تاجل، فأجبتها بما قاله على
بن محمد البصرى العلوي:
وإذا تنازعنى اقول لها اصبري ... موتا يريحك او صعود المنبر
ما قد قضى سيكون فاصطبرى له ... ولك الامان من الذى لم يقدر
وقد لقيت كافه جيوشه، وعامه اصحابه، وهي كعدد اهل احد كثره، بفتيان كعدد اهل بدر
قله، فما زلت معهم في كل الأيام، كما قال على بن محمد أيضا:
وانا لتصبح أسيافنا ... إذا ما انتضين ليوم سفوك
(11/441)
منابرهن
بطون الأكف ... واغمادهن رءوس الملوك
وانا اعرض عليه، ضد ما عرض على، لأنه صحيح وانا به مليء وفى، وقد آمنت عضد الدولة
فناخسره بن ركن الدولة ابى على، مولى امير المؤمنين، على نفسه ومماليكه، ومن يختار
المسير معه من اصحابه، بأمان الله، وأمان رسوله ص، وأمان مولانا عز الدولة، وامانى
الا ان يكون سفك دما في بلادنا، فالحكم يجمعه واصحاب القواد، او أخذ مالا من غير
واجب، فلا سبيل الى غير رده، او ظلم أحدا في ممالكنا، او أخذ مالا من غير واجب،
فلا سبيل الى غير رده، او ظلم أحدا في ممالكنا، فلا طريق الى الصفح عنه، الا بعد
الانتصاف للمظلوم منه واعتد عضد الدولة باطلاق ابن بقية في كتابه، فأجابه ابن
بقية:
فما بقيا على تركتمانى ... ولكن خفتما صرد النبال
وحصل عضد الدولة من المصادرات، الف الف وتسعمائة وخمسين الف درهم، منها من ابى
عمرو بن عمر، ادى كاتب سبكتكين الف الف وخمسمائة الف درهم، ومن ابى بكر الاصفهانى
ألفا الف درهم، ومن ابن قريعة مائه الف درهم.
وقبض ابن بقية على من اصحبه عضد الدولة من القواد، واجتمع والمرزبان ابن عز
الدولة، وكان بالبصرة، على مكاتبه ركن الدولة، بالاستغاثة من عضد الدولة وابى
الفتح بن العميد، فوردت كتب ركن الدولة إليهما، يأمرهما بالتمسك بمكانهما، ويعدهما
المسير بنفسه.
وكتب بمثل ذلك الى ابى تغلب، فلما عرفوا نيته فيه تجاسروا عليه، واقدمت عليه
العامه، فانفذ بابن العميد وابن بندار، وقال لهما قولا لأبي ان انا خرجت من بغداد
انفسدت على الممالك، وانا اقاطعه على ثلاثين الف الف درهم في كل سنه، واقدم منها
عشره آلاف الف.
فلما وصلا الى ركن الدولة، اراد قتلهما وسئل فيهما، فاوصلهما وقال: عودا
(11/442)
اليه،
وقولا: تريد ان تمن على بنى أخي بدرهمين أنفقتهما، وامراه بالخروج عن بغداد
وتسليمها الى عز الدولة.
فعاد ابن العميد الى عضد الدولة وحده، وعرفه الحال، فاضطر الى الخروج عن بغداد الى
فارس، وافرج عن عز الدولة واخوته، وخلع عليهم.
وثار عليه العيارون والعامه، فقابلهم بالاستخفاف والسب، ووافق ابن العميد على الا
يتخلف بعده اكثر من ثلاثة ايام.
فلما خرج، طابت بغداد لابن العميد، ونزل في الدور على دجلة، وحصلت له الزبازب
والأغاني، وكانت قد حصلت بينه وبين ابن بقية موده.
وامتنع ابن العميد عن الشرب، لما قبض عضد الدولة على بختيار، فكتب اليه ابن
الحجاج، وقد شرب ابن بقية:
حقي على الأستاذ قد وجبا ... فإليه قد اصبحت منتسبا
يا بن العميد وأنت سيدنا ... ما قلتها زورا ولا كذبا
يا خير اهل الارض كلهم ... اما ويا اسرى العباد أبا
مولاى ترك الشرب ينكره ... من كان في بغداد محتسبا
ان كان من غم الأمير فلم ... ووزيره بالرطل قد شربا
ان الملوك إذا هم اقتتلوا ... اصبحت فيهم كلب من غلبا
فلذاك اسكر غير مكترث ... والف من خيشومى الذنبا
يا سادتى قد جاءنا رجب ... فتفضلوا واستقبلوا رجبا
بمدامه لولا ابوتها ... ما كنت قط اشرف العنبا
خمر كمثل النار موقده ... لم تلق لا نارا ولا حطبا
من قال ان المسك يشبهها ... ريحا فلا والله ما كذبا
وكان ابن العميد، قد سال ابن الحجاج الحضور عنده، فامتنع واعتذر بانقطاعه الى خدمه
عز الدولة، فسال عز الدولة حتى انفذه اليه، وشغف به وقال له: لم تاخرت عنى؟ فقال
له ابن الحجاج: اننى تركت ما كان عليه أسلافي من الكتابه، وعدلت
(11/443)
الى
الشعر السخيف، الذى هتك ستر تجملى، وفكرت في انك ممن لا يسامى قدره، ولا يرد امره
ونهيه، واتهمتك بانك جبلي الأخلاق، فظ العشرة، ولم آمن من الا انفق عليك، او لا
تنفق أنت على، فتذهب قطعه من عمرى، وقد تنغص عيشي، فقال له ابن العميد: فكيف
رأيتني؟ قال: بالضد مما اتهمتك فيه، فاجعلني في حل، فقال له: قد تساوينا، لك على
مثل مالي عليك، فاننى كنت اقرا اشعارك فاظنك سخيفا، قليل المروءة، كثير العيوب،
حتى شاهدتك فكنت بخلاف ذلك، فان أحللتني احللتك.
واعتد ابن العميد على بختيار بما صنعه معه من ابعاده عضد الدولة، فعرض عليه
وزارته، فقال: لا يمكنني، فاننى واهلى في خدمه ركن الدولة، منذ خمسين سنه وهو
هالك، فإذا مضى جئتك بقطعه من عسكره وكان ذلك يبلغ عضد الدولة، فحنق عليه.
وورد ابن بقية بغداد في ذي القعده، وملا عين ابن العميد بالهدايا، وقال في بعض
الأيام: لا بد ان اخلع عليه، فلما اكل وقعدا على الشرب، أخذ ابن بقية بيده فرجيه
ورداء في غاية الحسن والجلاله، ووافى بهما الى ابن العميد، وقال: صرت يا استاذ
جامدارك، فانظر هل ترضيني لخدمتك، فطرح الفرجيه عليه، فاخذ الرداء منه ولبسه.
وقصد الفتكين في ثلاثمائة غلام دمشق، وكان العيارون قد استولوا عليها، فخرج اليه
اشرافها وشيوخها، وسلموها اليه، فاحسن السيرة، وقمع اهل الفساد، وقامت هيبته،
وعظمت منزلته، وقصد العرب وابعدهم، وظهرت شجاعته، وكان اعور.
وكان ابن الشمشقيق، قد جاء في الروم، فاخذ بلاد الثغور، وصالح اهل دمشق على مال
كثير، فخرج اليه الفتكين، ولعب بين يديه بالرمح، فأعجبته فروسيته، ووهب ما قرره
على اهل دمشق له، فسأله ان يهدى له سلاحه، فقاد مع فرسه وسلاحه عشرين فرسا
بتجافيفها، فردها ابن الشمشقيق، ولم يقبل غير فرس الفتكين وسلاحه وحده
(11/444)
وانصرف
عنه الى جبله وبيروت، ففتحهما عنوه، وتحصن منه اهل أنطاكية، فاستخلف عليها صاحبا
له، فقطع شجرها التين، وهو يجرى مجرى النخل بالبصرة، وفتحت له بعد ذلك.
وسار ابن الشمشقيق الى قسطنطينيه، فما بعدت وفاته.
ومضى الى الفتكين، والده عز الدولة، واخواه ابو إسحاق وابو طاهر، وابنه المرزبان
بعد قتله، على ما نشرحه، فأولاهم الجميل، واحسن اليهم، وقصدته العساكر من مصر
متكاثره، وكان ما ياتى ذكره في السنه الآتية، وما بعدها.
(11/445)
سنه
خمس وستين وثلاثمائة
توفى المعز بمصر، في شهر ربيع الآخر، سنه خمس وستين، ومده عمره خمس واربعون سنه
وسبعه اشهر ويومان، ومده نظره ثلاث وعشرون سنه وخمسه اشهر وسبعه عشر يوما، منها
بمصر ثلاث سنين.
وقام ابنه نزار مقامه، ولقب بالعزيز، فكاتب الفتكين بالاستماله، فاغلظ في جوابه،
وقال: هذا بلد أخذته بالسيف، ولا أدين لأحد فيه بطاعة فانفذ اليه جوهرا في عساكر
كثيره، فدعا اهل البلد واعلمها، ما قد أضلهم، وانه على مفارقتهم، فقالوا: ان
أرواحنا دونك، وانا باذلون نفوسنا دون نفسك.
ولما حصل جوهر بالرملة، كاتب الفتكين، وعرفه انه قد استصحب له أمانا، وكتابا
بالعفو عما فرط فيه، وخلعا يفيضها عليه، واموالا، فأجابه الفتكين اجابه مغالط،
وأحال على اهل دمشق فعل جوهر على الحرب، وسار اليه، فالتقيا بالشماسيه، ودامت
الحرب واتصلت مده شهرين، وظهر من شجاعة الفتكين وغلمانه، ما عظموا به في النفوس.
وعاضد الفتكين الحسن بن احمد القرمطى، واجتمعا في خمسين ألفا، فانصرف جوهر الى
طبرية، ومنها الى عسقلان، فحاصراه بها، وقطعا عنه الماء.
وكان جوهر في الشجاعة معروفا، فكان يبارز الفتكين، ويعرض عليه الطاعة لصاحبه،
فيكاد ان يجيبه فيعترضهما القرمطى، فلا يمكن الفتكين من ذلك.
فاجتمعا يوما، فقال جوهر: قد علمت ما يجمعنى وإياك من تعظيم الدين، وقد طالت
الفتنة، ودماء من هلك في رقابنا، وان لم تجب الى الطاعة، فاسالك ان تمن على بنفسي
وباصحابى وتذم لنا، وتكون قد جمعت بين حقن الدماء واصطناع المعروف، فقال الفتكين:
انا افعل، على ان اعلق سيفي ورمح القرمطى، على باب
(11/446)
عسقلان،
وتخرج من تحتهما، قال: رضيت، وأخذ خاتم الفتكين على الوفاء.
وانفذ اليه جوهر مالا والطافا، فاجتهد القرمطى بالفتكين ان يغدر، فلم يفعل، فخرج
وخرج جوهر وشرح لصاحبه الحال، فامر باخراج المال، واثبات الرجال، وسار جوهر على
مقدمته، واستصحب توابيت آبائه.
ولما عرف الفتكين، والقرمطى الحال، عاد الى الرملة واحتشد، وتقارب العسكران،
واصطفا للقتال، وجال الفتكين بين الصفين، فكبر وحمل وطعن وضرب.
فعلا العزيز على رابيه، وعلى راسه المظلة، وقال لجوهر: ارنى الفتكين، فأراه اياه،
وكان على فرس ادهم بتجفاف من مرايا، وعليه فزاعند، اصفر وهو يطعن تاره، ويضرب
باللت اخرى، والناس يتحامونه.
فالتفت العزيز الى ركابى يختص به، وقال له: امض الى الفتكين وقل له:
انا العزيز، وقد أزعجتني من سرير ملكي، واخرجتنى لمباشره الحرب، وانا اسامحك بجميع
ذلك، ولك على عهد الله، بانى أهب لك الشام باسره، واجعلك اسلسهار عسكرى.
فمضى الركابى واعاد الرسالة، فخرج الفتكين، بحيث يراه الناس، وترجل وقبل الارض
مرارا، ومرغ خديه، وقال: قل لمولانا، لو تقدم القول لسارعت، فاما الان فليس الا ما
ترى.
فعاد الى العزيز بالجواب، فقال: ارجع اليه وقل له: تقرب منى بحيث أراك وترانى، فان
استحققت ان تضرب وجهى بالسيف فافعل.
فمضى، فقال الفتكين: ما كنت بالذي اشاهد طلعته وانابذه الحرب، وقد خرج الأمر عن
يدي.
وحمل عند ذلك على الميسره فهزمها، وقتل كثيرا من أهلها، فحمل العزيز، والمظلة على
راسه، فانهزم الفتكين والقرمطى، ووضع السيف في عسكرهما، فقتل منه عشرين الف رجل
(11/447)
ومضى
القرمطى هاربا، وبذل لمن يأتيه بالفتكين مائه الف دينار.
وكان الفتكين يميل الى المفرج بن دغقل بن الجراح الطائي، وبتمرده لملاحته، وشاع
ذلك عنه، فانهزم يطلب ساحل البحر، ومعه ثلاثة من غلمانه، وبه جراح، وقد جهده
العطش، فلقيته سريه فيها المفرج، فلما رآه، التمس منه ماء، فسقاه، وقال له: سيرني
الى اهلك، فحمله الى قريه تعرف بلبني، واحضر له ماء وفاكهة، ووكل به جماعه، وبادر
الى العزيز فاخبره، فاعطاه المال الذى ضمنه، ومضى معه جوهر فتسلمه.
وتقدم بضرب مضارب، واحضر كل من حصل في الاسر من اصحاب الفتكين، فامنهم وكساهم،
وجعل كل واحد منهم فيما كان فيه معه، ووصل الفتكين فاخرج العسكر لاستقباله، وهو لا
يشك انه مقتول.
فلما وصل الى النوبه، وراى اصحابه مكرمين، وترجل الناس له، وحمل الى دست قد نصب
ليجلس فيه، رمى بنفسه الى الارض، والقى عمامته، وعفر وبكى بكاء شديدا، وقال: لم
استحققت هذا الإبقاء! وامتنع من الجلوس في الدست.
ووافاه أمين الدولة ابو الحسن بن عمار، وجوهر والخدم على ايديهم الثياب، واعلموه
رضا العزيز عنه، والبسوه الخلع، وتقدم الى البازيار به واصحاب الجوارح بالمصير الى
مضربه، وراسله بالركوب الى الصيد تانيسا له، وقاد اليه عده دواب، وعاد عشاء،
واستقبله الفراشون والنفاطون بالمشاغل، ونزل وركب العزيز اليه ليلا، فقبل الارض
وخاطبه بما سكن منه، وجعله حاجب حجابه.
وعفا عن الحسن بن احمد القرمطى، واقام بطبريه، وجعل له سبعين الف دينار في كل سنه،
وتوجه اليه جوهر، وقاضى الرملة فاستخلفاه.
ومضى الفتكين مع العزيز الى مصر، وقد استامن اليه أخو عز الدولة وابنه، فزاد في
اكرام الفتكين.
وكان يتكبر على ابى الفرج يعقوب بن يوسف بن كلس، وتدرجت الوحشة، وامرهما العزيز
بالإصلاح، فلم يفعل الفتكين، فدس عليه ابو الفرج سما فقتله، وحزن عليه العزيز،
وقبض على ابى الفرج، وقد اتهمه بقتله نيفا واربعين يوما، وأخذ منه خمسمائة الف
دينار، ووقفت الأمور باعتزاله الظر، فاعاده حين لم يجد منه بدا
(11/448)
وتزوج
الطائع بنت عز الدولة على صداق مائه الف دينار، وخطب ابو بكر ابن قريعة خطبه
النكاح.
وفي ذي القعده توفى ابو الحسن ثابت بن سنان بن قصره الصابى صاحب التاريخ.
وقسم ركن الدولة الممالك بين اولاده، فجعل لعضد الدولة فارس وكرمان وارجان، ولمؤيد
الدولة الري وأصبهان، ولفخر الدولة همذان والدينور.
ومرض ركن الدولة، فسار اليه عضد الدولة، وقبل الارض بين يديه، والتقيا بأصبهان،
وعمل ابن العميد دعوه، جمع فيها ركن الدولة واولاده الأمراء، وخاطبهم ركن الدولة،
بان عضد الدولة ولى عهده، وخلع ابن العميد على القواد الف قباء والف كساء.
وأخذ عز الدولة لسهلان بن مسافر خلعا من الطائع، ولقبه عنه عصمه الدولة وأنفذها
له.
وانفذ الى فخر الدولة مثلها، فلم يلبساها، ولم يتلقب سهلان مراقبه لعضد الدولة.
(11/449)
سنه
ست وستين وثلاثمائة
توفى ركن الدولة ابو على بالري في ثامن عشر المحرم، وقال ابو بكر الخوارزمي يرثيه:
احين جرى ملكه في الملوك ورد به الله ملك العجم وخط الفناء على قبره بخط البلى
وبنان السقم إذا تم امر بدا نقصه توقع زوالا إذا قيل تم وأتاها مؤيد الدولة،
وانفصل عن أصبهان، واقر أبا الفتح بن العميد على ما كان اليه، وكان يكتب له في
حياه ابيه الصاحب ابو القاسم محمد بن العميد، حسده الصاحب وغيظه من قربه ان حمل
الجند على الشغب، فحسم مؤيد الدولة المادة باعاده الصاحب الى أصبهان.
وكان في نفس عضد الدولة على ابن العميد ما ذكرناه، حتى انه كان يقول:
خرجت من بغداد، وانا زريق الشارب، وابن العميد خرج ملقبا بذى الكفايتين، لان اهل
بغداد كانوا يلقبون عضد الدولة بزريق الشارب.
ونشط ابن العميد للشرب، وتداخله ارتياح، فعمل مجلسا عظيما، وشرب ببقية نهاره وعامه
ليله، وعمل شعرا وهو يشرب، وامر بتلحينه والغناء له به، ففعل المغنون ذلك، والشعر:
دعوت المنى ودعوت العلا ... فلما أجابا دعوت القدح
وقلت لايام شرخ الشباب ... الى فهذا أوان الفرح
إذا بلغ المرء آماله ... فليس له بعدها مقترح
ولما غنى له بشعره، واستفزه الطرب، وشرب حتى سكر، وقال لغلمانه:
غطوا المجلس واتركوه على حاله، حتى نشرب عليه ونصطبح، وقام الى بيت منامه
(11/450)
وباكره
رسول مؤيد الدولة يستدعيه، فركب وعنده انه يخاطبه على مهم، ويعود سريعا، فلما دخل
اليه قبض عليه وأخذ أمواله.
ومن شعر ابى الفتح:
يقول لي الواشون كيف تحبها ... فقلت لهم بين المقصر والغالي
ولولا حذاري منهم لصدقتهم ... وقلت هوى لم يهوه قط أمثالي
وكم من شفيق قال: ما لك واجما ... فقلت: ابى ما بي وتسألني مالي
وترامت به الحال الى قتله.
وحكى ان أباه رآه وهو يخطر خطره أنكرها من مشيه امثاله، فقال لمن حضره:
انى لأخذه بالأدب حتى لانغص عليه عيشه، فانه قصير العمر، وعمره على ما يدل عليه
نجمه ثمان وعشرون سنه، هذا ما حكاه الثعالبي في اليتيمه.
وقال ابن الحجاج يرثيه من قصيده:
رويدك ان الحزن ضربه لازم ... الا فليقم ناعي البحور الخضارم
الا ان هذا المجد قد ساخ طوده ... فاصبح منهد الذرا والدعائم
الا ان بحر الجود قد غاض لجه ... فمن للقلوب الصاديات الحوائم
فيا صارما فل البلى غرب خده ... وكتابه تقرى متون الصوارم
مضى جسمك الفاني وخلفت بعده ... معالى تلك المأثرات الجسائم
اخلاى بالري الذين عهدتهم ... يوفوننى حق الصديق المساهم
الموا جميعا او فرادى بقبره ... وقولوا له عن اجدع الأنف راغم
كظيم وما زال الاسى متحاملا ... على كل موتور السرائر كاظم
أيا راحلا عن قومه غير آئب ... ويا غائبا عن اهله غير قادم
لمثلك فلتبك العيون باربع ... وما فائضا بعد الدموع السواجم
وما كنت الا صارما فل حده ... باخر مشحوذ الغرارين صارم
فلا هز هندي سقى دمك الثرى ... غداه الوغى الا باوهن قائم
ومما يسلى الحزن انك وارد ... على فرح في جنه الخلد دائم
(11/451)
ولم
لا وقد قدمت زادا من التقى ... نهضت به مستبشرا غير نادم
تجيء إذ صحف المظالم نشرت ... ببيضاء غفل من سمات المظالم
وكنت إذا الفحشاء نادتك معرضا ... أصم غضيض الطرف دون المحارم
عجبت لمن انحى عليك بسيفه ... فانحى على غصن من البان ناعم
اما راعه ذاك الشباب وحسنه ... فتدركه في الحال رقه راحم
أبا الفتح يأبى سلوتى عنك اننى ... جعلت عليك الحزن ضربه لازم
فما قصرت بي عن حقوقك ونيه ... ولا أخذتني فيك لومه لائم
ولما بلغ عز الدولة وفاه ركن الدولة، قال: انا ولى عهد عمى ركن الدولة، وحلف
لعمران بن شاهين، وتزوج ابو محمد عمران ابنه عز الدولة، وحضر بين يدي الطائع، وحلف
لعده الدولة ابى تغلب، فقال ابن الحجاج من قصيده:
أنت علمتني المدائح حتى ... صرت فيها مجودا مطبوعا
أنت واصلتنى وكنت على الباب ... طريدا مبعدا ممنوعا
أنت جددت ثوب عزى ... وقد كان لبيسا مفتتا مرقوعا
ملك عين من يعاديه ... لا تطعم غمضا ولا تذوق هجوعا
ايها السيد الذى طاب في المجد ... اصولا كريمه وفروعا
ان يوم الخميس اصبح فيه ... علم المجد والعلا مرفوعا
رفعت رايه الهدى بيد ... النصر وخر النفاق فيه صريعا
دوله عزها وعمدتها ... اليوم اضافا الى الجموع الجموعا
وصلا الحبل بالتصافى فاضحى ... ظهر من يظهر الخلاف قطيعا
وله رايه إذا ضحك النصر إليها ... تبكى السيوف نجيعا
في جيوش تطبق الارض خيلا ... وسيوفا قواطعا ودروعا
ينصرون الامام خير امام ... لم يكن خالعا ولا مخلوعا
ورث الأمر عن ابيه بحق ... لم يكن محدثا ولا مصنوعا
فهو مثل الهلال في الأفق نورا ... وعلوا ورفعه وطلوعا
وترانى بدرتي اصفع الحاسد ... في اخدعيه صفعا وجيعا
لا احابى وحق من خلق الجنه ... لا تابعا ولا متبوعا
(11/452)
ولو
انى حابيتهم كنت نذلا ... ساقطا سفله خسيسا وضيعا
وفي رجب، قبض على ابى الفرج بن فسانحس، وحمل الى سر من راى، وتحرك ما كان في نفس
عضد الدولة من قصد العراق، فاستخلف عز الدولة على بغداد الشريف أبا الحسن محمد بن
عسر، وخرج معه ابن بقية، فزارا مشهد الحسين ع.
وقصد ابن بقية الكوفه وحده، فزار واجتمع، وانحدر الى واسط، وقال ابن الحجاج يودعه:
يا من اليه الامال تختلف ... ومن عليه القلوب تنعطف
ومن بنو عمه واخوته ... ملوك اهل الدنيا به شرفوا
من استقلت بنو بويه به ... كما استقلت بالعاتق الكتف
مولاى صبرا فان سائر ما ... تراه عما تحب ينكشف
وكل ما تشتهى وتؤثره ... ياتى كما تشتهى ولا يقف
ومن أتانا يسوقه طمع ... عنك بخفي حنين ينصرف
تثنيه عن هفوة الشباب غدا ... راى بعيد من النوى نصف
أولا فعزيه ململمه ... تستر منها السيوف والحجف
وذيل يحكم الطعان لها ... بأنها في الصدور تنقصف
وشرب ضمر فوارسها ... لا عزل فوقها ولا عنف
هذا ونفسي الأمير دونك للرماة ... في حومه الوغى هدف
فانهض به نحوهم إذا نهضوا ... وازحف اليهم به إذا زحفوا
وأنت اعلى بنى بويه يدا ... وان تساوى القديم والخلف
كنتم بنى اهل بيت مكرمه ... توصف منهم بمثل ما وصفوا
حتى تلوناكم فكان لكم الفضل ... عليهم والمجد والشرف
والدر جنس لكن له قيم ... في الفضل عند التجار يختلف
وليس يدرى ما فضل فاخره المكنون ... حتى يفتح الصدف
يا من إذا احلف البحار ففي ... نداه من كل فائت خلف
ينتظم المدح فيك متزنا ... وفي سواك المديح ينزحف
مولاى لما بعدت فاشتعلت ... نيران قلبي وطار بي الأسف
(11/453)
جئتك
اعدو والشوق يعجلني ... إليك يا دافنى وانصرف
وسال عز الدولة الطائع الانحدار، فأجاب وانحدر الى واسط في عاشر شعبان، ومعه ابن
معروف، ونزل في دار الوزارة بها.
وساروا الى الاهواز، فوصلوها عاشر رمضان.
وكتب عز الدولة عن الطائع كتابا يدعو الى الصلح، ونفذ به خادم، فقال عضد الدولة
للخادم: قل لمولانا امير المؤمنين، لا يمكنني الجواب، إذا مثلت بحضرتك ولم يجب على
الكتاب.
ولما اشرفت الحال على الحرب، اصعد الطائع الى بغداد، وكانت الحرب بناحيه يقال لها
مشان من اعمال الباسيان، في نصف تموز، وهو يوم الأحد مستهل ذي القعده، وكان دبيس
بن عفيف الأسدي على ميسره عز الدولة، فاستامن وعطف على النهب، فنهب، فانهزم عز
الدولة، وقتل من اصحابه خلق، وغرق آخرون على جسر عقده بدجيل.
وكان حمدان في جمله المنهزمين، وتفرقت المذاهب بالمنهزمين، فالتقوا بمطارى.
واجتمع عز الدولة وبه جراح بأخيه عمده الدولة، وابن بقية بها على اسوا حال.
وانفذ عمران بابنه الحسن وكاتبه وقواده، في عده سفن الى عز الدولة، وانفذ اليه
والى ابن بقية بمال وثياب، وانفذ المرزبان بن بختيار الى ابيه بمثل ذلك من البصره.
وانحدروا الى البصره، وهي مفتتنه، فاراد ابن بقية ان يصلحها، فازدادت فسادا
واحترقت الاسواق، ونهبت الأموال.
وورد ابو بكر محمد بن على بن شاهويه صاحب القرامطة الكوفه في الف رجل منهم، واقام
الدعوة بها وبسورا، وبالجامعين والنيل، لعضد الدولة
(11/454)
واشفق
بختيار ان يسير عضد الدولة الى واسط، فيملكها، فتفوته النجاة، فاحترق البطائح،
فتلقاه عمران في عسكره، واقام ابن بقية عنده ثلاثة ايام.
وكان عمران قد قال لعز الدولة، لما قصد حربه: سترى انك تحتاج الى، واعاملك من
الجميل بخلاف ما عاملني به ابوك من القبح، فعجب الناس من هذا الاتفاق.
واستدعى البصريون من عضد الدولة، من يتسلم بدلهم، فانفذ أبا الوفاء طاهر بن محمد
فدخلها.
واقام بختيار بواسط، وتراجع اليه اصحابه وجنده.
ورجع ابن بقية الى ذخيره له بها، واستمال الجند، فرغبوا فيه وآثروه على صاحبه.
وقال بعض البصريين في بختيار:
اقام على الاهواز خمسين ليله ... يدبر امر الملك حتى تذمرا
يدبر امرا كان اوله عمى ... واوسطه بلوى وآخره خسرا
ومن اعجب ما اتفق عليه، انه اسر له غلام اسمه باتكين، ولم يكن يميل اليه، فجن
عليه، وتسلى عن ملكه الا عنه، وانقطع الى البكاء، وامتنع من الغذاء، واحتجب عن
الناس فخف ميزانه، واستهان به ابن بقية، وانفذ بالشريف ابى احمد الموسوى، والحرب
قائمه، يسال عضد الدولة في رد الغلام، وبذل في فدائه جاريتين، كان بذل ابو تغلب بن
حمدان في إحداهما مائه الف درهم، وقال لأبي احمد: ان لم يرض عضد الدولة بهما،
فأعطه هذا العقد- وكان فاخرا نادرا واضمن له ما اراد.
ولما مضى ابو احمد الى عضد الدولة، وادى الرسالة، امر برد الغلام، وكان قد حمل في
عده غلمان الى ابى الفوارس بن عضد الدولة، فاعيد الى عضد الدولة، ولم يكن بين
الغلام وبين غيره من الأسرى فرق، فامسكه عنده، وقال لأبي احمد:
لا انفذه حتى تمضى اليه برسائل، وتقرر معه القبض على ابن بقية، واضاف اليه أبا سعد
بهرام بن أردشير الكاتب.
فلما وصلا الى بختيار، وخلوا به، اوحش ذلك ابن بقية
(11/455)
وكان
بختيار ينزل في الجانب الغربي، وعول ابن بقية على طرد بختيار، وان ينفرد هو
بالحرب، فعدل بختيار الى تسكينه وتلافيه.
فلما كان في ذي الحجه، اشار ابراهيم بن اسماعيل- وكان بختيار قد استحجبه، بعد ان
كان نقيبا- بالقبض عليه إذا عبر اليه، ففعل ذلك، وانفذ أمواله وخزائنه، ووجد له
سته آلاف رطل ثلجا، كان أعدها لسماط عزم على اتخاذه للجند، وطلب عز الدولة منه
شيئا قبل القبض عليه، فانفذ اليه ثلاثين رطلا.
فكانت وزارة ابن بقية اربع سنين واحد عشر يوما.
واستخلص عز الدولة أبا العلاء صاعد بن ثابت النصراني، من مجلس ابن بقية، وكتب الى
بغداد على الاطيار بالقبض على اهله، فوقعت الكتب في ايديهم، فهربوا الى بنى عقيل
بالبادية.
وقبض على ابن بقية بمشهد ابن بهرام بن أردشير، واعاد معه الشريف أبا احمد.
وجرت اقاصيص حتى عاد اليه باتكين.
وقال ابن الحجاج يمدح أبا سعد بن بهرام:
أبا سعد قد انكشف الغطاء ... وأمكننا الحضور كما نشاء
وزالت رقبه الواشين حتى ... شفى من لوعة الشوق اللقاء
بنفسي أنت من قمر منير ... له في كل ناحيه ضياء
هزمت القوم أمس بغير حرب ... فامست في خفارتك الدماء
وكان القوم في داء ولكن ... لطفت فصادف الداء الدواء
بقول ما خلطت به نفاقا ... وراى لم يكن فيه رياء
فاضحوا والرجال لكم عبيد ... وامسوا والنساء لكم إماء
ولما حصل باتكين بالبصرة، تواترت البشائر الى بختيار، واظهر من السرور ما لم يعهد،
وضمن انه إذا رد الغلام، عاد الى بغداد، واظهر الطاعة.
وامر عضد الدولة أبا احمد، الا يسلم الغلام، حتى يصعد بختيار الى بغداد.
وكان قد ورد عليه عبد الرزاق وبدر ابنا حسنويه، في الف فارس لنصرته،
(11/456)
فلما
رايا افعاله، كاتبا أباهما بالصورة، وعرفاه ضعف رايه، واختلال تدبيره، واصعدا،
وفارقه عبد الرازق بجرجرايا، واستحيا بدر من مفارقته.
وعادت الرسالة اليه بسمل ابن بقية، ففعل وسمل بعده صاحبه ابن الراعى، وأخذت عليه
الايمان بطاعة عضد الدولة، واثبات اسمه على راياته، واقامه الخطبه له في كل بلد
دخله.
فانصرف عنه بدر بن حسنويه حينئذ.
وكان في جمله ما شرط عليه عضد الدولة، ان يرحل عن بغداد الى الشام، والا يؤذى أبا
تغلب.
واتى عضد الدولة الاهواز، فرتب أمورها، وسار منها الى البصره، وقد انصرف عنها
المرزبان بن بختيار، فوجدها مفتتنه، فأصلحها وضمن اكابر أهلها اصاغرهم.
(11/457)
سنه
سبع وستين وثلاثمائة
في صفر ورد الخبر الى الكوفه بوفاه ابى يعقوب يوسف بن الحسن الجنابى صاحب هجر،
فاغلقوا أسواقهم ثلاثة ايام، اجلالا لمصيبته، ومولده سنه ثمانين ومائتين، وعقدوا
الأمر لستة نفر من اهل بيته، اشركوا في الأمر، وسموا السادة.
وصار ابو الحسن محمد بن يحيى العلوي الى عضد الدولة، وسار في مقدمته الى بغداد.
وسار عز الدولة عنها لليلتين بقيتا من شهر ربيع الآخر، وتفرق ديلمه عنه، ففرقه
انحازوا الى الحسن بن فيلسار، وسار بها الى جسر النهروان، وانفذ عضد الدولة بمن
أتاه به أسيرا، وبه عده ضربات.
وفرقه صاروا الى عضد الدولة، وفرقه ثبتوا معه.
فقال ابن الحجاج في خروجه:
فديت قوما ساروا ولكن ... ساروا على صوره خسيسة
نودى عليهم كما ينادى ... بسوق يحيى على الهريسة
كأنهم من يهود هطرى ... قد طردوهم من الكنيسه
آخر الجزء الاول، ويتلوه في الثانى مملكه عضد الدولة ابى شجاع والحمد لله حق حمده
وصلواته على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين وسلم تسليما.
(11/458)
[
(المنتخب من كتاب ذيل المذيل) من تاريخ الصحابة والتابعين تصنيف محمد بن جرير
الطبري]
(بسم الله الرحمن الرحيم) قال ابو جعفر محمد بن يزيد الطبرى في كتاب ذيل المذيل من
تاريخ الصحابه والتابعين
[القول في تاريخ وفات الصحابة والتابعين]
من النساء اللواتي متن قبل الهجره
واما من النساء اللواتي متن قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فزوجه
رسول الله صلى الله عليه وسلم خَدِيجَةَ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ
عَبْدِ الْعُزَّى بن قصى، وكانت تكنى أم هند رضى الله عنها، وهند ابن لها من ابى
هاله بن النباش بن زراره زوج، كَانَ لَهَا قَبْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم كنيت به، وتوفيت قبل الهجره بثلاث سنين، وهي يومئذ ابنه خمس وستين
سنه، كذاك حَدَّثَنِي الْحَارِثُ عَنِ ابْنِ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بن عمر عن محمد
بن صالح وعبد الرحمن بن عبد العزيز.
وكانت وفاتها في شهر رمضان من هذه السنه، ودفنت بالحجون رحمها الله
(11/493)
وممن
مات في سنه ثمان من الهجره
قال: وممن مات في سنه ثمان من الهجره في أولها زينب بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت اسن بنات رسول الله ص، وكان سبب وفاتها انها
لما اخرجت من مكة الى رسول الله ص، أدركها هبار بن الأسود، ورجل آخر، فدفعها
أحدهما فيما قيل فسقطت على صخره فاسقطت، فاهراقت الدم فلم يزل بها وجعها حتى ماتت
منه.
قال: وممن قتل منهم جعفر بن ابى طالب بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ
عَبْدِ مناف، قتل بمؤته شَهِيدًا.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ وابو تميله، عن ابن إسحاق
عن يحيى ابن عَبَّادٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي الَّذِي أَرْضَعَنِي،
وَكَانَ أَحَدَ بَنِي مُرَّةَ بْنِ عَوْفٍ، وَكَانَ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ
غَزْوَةَ مُؤْتَةَ قَالَ: والله لكأني انظر الى جعفر ع حِينَ اقْتَحَمَ عَنْ
فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ فَعَقَرَهَا، فقاتل القوم حتى قتل، وكان جعفر ع أول رجل من
المسلمين- فيما قيل- عقر في الاسلام.
قال محمد بن عمر: حدثنى عبد الله بْن محمد بْن عمر بْن على عن ابيه، قال: ضربه-
يعنى جعفرا- رجل من الروم فقطعه بنصفين، فوقع احد نصفيه في كرم فوجد في نصفه
ثلاثون او بضعه وثلاثون جرحا.
وكان اسلام جعفر ع قبل ان يدخل رسول الله ص دار الارقم، ويدعو فيها، وهاجر الى ارض
الحبشه الهجره الثانيه ومعه امراته أسماء بنت عميس، فلم يزل بأرض الحبشه حتى هاجر
رسول الله ص الى المدينة، ثم قدم عليه من ارض الحبشه وهو بخيبر سنه سبع وقتل سنه
ثمان من
(11/494)
الهجره
في جمادى الاولى منها، وهو احد أمراء رسول الله ص على السريه التي وجهها الى
الروم، وكان جعفر يكنى أبا عبد الله.
وزيد الحب بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن إمرئ القيس بن عامر ابن النعمان بن
عامر بن عبدود بن عوف بن كنانه بن عوف بن عذره بن زيد اللات ابن رفيده بن ثور بن
كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف ابن قضاعه- واسمه عمرو- بن مالك
بن عمرو بن مره بن مالك بن حمير بن سبا ابن يشجب بن يعرب بن قحطان.
ذكر ان أم زيد- وهي سعدى بنت ثعلبه بن عبد عامر بن افلت بن سلسله من بنى معن- من
طيّئ- زارت قومها وزيد معها، فاغارت خيل لبنى القين بن جسر في الجاهلية، فمروا على
ابيات بنى معن رهط أم زيد فاحتملوا زيدا، وهو يومئذ غلام يفعه قد اوصف، فوافوا به
سوق عكاظ، فعرضوه للبيع، فاشتراه منهم حكيم بن حزام بن خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ
بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قضى لعمته خديجه بنت خويلد بأربعمائة درهم، فلما
تزوجها رسول الله ص وهبته له، فقبضه رسول الله ص اليه، وقد كان أبوه حارثة بن
شراحيل حين فقده، قال:
بكيت على زيد ولم ادر ما فعل أحي يرجى أم اتى دونه الأجل فو الله ما ادرى وان كنت
سائلا اغالك سهل الارض أم غالك الجبل فيا ليت شعرى هل لك الدهر رجعه فحسبي من
الدنيا رجوعك لي بجل تذكرنيه الشمس عند طلوعها وتعرض ذكراه إذا قارب الطفل وان هبت
الارواح هيجن ذكره فيا طول ما حزنى عليه وما وجل ساعمل نص العيس في الارض جاهدا
ولا اسام التطواف او تسام الإبل حياتي او تأتي على منيتي وكل امرئ فان وان غره
الأمل واوصى به عمرا وقيسا كليهما واوصى يزيدا ثم من بعدهم جبل قال: يريد جبله بن
حارثة أخا زيد بن حارثة، وكان اكبر من زيد، ويعنى بيزيد أخا زيد لامه، وهو يزيد بن
كعب بن شراحيل
(11/495)
وحج
ناس من كلب فرأوا زيدا فعرفهم وعرفوه فقال: ابلغوا اهلى هذه الأبيات، فانى اعلم
انهم قد جزعوا على، وقال:
الكنى الى قومى وان كنت نائيا ... بانى قطين البيت عند المشاعر
فكفوا من الوجد الذى قد شجاكم ... ولا تعملوا في الارض نص الأباعر
فانى بحمد الله في خير اسره ... كرام معد كابرا بعد كابر
فانطلق الكلبيون، فاعلموا أباه، فقال: ابنى ورب الكعبه، ووصفوا له موضعه وعند من
هو، فخرج حارثة وكعب ابنا شراحيل بفدائه، وقدما مكة فسألا عن النبي ص فقيل: هو في
المسجد، فدخلا عليه، فقالا:
يا بن عبد الله يا بن عبد المطلب يا بن هاشم، يا بن سيد قومه: أنتم اهل حرم الله
وجيرانه وعند بيته تفكون العاني، وتطعمون الأسير، جئناك في ابننا عندك، فامنن
علينا، واحسن إلينا في فدائه فانا سنرفع لك في الفداء.
قال: من هو؟ قالوا زيد بن حارثة فقال رسول الله ص:
فهلا غير ذلك؟ قالوا: ما هو؟ قال: ادعوه فاخيره، فان اختاكم فهو لكما بغير فداء
وان اختارني فو الله ما انا بالذي اختار على من اختارني أحدا، فقالا: قد زدتنا على
النصف واحسنت، فدعاه فقال: تعرف هؤلاء؟ قال: نعم قال: من هما؟
قال: هذا ابى، وهذا عمى، قال: فانا من قد علمت وعرفت، ورايت صحبته لك فاخترنى او
اخترهما، فقال زيد: ما انا بالذي اختار عليك أحدا أنت منى مكان الأب والعم، فقالا
له: ويحك يا زيد! اتختار العبودية على الحرية، وعلى ابيك وعمك واهل بيتك! قال:
نعم، انى قد رايت من هذا الرجل شيئا ما انا بالذي اختار عليه أحدا ابدا، فلما راى
ذلك رسول الله ص اخرجه الى الحجر فقال: يا من حضر، اشهدوا ان زيدا ابنى، ارثه
ويرثني، فلما راى ذلك أبوه وعمه طابت أنفسهما وانصرفا، فدعى زيد بن محمد حتى جاء
الله عز وجل بالإسلام، حدثنى بذلك كله الحارث عن ابن سعد عن هشام بن محمد عن ابيه
وعن جميل ابن مرثد الطائي وغيرهما.
وقد ذكر بعض الحديث عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عباس وقال في
اسناده،
(11/496)
فزوجه
رسول الله ص زينب بنت جحش بن رئاب الأسدية وأمها اميمه بنت عبد المطلب بن هاشم،
فطلقها زيد بعد ذلك فتزوجها رسول الله ص، فتكلم المنافقون في ذلك، وطعنوا فيه،
وقالوا: محمد يحرم نساء الولد، وقد تزوج امراه ابنه زيد! فانزل الله عز وجل: مَا
كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ
النَّبِيِّينَ الى آخر الآية وقال: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ فدعى يومئذ زيد بن
حارثة، ودعى الأدعياء الى آبائهم، فدعى المقداد الى عمرو- وكان يقال له المقداد بن
الأسود.
وكان الأسود بن عبد يغوث قد تبناه وقتل زيد في جمادى الاولى من هذه السنه وهو ابن
خمس وخمسين سنه، وكان يكنى أبا سلمه فيما قيل، فقال محمد بن عمر: حدثنا محمد بن
الحسن ابن اسامه بن زيد، عن ابيه قال: كان بين رسول الله ص وبين زيد عشر سنين،
رسول الله ص اكبر منه، وكان زيد رجلا قصيرا آدم شديد الأدمة في انفه فطس، وكان
يكنى أبا اسامه، وشهد زيد بدرا وأحدا واستخلفه رسول الله ص على المدينة حين خرج
الى المريسيع، وشهد الخندق والحديبية وخيبر، وكان من الرماه المذكورين من أصحاب
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال: وثابت بن الجذع من بنى سلمه من الانصار، وهو ثابت بن ثعلبه بن زيد ابن الحارث
بن حرام بن كعب، والجذع ثعلبه بن زيد وسمى بذلك فيما قيل لشدة قلبه وصرامته ويقال
أيضا ثابت بن ثعلبه الجذع وشهد ثابت العقبه مع السبعين الذين بايعوا رسول الله ص
ليله العقبه من الانصار وشهد بدرا وأحدا والخندق والحديبية وخيبر وفتح مكة ويوم
حنين والطائف وقتل يومئذ شهيدا.
(11/497)
قال:
وفي سنه تسع من الهجره
ماتت أم كلثوم ابنه رسول الله ص في شعبان، فصلى عليها رسول الله ص، ونزل في
حفرتها- فيما قيل- على بن ابى طالب ع والفضل بن العباس واسامه بن زيد، وهي التي
روى عن أم عطية انها قالت: غسلت احدى بنات النبي ص.
وروى عن انس بن مالك ان النبي ص قال لما وضعت في قبرها:
لا ينزل في قبرها احد قارف اهله الليلة، وقال: افيكم احد لم يقارف اهله الليلة؟
فقال ابو طلحه: انا يا رسول الله، فقال: انزل، فنزل.
قال: وفي سنه احدى عشر من الهجره
توفيت فاطمه ابنه محمد ص، لثلاث ليال خلون من شهر رمضان، وهي ابنه تسع وعشرين سنه
او نحوها وقد اختلف في وقت وفاتها فروى عن ابى جعفر محمد بن على ع، انه قَالَ:
توفيت فاطمة عليها السلام بعد النَّبِيّ ص بثلاثة اشهر.
واما عبد الله بن الحارث فانه فيما روى يزيد بن ابى زياد عنه، قال: توفيت فاطمه
ابنه رسول الله ص بعد رسول الله بثمانية اشهر.
وقال محمد بن عمر: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنِ
عائشة، قَالَ:
وحدثنا ابن جريج عن الزهري عن عروه، ان فاطمه عليها السلام توفيت بعد النبي ص بسته
اشهر.
قال ابن عمر: وهو الثبت عندنا
(11/498)
قال:
توفيت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان سنه احدى عشر.
وذكر عن جعفر بن محمد ع انه قال: كانت كنيه فاطمه عليها السلام أم أبيها.
قال: وابو العاص بن الربيع ابن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف ابن قضى واسمه
مقسم وأمه هاله ابنه خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قصى،
وخالته خديجه ابنه خويلد زوج رسول الله ص، وكان رسول الله ص زوجه ابنته زينب ابنه
رسول الله قبل الاسلام، فولدت له عليا وامامه، فتوفى على وهو صغير وبقيت امامه
فتزوجها على بن ابى طالب ع بعد وفاه فاطمه ابنه محمد رسول الله ص.
وكان ابو العاص بن الربيع فيمن شهد بدرا مع المشركين فاسره عبد الله بن جبير ابن
النعمان الأنصاري، فلما بعث اهل مكة في فداء أساراهم قدم في فداء ابى العاص اخوه
عمرو بن ربيع.
فحدثنا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ عَنْ مُحَمَّدِ، قال: حدثنى
يحيى ابن عباد بن عبد الله بن الزبير عن ابيه عباد، عن عائشة، قَالَتْ: لَمَّا
بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أساراهم، بعثت زينب بنت رسول الله ص في فداء
ابى العاص بمال، وبعثت فيه بقلاده كَانَتْ خَدِيجَةُ أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى
أَبِي الْعَاصِ حِينَ بَنَى عَلَيْهَا.
قَالَتْ: فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ الله ص رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً وَقَالَ
إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي
لَهَا فَافْعَلُوا، فَقَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فاطلقوه وردوا عليها
الذى لها.
ولم يزل ابو العاص معها على شركه حتى إذا كان قبيل الفتح، فتح مكة خرج بتجاره الى
الشام وباموال من اموال قريش ابضعوها معه، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ تِجَارَتِهِ
وَأَقْبَلَ قَافِلا لَقِيَتْهُ سريه لرسول الله ص وقيل: ان رسول الله ص كان هو
الذى وجه السريه للعير التي كان فيها ابو العاص قافلة من الشام، وكانوا سبعين
ومائه راكب، أميرهم زيد بن حارثة، وذلك في جمادى الاولى من سنه ست من الهجره،
فأخذوا في تلك العير من الاثقال، وأسروا أناسا ممن كان في العير، فاعجزهم ابو
العاص هربا، فلما قدمت السريه بما
(11/499)
أصابوا
اقبل ابو العاص من الليل، حتى دخل على زينب ابنه رسول الله ص عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَاسْتَجَارَ بِهَا فَأَجَارَتْهُ فِي طَلَبِ ماله، فلما خرج رسول الله ص الى صلاه
الصبح، وكبر وكبر الناس معه، فحدثنا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ
عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رومان، قال: صرخت
زينب: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ أَبَا الْعَاصِ بن الربيع، فلما
سلم رسول الله ص من الصلاة، اقبل على الناس، فقال: يايها النَّاسُ، هَلْ
سَمِعْتُمْ مَا سَمِعْتُ؟ قَالُوا، نَعَمْ، [قَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ
مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا عَلِمْتُ بِشَيْءٍ كَانَ حَتَّى سَمِعْتُ مِنْهُ مَا
سَمِعْتُمْ، إِنَّهُ يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ:] ثُمَّ انصرف رسول
الله ص، فدخل على ابنته زينب، فقال: اى بنيه، اكرمى مثواه ولا يخلصن إليك فإنك لا
تحلين له.
قال ابن إسحاق: وحدثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَى السَّرِيَّةِ الَّذِينَ أَصَابُوا
مَالَ أَبِي الْعَاصِ [فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ
عَلِمْتُمْ، وَقَدْ أَصَبْتُمْ لَهُ مَالًا، فَإِنْ تُحْسِنُوا تَرُدُّوا عَلَيْهِ
الَّذِي لَهُ، فَإِنَّا نُحِبُّ ذلك، وان ابيتم ذلك فهو فيء الله الذى افاءه
إليكم، وأنتم أَحَقُّ بِهِ،] قَالُوا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ بَلْ نَرُدُّهُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَرَدُّوا عَلَيْهِ مَالَهُ،
حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِي بِالْحَبْلِ، وَيَأْتِي الرَّجُلُ بِالشَّنَّةِ
وَالإِدَاوَةِ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَأْتِي بِالشِّظَاظِ حَتَّى ردوا عليه
ما له بِأَسْرِهِ، لا يَفْقِدُ مِنْهُ شَيْئًا ثُمَّ احْتُمِلَ إِلَى مَكَّةَ
فَأَدَّى إِلَى كُلِّ ذِي مَالٍ من قريش ما له مِمَّنْ كَانَ أَبْضَعَ مَعَهُ،
ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَلْ بَقِيَ لأَحَدٍ مِنْكُمْ عِنْدِي مال لم
يأخذه؟ قالوا: لا، جزاك اللَّهُ خَيْرًا، فَقَدْ وَجَدْنَاكَ وَفِيًّا كَرِيمًا،
قَالَ:
فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وأن مُحَمَّدا عبده ورسوله، وما
مَنَعَنِي مِنَ الإِسْلَامِ عِنْدَهُ إِلَّا تَخَوَّفُ أَنْ تَظُنُّوا أَنِّي
إِنَّمَا أَرَدْتُ أَكْلَ أَمْوَالِكُمْ، فَلَمَّا أداها الله عز وجل إليكم
وَفَرَغْتُ مِنْهَا أَسْلَمْتُ- ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ على رسول الله ص.
قال ابن إسحاق: فَحَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى
ابن عباس، عن ابن عباس قال: رد رسول الله ص زينب بالنكاح الاول لم يحدث
(11/500)
شيئا
بعد ست سنين ثم ان أبا العاص رجع الى مكة بعد ما اسلم، فلم يشهد مع النبي ص مشهدا،
ثم قدم المدينة بعد ذلك، وتوفى في ذي الحجه سنه اثنتى عشره في خلافه ابى بكر واوصى
الى الزبير بن العوام.
قال: وذكر هشام بن محمد ان معروف بن خربوذ المكى حدثه قال: خرج ابو العاص بن
الربيع في بعض أسفاره الى الشام، فذكر امراته زينب ابنه رسول الله ص فأنشأ يقول:
ذكرت زينب لما وركت ارما ... فقلت سقيا لشخص يسكن الحرما
بنت الامين جزاها الله صالحه ... وكل بعل سيثنى بالذي علما
قال: وعكرمه بن ابى جهل- واسم ابى جهل عمرو بْن هشام بْن المغيرة بْن عبد اللَّه
ابن عمر بن مخزوم- ذكر محمد بن عمر ان أبا بكر بْن عبد الله بْن أبي سبرة حدثه
عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي حَبِيبَةَ مولى الزبير عن عبد الله بن
الزبير، قال: لما كان يوم فتح مكة هرب عكرمه بن ابى جهل الى اليمن، وخاف ان يقتله
رسول الله ص، وكانت امراته أم حكيم ابنه الحارث بن هشام امراه لها عقل، وكانت قد
اتبعت رسول الله ص، فجاءت الى رسول الله ص فقالت: ابن عمى عكرمه قد هرب منك الى
اليمن، وخاف ان تقتله، فآمنه قال: قد آمنته بأمان الله، فمن لقيه فلا يعرض له،
فخرجت في طلبه، فأدركته في ساحل من سواحل تهامه، وقد ركب البحر، فجعلت تليح اليه
وتقول: يا بن عم، جئتك من اوصل الناس، وابر الناس، وخير الناس لا تهلك نفسك، وقد
استامنت لك منه فامنك فقال: أنت فعلت ذلك؟ قالت:
نعم، انا كلمته فامنك، فرجع معها، فلما دنا من مكة [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابه: ياتيكم عكرمه بن ابى جهل مؤمنا مهاجرا، فلا
تسبوا أباه، فان سب الميت يؤذى الحى، ولا يبلغ الميت] قال: فقدم عكرمه، فانتهى الى
باب رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته معه، فسبقته فاستأذنت على رسول الله ص،
فدخلت فاخبر عمر رسول الله ص بقدوم
(11/501)
عكرمه
فاستبشر، ووثب قائما على رجليه، وما على رسول الله ص رداء، فرحا بعكرمه، وقال:
أدخليه، فدخل فقال: يا محمد، ان هذه أخبرتني انك آمنتنى، فقال رسول الله ص: فأنت
آمن، قال عكرمه: فقلت أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شريك له
وانك عبد الله ورسوله، وقلت: أنت ابر الناس، واصدق الناس، واوفى الناس، اقول ذلك
وانى لمطأطئ راسى استحياء منه ثم قلت: يا رسول الله استغفر لي كل عداوة عاديتكها،
او مركب او ضعت فيه، اريد اظهار الشرك، فقال رسول الله ص: اللهم اغفر لعكرمه كل
عداوة عادانيها، او مركب او ضع فيه، يريد ان يصد عن سبيلك، قلت:
يا رسول الله، مرني بخير ما تعلم، فاعلمه قال: قل أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدا عبده ورسوله، وجاهد في سبيله ثم قال عكرمه: اما والله
يا رسول الله، لا ادع نفقه كنت أنفقها في صد عن سبيل الله الا انفقت ضعفها في سبيل
الله عز وجل ثم اجتهد في القتال حتى قتل شهيدا يوم اجنادين في خلافه ابى بكر، وقد
كان رسول الله ص استعمله عام حجه على هوازن يصدقها، فتوفى رسول الله ص وعكرمه
يومئذ بتباله.
قال: وممن هلك سنه اربع عشره من الهجره
نوفل بن الحارث بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مناف، وكان
يكنى أبا الحارث بابنه الحارث، وكان نوفل- فيما قيل- اسن من اسلم من بنى هاشم،
وكان اسن من عميه حمزه والعباس واسن من اخوته: ربيعه وابى سفيان وعبد شمس بنى الحارث،
واسر نوفل بن الحارث ببدر.
قال ابن سعد: أخبرنا على بن عيسى النوفلي عن ابيه، عن عمه إسحاق بن عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، قَالَ: لما
اسر نوفل ابن الحارث ببدر، [قال له رسول الله ص: افد نفسك يا نوفل، قال: ما لي شيء
افدى به يا رسول الله، قال: افد نفسك برماحك التي بجده،
(11/502)
قال:
اشهد انك رسول الله، وفدى نفسه بها، وكانت الف رمح،] وآخى رسول الله ص بين نوفل
والعباس بن عبد المطلب، وكانا قبل ذلك شريكين في الجاهلية متفاوضين في المال
متحابين، وشهد نوفل مع رسول الله ص فتح مكة وحنينا والطائف، وثبت يوم حنين مع رسول
الله ص، واعان رسول الله ص في غزوه حنين بثلاثة آلاف رمح، فقال له رسول الله ص:
كأني انظر الى رماحك يا أبا الحارث تقصف اصلاب المشركين.
وتوفى نوفل بن الحارث بعد ان استخلف عمر بن الخطاب بسنه وثلاثة اشهر فصلى عليه
عمر، ثم مشى معه الى البقيع، حتى دفن هناك.
وابو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، كان أخا رسول الله ص من الرضاعه
ارضعته حليمه أياما وكان يألف رسول الله ص فلما بعث رسول الله ص عاداه وهجاه وهجا
اصحابه، فمكث عشرين سنه مناصبا لرسول الله، لا يتخلف عن موضع تسير فيه قريش لقتال
رسول الله ص فلما ذكر شخوص رسول الله ص الى مكة عام الفتح القى الله عز وجل في
قلبه الاسلام، فتلقى رسول الله ص تلقيه قبل نزوله الأبواء، فاسلم هو وابنه جعفر،
وخرج مع رسول الله ص، فشهد فتح مكة وحنينا.
قال ابو سفيان: فلما لقينا العدو بحنين اقتحمت عن فرسي وبيدي السيف صلتا، والله
يعلم انى اريد الموت دونه، وهو ينظر الى فقال العباس: يا رسول الله، هذا اخوك وابن
عمك ابو سفيان بن الحارث، فارض عنه، قال: قد فعلت، فغفر الله عز وجل له عداوة
عادانيها، ثم التفت الى فقال: أخي لعمري! فقبلت رجله في الركاب.
قالوا: ومات ابو سفيان بن الحارث بالمدينة بعد أخيه نوفل بن الحارث باربعه اشهر
الا ثلاث عشره ليله، ويقال: بل مات سنه عشرين وصلى عليه
(11/503)
عمر
بن الخطاب، ودفن في ركن دار عقيل بن ابى طالب بالبقيع، وكان هو الذى حفر قبر نفسه
قبل ان يموت بثلاثة ايام.
قال: وممن قتل في سنه ست عشره
سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس بن عمرو بن زيد بن اميه بن زيد، وهو الذى يقال له:
سعد القارئ، ويكنى أبا زيد، وهو احد السته الذين روى عن انس بن مالك انهم جمعوا
القرآن على عهد رسول الله ص، شهد بدرا واحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله
ص، وقتل يوم القادسية شهيدا سنه ست عشره، وهو ابن اربع وستين سنه.
وفيها كانت وفاه مارية أم ابراهيم بن رسول الله ص فصلى عليها عمر بن الخطاب،
وقبرها بالبقيع.
ذكر من قتل او مات منهم في سنه ثلاث وعشرين من الهجره
قال: منهم عمر بْن الْخَطَّاب بْن نفيل بْن عبد العزى بن رياح بن عبد الله ابن قرط
بْن رزاح بْن عدي بْن كعب، وكان يكنى أبا حفص.
قال ابن سعد: أخبرنا يعقوب بْن إبراهيم بْن سعد، عن ابيه، عن صالح ابن كيسان، قال:
قال ابن شهاب: بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أول من قال لعمر: الفاروق، وكان المسلمون
يأثرون ذلك من قولهم ولم يبلغنا ان رسول الله ص ذكر من ذلك شيئا.
قال ابن عمر: حدثني أبو بكر بن إسماعيل بن محمد بْن سعد عن أبيه قال:
طعن عمر يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، ودفن يوم
الأحد صباح هلال المحرم سنه اربع وعشرين.
قال: وممن توفى سنه اثنتين وثلاثين من الهجره
الطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، أخو عبيده بن الحارث الذى بارز عتبة بن
ربيعه يوم بدر، وشهد الطفيل بن الحارث بدرا وأحدا والمشاهد كلها مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ ص، وتوفى سنه اثنتين وثلاثين وهو ابن سبعين سنه.
والحصين بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، وهو أخو عبيده والطفيل ابنى الحارث،
توفى في هذه السنه بعد أخيه الطفيل باشهر، وقد شهد الحصين بدرا وأحدا والمشاهد
كلها مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص.
والعباس بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مناف عم رسول الله ص
أمه نتيلة ابنه جناب بن كليب بن مالك بن عمرو بن عامر بن زيد مناه ابن عامر وهو
الضحيان بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط بن هنب بن افصى بن دعمى بن
جديله بن اسد بن ربيعه بن نزار بن معد بن عدنان.
وكان العباس يكنى أبا الفضل، وكان الفضل اكبر ولده، وكان العباس- فيما قيل- اسن من
رسول الله ص بثلاث سنين ولد رسول الله ص عام الفيل، وولد العباس رحمه الله قبل ذلك
بثلاث سنين، وشهد العباس مع رسول الله ص فتح مكة وحنينا والطائف وتبوك، وثبت معه
يوم حنين في اهل بيته حين انكشف الناس عنه.
قال ابن عمر: حدثنا خالد بن القاسم البياضي، قال: أخبرني شعبه مولى ابن عباس، قال:
كان العباس معتدل القناه، وكان يخبرنا عن عبد المطلب انه مات وهو اعدل قناه منه،
وتوفى العباس يوم الجمعه لاربع عشره ليله خلت من رجب سنه ثنتين وثلاثين في خلافه
عثمان بن عفان، وهو ابن ثمان وثمانين سنه، ودفن بالبقيع في مقبره بنى هاشم.
وذكر ان الذى ولى غسل العباس حين مات على بن ابى طالب وعبد الله وعبيد الله وقثم
بن العباس وروى عن محمد بن على انه كان يقول: مات العباس بن عبد المطلب سنه اربع
وثلاثين، وصلى عليه عثمان ودفن بالبقيع.
(11/504)
ذكر
من مات او قتل منهم في سنه ثلاث وثلاثين من الهجره
قال: منهم المقداد بن عمرو بن ثعلبه بن مالك بن ربيعه بن ثمامة بن مطرود ابن عمرو
بن سعد بن زهير- وكان بعضهم يقول ابن سعد بن دهير- بن لؤي بن ثعلبه ابن مالك بن
الشريد بن اهون بن فاس بن دريم بن القين بن اهود بن بهراء بن عمرو ابن الحاف بن
قضاعه وكان يكنى أبا معبد.
وكان حالف الأسود بن عبد يغوث الزهري في الجاهلية فتبناه، فكان يقال له: المقداد
بن الأسود فلما نزل القرآن: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ: قيل له المقداد بن عمرو.
وهاجر المقداد الى ارض الحبشه الهجره الثانيه في روايه ابن إسحاق وابن عمر، وشهد
المقداد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله ص وكان من الرماه
المذكورين من اصحاب رسول الله ص.
قَالَ ابن سعد: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْن
يعقوب، عن عمته عن أمها كريمه ابنه المقداد، انها وصفت أباها لهم، فقالت: كان رجلا
طوالا آدم ذا بطن كثير شعر الراس يصفر لحيته وهي حسنه، ليست بالعظيمة ولا
بالخفيفة، اعين مقرون الحاجبين اقنى قالت: ومات المقداد بالجرف على ثلاثة اميال من
المدينة، فحمل على رقاب الرجال حتى دفن بالمدينة، وصلى عليه عثمان بن عفان وذلك
سنه ثلاث وثلاثين، وكان يوم مات ابن سبعين سنه او نحوها.
قال ابن سعد: وأخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ
ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ، عن ابى فائد، ان المقداد بن الأسود شرب دهن الخروع فمات
(11/506)
قال:
وممن قتل في سنه ست وثلاثين من الهجره
الزبير بن العوام بن خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قصى كان
قديم الاسلام قيل كان رابعا او خامسا حين اسلم، واسلم- فيما ذكر هشام بن عروه عن
ابيه، قال: - اسلم الزبير، وهو ابن ست عشره سنه، ولم يتخلف عن غزوه غزاها رسول
الله ص، وقتل وهو ابن بضع وخمسين سنه قال: وهاجر الى ارض الحبشه الهجرتين معا،
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخى بينه وبين ابن
مسعود، وكان- فيما ذكر- رجلا ليس بالطويل، ولا بالقصير، خفيف اللحية، اسمر اللون
اشعر.
حدثنى الحارث قال حدثنا عبد الله بن مسلمه بن قعنب قال: حدثنا سفيان ابن عيينه
قال: اقتسم ميراث الزبير على اربعين الف الف وقالوا: خرج الزبير يوم الجمل، وذلك
يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة من هذه السنه بعد الوقعه عَلَى فَرَسٍ لَهُ
يُقَالُ لَهُ ذُو الْخِمَارِ، منطلقا نحو المدينة، فقتل بوادي السباع، ودفن هنالك
وذكر عن عروه انه قال: قتل ابى يوم الجمل، وقد زاد على الستين اربع سنين.
وطلحه بن عبيد الله بن عثمان بن عَمْرو بن كعب بن سَعْدِ بْنِ تيم بن مره، وكان
يكنى أبا محمد، وأمه الصعبه ابنه عبد الله الحضرمى قتل يوم الجمل، قتله مروان بن
الحكم، وكان له ابن يقال له محمد، وهو الذى يدعى السجاد، وبه كان طلحه يكنى، وقتل
مع ابيه طلحه يوم الجمل، وكان طلحه قديم الاسلام، ولم يشهد بدرا.
(11/507)
ذكر
من مات او قتل منهم في سنه سبع وثلاثين من الهجره
منهم عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانه بن قيس بن الحصين بن الوذيم بن ثعلبه
بن عوف بن حارثة بن عامر الاكبر بن يام بن عنس، وهو زيد ابن مالك بن أدد بن زيد بن
يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وبنو مالك بن أدد
من مذحج.
ذكر ان ياسر بن عامر ربى عمار بن ياسر واخويه الحارث ومالكا، قدموا من اليمن الى
مكة، في طلب أخ لهم، فرجع الحارث ومالك الى اليمن، واقام ياسر بمكة، وحالف أبا
حذيفة بْن المغيرة بْن عبد الله بْن عمر بن مخزوم وزوجه ابو حذيفة أمه له، يقال
لها سميه بنت خباط، فولدت له عمارا فاعتقه ابو حذيفة، ولم يزل ياسر وعمار مع ابى
حذيفة الى ان مات وجاء الله بالإسلام فاسلم ياسر وسميه وعمار واخوه عبد الله بن
ياسر، وكان لياسر ابن اكبر من عمار وعبد الله يقال له حريث، فقتلته بنو الديل في
الجاهلية، وخلف على سميه بعد ياسر الأزرق، وكان روميا غلاما للحارث بن كلده
الثقفى، وهو ممن خرج يوم الطائف الى النبي ص مع عبيد اهل الطائف وفيهم ابو بكره،
فاعتقهم رسول الله ص فولدت للأزرق سلمه بن الأزرق، فهو أخو عمار لامه، ثم ادعى ولد
سلمه ان الارزق بن عمرو بن الحارث بن ابى شمر من غسان وانه حليف لبنى اميه وشرفوا
بمكة، وتزوج الأزرق وولده في بنى اميه، كان لهم منهم اولاد وكان عمار يكنى أبا
اليقظان، وهاجر عمار بن ياسر في قول جميع من ذكرت من اهل السير الى ارض الحبشه
الهجره الثانيه.
وذكر ابن عمر عن عبد الله بن جعفر ان رسول الله ص آخى بين عمار بن ياسر وحذيفة بن
اليمان، قال عبد الله بن جعفر: ان لم يكن حذيفة شهد بدرا، فان اسلامه كان قديما،
وقالوا جميعا: شهد عمار بن ياسر بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله ص
قال ابن عمر:
(11/508)
حدثنى
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن عمر.
قال: رايت عمار بن ياسر يوم اليمامه على صخره وقد اشرف، يصيح: يا معشر المسلمين،
امن الجنه تفرون؟ انا عمار بن ياسر، هلم الى، وانا انظر الى اذنه قد قطعت فهى
تذبذب وهو يقاتل أشد القتال.
قال ابن عمر: وحدثنى عبد الله بن ابى عبيده عن ابيه، عن لؤلؤه مولاه أم الحكم بنت
عمار بن ياسر، قالت: لما كان اليوم الذى قتل فيه عمار، والراية يحملها هاشم بن
عتبة، وقد قتل اصحاب على ع ذلك اليوم حتى كانت العصر، ثم تقرب عمار من وراء هاشم
يقدمه، وقد جنحت الشمس للغروب، ومع عمار ضيح من لبن ينتظر وجوب الشمس ان يفطر،
فقال حين وجبت الشمس وشرب الضيح: سمعت رسول الله ص يقول: آخر زادك من الدنيا ضيح
من لبن قال: ثم اقترب فقاتل حتى قتل وهو ابن اربع وتسعين سنه رحمه الله.
قال ابن عمر: حدثنى عبد الله بن الحارث، عن ابيه، عن عماره بن خزيمة ابن ثابت،
قال: شهد خزيمة بن ثابت الجمل وهو لا يسل سيفا، وشهد صفين وقال: انا لا أضل ابدا،
حتى يقتل عمار فانظر من يقتله، [فانى سمعت رسول الله ص يقول: تقتله الفئة
الباغيه،] قال: فلما قتل عمار قال خزيمة:
قد بانت لي الضلالة، ثم اقترب فقاتل حتى قتل.
وكان الذى قتل عمار بن ياسر ابو غاديه المزنى، طعنه برمح فسقط وكان يومئذ يقاتل في
محفه فقتل يومئذ وهو ابن اربع وتسعين فلما وقع أكب عليه رجل آخر فاحتز راسه فاقبلا
يختصمان فيه كلاهما يقول: انا قتلته، فقال عمرو ابن العاص: والله ان يختصمان الا
في النار، فسمعها منه معاويه فلما انصرف الرجلان قال معاويه لعمرو: ما رايت مثل ما
صنعت، قوم بذلوا انفسهم دوننا تقول لهما: انكما تختصمان في النار! فقال عمرو: هو
والله ذاك، والله انك
(11/509)
لتعلمه
ولوددت انى مت قبل هذا بعشرين سنه.
قال ابن عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ ابن ابى عون
قال: قتل عمار وهو ابن احدى وتسعين سنه، وكان اقدم في الميلاد من رسول الله صلى
الله تعالى عليه وسلم، وكان اقبل اليه ثلاثة نفر: عقبه بن عامر الجهنى وعمر بن
الحارث الخولاني، وشريك بن سلمه المرادى، فانتهوا اليه جميعا وهو يقول: والله لو
ضربتمونا حتى تبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا انا على حق وأنتم على باطل، فحملوا عليه
جميعا فقتلوه.
وزعم بعض الناس ان عقبه بن عامر هو الذى قتله، ويقال: بل الذى قتله عمر بن الحارث
الخولاني.
قَالَ أَبُو جَعْفَر: وأما هِشَام بن مُحَمَّد، فانه ذكر عن ابى مخنف، ان عمارا لم
يزل بهاشم بن عتبة حتى حمل ومع هاشم اللواء، فنهض عمار في كتيبته، ونهض اليه ذو
الكلاع في كتيبته، فاقتتلوا فقتلا جميعا، واستؤصلت الكتيبتان، وحمل على عمار حوى
السكسكى وابو غاديه المزنى فقتلاه، فقيل لأبي الغاديه: كيف قتلته؟ قال: لما دلف
إلينا في كتيبته ودلفنا اليه نادى: هل من مبارز؟ فبرز اليه رجل من السكاسك،
فاضطربا بسيفيهما فقتل عمار السكسكى، ثم نادى:
هل من مبارز؟ فبرز اليه رجل من حمير فاضطربا بسيفيهما، فقتل عمار الحميرى واثخنه
الحميرى ونادى: من يبارز؟ فبرزت، فاختلفنا ضربتين، وقد كانت يده ضعفت فانتحى عليه
بضربه اخرى، فسقط، فضربته بسيفي حتى برد قال:
ونادى الناس: قتلت أبا اليقظان، قتلك الله! فقلت: اذهب إليك فو الله ما أبالي من
كنت، وبالله ما اعرفه يومئذ، فقال له محمد بن المنتشر: يا أبا الغاديه خصمك يوم
القيامه مازندر- يعنى ضخما-، قال: فضحك.
قال ابن عمر: وحدثنا عبد الله بْن أبي عبيدة بْن محمد بن عمار عن ابيه عن لؤلؤه
مولاه أم الحكم بنت عمار، انها وصفت لهم عمارا، فقالت: كان رجلا آدم
(11/510)
طوالا
مضطربا، اشهل العينين، بعيد ما بين المنكبين، وكان لا يغير شيبه.
قال ابن عمر: الذى اجمع عليه في عمار انه قتل رحمه الله مع على بن ابى طالب ع
بصفين في صفر سنه سبع وثلاثين وهو ابن ثلاث وتسعين، ودفن هنالك بصفين.
وعبد الله بن بديل بن ورقاء بن عبد العزى بن ربيعه بن جرى بن عامر بن مازن بن عدى
بن عمرو بن ربيعه شهد مع النبي ص فتح مكة وحنينا وتبوك، وقتل يوم صفين مع امير
المؤمنين على بن ابى طالب ع.
وخزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبه بن ساعده بن عامر بن غيان بن عامر ابن خطمه بن
جشم بن مالك بن الأوس، وهو ذو الشهادتين، يكنى أبا عماره.
وكان لخزيمه اخوان، يقال لأحدهما: وحوح وللآخر عبد الله، وكانت رايه خطمه بيده في
غزوه الفتح، وشهد خزيمة مع على بن ابى طالب ع صفين، وقتل يومئذ سنه سبع وثلاثين من
الهجره.
وسعد بن الحارث بن الصمة بن عمرو بن عتيك بن عمرو بن مبذول، وهو عامر بن مالك بن
النجار، صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد مع على بن ابى طالب ع صفين، وقتل
يومئذ وهو أخو ابى جهيم بن الحارث بن الصمة.
وابو عمره، واسمه بشير بن عمرو بن محصن بن عمرو بن عتيك بن عمرو ابن مبذول، وهو
ابو عبد الرحمن بن ابى عمره، الذى روى عن عثمان بن عفان، وقتل ابو عمره بصفين مع
على بن ابى طالب ع.
وهاشم بن عتبة بن ابى وقاص بْن أهيب بْن عبد مناف بْن زهرة اسلم بن هاشم بن عتبة
يوم فتح مكة وهو المرقال، وكان اعور فقئت عينه يوم اليرموك، وهو ابن أخي سعد بن
ابى وقاص شهد صفين مع على بن ابى طالب ع وكان يومئذ على الرجاله، وهو الذى يقول:
أعور يبغي أهله محلا ... قَدْ عالج الحياة حَتَّى ملا.
لا بد أن يفل او يفلا
(11/511)
وقتل
يوم صفين.
وابو فضالة الأنصاري، من اهل بدر، قتل مع على ع بصفين.
وسهل بن حنيف بن واهب بن العكيم بن ثعلبه بن عمرو بن الحارث بن مجدعه ابن عمرو بن
حنش بن عوف بن عمرو بن عوف، ويكنى أبا سعد، وقيل: يكنى أبا عبد الله، وجده عمرو بن
الحارث، وهو الذى يقال له: بحزج.
[وشهد سهل بدرا وأحدا، وثبت مع رسول الله ص يوم احد حين انكشف الناس عنه، وبايعه
على الموت، وجعل ينضح يومئذ بالنبل، عن رسول الله ص، فقال رسول الله ص: نبلوا
سهلا، فانه سهل] وشهد أيضا الخندق والمشاهد كلها مع رسول الله ص، وشهد سهل بن حنيف
صفين مع على بن ابى طالب ع.
قال ابن عمر: حدثنى عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن محمد بن ابى امامه ابن سهل عن
ابيه، قال: مات سهل بن حنيف بالكوفه سنه ثمان وثلاثين وصلى عليه على بن ابى طالب
ع.
ذكر من مات منهم او قتل سنه اربعين
فممن قتل منهم فيها امير المؤمنين على بن ابى طالب ع واسم أبي طالب عبد مناف بْنِ
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مناف بن قصى، وكان يكنى أبا الحسن
ضرب- فيما قيل- ليله الجمعه لسبع عشره خلت من شهر رمضان منها، ومات ليله الأحد
لإحدى عشره بقيت منه منها، وقد مضت اخباره في كتابنا المسمى المذيل.
وذكر عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فروه، انه قال: سالت أبا جعفر
محمد ابن على ع قال: قلت: ما كانت صفه على ع؟ قَالَ: رَجُلٌ آدَمُ شَدِيدُ
الأَدَمَةِ ثَقِيلُ الْعَيْنَيْنِ ذُو بَطْنٍ، أَصْلَعُ، هُوَ إِلَى الْقِصَرِ
أَقْرَبُ.
(11/512)
ذكر
من هلك منهم سنه خمسين
قال: منهم سعيد بن زيد بن عمرو بْن نفيل بْن عبد العزى بْن رياح بْن عبد الله ابن
قرط بْن رزاح بْن عدي بْن كعب بن لؤي، وكان يكنى أبا الأعور، وكان أبوه زيد بن
عمرو بن نفيل قد فارق دين قومه من قريش، وتوفى وقريش تبنى الكعبه، وذلك قبل ان
يوحى الى رسول الله ص بخمس سنين، [فروى عن النبي ص انه قال: يبعث أمه وحده،] واسلم
سعيد بن زيد قبل ان يدخل رسول الله ص دار الارقم، وقبل ان يدعو فيها، وشهد سعيد بن
زيد بن عمرو بن نفيل أحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله ص، ولم يشهد بدرا.
وذكر ابن عمر ان عبد الملك بن زيد من ولد سعيد بن زيد، حدثه عن ابيه، قال: توفى
سعيد بن زيد بالعقيق، فحمل على رقاب الرجال، فدفن بالمدينة ونزل في حفرته سعد وابن
عمر وذلك سنه خمسين او احدى وخمسين وكان يوم مات ابن بضع وسبعين سنه، وكان رجلا
طوالا آدم اشعر.
والمغيره بن شعبه بن ابى عامر بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو ابن سعد بن
عوف بن ثقيف، واسمه قسى بن منبه بن بكر بن هوازن بن عكرمه ابن خصفة بن قيس بن
عيلان بن مضر بن نزار، وكان يكنى أبا عبد الله، وكان يقال له: مغيره الرأي، كان
داهيه، وقدم على النبي ص فاسلم واقام معه حتى اعتمر عمره الحديبية في ذي القعده
سنه ست من الهجره.
وذكر ابن عمر ان عبد الله بْن محمد بْن عمر بْن على حدثه عن ابيه، قال:
فال على ع: لما القى المغيره بن شعبه خاتمه في قبر رسول الله ص، قلت: لا يتحدث
الناس انك نزلت في قبر رسول الله، ولا تحدث أنت الناس ان خاتمك في قبره، فنزل على
ع وقد راى موقعه، فتناوله، فدفعه اليه
(11/513)
قال
ابن عمر: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أبي مُوسَى الثقفي عَنْ أَبِيهِ، قال: مات المغيره
بالكوفه في شعبان سنه خمسين في خلافه معاويه، وهو ابن سبعين سنه.
وكان رجلا طوالا اعور، وقيل كان اصهب الشعر اكشف جعدا، يفرق راسه فروقا اربعه،
اقلص الشفتين، مهتوما ضخم الهامه، عبل الذراعين، بعيد ما بين المنكبين.
قال ابو جعفر: والحسن بن على بن ابى طالب ع، قال ابن عمر:
حدثنى عبد الله بن جعفر، عن أم بكر بنت المسور، قالت: كان الحسن بن على ع سم
مرارا، كل ذلك يفلت حتى كانت المره الآخرة التي مات فيها، فانه كان يجتلف كبده،
فلما مات اقام نساء بنى هاشم النوح عليه شهرا.
قال ابن عمر: وحدثنا حفص بن عمر عن ابى جعفر قال: مكث الناس يبكون على الحسن بن
على ع سبعا ما تقوم الاسواق.
قال ابن عمر: وحدثتنا عبيده بنت نابل عن عائشة بنت سعد، قالت:
حد نساء بنى هاشم على الحسن بن على سنه قال: وحدثنا داود بن سنان، قال: سمعت ثعلبه
بن ابى مالك، قال:
شهدنا حسن بن على ع يوم مات، ودفناه بالبقيع، ولقد رايت البقيع ولو طرحت فيها ابره
ما وقعت الا على راس انسان.
وقال على بن محمد: حدثنى مسلمه بن محارب، قال: مات الحسن بن على ع سنه خمسين في
ربيع الاول لخمس خلون منه.
قال على بن محمد: ويقال: بل مات سنه احدى وخمسين وهو ابن ست واربعين سنه.
(11/514)
ذكر
الخبر عمن مات او قتل منهم سنه ثنتين وخمسين
منهم ابو أيوب، واسمه خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبه بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك
بن النجار، وهو احد السبعين الذين بايعوا رسول الله ص ليله العقبه من الانصار في
قول جميعهم، وآخى رسول الله ص بينه وبين مصعب بن عمير، وشهد بدرا وأحدا والخندق
والمشاهد كلها، مع رسول الله ص، وتوفى عام غزا يزيد بن معاويه القسطنطينية في
خلافه ابيه معاويه، وقبره بأصل حصن القسطنطينية بأرض الروم فالروم- فيما ذكر-
يتعاهدون قبره، ويرمونه ويستسقون به إذا قحطوا.
ذكر الخبر عمن مات او قتل سنه اربع وخمسين
منهم حكيم بن حزام بن خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قصى، ذكر
ابن عمر ان المنذر بن عبد الله حدثه عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي
حَبِيبَةَ مولى الزبير، قال:
سمعت حكيم بن حزام يقول: ولدت قبل قدوم اصحاب الفيل بثلاث عشره سنه.
وانا اعقل حين اراد عبد المطلب ان يذبح ابنه عبد الله حين وقع ندره، وذلك قبل مولد
رسول الله ص بخمس سنين وشهد حكيم بن حزام مع ابيه الفجار، وقتل أبوه حزام بن خويلد
في الفجار الآخر، وكان حكيم يكنى أبا خالد، وكان له من الولد عبد الله وخالد ويحيى
وهشام، وأمهم زينب ابنه العوام بن خويلد ابن اسد بن عبد العزى بن قصى، ويقال: أم
هشام بن حكيم مليكه ابنه مالك بن سعد من بنى الحارث بن فهر.
وقد ادرك ولد حكيم بن حزام كلهم النبي ص يوم الفتح، وصحبوا رسول الله ص، وكان حكيم
بن حزام- فيما ذكر- قد بلغ عشرين ومائه سنه
(11/515)
ومر
به معاويه عام حج، فأرسل اليه بلقوح يشرب من لبنها، وذلك بعد ان ساله: اى الطعام
يأكل؟ قال: اما مضغ فلا مضغ في، فأرسل اليه باللقوح، وارسل اليه بصله، فأبى ان
يقبلها، وقال: لم آخذ بعد النبي ص شيئا، ودعانى ابو بكر وعمر الى حقي فأبيت ان
آخذه.
قال ابن عمر: وَحَدَّثَنِي ابن أبي الزناد عَنْ أَبِيهِ، قال: قيل لحكيم بن حزام:
ما المال يا أبا خالد؟ قال: قله العيال.
قال ابن عمر: وقدم حكيم بن حزام المدينة ونزلها وبنى بها دارا، ومات بالمدينة سنه
اربع وخمسين في خلافه معاويه، وهو ابن مائه وعشرين سنه.
ومخرمه بن نوفل بْن أهيب بْن عبد مناف بْن زهرة بن كلاب، وأمه رقيقه ابنه ابى صيفي
بن هاشم بن عبد مناف، فولد مخرمه صفوان، وبه كان يكنى، وهو الاكبر من ولده-
والمسور والصلت الاكبر وأم صفوان، وأمهم عاتكه ابنه عوف ابن عبد عوف بن عبد بن
الحارث بن زهره، اخت عبد الرحمن بن عوف وكانت من المهاجرات وأمها الشفاء ابنه عوف
بن عبد بن الحارث بن زهره، وهي من المهاجرات أيضا والصلت الاصغر وصفوان الاصغر
والعطاف الاكبر والعطاف الاصغر ومحمدا.
واسلم مخرمه بن نوفل عند فتح مكة، وكان عالما بنسب قريش وأحاديثها، وكانت له معرفه
بانصاب الحرم، فكان عمر يبعثه، وسعيد بن يربوع أبا هود وحويطب بن عبد العزى وازهر
بن عبد عوف، فيجددون أنصاب الحرم، لعلمهم بها ثم ذهب بصر مخرمه بن نوفل في خلافه
عثمان، وشهد مخرمه بن نوفل مع رسول الله ص يوم حنين، واعطاه من غنائم حنين خمسين
بعيرا.
قال ابن عمر: رايت عبد الله بن جعفر ينكر ان يكون أخذ مخرمه من ذلك شيئا، وقال: ما
سمعت أحدا من اهلى يذكر ذلك، قال: ومات مخرمه بالمدينة سنه اربع وخمسين في خلافه
معاويه، وكان يوم مات ابن مائه وخمس عشره سنه
(11/516)
قال:
وحويطب بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عبد ود بن نصر بن مالك ابن
حسل بن عامر بن لؤي.
قال ابن عمر: حدثنى ابراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن مسلمه الأشهلي عن ابيه،
قال: كان حويطب بن عبد العزى العامري قد عاش عشرين ومائه سنه، ستين سنه في
الجاهلية وستين في الاسلام فلما ولى مروان بن الحكم المدينة في عمله الاول، دخل
عليه حويطب مع مشيخه جله حكيم بن حزام ومخرمه ابن نوفل، فتحدثوا عنده، وتفرقوا،
فدخل عليه حويطب يوما بعد ذلك، فتحدث عنده، فقال مروان: ما سنك؟ فاخبره، فقال له
مروان: تأخر اسلامك ايها الشيخ حتى سبقك الاحداث، فقال حويطب: الله المستعان، لقد
هممت بالإسلام غير مره كل ذلك يعوقنى ابوك عنه وينهاني، ويقول: تضع شرفك، وتدع دين
آبائك لدين محدث وتصير تابعا! قال: فاسكت والله مروان، وندم على ما كان قال له، ثم
قال له حويطب: اما كان اخبرك عثمان ما لقى من ابيك حين اسلم، فازداد مروان غما، ثم
قال حويطب: ما كان من قريش احد من كبرائها الذين يقوا على دين قومهم الى ان فتحت
مكة، كان اكره لما هو عليه منى، ولكن المقادير ولقد شهدت بدرا مع المشركين، فرايت
عبرا، رايت الملائكة، تقتل وتاسر بين السماء والارض، فقلت: هذا رجل ممنوع، ولم
اذكر ما رايت فانهزمنا اجمعين الى مكة، فأقمنا بمكة وقريش تسلم رجلا رجلا، فلما
كان يوم الحديبية حضرت، وشهدت الصلح، ومشيت فيه حتى تم، وكل ذلك اريد الاسلام
ويأبى الله جل وعز الا ما يريد فلما كتبنا صلح الحديبية، كنت احد شهوده، وقلت: لا
ترى قريش من محمد ص الا ما يسوءها، قد رضيت ان دافعته بالراح وَلَمَّا قَدِمَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لعمره القضية، وخرجت قريش عن مكة،
كنت فيمن تخلف بمكة انا وسهيل بن عمرو، لان نخرج رسول الله ص إذا مضى الوقت، وهو
ثلاث، فلما انقضت الثلاث، اقبلت انا وسهيل بن عمرو، فقلنا:
قد مضى شرطك فاخرج من بلدنا، [فصاح: يا بلال لا تغب الشمس واحد من المسلمين بمكة
ممن قدم معنا] .
قال ابن عمر: وحدثنى ابراهيم بن جعفر بن محمود، عن ابيه قال: وحدثنى
(11/517)
أبو
بكر بْن عبد الله بْن أبي سبرة، عن موسى بن عقبه، عن المنذر بن جهم قال:
قال حويطب بن عبد العزى: لما دخل رسول الله ص مكة عام الفتح، خفت خوفا شديدا،
فخرجت من بيتى، وفرقت عيالي، في مواضع يأمنون فيها ثم انتهيت الى حائط عوف، وكنت
فيه، فإذا انا بابى ذر الغفاري، وكانت بيني وبينه خله- والخله ابدا نافعه- فلما
رايته هربت منه، فقال: أبا محمد! قلت:
لبيك، قال: مالك؟ قلت: الخوف، قال: لا خوف عليك، تعال أنت آمن بأمان الله جل وعز
فرجعت اليه وسلمت عليه، فقال: اذهب الى منزلك، قلت:
هل لي سبيل الى منزلي؟ والله ما أراني اصل الى بيتى حيا حتى القى فاقتل، او يدخل
على منزلي فاقتل، وان عيالي لفي مواضع شتى، قال: فاجمع عيالك في موضع، وانا ابلغ
معك منزلك، فبلغ معى وجعل ينادى على بابى: ان حويطبا آمن، فلا يهج، ثم انصرف ابو
ذر الى رسول الله ص فاخبره، فقال: او ليس قد آمنا الناس كلهم الا من امرت بقتله،
قال: فاطمأننت، ورددت عيالي الى مواضعهم، وعاد الى ابو ذر، فقال: يا أبا محمد، حتى
متى والى متى؟ قد سبقت في المواطن كلها وفاتك خير كثير، وبقي خير كثير، فات رسول
الله فاسلم تسلم، ورسول الله ابر الناس، واحلم الناس، واوصل الناس، شرفه شرفك،
وعزه عزك قال: قلت فانا اخرج معك، فاتيه، فخرجت معه حتى اتيت رسول الله ص
بالبطحاء، وعنده ابو بكر وعمر، فوقفت على راسه، وسالت أبا ذر: كيف يقال إذا سلم
عليه؟
قال: قل السلام عليك ايها النبي ورحمه الله، فقتلها، فقال: وعليك السلام، احويطب؟
قال: قلت: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولَ اللَّهِ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحمد لله الذى هداك
قال: وسر رسول الله ص بإسلامي، واستقرضنى مالا، فاقرضته اربعين الف درهم، وشهدت
معه حنينا والطائف، وأعطاني من غنائم حنين مائه بعير.
قال ابو جعفر: ثم قدم حويطب بعد ذلك المدينة، فنزلها وله بها دار بالبلاط عند
اصحاب المصاحف.
قال ابن عُمَرَ: حَدَّثَنِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ
أَبِيهِ، قال: باع حويطب بن عبد العزى داره بمكة من معاويه بأربعين الف دينار،
وقيل له: يا أبا
(11/518)
محمد،
اربعين الف دينار! قال: وما اربعون الف دينار لرجل عنده خمسه من العيال! قال عبد
الرحمن بن ابى الزناد: وهو والله يومئذ يوفر عليه القوت في كل شهر، ومات حويطب بن
عبد العزى بالمدينة سنه اربع وخمسين في خلافه معاويه، وكان له يوم مات مائه وعشرون
سنه ومنهم الارقم بن ابى الارقم بن اسد بْن عبد الله بْن عمر بْن مخزوم واسم ابى
الارقم عبد مناف، وكان الارقم يكنى أبا عبد الله.
وذكر ابن عمر ان محمد بن عمران بن هند بن عبد الله بن عثمان بن الارقم ابن ابى
الارقم المخزومي، حدثه: أخبرني ابى عن يحيى بن عمران بن عثمان بن الارقم قال:
أخبرني جدي عثمان بن الارقم، انه كان يقول: انا ابن سبع الاسلام، اسلم ابى سابع
سبعه وكان داره على الصفا، وفي الدار التي كان النبي ص يكون فيها في أول الاسلام،
وفيها دعا الناس الى الاسلام فاسلم فيها قوم كثير.
وشهد الارقم بن ابى الارقم مع رسول الله ص بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها.
قال ابن عمر: أخبرنا محمد بن عمران بن هند عن ابيه، قال: حضرت الارقم بن ابى
الارقم الوفاة فاوصى ان يصلى عليه سعد، وكان مروان بن الحكم واليا لمعاوية على
المدينة، وكان سعد في قصره بالعقيق، ومات الارقم، فاحتبس عليهم سعد، فقال مروان:
ايحبس صاحب رسول الله ص لرجل غائب! واراد الصلاة عليه، فأبى عبيد الله بن الارقم
ذلك على مروان، وقامت معه بنو مخزوم ووقع بينهم كلام، ثم جاء سعد فصلى عليه، وذلك
سنه خمس وخمسين بالمدينة.
وهلك الارقم وهو ابن بضع وثمانين سنه.
قال: وابو محذوره، واسمه أوس بن معير بن لوذان بن ربيعه بن عويج بن سعد ابن جمح،
وكان له أخ من ابيه وأمه، يقال له: انيس، قتل يوم بدر كافرا قال ابن سعد: سمعت من
ينسب أبا محذوره، فيقول اسمه سمره بن عمير بن لوذان ابن وهب بن سعد بن جمح، وكان
له أخ من ابيه وأمه، اسمه أوس، قال: فولد ابو محذوره عبد الملك وحديرا، وتوفى ابو
محذوره بمكة سنه تسع وخمسين ولم يهاجر،
(11/519)
ولم
يزل مقيما بمكة حتى مات.
والحسين بن على بن ابى طالب ع ولد في ليال خلون من شعبان سنه اربع من الهجره، يكنى
أبا عبد الله، وولد الحسين ع عليا الاكبر، قتل مع ابيه بالطف، وأمه آمنه بنت أبي
مرة بن عروة بن مسعود بن معتب، من ثقيف وأمها ابنه ابى سفيان بن حرب، وفيها يقول
حسان بن ثابت في روايه محمد بن عمر:
طافت بنا شمس النهار ومن راى ... من الناس شمسا بالعشاء تطوف
ابو أمها اوفى قريش بذمه ... واعمامها اما سالت ثقيف
قال ابو جعفر: وهذان البيتان ينسبان الى عمر بن ابى ربيعه، وانهما من شعره، وينشد:
طافت بنا شمس عشاء ومن راى ... من الناس شمسا بالعشاء تطوف
ابو أمها اوفى قريش بذمه ... واعمامها- اما نسبت- ثقيف
وعليا الاصغر، وله العقب من ولد الحسين ع، واما على الاكبر فلا عقب له، وأم الاصغر
أم ولد قال على بن محمد: كانت تدعى سلافه.
قال ابو جعفر: ويقال ان اسمها جيداء- وكان فاضلا سيدا- وجعفرا لا بقية له وفاطمه
وأمها أم إسحاق ابنه طلحه بن عبيد الله، وكانت قبله عند الحسن بن على فلما حضرته
الوفاة اوصى حسينا ان يتزوجها فتزوجها حسين، فولدت له فاطمه، وعبد الله، قتل مع
ابيه، وسكينه، وأمها الرباب ابنة امرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب ابن
عليم بن هبل بن كنانه بن بكر بن عوف بن عذره بن زيد اللات بن رفيده ابن ثور بن
كلب.
وفي الرباب وسكينه يقول الحسين بن على ع.
لعمرك اننى لاحب دارا ... تضيفها سكينه والرباب
أحبهما وابذل بعد مالي ... وليس للائمى فيها عتاب
ولست لهم وان عتبوا مطيعا ... حياتي او يغيبنى التراب
قال على بن محمد، عن حماد بن سلمه عن ابى المهزم، قال: كنا مع
(11/520)
ابى
هريرة في جنازة، فلما رجعنا أعيا الحسين ع صعد، فجعل ابو هريرة ينفض التراب عن
قدميه بثوبه، فقال له الحسين: أنت يا أبا هريرة تفعل هذا! قال: دعني منك، فلو يعلم
الناس منك ما اعلم لحملوك على عواتقهم.
قال ابو جعفر: وحدثت عن خالد بن خداش قال: لما قتل اهل فخ، لبث حماد نحوا من شهر
لا يجلس، وكنت أراه محزونا ثم جلس بعد ذلك رقيقا تدمع عينه كثيرا شهرين او ثلاثة،
وسمعته يقول: نحب ولد على حب الاسلام.
وقال محمد بن عمر عن ابى معشر: قتل الحسين ع لعشر خلون من المحرم.
قال الواقدى: وهذا الثبت.
قال محمد بن عمر: وحدثنا عطاء بن مسلم، أخبره عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش
قَالَ: أول رأس رفع على خشبة راس الحسين ع.
وقال على بن محمد: حدثنى على بن مجاهد عن حنش بن الحارث عن شيخ من النخع، قال: قال
الحجاج: من كان له بلاء فليقم، فقام قوم فذكروا، وقام سنان بن انس، فقال: انا قاتل
الحسين ع، فقال بلاء حسن، ورجع الى منزله فاعتقل لسانه، وذهب عقله، فكان يأكل
ويحدث مكانه.
(11/521)
قال:
وممن هلك سنه اربع وستين
المسور بن مخرمة بن نوفل بْن أهيب بْن عبد مناف بْن زهرة بن كلاب، ويكنى أبا عبد
الرحمن، وأمه عاتكه ابنه عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث، ابن زهره بن كلاب، وهي
اخت عبد الرحمن بن عوف، وكانت من المهاجرات المبايعات، وقبض رسول الله ص والمسور
بن مخرمه ابن ثمان سنين.
وذكر ابن عُمَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُ عَنِ أم بكر ابنه
المسور بن مخرمه وابى عون قالا: أصاب المسور بن مخرمه حجر من المنجنيق، ضرب البيت،
فانفلقت منه فلقه اصابت خد المسور وهو قائم يصلى، فمرض منها أياما، ثم هلك في
اليوم الذى جاء فيه نعى يزيد بمكة، وابن الزبير يومئذ لا يتسمى بالخلافة، الأمر
شورى.
قال محمد: وحدثنى عبد الله بن جعفر، عن ابى عون وأم بكر ابنه المسور قالا: مات
المسور في اليوم الذى جاء فيه نعى يزيد بن معاويه لهلال شهر ربيع الآخر، والمسور
يومئذ ابن ثنتين وستين سنه.
قال ابو جعفر: ولد المسور بعد الهجره بسنتين وتوفى لهلال شهر ربيع الآخر.
سنه اربع وستين وكان يحيى بن معين- فيما حدثت عنه- يقول: مات المسور بن مخرمه سنه
ثلاث وسبعين.
قال ابو جعفر: وهذا غلط من القول.
ذكر من هلك في سنه خمس وستين
منهم سليمان بن صرد بن الجون بن ابى الجون، وهو عبد العزى بن منقذ بن ربيعه ابن
أَصْرَمَ بْنِ ضُبَيْسِ بْنِ حَرَامِ بْنِ حُبْشِيَّةَ بن كعب بن عمرو بن ربيعه بن
حارثة ابن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن إمرئ القيس بن
ثعلبه
(11/522)
ابن
مازن بن الأزد، ويكنى أبا مطرف.
اسلم وصحب النبي ص، كان اسمه يسار، فلما اسلم سماه رسول الله ص سليمان، وكانت له
سنن عاليه وشرف في قومه، ونزل الكوفه حين نزلها المسلمون، وشهد مع على ع صفين،
وكان ممن كتب الى الحسين بن على ع يسأله قدوم الكوفه، فلما قدمها ترك القتال معه،
فلما قتل الحسين ع ندم هو والمسيب بن نجبه الفزارى وجميع من خذله فلم يقاتل معه،
ثم قالوا: ما لنا توبه مما فعلنا الا ان نقتل أنفسنا في الطلب بدمه، فعسكروا
بالنخيلة مستهل شهر ربيع الآخر سنه خمس وستين وولوا امرهم سليمان بن صرد، وخرجوا
الى الشام في الطلب بدم الحسين ع فسموا التوابين، وكانوا اربعه آلاف، وقد ذكرنا
خبرهم في كتابنا المسمى المذيل، فقتل سليمان بن صرد في هذه الوقعه، رماه يزيد بن
الحصين بن نمير بسهم فقتله، وحمل راسه وراس المسيب ابن نجبه الى مروان بن الحكم
ادهم بن محرز الباهلى، وو كان سليمان يوم قتل ابن ثلاث وتسعين سنه.
ذكر من مات او قتل سنه ثمان وستين
قال: ومنهم عبد الله بن العباس عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصى.
أمه أم الفضل، وهي لبابه الكبرى ابنه الحارث بن حزن من بنى هلال بن عامر.
قال على بن محمد: ولد عبد الله بن عباس عليا وهو سيد ولده، ولد سنه اربعين.
ويقال: ولد عام الجمل سنه ست وثلاثين، وكان اجمل قرشي على الارض، واوسمه واكثره
صلاه، وكان يدعى السجاد، وفي عقبه الخلافه، وعباسا وهو اكبر ولده- وبه كان يكنى-
ومحمدا، وعبيد الله والفضل، ولبابه أمهم زرعه ابنه مشرح بن معديكرب بن وليعه،
ومشرح احد الملوك الأربعة، ولا بقية للعباس وعبيد الله والفضل ومحمد بنى عبد الله
بن عباس، واما لبابه ابنه عبد الله فإنها كانت تحت على بن عبد الله ابن جعفر بن
ابى طالب رضى الله عنه، فولدت له، ولولدها أعقاب، وأسماء ابنه عبد الله كانت عند
عبد الله بْن عبيد الله بْن العباس، فولدت له حسنا وحسينا، أمها أم ولد
(11/523)
قال
ابن عمر: لا اختلاف عند اهل العلم عندنا ان ابن عباس ولد في الشعب وبنو هاشم
مجصورون، قبل خروجهم منه بيسير، وذلك قبل الهجره بثلاث سنين، فتوفى رسول الله ص
وابن عباس ابن ثلاث عشره سنه، الا تراه يقول في حديث مالك عَنِ الزُّهْرِيُّ عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عنه: مررت في حجه الوداع على حمار انا
والفضل، وقد راهقت يومئذ الاحتلام، والنبي ص يصلى.
وذكر داود بن عمرو الضبي ان ابن ابى الزناد حدثه عن ابيه وعبد الله بن الفضل ابن
عياش بن ابى ربيعه بن الحارث أخبرهما الثقه ان حسان بن ثابت، قال:
انا معاشر الانصار طلبنا الى عمر او الى عثمان- يشك ابن ابى الزناد- فمشينا بعبد
الله ابن عباس وبنفر معه من اصحاب رسول الله ص، فتكلم ابن عباس، وتكلموا، وذكروا
الانصار ومناقبهم، فاعتل الوالي قال حسان: وكان امرا شديدا طلبناه قال: فما زال
يراجعهم حتى قاموا وعذروه الا عبد الله بن عباس قال:
لا والله، ما للأنصار من مترك، لقد نصروا وآووا، وذكر من فضلهم وقال: ان هذا لشاعر
رسول الله ص والمنافح عنه، فلم يزل عبد الله يراجعه بكلام جوامع يسد عليه كل حجه
فلم يجد بدا من ان قضى حاجتنا قال: فخرجنا وقد قضى الله عز وجل حاجتنا بكلامه،
فمررت في المسجد بالنفر الذين كان معه، فلم يبلغوا ما بلغ، فقلت حيث يسمعون: انه
كان اولاكم بها، قالوا: اجل فقلت لعبد الله:
انها والله صبابه النبوه ووراثه احمد ص، كان احقكم بها قال حسان:
فقلت وانا أشير الى عبد الله:
إذا قال لم يترك مقالا لقائل ... بملتقطات لا ترى بينها فصلا
كفى وشفى ما في الصدور فلم يدع ... لذى اربه في القول جدا ولا هزلا
سموت الى العليا بغير مشقة ... فنلت ذراها لا دنيئا ولا وغلا
وحدثنى خالد بن القاسم البياضي، عن شعبه قال: سمعت ابن عباس يقول:
ولدت قبل الهجره بثلاث سنين، ونحن في الشعب، وتوفى رسول الله ص وانا ابن ثلاث عشره
سنه، وتوفى ابن عباس سنه ثمان وستين وهو ابن احدى وسبعين سنه
(11/524)
قال
ابن عمر: وحدثنى محمد بن عقبه ومحمد بن رفاعة بن ثعلبه بن ابى مالك عن شعبه مولى
ابن عباس، قال: مات عبد الله بن عباس بالطائف سنه ثمان وستين وهو بن اثنتين وسبعين
سنه.
وقال ابن عمر: حدثنى إسحاق بن يحيى، قال: حدثنا ابو سلمه الحضرمى قال: رايت قبر
ابن عباس وابن الحنفيه قائم عليه، فامر به ان يسطح.
وقال على بن محمد، عن حفص بن ميمون، عن ابيه، قال: توفى عبد الله ابن عباس
بالطائف، فجاء طائر ابيض، فدخل بين النعش والسرير، فلما وضع في قبره سمعنا تاليا
يتلو: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً
مَرْضِيَّةً.
وذكر بعضهم عن على بن محمد انه قال: توفى عبد الله بن عباس وهو ابن اربع وسبعين
سنه.
ذكر من توفى او قتل منهم سنه اربع وسبعين
منهم ابو سعيد الخدرى، واسمه سعد بن مالك بن سنان بن ثعلبه بن عبيد ابن الابجر،
واسمه خدره بن عوف بن الحارث بن الخزرج وقد زعم بعضهم ان خدره هي أم الابجر، وأخو
ابى سعيد لامه قتادة بن النعمان الظفري من اهل بدر.
قال ابن عمر: حدثنى الضحاك بن عثمان عن محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز وابى
صرمه عن ابى سعيد الخدرى قال: خرجت مع رسول الله ص في غزوه بنى المصطلق.
قال ابن عمر: وهو يومئذ ابن خمس عشره سنه، قال: وشهد أيضا الخندق وما بعد ذلك من
المشاهد.
قال ابن عمر: وحدثنا سعيد بن ابى زيد عن ربيح بن عبد الرحمن بن ابى سعيد عن ابيه
عن ابى سعيد، قال: عرضت يوم احد على النبي ص وانا ابن ثلاث عشره سنه، فجعل ابى
يأخذ بيدي، فيقول: يا رسول الله، انه عبل
(11/525)
العظام،
وان كان مؤدنا، قال: وجعل النبي ص يصعد في البصر ويصوبه ثم قال: رده فرده.
قال ابن عمر: حدثنى عبد العزيز بن عقبه عن اياس بن سلمه بن الاكوع، قال: مات ابو
سعيد الخدرى سنه اربع وسبعين
. ذكر الخبر عمن هلك منهم سنه ثمان وسبعين
منهم جابر بْن عبد الله بْن عمرو بْن حرام بن ثعلبه بن حرام بن كعب بن غنم ابن كعب
بن سلمه بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج، وكان يكنى أبا
عبد الله.
شهد العقبه في السبعين من الانصار الذين بايعوا رسول الله ص عندها، وكان من اصغرهم
يومئذ واراد شهود بدر، فخلفه أبوه على أخواته، وكن تسعا، وخلفه أيضا حين خرج الى
احد، وشهد ما بعد ذلك من المشاهد.
قال ابن عمر: حدثنا ابراهيم بن جعفر، عن ابيه، قال: سالت جابر بن عبد الله: كم غزا
رسول الله ص؟ فقال: سبعا وعشرين غزوه، غزا بنفسه، وغزوت معه منها ست عشره غزوه،
ولم اقدر ان اغزو حتى قتل ابى بأحد، كان يخلفني على أخواتي، وكن تسعا، فكان أول
غزوه غزوتها معه حمراء الأسد الى آخر مغازيه.
قال محمد بن عمر: وحدثنى خارجه بن الحارث، قال: مات جابر بن عبد الله سنه ثمان
وسبعين، وهو ابن اربع وتسعين سنه، وكان قد ذهب بصره، قال: ورايت على سريره بردا،
وصلى عليه ابان ابن عثمان وهو والى المدينة.
(11/526)
ذكر
من مات او قتل سنه ثمانين
منهم عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بن عبد المطلب، كان يكنى
أبا جعفر، أمه أسماء بنت عميس، قال ابن عمر: مات عبد الله بن جعفر رضى الله عنه
بالمدينة عام الجحاف- سيل كان ببطن مكة جحف بالحاج وذهب بالإبل وعليها الحمولة-
فصلى عليه ابان بن عثمان، وكان واليا على المدينة من قبل عبد الملك بن مروان.
قال: وكان له يوم توفى تسعون سنه.
وقال على بن محمد: توفى عبد الله بن جعفر سنه اربع او خمس وثمانين سنه.
وعمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، ويكنى أبا سعيد،
وقبض النبي ص وهو ابن اثنتى عشره سنه.
وقال ابو نعيم الفضل بن دكين مات عمرو بن حريث بالكوفه سنه خمس وثمانين في خلافه
عبد الملك بن مروان.
وعقيل بن ابى طالب بن عبد المطلب بن هاشم، وكان فيمن اسر يوم بدر، وكان لا مال له،
ففداه العباس بن عبد المطلب، ذكر ابن سعد ان على بن عيسى النوفلي اخبره عن ابيه،
عن عمه إسحاق بْن عبد الله عن عبد الله بْن الحارث، قال: فدى العباس نفسه وابن
أخيه عقيلا بثمانين أوقية ذهب، ويقال بألف دينار.
قال ابن سعد: وأخبرنا على بن عيسى، قال: حدثنا ابان بن عثمان عن معاويه ابن عمار
الدهني، [قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد ع يقول:
قال رسول الله ص يوم بدر: انظروا من هاهنا من اهل بيتى من بنى هاشم.
قال: فجاء على بن ابى طالب ع، فنظر الى العباس ونوفل وعقيل، ثم رجع، فناداه عقيل:
يا بن أم على: اما والله لقد رايتنا، فجاء على الى رسول الله ص، فقال: يا رسول
الله، رايت العباس ونوفلا وعقيلا، فجاء رسول الله ص حتى قام على راس عقيل، فقال:
أبا يزيد، قتل ابو جهل.
قال: إذا لا تنازع في تهامه، ان كنت أثخنت القوم والا فاركب اكتافهم]
(11/527)
قال
ابو جعفر: وقيل: رجع عقيل الى مكة، فلم يزل بها، ثم خرج الى رسول الله ص مهاجرا في
أول سنه ثمان، فشهد عزوه مؤتة ثم رجع، فعرض له مرض، فلم يسمع له بذكر في فتح مكة
ولا الطائف ولا في حنين، وقيل: مات عقيل ابن ابى طالب بعد ما عمى في خلافه معاويه.
وربيعه بن الحارث بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مناف، [وهو
الذى قال النبي ص يوم فتح مكة: الا ان كل دم وماثره في الجاهلية فإنها تحت قدمي
هاتين، وان أول دم اضعه دم ربيعه بن الحارث] وانما قال النبي ص: وان أول دم اضعه
دم ربيعه بن الحارث وربيعه حي، لان ذلك كان دما لربيعه الطلب به في الجاهلية، وذلك
ان ابنا لربيعه صغيرا، كان مسترضعا في بنى ليث بن بكر، وكان بين هذيل وبين ليث بن
بكر حرب، فخرج ابن ربيعه ابن الحارث، وهو طفل يحبو امام البيوت، فرمته هذيل بحجر
فاصابه الحجر، فرضخ راسه، فجاء الاسلام قبل ان يثار ربيعه بن الحارث بدم ابنه،
فابطل النبي ص الطلب بذلك الدم، فلم يجعل لربيعه السبيل على قاتل ابنه، فكان ذلك
معنى وضع النبي ص دمه، وهو ابطاله ان يكون له الطلب به، لأنه كان من ذحول الجاهلية
وقد هدم الاسلام الطلب بها واما ابن ربيعه المقتول، فانه يختلف في اسمه، فاما ابن
عمر فانه قال: اسمه آدم بن ربيعه، وقال بعضهم:
كان اسمه تمام بن ربيعه.
وقال بعضهم: كان اسمه اياس بن ربيعه، وقالوا جميعا: كان ربيعه بن الحارث اسن من
عمه العباس بن عبد المطلب بسنين قالوا: ولم يحضر ربيعه بن الحارث بدرا مع المشركين
كان غائبا بالشام، ثم قدم بعد ذلك على رسول الله ص مهاجرا ايام الخندق، وشهد مع
رسول الله ص يوم حنين فيمن ثبت معه من اهل الخندق، وشهد مع رسول الله ص يوم حنين
فيمن ثبت معه من اهل بيته واصحابه، وتوفى ربيعه بعد اخويه: نوفل وابى سفيان في
خلافه عمر ابن الخطاب
(11/528)
وعبد
الله بن الحارث بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مناف وكان اسمه
عبد شمس، فسماه النبي ص حين اسلم عبد الله، خرج من مكة قبل الفتح مهاجرا الى رسول
الله، ثم خرج مع رسول الله ص في بعض مغازيه فمات بالصفراء، فدفنه رسول الله ص في
قميصه- يعنى قميص النبي ص- وقال له سعيد: أدركته السعادة.
وجعفر بن أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بن هاشم، وكان
جعفر ابن ابى سفيان ممن ثبت يوم حنين مع رسول الله ص من اصحابه، ولم يزل مع ابيه
ملازما لرسول الله حتى قبض، وتوفى جعفر في وسط خلافه معاويه لعنه الله.
والحارث بْنِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بن هاشم كان رجلا
على عهد رسول الله ص، صحب رسول الله عند اسلام ابيه، وولد ابنه عبد الله على عهد
رسول الله ص، واتى به رسول الله فحنكه ودعا له.
قال ابن سعد: أخبرنا على بن عيسى، عن ابيه، قال: انتقل الحارث بن نوفل الى البصره،
واختط بها دارا، ونزلها في ولايه عبد الله بن عامر بن كريز، ومات بالبصرة في آخر
خلافه عثمان.
وعبد المطلب بْن رَبِيعَة بْن الْحَارِث بْن عبد المطلب بن هاشم، وقد روى عبد
المطلب بن ربيعه عن رسول الله ص، وكان رجلا على عهد رسول الله، قال ابن عمر: وحكاه
ابن سعد عن على بن عيسى النوفلي، ان عبد المطلب بن ربيعه لم يزل بالمدينة الى زمن
عمر بن الخطاب، ثم تحول الى الشام، فنزلها وابتنى بها دارا، وهلك بدمشق في خلافه
يزيد بن معاويه وعتبة بن ابى لهب، واسم ابى لهب عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم
ابن عبد مناف، قال ابن سعد: أخبرنا على بن عيسى بن عبد الله النوفلي عن حمزه ابن
عتبة بن ابراهيم اللهبي، قال: حدثنا ابراهيم بن عامر بن ابى سفيان بن معتب
(11/529)
وغيره
من مشيختنا الهاشميين، عن ابن عباس، عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ قَالَ: لما قدم رسول الله ص مكة في الفتح، قال لي: يا عباس، اين ابنا
أخيك: عتبة ومعتب لا اراهما؟ قال: قلت: يا رسول الله تنحيا فيمن تنحى من مشركي
قريش، فقال لي: اذهب فاتنى بهما، قال العباس: فركبت إليهما بعرنه فأتيتهما، فقلت:
ان رسول الله يدعوكما، فركبا معى سريعين حتى قدما على النبي ص، فدعاهما الى
الاسلام، فأسلما وبايعا ثم قام رسول الله ص، فاخذ بأيديهما، وانطلق بهما يمشى
بينهما، حتى اتى بهما الملتزم- وهو ما بين باب الكعبه والحجر الأسود- فدعا ساعه ثم
انصرف، والسرور يرى في وجهه قال العباس: فقلت له: سرك الله يا رسول الله، فانى ارى
في وجهك السرور، [فقال النبي ص: نعم انى استوهبت ابنى عمى هذين ربى فوهبهما لي] .
قال حمزه بن عتبة: فخرجا معه في فوره ذاك الى حنين، فشهدا غزوه حنين، وثبتا مع
رسول الله يومئذ فيمن ثبت من اهل بيته واصحابه، وأصيبت عين معتب يومئذ، ولم يقم
احد من بنى هاشم من الرجال بمكة، بعد ان فتحت غير عتبة ومعتب ابنى ابى لهب.
واسامه بن زيد بن حارثة وهو حب رسول الله ص، ويكنى أبا محمد، وأمه أم ايمن، واسمها
بركه حاضنه رسول الله ص ومولاته، وولد اسامه بمكة ونشا حتى ادرك لم يعرف الا
الاسلام ولم يدن بغيره، وهاجر مع ابيه الى المدينة، وكان أبوه زيد في قول بعضهم
أول الناس إسلاما، ولم يفارق رسول الله ص.
قال ابن سعد: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: حدثنا حنش، قال: سمعت ابى يقول: استعمل
النبي ص اسامه بن زيد وهو ابن ثمان عشره سنه
(11/530)
قال
ابن عمر: لم يبلغ اولاد اسامه من الرجال والنساء في كل دهر اكثر من عشرين إنسانا،
قال: وقبض النبي ص واسامه ابن عشرين سنه، وكان قد سكن وادي القرى بعد النبي ص ثم
نزل المدينة، فمات بالجرف في آخر خلافه معاويه.
وابو رافع مولى رسول الله ص، واسمه اسلم، كان عبدا للعباس ابن عبد المطلب، فوهبه
للنبي ص، فلما بشر النبي ص باسلام العباس اعتقه رسول الله ص، وهاجر ابو رافع الى
المدينة بعد بدر، فأقام مع رسول الله ص، وشهد أحدا والخندق والمشاهد كلها، وزوجه
رسول الله ص مولاته سلمى، وشهدت معه خيبر، وولدت لأبي رافع عبيد الله بن ابى رافع،
وكان كاتبا لعلى بن ابى طالب ع.
وسلمان الفارسي، وكان يكنى أبا عبد الله، وأول غزاه غزاها سلمان الخندق.
وذكر عن جعفر بن سليمان عن هشام بن حسان عن الحسن قال: كان عطاء سلمان خمسه آلاف
وكان على ثلاثين ألفا من الناس يحطب في عباءه، يفترش نصفها ويلبس نصفها، وكان إذا
خرج عطاؤه امضاه، ويأكل من سفيف يده.
قال ابن عمر: توفى سلمان الفارسي في خلافه عثمان بن عفان.
والأسود بن نوفل بن خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قصى كان
قديم الاسلام بمكة، وهاجر الى ارض الحبشه في المره الثانيه، وكان موسى بن عقبه
يقول: هو نوفل بن خويلد الذى اسلم، وهاجر الى ارض الحبشه.
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ بْنِ نوفل بن خويلد، ويكنى أبا
الأسود، وهو الذى يقال له: يتيم عروه بن الزبير.
وابو الروم عمير بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدار بن قصى، وأمه
رومية، وهو أخو مصعب بن عمير لأبيه
(11/531)
قال
ابن عمر: كان ابو الروم قديم الاسلام بمكة وهاجر الى ارض الحبشه في الهجره الثانيه
وشهد أحدا.
وجهم بن قيس بن شُرَحْبِيلَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عبد الدار بن
قصى.
كان قديم الاسلام، وهاجر الى ارض الحبشه في المره الثانيه في قول جميعهم، ومعه
امراته حريمله بنت عبد الأسود بن خزيمة بن اقيش بن عامر بن بياضه الخزاعية، ومعه
ابناه منها عمرو وخزيمة ابنا جهم، وتوفيت حريمله بأرض الحبشه.
والوليد بْن الوليد بْن المغيرة بْن عبد الله بْن عمر بن مخزوم، قال ابن عمر:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عروه قال:
وأخبرنا ابراهيم بن جعفر، عن ابيه قالا: خرج سلمه بن هشام وعياش بن ابى ربيعه
والوليد بن الوليد مهاجرين الى رسول الله ص، فطلبهم ناس من قريش ليردوهم فلم
يقدروا عليهم، فلما كانوا بظهر الحره انقطعت اصبع الوليد فدميت، فقال:
هل أنت الا اصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت
قال: وانقطع فؤاده، فمات بالمدينة، فبكته أم سلمه ابنه ابى اميه فقالت:
يا عين فابكى للوليد ... بن الوليد بن المغيره
مثل الوليد بن الوليد ... ابى الوليد كفى العشيره
[فقال رسول الله ص: لا تقولي هكذا، يا أم سلمه، ولكن قولي:
وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ] .
وابن أم مكتوم، واختلف في اسمه فاما اهل المدينة فيقولون: اسمه عبد الله، واما اهل
العراق وهشام بن محمد، فيقولون: اسمه عمرو بن قيس بن زائده بن الأصم ابن رواحه بن
حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي، ونسب الى أمه أم مكتوم، واسم أمه أم مكتوم
عاتكه ابنه عبد الله بن عنكثه بن عامر بن مخزوم بن يقظه اسلم ابن أم مكتوم بمكة
قديما، وكان ضرير البصر، وقدم المدينة مهاجرا، فاختلف في وقت قدومه إياها، فقال
محمد بن عمر: قدمها بعد بدر بيسير، فنزل دار القراء، وهي دار مخرمه بن نوفل، وكان
يؤذن للنبي ص بالمدينة مع بلال،
(11/532)
وكان
رسول الله ص يستخلفه على المدينة، يصلى بالناس في عامه غزواته، وكان صاحب رايه
المسلمين يوم القادسية، ثم رجع الى المدينة فمات بها.
وابو ذر جندب بن جناده بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار بن مليل بن ضمره ابن بكر
بن عبد مناه بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ الياس بن مضر بن
نزار.
ذكر ابن عمر انه سمع موسى بن عبيده يخبر عن نعيم بن عبد الله المجمر عن ابيه، قال:
اسم ابى ذر جندب بن جناده، وكذلك كان يقول محمد بن عمر وهشام ابن محمد، وغيرهما من
اهل السير قال ابن عمر: وسمعت أبا معشر نجيحا يقول:
اسم ابى ذر برير بن جندب، قال: وحدثنى أبو بكر بْن عبد الله بْن أبي سبرة، عن موسى
بن عقبه، عن عطاء بن ابى مروان، عن ابيه، قال: قال ابو ذر: كنت في الاسلام خامسا
قال ابو جعفر: ثم رجع ابو ذر حين اسلم الى بلاد قومه، فأقام بها حتى مضت بدر واحد
والخندق، ثم قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة
بعد ذلك.
قال ابن سعد: أخبرنا عبد الله بن عمر وابو معمر المنقرى حدثنا عبد الوارث ابن سعيد
عن الحسين المعلم عن ابى بريده، قال: لما قدم ابو موسى الأشعري لقى أبا ذر، فجعل
ابو موسى يلزمه، وكان الأشعري رجلا خفيف اللحم قصيرا، وكان ابو ذر رجلا اسود كثير
الشعر، فجعل الأشعري يلزمه، ويقول ابو ذر: إليك عنى، ويقول الأشعري: مرحبا يا أخي،
ويدفعه ابو ذر، ويقول: لست بأخيك انما كنت اخاك قبل ان تستعمل، قال: ثم لقى أبا
هريرة فالتزمه فقال: مرحبا يا أخي، فقال له ابو ذر: إليك عنى، هل كنت عملت لهؤلاء؟
قال نعم، قال: هل تطاولت في البنيان، او اتخذت زرعا او ماشيه؟ قال: لا قال: أنت
أخي قال ابن سعد وأخبرنا الفضل بن دكين، قال: حدثنا صالح بن رستم ابو عامر، عن
حميد بن هلال عن الأحنف بن قيس قال: رايت أبا ذر رجلا طويلا آدم ابيض الراس
واللحية.
قال ابو جعفر: وتوفى ابو ذر في خلافه عثمان بالربذة.
بريده بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث بن الاعرج بن سعد بن رزاح
(11/533)
ابن
عدى بن سهم بن مازن بن الحارث بن سلامان بن اسلم بن اقصى بن حارثة ابن عمرو بن
عامر، وهو ماء السماء وكان بريده يكنى أبا عبد الله، واسلم حين مر بِهِ رَسُول
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم للهجره، وذكر ابن عمر ان هاشم بن عاصم الأسلمي حدثه عن
ابيه، قال: لما هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة
الى المدينة، فانتهى الى الغميم، أتاه بريده بن الحصيب، فدعاه رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الاسلام فاسلم هو ومن معه، وكانوا زهاء ثمانين
بيتا، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء، فصلوا خلفه.
قال: فحدثني هاشم بن عاصم الأسلمي، قال: حدثنى المنذر بن جهم، قَالَ: كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قد علم ابن الحصيب ليلتئذ صدرا من
سوره مريم، وقدم بريده بعد ان مضت بدر واحد عَلَى رَسُول اللَّهِ صلى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فتعلم بقيتها، واقام مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان من ساكنى المدينة، وغزا معه مغازيه بعد ذلك، ولم يزل
بريده مقيما بعد وفاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بالمدينة، حتى فتحت
البصره ومصرت، فتحول إليها، واختط بها، ثم خرج منها غازيا الى خراسان، فمات بمرو،
في ولايه يزيد بن معاويه وبقي بها ولده.
ودحية بن خليفه بن فروه بن فضالة بن زيد بن إمرئ القيس بن الخزرج، وهو زيد مناه بن
عامر بن بكر بن عامر الاكبر بن عوف بن بكر بن عوف بن عذره ابن زيد اللات بن رفيده
بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن الحاف ابن قضاعه اسلم دحية قديما، ولم
يشهد بدرا، وكان يشبه بجبرئيل ص، وشهد مع رسول الله ص دحية المشاهد بعد بدر، وبقي
الى خلافه معاويه.
وأوس بن قيظى بن عمرو بن زيد بن جشم بن حارثة، وابناه كباثه وعبد الله ابنا أوس،
شهدا أحدا، وحضر معهما عرابه بن أوس بن قيظى يوم احد، فاستصغر فرد، وعرابه هو الذى
قال الشماخ بن ضرار فيه:
إذا بلغتني وحملت رحلي ... عرابه فاشرقى بدم الوتين
(11/534)
وعثمان
بن حنيف بن واهب بن عكيم بن ثعلبه بن الحارث بن مجدعه بن عمرو ابن حنش بن عوف بن
عمرو بن عوف، كان يكنى أبا عبد الله، وكان عمر بن الخطاب بعثه على مسح ارض العراق،
وكان عامل على ع على البصره، حين بويع له، وتوفى في خلافه معاويه.
وحسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناه بن عدى بن عمرو ابن مالك بن
النجار شاعر رسول الله، ويكنى أبا الوليد، وكان قديم الاسلام، ولم يشهد مع رسول
الله مشهدا، وكان يجبن، وتوفى في خلافه معاويه وله عشرون ومائه سنه، عاش في
الجاهلية ستين سنه وفي الاسلام ستين سنه.
ونوفل بن معاويه بن صخر بن يعمر بن نفاثه بن عدى بن الديل بن بكر بن عبد مناه ابن
كنانه وهم بيت بنى الديل، وكان معاويه ابو نوفل على بنى الديل يوم الفجار، وله
يقول تابط شرا:
فلا وأبيها ما نزلنا بعامر ... ولا عامر ولا النفاثى نوفل
وابنه سلمى بن نوفل كان اجود العرب، وله يقول الشاعر الجعفري:
نسود أقواما وليسوا بساده ... بل السيد المحمود سلمى بن نوفل
وذكر محمد بن عمر ان أبا بكر بْن عبد الله بْن أبي سبرة حدثه عن جوثه بن عبيد
الديلى، قال عمر نوفل بن معاويه الديلى في الجاهلية ستين سنه، وفي الاسلام ستين
سنه قال: وكان شهد مع المشركين من قريش بدرا وواحدا والخندق، وكانت له نكاية وذكر،
ثم اسلم بعد ذلك، وشهد مع رسول الله ص فتح مكة وحنينا والطائف، ونزل المدينة في
بنى الديل، وقد روى نوفل بن معاويه عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم
وتوفى نوفل بالمدينة في خلافه يزيد بن معاويه، لعنهما الله.
وعرابه بن أوس بن قيظى بن عمرو بن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث، شهد أبوه أوس بن
قيظى واخواه عبد الله وكباثه ابنا أوس أحدا واستصغر عرابه فرد، وأجيز في الخندق.
قال ابن عمر: حدثنا عمر بن عقبه، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ:
كان عرابه بن أوس يوم احد ابن اربع عشره سنه وخمسه اشهر، فرده رسول الله
(11/535)
صلى
الله عليه وسلم، وابى ان يجيزه.
قال محمد: وعرابه بن أوس هو الذى مدحه الشماخ بن ضرار، وكان قدم المدينة، فاوقر له
راحلته تمرا، فقال:
رَأَيْتُ عُرَابَةَ الأَوْسِيَّ يَنْمِي ... إِلَى الْخَيْرَاتِ مُنْقَطِعَ
الْقَرِينِ
إِذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ ... تَلَقَّاهَا عرابه باليمين
وعبيد الله بن العباس بن عبد المطلب، ولد عبيد الله محمدا- وبه كان يكنى والعباس،
والعاليه، تزوجها على بن عبد الله بن العباس، فولدت له محمد بن على- وفي ولده
الخلافه من بنى العباس- وعبد الرحمن وقثم- وهما اللذان قتلهما بسر ابن ابى ارطاه
العامري باليمن- وكان عبيد الله بن العباس اصغر سنا من عبد الله ابن العباس بسنه،
وقد سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروى عنه،
وبقي عبيد الله ابن العباس الى ايام يزيد بن معاويه، واستعمل على بن ابى طالب ع
عبيد الله بن عباس على اليمن، وامره على الموسم، فحج بالناس سنه تسع وثلاثين،
فاصطلح الناس تلك السنه عَلَى شيبة بن عُثْمَانَ بن أبي طَلْحَة، فحج بهم وكان
عبيد الله بن العباس سيدا شجاعا سخيا، كان ينحر كل يوم جزورا، وكان على مقدمه
الْحَسَن بن علي عَلَيْهِ السلام إِلَى مُعَاوِيَةَ، واخوه لأبيه وأمه قثم بن
العباس، غزا خراسان وعليها سعيد بن عثمان، فقال: اضرب لك بألف سهم؟ فقال: لا بل
اخمس ثم اعط الناس حقوقهم، ثم أعطني بعد ما شئت وكان ورعا فاضلا، وتوفى قثم
بسمرقند.
قال ابو جعفر: وقال على بن محمد: ولي قثم بن عباس لعلى مكة، واقام للناس الحج،
وكان يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم.
ومعبد بن العباس وكثير بن العباس، قال على بن محمد المدائني: أم كثير وتمام أم ولد
رومية، يقال لها مسليه، ومات كثير بينبع بالذبحه، وتمام بن العباس، وكان من أشد
اهل زمانه بطشا، وكان اصغر ولد ابيه.
وعبد اللَّهِ بْن زمعة بْن الأَسْوَدِ بْن المطلب بْن أسد بن عبد العزى بن قصى،
(11/536)
وأمه
قريبه الكبرى: ابنه أبي أمية بْن المغيرة بْن عبد الله بْن عمر بن مخزوم، وأمها
عاتكه ابنه عبد المطلب بن هاشم.
وعامر بن كريز بن رَبِيعَة بن حبيب بن عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ
قُصَيٍّ، وأمه البيضاء وهي أم حكيم ابنه عبد المطلب بن هاشم، اسلم عامر بن كريز
يوم فتح مكة، وبقي الى خلافه عثمان بن عفان، وقدم على ابنه عبد الله بن عامر
البصره، وهو واليها لعثمان بن عفان.
وابو هاشم بْن عتبة بْن رَبِيعَة بْن عبد شمس بن عبد مناف، اسلم ابو هاشم فتح مكة،
وخرج الى الشام فنزلها حتى مات.
وقيس بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ.
والصلت بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ بن قصى اسلم الصلت
يوم فتح مكة.
وجهيم بْنُ الصَّلْتِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ.
وعبد الله بْن قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ اسلم
يوم فتح مكة.
وركانه بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصى، اسلم في الفتح، وقدم
المدينة بعد ذلك، فنزلها الى ان مات بها في أول خلافه معاويه، واخوه لأبيه وأمه
عجير بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب.
وابو نبقه، واسمه عبد الله بن علقمه بن المطلب بن عبد مناف.
والأسود بن ابى البختري، واسم ابى البختري العاص بن هاشم بن الحارث ابن اسد بن عبد
العزى بن قصى، اسلم يوم الفتح، واما أبوه ابو البختري فقتل يوم بدر ببدر مشركا.
وهبار بن الأسود بن المطلب بن الأسد بن عبد العزى بن قصى وكان هبار- فيما ذكر عنه-
يقول: لما ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعا الى
الله كنت فيمن عاداه ونصب له وآذاه.
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث الى زينب ابنته من
يقدم بها من مكة،
(11/537)
فعرض
لها نفر من قريش فيهم هبار، فنخس بها، وقرع ظهرها بالرمح، وكانت حاملا فاسقطت فردت
الى بيوت بنى عبد مناف وكان هبار بن الأسود عظيم الجرم في الاسلام، فاهدر دمه
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [فَكَانَ كلما بعث سريه
اوصاهم بهبار وقال: ان ظفرتم به فاجعلوه بين جذمتين من حطب، وحرقوه بالنار، ثم
يقول: انما يعذب بالنار رب النار، ان ظفرتم به فاقطعوا يديه ورجليه، ثم اقتلوه] .
قال ابو جعفر: وذكر محمد بن عمر ان واقد بن ابى ثابت حدثه عن يزيد بن رومان قال
[قال الزبير بن العوام: ما رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بعث سريه قط الا قال: ان ظفرتم بهبار، فاقطعوا يديه ورجليه، ثم اضربوا
عنقه،] فو الله لقد كنت اطلبه واسال عنه، والله يعلم لو ظفرت به قبل ان ياتى إلى
رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ لقتلته، ثم طلع عَلَى رَسُول اللَّهِ صلى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وانا عنده جالس فجعل يعتذر الى رسول الله، ويقول: سب
يا محمد من سبك، وآذ من آذاك، فقد كنت موضعا في سبك واذاك، وكنت مخذولا وقد نصرني
الله عز وجل، وهداني الى الاسلام.
قال الزبير: فجعلت انظر إلى رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وانه ليطأطئ راسه
استحياء منه، مما يعتذر هبار، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يقول: قد عفوت عنك، والاسلام يجب ما كان قبله، وكان اشنا من احد، فَبَلَغَ
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حلمه وما يحمل عليه من الأذى،
فقال: يا هبار سب من سبك قال ابن عمر: وحدثنى هشام بن عمارة عن سعيد بن مُحَمَّد
بن جبير بن مطعم، عن أبيه عن جده، قال: كنت جالسا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اصحابه في مسجده منصرفه من الجعرانة، فطلع هبار بن الأسود
من باب رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا نظر القوم
اليه، قالوا: يا رسول الله، هبار بن الأسود، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قد رايته فاراد بعض القوم القيام اليه، فاشار اليه
النبي صلى الله عليه وسلم ان اجلس، ووقف عليه هبار، فقال: يا رسول الله، السلام
عليك، إني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد انك رسول الله، ولقد هربت منك في البلاد
واردت اللحوق
(11/538)
بالاعاجم،
ثم ذكرتك وعائدتك وفضلك وبرك وصفحك عمن جهل عليك، وكنا يا رسول الله اهل شرك
فهدانا الله عز وجل بك، وتنقذنا من الهلكة، اصفح عن جهلي، وعما كان يبلغك عنى،
فانى مقر بسوءتى معترف بذنبي، [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: قد عفوت عنك، وقد احسن الله بك حيث هداك للإسلام، والاسلام يجب ما
قبله] .
وهند بن ابى هاله، واسم ابى هاله النباش بن زراره بن وقدان بن حبيب بن سلامه ابن
غوى بْنِ جِرْوَةَ بْن أُسَيِّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تميم، قدم ابو هاله مكة،
واخواه عوف وانيس، فحالفوا بنى عبد الدار بن قصى بن كلاب، وأقاموا معهم بمكة،
وتزوج ابو هاله خديجه ابنه خويلد، فولدت له هندا وهاله رجلين، فمات هاله وادرك هند
الاسلام فاسلم، وكان الحسن بن على عليه السلام يحدث عنه يقول: حدثنى خالي هند ابن
ابى هاله.
وذكر عن معمر بن المثنى انه قال: مر هند بالبصرة مجتازا، فمات بها، فلم تقم يومئذ
سوق ولا كلاء، وقالوا: أخو فاطمه أخو فاطمه صلوات الله عليها! والمهاجر بن أبي
أمية بْن المغيرة بْن عبد الله بْن عمر بن مخزوم، أخو أم سلمه ابنه ابى اميه زوج
النبي صلى الله عليه وسلم لأبيها وأمها، وكان اسم ابى اميه بن المغيره سهيل، وهو
زاد الركب، وكان إذا سافر انفق على اصحابه واهل رفقته في سفرهم ذلك من عنده فسمى
بذلك زاد الركب.
قال ابن عمر: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْر بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي سبرة، عن
المهاجر بن مسمار، قال: كان المهاجر بن اميه قد وجد عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لام سلمه: كلمى لِي رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهذا يومه عندك، فادخلته في بيتها، فلما
دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يرعه الا مهاجرا آخذ
بحقويه من خلفه، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالت:
أم سلمه: ارض عنه رضى الله عنك،
(11/539)
فرضى
عنه، وولاه صنعاء، فانطلق حتى اتى مكة، فبلغه ان العنسي قد خرج بصنعاء، فرجع الى
المدينة، فلم يزل بها حتى توفى النبي صلى الله عليه وسلم، وولاه ابو بكر صنعاء،
فمضى في ولايته، قال: فقلت لابن ابى سبره: فان روايتنا ان النبي صلى الله عليه
وسلم بعثه عاملا، فتوفى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بصنعاء فقال: هكذا أخبرني
مهاجر بن مسمار. وصفوان بن اميه بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص،
كان يكنى أبا وهب.
قال ابن عمر: حدثنا عبد الله بن يزيد الهذلي، عن ابى حصين، قال:
استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفوان بن اميه بمكة خمسين ألفا، فاقرضه.
قال محمد بن عمر: ولم يزل صفوان صحيح الاسلام، ولم يبلغنا انه غزا مع رسول الله
ولا بعده، ولم يزل مقيما بمكة الى ان مات بها في أول خلافه معاويه.
وَعَبْدَ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحِ بْنِ الحارث بن حبيب بن جذيمة بن
مالك ابن حسل بن عامر بن لؤي اسلم قديما، وقد كان يكتب لرسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم، ثم ارتد عن الاسلام، ثم اسلم يوم فتح مكة، وقد مضى خبره في كتابنا
المسمى المذيل من مختصر تاريخ الرسل والملوك.
والأقرع بن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم بن مالك ابن حنظلة بْن
مالك بْن زَيْد مناة بْن تميم، وكان في وفد بنى تميم الذين قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاعطاه من غنائم حنين مائه من الإبل،
وفيه قال عباس ابن مرداس ما قال
(11/540)
وصعصعة
بن ناجيه بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم
واسلم.
ومن ولده الفرزدق الشاعر بن غالب بن صعصعة، ومن ولده أيضا عقال ابن شبه بن عقال بن
صعصعة الخطيب.
والزبرقان بن بدر بن إمرئ القيس بن خلف بن بهدله بن عوف بن كعب بن سعد ابن زيد
مناه بن تميم، وكان اسم الزبرقان الحصين، وكان شاعرا جميلا، وكان يقال له قمر نجد،
وكان في وفد تميم الذين وفدوا عَلَى رَسُول اللَّهِ صلى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فاستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبرقان بن بدر على صدقه قومه
بنى سعد ابن زيد مناه بن تميم، وَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَهُوَ عليها وارتدت العرب، ومنعوا الصدقه وثبت الزبرقان على الاسلام،
وأخذ الصدقه من قومه فأداها الى ابى بكر.
ومالك بن نويره بن جمره بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن حنظله بن مالك ابن زيد مناه
بن تميم وقال ابن عمر: حدثنى عتبة بن جبيرة عن حصين بن عبد الرحمن ابن عمرو بن سعد
بن معاذ، قال: لما صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحج سنه عشر قدم المدينة
فلما راى هلال المحرم سنه احدى عشره بعث المصدقين في العرب فبعث مالك بن نويره على
صدقه بنى يربوع، وكان قد اسلم، وكان شاعرا، قال:
وكان مالك بن نويره يسمى الجفول.
ولبيد بن ربيعه بن مالك بن جعفر بن كلاب الشاعر.
قال ابن عمر: حدثنا موسى بن شيبه بن عمرو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ
مَالِكٍ ابن خارجه بن عبد الله بن كعب، قال: قدم وفد بنى كلاب عَلَى رَسُول
اللَّهِ صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهم ثلاثة عشر رجلا، في سنه تسع، فيهم
لبيد بن ربيعه، فنزلوا دار رمله
(11/541)
بنت
الحدث، ثم جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فسلموا عليه سلام
الاسلام، وأسلموا ورجعوا الى بلاد قومهم.
قال ابن سعد: أخبرنا نصر بن باب، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ
عَنْ الشعبى، قال: كتب عمر بن الخطاب الى المغيره بن شعبه وهو عامله على الكوفه،
ان ادع من قبلك من الشعراء فاستنشدهم ما قالوا من الشعر في الجاهلية والاسلام، ثم
اكتب بذلك الى، فدعاهم المغيره فقال للبيد: انشدنى ما قلت من الشعر في الجاهلية
والاسلام، قال: ابدلنى الله عز وجل بذلك سوره البقره وسوره آل عمران وقال للأغلب
العجلى انشدنى، قال:
ارجزا تريد أم قصيدا ... لقد سالت هينا موجودا
قال: فكتب بذلك المغيره الى عمر، فكتب ان انقص الاغلب خمسمائة من عطائه، وزدها في
عطاء لبيد، فرحل اليه الاغلب، فقال: اتنقصني على ان أطعتك، قال: فكتب عمر الى
المغيره ان زد على الاغلب الخمسمائة التي نقصت وأقرها زياده في عطاء لبيد بن
ربيعه.
وحبشي بن جناده بن نصر بن اسامه بن الحارث بن معيط بن عمرو بن جندل ابن مره بن
صعصعة بن معاويه بن بكر بن هوازن، وبنو مره بن صعصعة هم بنو سلول، وسلول امراه وهي
أم بنى مره، وهي سلول ابنه ذهل بن شيبان بن ثعلبه بها يعرفون وصحب حبشي بن جناده
النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد مع على ع مشاهده.
وابو امامه الباهلى واسمه صدى بن عجلان، من بنى سهم بن عمرو بن ثعلبه ابن غنم بن
قتيبة بن معن بن مالك بن اعصر، وهو منبه بن سعد بن قيس بن عيلان.
وزيد الخيل بن مهلهل بن زيد بن منهب بن عبد رضا بن المختلس بن ثوب ابن كنانه بن
مالك بن نابل بن سودان، هو نبهان بن عمرو بن الغوث بن طيّئ بن أدد ابن زيد بن يشجب
بن يعرب بن قحطان وأم طيّئ دله بنت ذي منجشان بن كله ابن ردمان بن حمير، ولدتها
أمها على اكمه يقال لها مذحج، فسميت دله مذحج بتلك الأكمه، فولدها كلهم يقال لهم
بنو مذحج، واسم طيّئ جلهمة وانما سمى طيئا في قول بعضهم، لأنه أول من طوى المناهل،
وقال بعضهم: لأنه أول من طوى بئرا، ومات
(11/542)
زيد
الخيل بعد منصرفه مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
موضع، يقال له فرده.
قال هشام عن ابيه: كان يقال لبطن زيد الخيل الذى هو منه بنو المختلس، وكان لزيد من
الولد مكنف بن زيد، وبه كان يكنى، وقد اسلم وصحب النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد
قتال اهل الرده مع خالد بن الوليد، وكان له بلاء.
وحريث بن زيد، وكان فارسا صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد قتال اهل الرده مع
خالد بن الوليد وكان شاعرا.
وعروه بن زيد شهد القادسية وقس الناطف ويوم مهران فابلى، وقال في ذلك شعرا وكان
زيد الخيل شاعرا.
وعدى بن حاتم الجواد بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن إمرئ القيس بن عدى بن اخزم
بن ربيعه بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث ابن طيّئ، وكان يكنى أبا ظريف.
شهد عدى بن حاتم القادسية ويوم مهران وقس الناطف والنخيله، ومعه اللواء، وشهد
الجمل مع امير المؤمنين على بن ابى طالب عليه السلام، وفقئت عينه يومئذ، وقتل ابنه
وشهد صفين والنهروان مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلامُ، ومات في
زمن المختار بالكوفه، وهو ابن مائه وعشرين سنه.
وعمرو بن المسبح بن كعب بن طريف بن عصر بن غنم بن حارثة بن ثوب ابن معن بن عتود بن
عنين بن سلامان بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيّئ، وكان ارمى العرب، وله يقول امرؤ
القيس:
رب رام من بنى ثعل ... مخرج كفيه من ستره
وقال وبره بن الجحدر المعنى من بنى دغش:
زعب الغراب وليته لم يزعب ... بالبين من سلمى وأم الحوشب
ليت الغراب رمى حماطه قلبه ... عمرو باسهمه التي لم تلغب
(11/543)
وعاش
عمرو بن المسبح خمسين ومائه سنه، ثم أدرك رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، ووفد اليه واسلم.
والاشعث بن قيس، وهو الاشج بن معد يكرب بن معاويه بن جبله بن عدى ابن ربيعه بن
معاويه الاكرمين بن الحارث بن معاويه بن الحارث بن معاويه بن ثور ابن مرتع بن
كنده، وهو كندى، واسمه ثور بن عفير بن عدى بن الحارث بن مره ابن زيد بن يشجب بن
عريب بن كهلان بن سبا بن يشجب بن يعرب ابن قحطان وكان اسم الاشعث معديكرب، وكان
ابدا اشعث الراس، فسمى الاشعث، وكان يكنى أبا محمد، وفد على النبي صلى الله عليه
وسلم في سبعين راكبا من كنده، ثم ارتد واسر، فبعث به الى ابى بكر، فتاب فلم يزل
مقيما بالمدينة حتى ندب عمر بن الخطاب في خلافته الناس الى غزو العراق، فشخص مع
سعد ابن ابى وقاص فشهد القادسية والمدائن وجلولاء ونهاوند، واختط بالكوفه حين
اختطها المسلمون، وبنى بها دارا في كنده، ونزلها الى ان مات وشهد الاشعث تحكيم
الحكمين، واراد على عليه السلام ان يحكم عبد الله بن العباس مع عمرو بن العاص،
فأبى الاشعث بن قيس، وقال: لا يحكم فيها مضريان، حتى يكون أحدهما يمانيا، فحكم على
عليه السلام أبا موسى الأشعري، وكان الاشعث احد شهود الكتاب.
واخوه سيف بن قيس، وفد مع الاشعث بن قيس الى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله
وسلم، فأمره ان يؤذن لهم، فلم يزل يؤذن حتى مات.
وابراهيم بن قيس أخوهما، وفد الى النبي صلى الله عليه وسلم، مع الاشعث فاسلم.
والحارث بن سعيد بن قيس بن الحارث بن شيبان بن العاتك بن معاويه الاكرمين، وفد الى
النبي صلى الله عليه وسلم.
واماناه بن قيس بن الحارث بن شيبان بن العاتك بن معاويه الاكرمين، وفد الى النبي
صلى الله عليه وسلم، واسلم، وقد كان عاش دهرا، وله يقول عوضه بن بدا الشاعر:
(11/544)
الا
ليتنى عمرت يا أم خالد ... كعمر اماناه بن قيس بن شيبان
لقد عاش حتى قيل ليس بميت ... وافنى فئاما من كهول وشبان
حلت به من بعد جرش وحقبه ... دويهيه حلت بنصر بن دهمان
فاضحى كان لم يغن في الناس ساعه ... رهين ضريح في سبائب كتان
وكان مع اماناه في الوفد ابنه يزيد بن اماناه، واسلم، ثم ارتد فقتل يوم النجير
مرتدا في روايه هشام بن محمد.
ومعدان بن الأسود بن عبد الله بن الحارث الولادة بن عمرو بن معاويه بن الحارث
الاكبر، وكان يقال لمعدان الجفشيش، وفد الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مع
الاشعث بن قيس وهو الذى قال: يا رسول الله الست منا؟ فسكت مرتين ثم [قال في
الثالثه: انا لا نَقْفُو أُمَّنَا وَلا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا، نحن بنو النضر بن
كنانه] فقال الاشعث:
فض الله فاك الا سكت! الجفشيش القائل في روايه كنده:
أطعنا رسول الله إذا كان صادقا ... فيا عجبا ما بال ملك ابى بكر!
ايورثها بكرا إذا كان بعده ... فتلك إذا والله قاصمه الظهر
وهذا في روايه هشام بن محمد، واما محمد بن عمر، فانه كان يذكر ان هذين البيتين
لحارثه بن سراقه بن معد يكرب الكندى، الذى منع زياد بن لبيد الصدقه، وانحاز فيمن
ارتد.
وقيس بن المكشوح، واسم المكشوح هبيرة بن عبد بغوث بن الغزيل بن سلمه ابن بدا بن
عامر بن عوبثان بن زاهر بن مراد، وانما سمى أبوه المكشوح، واسم المكشوح هبيرة لأنه
كشح بالنار، اى كوى على كشحه، وكان سيد مراد، وابنه قيس، وكان فارس مذحج وهو الذى
احتز راس العنسي فيما قيل، فسمته مضر قيس غدر، فقال:
لست غدر، ولكنى حتف مضر.
وقال محمد بن عمر: حدثنى عبد الله بن عمرو بن زهير عن محمد بن عماره بن خزيمة
(11/545)
ابن
ثابت، قال: قال عمرو بن معديكرب لقيس بن مكشوح المرادى: حين انتهى اليه أمر
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا قيس، أنت سيد قومك اليوم.
وقد ذكر لنا أن رجلا من قريش، يقال لَهُ: محمد، قد خرج بالحجاز، يقول:
انه نبي، فانطلق بنا إليه حَتَّى نعلم علمه، فإن كان نبيا كما يقول، فإنه لا يخفى
علينا إذا لقيناه اتبعناه، وإن كان غير ذَلِكَ علمنا علمه وانه ان سبق اليه رجل من
قومك سادنا وتراس علينا، وكناله اذنابا، فأبى عليه قيس وسفه رايه، فركب عمرو بن
معديكرب في عشره من قومه، حتى اتى المدينة، فاسلم ثم انصرف الى بلاده.
وصفوان بن عسال من بنى الربض بن زاهر بن عامر بن عوبثان بن زاهر بن مراد، وعداده
في جمل اسلم، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم.
وعمرو بن الحمق بن الكاهن بن حبيب بن عمرو بن القين بن رزاح بن عمرو ابن سعد بن
عمرو بن كعب بن عمرو، بايع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حجة
الوداع، وصحبه بعد ذلك، ثم كان احد الذين ساروا الى عثمان بن عفان، وشهد المشاهد
بعد ذلك مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلامُ، ثم قتل في الجزيرة،
قتله ابن أم الحكم قال ابن عمر عن عيسى بن عبد الرحمن عن الشعبى قال: أول راس حمل
في الاسلام راس عمرو بن الحمق.
وكرز بن علقمه بن هلال بن جريبه بن عبدنهم بن حليل بن حبشية بن سلول بن كعب ابن
عمرو بن حارثة بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن إمرئ القيس
ابن ثعلبه بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبا ابن
يشجب بن يعرب بن قطحان اسلم كرز يوم فتح مكة، وكان قد عمر عمرا طويلا، وكان بعض
اعلام الحرم قد عمى على الناس، فكتب مروان بن الحكم الى معاويه بذلك فكتب اليه: ان
كان كرز بن علقمه حيا فمره، فليوقفكم عليه، ففعل فهو الذى وضع معالم الحرم في زمن
معاويه، وهو على ذلك الى الساعة
(11/546)
والحيسمان
بن اياس بن عبد الله بن ضبيعه بن عمرو بن مازن بن عدى بن عمرو، وكان شريفا في
قومه، اسلم فحسن اسلامه.
ومخنف بن سليم بن الحارث بن عوف بن ثعلبه بن عامر بن ذهل بن مازن ابن ذبيان بن
ثعلبه بن الدول بن سعد مناه بن غامد بن عبد الله بن كعب بن الحارث ابن كعب بن عبد
الله بن مالك بن نصر بن الأزد، اسلم مخنف، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بيت
الأزد بالكوفه، وكان له اخوه ثلاثة، يقال لأحدهم:
عبد شمس، قتل يوم النخيله، والصقعب قتل يوم الجمل، وعبد الله قتل يوم الجمل، وكان
من ولد مخنف بن سليم ابو مخنف لوط بن يَحْيَى بن سَعِيد بن مخنف ابن سليم الذى
يروى عنه ايام الناس.
وفيروز بن الديلمى، ويكنى أبا عبد الله، وهو من أبناء فارس الذين بعثهم كسرى الى
اليمن، فنفوا عنها الحبشه، وغلبوا عليها قال عبد المنعم: ثم انتسبوا الى بنى ضبة،
وقالوا: أصابنا سباء في الجاهلية- قد غلط عبد المنعم فيما قال- وانما كان ذلك ان
ضبة بن أد كان له بنون ثلاثة عدا احدهم على احد ولد ضبة فقتله، فاراد أبوه ان
يقتله، فهرب فلحق بجبال الديلم، فولد له اولاد هنالك، واولاده الى اليوم يذكرون ان
عندهم سرجه واثاثه وفيروز هو الذى قتل العنسي الأسود بن كعب الكذاب الذى تنبأ
باليمن، [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
قتله الرجل الصالح فيروز بن الديلمى] وقد وفد إلى رسول الله صلى الله عليه
وَسَلَّمَ وروى عنه وبعضهم يروى عنه، فيقول: حدثنى الديلمى الحميرى، وبعضهم يقول:
عن الديلمى: وهو واحد، وهو فيروز الديلمى، وانما قيل له الحميرى لنزوله في حمير
ومخالفته إياهم، ومات فيروز في خلافه عثمان
(11/547)
[القول
في من عاش بعد رسول الله ص وروى من الصحابة والتابعين]
ذكر أسماء من عاش بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من
اصحابه فروى عنه او نقل عنه علم
ذكر أسماء من عاش بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من
بنى عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف.
منهم الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَلَّبِ، عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ، وبنوه: الفضل،
وعبد الله، وعبيد الله وكل هؤلاء أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ورووا عنه
ونقل عنهم العلم، واكبر من ذكرت من ولد العباس واسنهم الفضل، وبه كان يكنى العباس،
وهو اقدمهم موتا وتوفى بالشام في طاعون عمواس، قبل ابيه.
ثم عبد الله وهو الذى اوسع الناس علما ومد له في العمر، فعاش الى ايام فتنه ابن
الزبير وعبد الملك بن مروان، وقد مضى ذكرى تاريخ وفاته وغير ذلك من أموره، ثم عبيد
الله، وكان اصغر الثلاثة من ولد العباس سنا، كان عبد الله اسن منه بسنه، وتوفى
عبيد الله قبل عبد الله، كانت وفاه عبيد الله في ايام يزيد بن معاويه ووفاه عبد
الله بعد ذلك بسنين.
وكانت أم الفضل وعبد الله وعبيد الله وقثم واحده، أمهم جميعا أم الفضل، وهي لبابه
الكبرى بنت الحارث بن حزن من بنى هلال بن عامر، وقد كان في ولد العباس لصلبه ممن
نقل عنه العلم، ورويت عنه الآثار غير هؤلاء، ككثير وتمام ومعبد، غير انه لا يعلم
لأحد منهم سوى من ذكرت سماع من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصح.
ومنهم على وعقيل ابنا ابى طالب بن عبد المطلب، والحسن والحسين ابنا على ابن ابى
طالب وعبد الله بن جعفر بن ابى طالب عليهم السلام، كل هؤلاء عاشوا
(11/548)
بَعْدَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونقل منهم العلم ورويت عنهم
الآثار، وقد مضى ذكرى تاريخ وفاتهم ومده آجالهم.
ومنهم الحارث بن نوفل بن الحارث بن المطلب بن هاشم بن عبد مناف، من ولده عبد الله
بن الحارث بن نوفل، الذى اصطلح عليه اهل البصره ايام الزبيريه والمروانية بببه
لقب، أدرك رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وروى عنه.
ذكر بعض ما روى الحارث عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الآثار
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مؤمل بن اسماعيل،
قال: حدثنا سفيان عن عاصم بن عبيد الله عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عتبة عن عبد الله ابن الحارث بن نوفل عَنْ أَبِيهِ، إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذا سمع المؤذن يقول: اشهد ان لا اله الا الله،
اشهد ان محمدا رسول الله، قال: كما يقول، وإذا قال: حي على الصلاة قَالَ لا حول
ولا قوة إلا بالله، وإذا قال: حي على الفلاح، قَالَ: لا حول ولا قوة إلا بالله.
حدثنى هلال بن العلاء الرقى، قال: حدثنا حفص بن عمر ابو عمر الحوضى، قال: حدثنا
همام، عن ليث عن علقمه بن مرثد عن عبد الله بن الحارث عن ابيه، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علمهم الصلاة على الميت: اللهم اغفر
لأحيائنا وأمواتنا، واصلح ذات بيننا، والف بين قلوبنا، اللهم هذا عبدك فلان بن
فلان لا نعلم الا خيرا كنت اعلم به، فاغفر لنا وله فقلت وانا اصغر القوم: فان لم
اعلم خيرا قال: لا تقل الا ما تعلم.
ومنهم عبد المطلب بْن رَبِيعَة بْن الْحَارِث بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ
هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مناف.
كان فيما ذكر اهل السير عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم رجلا وقد روى عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احاديث،
منها مَا حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ فضيل، عن يزيد بن
ابى زياد، عن عبد الله بن الحارث، قال: حدثنى
(11/549)
عبد
المطلب بْن رَبِيعَة بْن الْحَارِث بْن عبد المطلب، ان العباس دخل عَلَى رَسُول
اللَّهِ صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مغضب، وانا عنده، فقال: ما اغضبك!
فقال: يا رسول الله، ما لنا ولقريش! إذا تلاقوا تلاقوا بوجوه مستبشره، وإذا لقونا
لقونا بغير ذلك، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى
احمر وجهه، حتى استدر عرق بين عينيه- وكان إذا غضب استدر- فلما سرى عنه، [قال:
والذى نفس محمد بيده، لا يدخل قلب امرئ من الايمان ابدا حتى يحبكم لله ولرسوله، ثم
قال: ايها الناس من آذى العباس، فقد آذاني، انما عم الرجل صنو ابيه] .
وربيعه بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، كان يكنى أبا اروى، وهو الذى [قال النبي
صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: الا ان كل دم وماثره كانت في الجاهلية فهو تحت
قدمي، وان أول دم اضعه دم ربيعه بن الحارث،] وذلك انه كان قتل لربيعه ابن في
الجاهلية فابطل الطلب به في الاسلام، ولم يجعل لربيعه التباعه، قتل قاتل ابنه وعاش
ربيعه بعد النبي صلى الله عليه وسلم الى خلافه عمر، وقد روي عن النبي صلى الله
عليه وسلم وكان- فيما ذكر- اسن من عمه العباس ابن عبد المطلب بسنتين.
ذكر بعض ما روى عنه من الاثر: حدثنا محمد بن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن
عبد الله بن ربيعه، عن ابيه عن رجل من قريش، قال:
رايت النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية وهو واقف بعرفات مع المشركين، ورايته
في الاسلام واقفا موقفه ذلك، فعرفت ان الله عز وجل وقفه ذلك.
ذكر موالي بنى هاشم الذين عاشوا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ورووا عنه ونقل عنهم العلم
منهم سلمان الفارسي يكنى أبا عبد الله، حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ،
قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ سعد قال: أخبرنا اسماعيل بن عبد الله بن زراره الجرمي، قال:
حدثنا جعفر بن سليمان، قال: حدثنا هشام بن حسان، عن الحسن قال: كان عطاء سلمان
خمسه آلاف وكان على ثلاثين ألفا من الناس يحطب في عباءه يفترش نصفها
(11/550)
ويلبس
نصفها وكان إذا خرج عطاؤه امضاه، ويأكل من سفيف يده.
حدثنى اسماعيل بن موسى السدى، قال أخبرني شريك عن ابى ربيعه الأيادي، عن ابن بريده
عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
ان الله تعالى أمرني بحب اربعه، قيل: يا رسول الله من هم؟ سمهم لنا، فقال: على
منهم يقول ذلك ثلاثا، وابو ذر والمقداد وسلمان، أمرني بحبهم، وأخبرني انه يحبهم]
وتوفى سلمان بالمدائن في خلافه عثمان.
ومنهم أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، واسمه
اسلم، كان مملوكا للعباس بن عبد المطلب فوهبه للنبي صلى الله عليه وسلم، فاعتقه
النبي صلى الله عليه وسلم وزوجه مولاته سلمى، فولدت ابنه عبيد الله بن ابى رافع.
ومنهم اسامه بن زيد الحب بن حارثة، كان يكنى أبا محمد، وأمه أم ايمن حاضنه رسول
الله صلى الله عليه وسلم ومولاته، وقيل: ان اسامه كان يوم توفى النبي صلى الله
عليه وسلم ابن عشرين سنه، فسكن بعد النبي صلى الله عليه وسلم وادي القرى، ثم رجع
الى المدينة، فمات بالجرف في آخر خلافه معاويه.
وثوبان مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان يكنى أبا
عبد الله، ممن انعم عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بالعتق، ولم يزل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حَتَّى قبض اللَّه رسوله صلى
اللَّه عَلَيْهِ وسلم، فتحول الى الشام، ونزل حمص، وله بها دار صدقه، وقيل: انه من
حكم بن سعد العشيره.
ومنهم ضميره بن ابى ضميره، روى عن رسول الله ص ما حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ
الأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي
ذِئْبٍ، عن حسين بن عبد الله بن ضميره، عن ابيه، عن جده ضميره، [أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر بام ضميره وهي تبكى، فقال: ما
يبكيك؟ اجائعه أنت اعاريه أنت؟ قالت: يا رسول الله، فرق بيني وبين ابنى، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
(11/551)
عليه
وسلم: لا يفرق بين والده وولدها، ثم ارسل الى الذى عنده ضميره، فدعاه فابتاعه منه
ببكر] .
وزيد ابو يَسَارٌ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
روى عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما حدثت عن موسى بن
اسماعيل، قال: حدثنا حفص بن عمر الشنى، قال: حدثنى ابى عمر بن مره عن بلال بن يسار
بن زيد مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: [سمعت ابى
يحدث عن جدي، انه سمع النبي ص يقول: من قال: استغفر الله الذى لا اله الا هو هو
الحى القيوم واتوب اليه غفر له وان كان فر من الزحف]
. ومن حلفاء بنى هاشم
ابو مرثد الغنوي، حدثنا محمد بن بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ،
قَالَ:
حَدَّثَنَا عبد الله بن المبارك، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: حدثنى بسر بن عبيد
الله، قال: سمعت أبا ادريس قال: سمعت واثله بن الاسقع، يقول: سمعت أبا مرثد
الغنوي، يَقُولُ: [سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يقول: لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها] .
وابنه مرثد بن ابى مرثد قتل يوم الرجيع، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ
الْجَبَّارِ قَالَ:
حَدَّثَنَا اسماعيل بن ابان، قال: حدثنى يحيى بن يعلى الأسلمي، وكان ثقه، عن على
بن موسى، عن القاسم، عن مرثد بن ابى مرثد الغنوي، وكان بدريا، قَالَ:
[قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ان سركم ان تقبل
صلاتكم فليؤمكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم عز وجل] .
وابن ابنه انيس بن مرثد بن ابى مرثد الغنوي، وكان يكنى أبا يزيد، وكان بينه وبين
ابيه في السن احدى وعشرون سنه شهد انيس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة،
وحنينا، وكان عين النبي صلى الله عليه وسلم باوطاس،
(11/552)
وكان
ابو مرثد حليف حمزه بن عبد المطلب.
حدثنى زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبَانٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حدثنا ابو
صالح كاتب الليث، قال: حدثنى الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد، قال: كتب الى خالد بن
ابى عمران، ان الحكم بن مسعود النجرانى، حدثه ان انيس بن ابى مرثد الأنصاري حدثه،
[أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ستكون فتنه صماء
بكماء وعمياء، المضطجع فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَاعِدِ، وَالْقَاعِدُ خَيْرٌ مِنَ
الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خَيْرٌ من الساعى
ومن اتى فليمدد عنقه] هكذا حدثنى به زكرياء ابن يحيى، قال انيس بن ابى مرثد
الأنصاري: وانما هو انيس بن مرثد بن ابى مرثد الغنوي من غنى بن يعصر بن سعد بن قيس
بن عيلان بن مضر
. ذكر من روى عن النبي ص من بنى المطلب بن عبد مناف بن قصى
فمنهم ركانه بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصى، وهو من مسلمه
الفتح، عاش بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم مات في
أول خلافه معاويه.
ومنهم قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ بن قصى.
ومنهم جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، كان يكنى أبا محمد، وقيل: أبا على
اسلم قبل الفتح، ونزل المدينة، ومات بها في خلافه معاويه، وكان أبوه مطعم بن عدى
من اشراف قريش، وكان أجار رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشركين، فلما كان يوم
بدر، واسر من اسر من قريش، قال: لو كان مطعم بن عدى حيا لوهبت له هؤلاء النتنى،
ليده التي كانت له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله يقول حسان بن ثابت:
فلو كان مجد يخلد اليوم واحدا ... من الناس انجى مجده اليوم مطعما
اجرت رسول الله منهم فأصبحوا ... عبيدك ما لبى ملب واحرما
وقد روى جبير عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثا كثيرا
(11/553)
ومنهم
عقبه بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عبد مناف بن قصى، روى عقبه
عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدَّثَنَا ابْنُ بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا أيوب عن عبد الله ابن
ابى مليكه، عن عقبه بن الحارث، قال جيء بالنعيمان- او ابن النعيمان- شاربا،
فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كان في البيت ان
يضربوه، قال: فكنت انا فيمن ضربه، فضربناه بالنعال والجريد.
ومن حلفاء بنى نوفل بن عبد مناف بن قصى
عتبة بن غزوان بن جابر بن اهيب بن نسيب بن زيد بن مالك بن الحارث ابن عوف بن مازن
بن مَنْصُور بن عِكْرِمَة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر.
يكنى أبا عبد الله، وقيل: أبا غزوان قديم الاسلام ممن هاجر الى الحبشه الهجره
الثانيه، وهو الذى مصر البصره واختطها، وبنى بها المسجد، روى عن رَسُول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمما روى عنه ما حدثنا به محمد بن بشار قال:
حدثنا صفوان ابن عِيسَى الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عِيسَى
أَبِو نَعَامَةَ الْعَدَوِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ عمير وشويسا أبا
الرقاد، قالا: قال عتبة بن غزوان: لقد رأيتني وانى لسابع سبعه مع رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَنَا طَعَامٌ إِلا وَرَقُ السمرِ حَتَّى
تَقَرَّحَتْ أَشْدَاقُنَا، وَالْتَقَطْتُ بُرْدَةً فَشَقَقْتُهَا بَيْنِي وَبَيْنَ
سعد.
ومن حلفائهم يعلى بن اميه بن ابى عبيده بن همام بن الحارث بن بكر ابن زيد بْن مالك
بْن حنظلة بْن مالك بْن زيد مناه بن تميم وأمه منيه بنت جابر ابن اهيب بن نسيب بن
زيد بن مالك بن الحارث بن عوف بن مازن بن منصور، هي عمه عتبة بن غزوان، وعتبة
ويعلى بن اميه من حلفاء الحارث بن نوفل بن عبد مناف ابن قصى، واسلم يعلى بن اميه
وأبوه اميه بن ابى واخوه سلمه بن اميه، واخته نفيسة بنت منيه، شهد يعلى مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم حنينا والطائف وتبوك، وروى هو واخوه سلمه عن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(11/554)
ذكر
أسماء من نقل عنه العلم ممن صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاش بعده من بَنِي
أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ بن كلاب
منهم الزبير بن العوام بن خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قصى،
أمه صفيه بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف عمه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يكنى أبا عبد الله كان رابع الاسلام او خامسه يوم
اسلم فيما قيل، وهاجر الهجرتين الى ارض الحبشه، ولم يتخلف عن غزاه لرسول الله صلى
الله عليه وسلم، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبد الله بن مسعود،
قتل بوادي السباع وهو ينصرف عن وقعه الجمل منطلقا به الى المدينة يوم الخميس لعشر
ليال خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين، ودفن هنالك وهو يومئذ ابن اربع وستين،
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا كثيرا.
وابنه عبد الله بن الزبير وأمه أسماء بنت ابى بكر، ولد في شوال في السنه الثانيه
من الهجره، وقيل ان أمه أسماء هاجرت الى النبي صلى الله عليه وسلم وهي حامل به
وكان يكنى أبا بكر وأبا خبيب.
وحكيم بن حزام بن خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قصى وأمه أم
حكيم بنت زهير بن الحارث بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ،
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ عَنِ ابْنِ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بن عمر قال: حدثنى المنذر
بن عبد الله عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي حَبِيبَةَ مولى الزبير، قال:
سمعت حكيم بن حزام يقول: ولدت قبل قدوم اصحاب الفيل بثلاث عشره سنه، انا اعقل حين
اراد عبد المطلب ان يذبح ابنه عبد الله حين وقع نذره، وذلك قبل مولد رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخمس سنين، وكان يكنى أبا خالد.
ومات بالمدينة في خلافه معاويه، وهو ابن مائه وعشرين سنه روى عن رَسُول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو من مسلمه الفتح، وابناه خالد وهشام، أسلما
معه يوم فتح مكة واسلم معهما يومئذ اخواهما عبد الله ويحيى ابنا حكيم بن حزام.
(11/555)
ذكر
أسماء من روى عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بنى عبد
الدار بن قصى بن كلاب
منهم شيبه الحاجب بن عثمان، وهو الاوقص بن ابى طلحه، واسمه عبد الله ابن عَبْدِ
الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بن قصى، اسلم بحنين ورسول الله صلى
الله عليه وسلم يحارب هوازن، روى عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
ومنهم عثمان بن طَلْحَة بن أبي طَلْحَة بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ
عَبْدِ الدار ابن قصى بن كلاب هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ في هدنة
الحديبية في صفر سنه ثمان.
ومنهم ابو السنابل بن بعكك بن الحارث بن السباق بن عبد الدار بن قصى ابن كلاب، وهو
من مسلمه الفتح
. ذكر أسماء من روى عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بنى
زهره بن كلاب أخي قصى بن كلاب
منهم عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهره بن كلاب.
ومنهم سعد بن ابى وقاص واسم ابى وقاص مالك بْن أهيب بْن عبد مناف بْن زهرة ابن
كلاب بن مره، يكنى أبا إسحاق.
ومنهم المسور بن مخرمة بن نوفل بْن أهيب بْن عبد مناف بْن زهرة بن كلاب، يكنى أبا
عبد الرحمن، وهو ابن اخت عبد الرحمن بن عوف، قَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن ثماني سنين، وقد روى عن رسول الله احاديث، فمما روى
عنه من ذلك ما حدثنى معمر البحرانى قال: حدثنا ابو عامر، قال: حدثنا عبد الله ابن
جعفر بن المسور بن مخرمه، عن أم بكر بنت المسور عن المسور، قال: مر بي يهودي، وانا
خلف النبي صلى الله عليه وسلم قائم، والنبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ،
(11/556)
فقال
اليهودي: ارفع ثوبه عن ظهره، فذهبت ارفع ثوبه فنضح النبي صلى الله عليه وسلم في
وجهى الماء.
ومنهم نافع بن عتبة بن ابى وقاص بْن أهيب بْن عبد مناف بْن زهرة بن كلاب، وهو من
مسلمه الفتح، اسلم يوم فتح مكة، وهو أخو هاشم بن عتبة المرقال، وروى نافع بن عتبة
عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ
الْعَسْقَلانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا رواد بن الجراح، عن المسعودى عن عبد الملك بن
عمير، عن جابر ابن سمره عن نافع بن عتبة، قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تقاتلون جزيرة العرب، فيفتحها الله عز وجل، وتقاتلون
الروم فيفتحهم الله، وتقاتلون فارس، فيفتحهم الله، وتقاتلون الدجال، فيفتحه الله
عز وجل] .
ومنهم عبد الرحمن بن ازهر بن عوف بن عبد بن الحارث بن زهره بن كلاب، شهد حنينا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
حدثنى يونس بن عبد الأعلى الصدفي، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني اسامه بن زيد
الليثى، عن ابن شهاب، حدثه عن عبد الرحمن بن ازهر، قال:
كأني انظر إلى رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ الان، وهو في الرحال يلتمس رحل
خالد بن الوليد يوم حنين، فبينا هو كذلك، إذ اتى برجل قد شرب الخمر، [فقال الناس:
اضربوه، فمنهم من ضربه بالنعال، ومنهم من ضربه بالعصا، ومنهم من ضربه بالمتيخه-
يريد الجريدة الرطبه- ثم أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ترابا من الارض فرمى به وجهه] .
ومنهم عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث بْن أهيب بْن عبد مناف بْن زهرة بن كلاب.
روى عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمما روى عنه ما حدثنا
به تميم بن المنتصر الواسطي، قال: أخبرنا يزيد- يعنى ابن هارون- قال أخبرنا محمد-
يعنى ابن إِسْحَاقَ- عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عبد الله بن
الأرقم بن عبد يغوث، [انه سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، يقول: إذا وجد احدكم في بطنه شيئا، فحضرت الصلاة فليبدأ بالغائط]
(11/557)
ومنهم
صفوان الزهري، حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ بشير،
قال: حدثنا بشير بن سلمان، عن القاسم بن صفوان الزهري، عن ابيه، قال:
[قال النبي ص: ابردوا بالظهر فان الحر من نور جهنم] .
وعبد الله بن عدى بن حمراء الزهري، حدثنى عبد الله بن يوسف الجبيرى، قال: حدثنا
احمد بن عبد الرحمن الحراني، قال: حدثنا حجاج بن ابى منيع، عن عبيد الله بن ابى
زياد عن الزهري، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ان
أبا عمرو بن عدى بن حمراء الزهري اخبره، [انه سمع رسول الله صلى الله تعالى عليه
وعلى آله وسلم وهو واقف بالحزورة في سوق مكة، يقول: والله انك لخير الارض، او أحب
ارض الله عز وجل الى، ولولا انى اخرجت منك ما خرجت]
. ذكر من روى عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حلفاء بنى
زهره
عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهله ابن كاهل بن
الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركه بن الياس بن مضر.
ويكنى أبا عبد الرحمن وكان مسعود بن غافل ابو عبد الله حالف في الجاهلية عبد بن
الحارث بن زهره.
والمقداد بن عمرو بن ثعلبه بن مالك بن ربيعه، الذى يقال له المقداد بن الأسود.
كان حالف الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهره بن كلاب في الجاهلية،
فتبناه الأسود، وكان يدعى المقداد بن الأسود، حتى انزل الله تعالى نكره على نبيه
صلى الله عليه وسلم ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فقيل له:
المقداد بن عمرو.
ومنهم خباب بن الأرت بن جندله بن سعد بن خزيمة بن كعب من بنى سعد ابن زيد مناه بن
تميم، كان اصابه سبى، فبيع بمكة فاشترته أم انمار بنت ابن سباع الخزاعية، حلفاء
عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهره، فاعتقته
(11/558)
وقيل:
بل أم خباب وأم سباع واحده، فانضم خباب بن الأرت الى آل سباع، وادعى حلف بنى زهره
بهذا السبب، وقد روى خباب عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثا
كثيرا.
ومنهم شرحبيل بن حسنه- وحسنه أمه- وهي عدوليه، وابو شرحبيل عبد الله ابن المطاع بن
عمرو بن كنده حليف لبنى زهره.
ذكر أسماء من روى عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بنى تيم
بن مره
منهم ابو بكر عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ، وَاسْمُهُ عُثْمَانُ بن عامر
بن عمرو بن كعب ابن سعد بن تيم بن مره.
ومن بنى مخزوم بن يقظه بن مره بن كعب
خالد بْن الوليد بْن المغيرة بْن عبد الله بْن عمر بن مخزوم، وكان يكنى أبا سليمان
وأمه عصماء، وهي لبابه الصغرى بنت الحارث بْن حزن بْن بجير بْن الهزم بن رويبة ابن
عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة، وهي اخت أم الفضل بنت الحارث أم بنى العباس بن
عبد المطلب وكانت أم الفضل أيضا تسمى لبابه، فخالد بن الوليد ابن خاله عبد الله بن
العباس، وابن اخت ميمونه بنت الحارث زوجه رسول الله ص، وروى خالد عن رسول الله ص
احاديث.
ومنهم عياش بن ابى ربيعه بْن المغيرة بْن عبد الله بْن عمر بن مخزوم، وهو أخو ابى
جهل بن هشام لامه، أمهما جميعا أسماء بنت مخربه بن جندل بن ابير ابن نهشل بن دارم
بن غنم، ممن هاجر الى ارض الحبشه مع زوجته أسماء بنت سلمه ابن مخربه، فولدت له
بأرض الحبشه ابنه عبد الله بن عياش ثم رجع الى مكة حتى قبض رسول الله ثم رجع الى
الشام، فجاهد ثم رجع الى مكة، واقام بها حتى مات بها وقد روى عن رسول الله ص، فمما
روى عنه ما حدثنى به محمد بن سهل بن عسكر البخاري قال: حَدَّثَنَا عبد الرزاق،
قَالَ: أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن عياش بن ابى ربيعه، [قال سمعت النبي ص
(11/559)
يقول:
تجيء ريح بين يدي الساعة فتقبض روح كل مؤمن] .
ومنهم عبد الله بن أبي أمية بْن المغيرة بْن عبد الله بْن عمر بن مخزوم أمه عاتكه
بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وهو أخو أم سلمه زوج النبي ص، شهد مع النبي ص
فتح مكة، وحنينا والطائف، فرمى يوم الطائف بسهم، فاصابه فقتله- فيما يقول اهل
السير- لا اختلاف بينهم في ذلك.
ومنهم عمر بن أبي سلمة بْن عبد الأسد بْن هلال بْن عبد الله بْن عمر بْن مخزوم،
ربيب رسول الله ص، وهو فيما ذكر- ابن تسع سنين، وشهد مع على ع الجمل، ثم استعمله
على فارس وتوفى في خلافه عبد الملك بن مروان بالمدينة، روى عن رسول الله ص احاديث،
وقد عاش اخوه سلمه ابن ابى سلمه بعد رسول الله ص الى خلافه عبد الملك بن مروان،
الا انه لا تحفظ له عن رسول الله روايه، وكان اسن من أخيه عمر بن ابى سلمه، وهما
جميعا ابنا أم سلمه زوج النبي ص، فاما أبوهما ابو سلمه فتوفى على عهد رسول الله،
واسمه عبد الله بن عبد الأسد.
ومنهم عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان بْن عبد الله بْن عمر بْن مخزوم.
وكان يكنى أبا سعيد، قبض النبي ص- وهو فيما ذكر- ابن اثنتى عشره سنه، سكن الكوفه
فمات بها سنه خمس وثمانين.
وقد روى عن رسول الله ص احاديث، فمما روى عنه عن النبي ص، مَا حَدَّثَنَا أَبُو
كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نمير ووكيع عن اسماعيل ابن ابى خالد عن الأصبغ
مولى عمرو بن حريث عن عمرو بن حريث، انه قال:
صليت مع رسول الله ص، فكان يقرا في صلاه الفجر، فكأني اسمع صوته: فَلا أُقْسِمُ
بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ قال ابو كريب: قال وكيع:
قرأ: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ.
حدثنا عبد الحميد بن بيان القناد، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ،
عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابن ابى خالد عن اصبغ- مولى لعمرو بن حريث- عن عمرو بن حريث،
قال: صليت
(11/560)
مع
رسول الله ص صلاه الفجر، فكأني اسمع صوته يقرا: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ
الْجَوارِ الْكُنَّسِ، قال: فذهبت بي اليه أمي فدعا لي بالرزق.
ومنهم اخوه سعيد بن حريث، وهو اسن من عمرو، ذكر انه شهد فتح مكة مع النبي ص، وهو
ابن خمس عشره سنه، ثم نزل بالكوفه بعد النبي ص، مع أخيه عمرو، وقد روى عن رسول
الله ص، فمما روى عنه عن رسول الله ص ما حدثنا به ابن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب
بن عبد المجيد، قال: حدثنا اسماعيل بن ابراهيم بن مهاجر عن عبد الملك ابن عمير عن
عمرو بن حريث، عن أخيه سعيد بن حريث، قال: [سمعت رسول الله ص يقول: من باع دارا
فلم يشتر مكانها دارا فانه مال قمن الا يبارك فيه له] .
ومنهم عبد الله بن ابى ربيعه، واسم ابى ربيعه عمرو بن مخزوم، وهو أخو عياش ابن ابى
ربيعه لأبيه وأمه، وابو عُمَر بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الشاعر،
واسلم عبد الله ابن ابى ربيعه يوم فتح مكة، وكان اسمه بجير، فلما اسلم سماه رسول
الله ص عبد الله، وقد روى عن النبي ص.
حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا زكرياء بن عدى،
قال: حدثنا حاتم، عن اسماعيل بن ابراهيم المخزومي، عن ابيه عن جده، [ان النبي ص:
استسلف منه بضع عشر ألفا، فلما رجع من حنين دعا به، فقال:
خذ مالك بارك الله لك في اهلك ومالك فإنما جزاء السلف الوفاء والحمد] .
ومنهم عكرمه بن ابى جهل، واسم ابى جهل عمرو بْن هشام بْن المغيرة بْن عبد اللَّه
ابن عمر بن مخزوم، اسلم بعد فتح مكة.
حدثنى احمد بن عثمان بن حكيم الأودي، قال: حدثنا شريح بن سلمه، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَامِرِ
بْنِ سَعْدٍ، [ان عكرمه بن ابى جهل لما اتى النبي ص قال له: مرحبا بالراكب
المسافر، او المهاجر، قال: فقلت: ما اقول يا رسول الله؟ قال: قل أَشْهَدُ أَنْ لا
إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّكَ رسول الله، قال: فقلت: قال ثم قلت: ماذا اقول يا
رسول الله
(11/561)
قال:
تقول انى اشهدك يا رسول الله انى مهاجر، قال: فقلت: قال: فقال رسول الله ص ما أنت
لتسألني اليوم شيئا أعطيه أحدا من الناس الا أعطيتكه قال: فقلت: ما انا لأسألك
مالا انى لمن اكثر قريش مالا، ولكن اسالك ان تستغفر لي على قتال قاتلتك، وعلى نفقه
أنفقتها لأصد بها عن سبيل الله عز وجل، لئن طالت بي حياه لاضعفن ذلك كله] .
ومنهم السائب بن ابى السائب ابو عبد الله بن السائب، وهو في قول محمد ابن عمر الذى
يذكر انه كان شريك رسول الله ص في الجاهلية، كذلك حدثنى الحارث عن بن سعد عنه،
فاما هشام بن محمد بن الكلبى، فانه قال: كان شريك رسول الله ص في الجاهلية عبد
الله بن السائب ابن ابى السائب، واما الوارد في الخبر فانه السائب.
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ المقدام، عن إسرائيل
عن ابراهيم ابن مهاجر، عن مجاهد عن السائب، [قال: جاء بي عثمان بن عفان وزهير بن
اميه، فاستأذنا على رسول الله ص، فاثنيا على عنده، فقال رسول الله ص:
انا اعلم به منكما، الم تكن شريكى في الجاهلية؟ قلت: نعم، بابى أنت وأمي، فنعم
الشريك كنت لا تمارى ولا تبارى، فقال لي رسول الله ص:
يا سائب انظر الأخلاق الحسنه التي كنت تصنعها في الجاهلية، فأصنعها في الاسلام،
اقر الضيف، واحسن الى اليتيم، واكرم الجار] .
والسائب بن ابى السائب وابنه عبد الله أسلما يوم فتح مكة، وكان عبد الله ابن
السائب يكنى أبا عبد الرحمن، واما قيس بن السائب فانه ابن عم عبد الله ابن السائب،
وهو قيس بن السائب بن عويمر بن عائذ بن عمران بن مخزوم، وهو مولى مجاهد.
كذلك، قال الواقدى: ان عبد الحميد بن عمران حدثه عن موسى بن ابى كثير عن مجاهد،
قال: هذه الآية نزلت في مولاى قيس بن السائب وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ
فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ، فافطر واطعم لكل يوم مسكينا.
(11/562)
ومن
حلفاء بنى مخزوم ممن عاش بعد رسول الله ص وروى عنه
عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانه بن مذحج كان ياسر- فيما ذكر- قدم مكة مع
اخويه: الحارث ومالك من اليمن في طلب أخ لهم، فرجع الحارث ومالك الى اليمن، واقام
ياسر بمكة، فحالف بها أبا حذيفة بْن المغيرة بْن عبد الله بْن عمر بن مخزوم، واسم
ابى حذيفة بن المغيره مهشم- وقيل مهاشم- وكان من المستهزئين فزوجه ابو حذيفة أمه
له يقال لها سميه بنت خباط، فولدت له عمارا فاعتقه ابو حذيفة، فلما جاء الاسلام
اسلم ياسر وسميه وعمار، وشهد عمار مع رسول الله ص المشاهد كلها، وعاش بعد رسول
الله ص وروى عنه، وقتل مع على ع بصفين.
ومن بنى عدى بن كعب بن لؤي بن غالب ممن عاش بعد رسول الله ص وروى عنه
عمر بْن الْخَطَّاب بْن نفيل بْن عبد العزى بْن رياح بْن عبد اللَّه بْن قرط بن
رزاح ابن عدى بن كعب، وكان يكنى أبا حفص، وابنه عبد الله، وكان يكنى أبا عبد
الرحمن.
واخوه زيد بن الخطاب بن نفيل، وكان يكنى أبا عبد الرحمن وكان زيد اسن من أخيه عمر،
واقدم إسلاما منه، وكانت معه رايه المسلمين يوم اليمامه، فلم يزل يتقدم بها- فيما
ذكر- ويضارب بسيفه حتى قتل.
وسعيد بن زيد بن عمرو بْن نفيل بْن عبد العزى بْن رياح بْن عبد اللَّه بْن قرط بْن
رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي، يكنى أبا الأعور، قديم الاسلام، اسلم قبل ان يدخل رسول
الله ص دار الارقم، وقبل ان يدعو فيها، ولم يشهد بدرا، ولكنه شهد أحدا وما بعد احد
من مشاهد رسول الله ص.
وصفوان بن اميه بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح عاش بعد رسول الله ص، وروى عنه، وهو
من مسلمه الفتح، حدثنى يوسف بن حماد المعنى، قال:
حدثنا عثمان بن عبد الرحمن الجمحى، عن محمد بن الفضل بن العباس، قال:
(11/563)
كانت
فينا وليمة، فدخل علينا صفوان بن اميه فاتى بالطعام، فقال: انتهسوا اللحم، [فانى
سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: انتهسوا اللحم فانه أشهى،
واهنى وامرى] .
ومنهم ابو محذوره المؤذن أوس بن معير بن لوذان بن ربيعه بن سعد بن جمح، وقد قيل في
اسمه ونسبه غير ذلك، قيل: ان اسمه سمره بن عمير بن لوذان بن وهب بن سعد ابن جمح،
وانه كان له أخ من ابيه وأمه يقال له أوس، وعاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم حينا
من الزمان، وروى عنه.
حدثنى موسى بن سهل الرملي، قال: حدثنا محمد بن عمرو بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ محيريز، قال: حدثنى ابى عمرو بن عبد الرحمن عن ابيه عن جده
عبد الله ابن محيريز، قال: رايت أبا محذوره صاحب رسول الله ص وله شعره، فقلت: يا
عم الا تأخذ من شعرك؟ فقال: ما كنت لاخذ شعرا مسحه رسول الله ص، ودعا فيه بالبركة.
ومن بنى عامر بن لؤي بن غالب
ابن أم مكتوم مؤذن رسول الله ص، واختلف في اسمه فقالت: نسابه المدنيين اسمه عبد
الله، وقالت نسابه العراقيين اسمه عمرو، وهم مجمعون على نسبه انه ابن قيس بن
زَائِدَةَ بْنِ الأَصَمِّ بْنِ رَوَاحَةَ بْنِ حُجْرِ بن معيص بن عامر بن لؤي وقد
قيل في زائده بن الأصم بن هرم بن رواحه: عاش بعد رسول الله وروى عنه.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الضريس، عن ابى سنان،
عن عمرو ابن مره، عن ابى البختري، عن ابن أم مكتوم، [قال: قال رسول الله ص:
لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا] .
وعامر بن مسعود، روى عن رسول الله ص.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الأَسَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ:
(11/564)
أخبرنا
إسرائيل عن ابى إسحاق، عن شيخ من قريش، يقال له عامر بن مسعود، قال:
[قال رسول الله ص: الصوم في الشتاء الغنيمه البارده، اما ليله فطويل واما نهاره
فقصير] .
ونوفل بن معاويه بن عمرو بن صخر بن يعمر بن نفاثه بن عدى بن الديلم، عاش بعد رسول
الله ص، وروى عنه.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: حدثنا
ابى فديك، قال: حدثنى ابن ابى ذئب، عن ابن شهاب، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عن نوفل بن معاويه الديلى، قال: [قال
رسول الله ص: من فاتته الصلاة فكأنما وتر اهله وماله] .
ومنهم سليمان بن اكيمه الليثى عن رسول الله ص حدثنا سعيد بن عمرو السكوني، قال:
حدثنا الوليد بن سلمه الفلسطينى، قال: حدثنى يعقوب بن عبد الله بن سليمان بن اكميه
الليثى، عن ابيه عن جده، قال: قلنا لرسول الله ص انا لنسمع الحديث لا نقدر على
تاديته، كما سمعناه، [قال: إذا لم تحلوا حراما ولم تحرموا حلالا وأصبتم المعنى فلا
باس] .
ومنهم فضالة الليثى روى عن رسول الله ص.
حدثنى الحسن بن قزعه الباهلى قال: حدثنا مسلمه بن علقمه، عن داود بن ابى هند، عن
ابى حرب، عن عبد الله بن فضالة، عن ابيه، [قال: اتيت رسول الله ص فاسلمت، وعلمني
مواقيت الصلاة، فقلت: يا رسول الله، ان هذه ساعات متواترات، وانا رجل ذو شغل
فأخبرني بشيء جامع، قال: فما استطعت فلا تدعن العصرين، قلت: يا رسول الله، وما
العصران؟ قال: صلاه قبل طلوع الشمس، وصلاه قبل غروبها] .
وحدثنى إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ بن عبد
الله عن داود عن ابى حرب عن عبد الله بن فضالة الليثى عن ابيه، [قال: علمني رسول
الله ص، فكان فيما علمني ان قال: حافظ على الصلوات الخمس قال: قلت:
ان هذه ساعات لي فيهن أشغال، فأمرني بأمر جامع، إذا انا فعلت أجزأ عنى قال:
(11/565)
حافظ
على العصرين، قال: وما كانت من لغتنا؟ قال: قلت وما العصران، قال:
صلاه قبل طلوع الشمس، وصلاه قبل غروبها] .
وشداد بن اسامه بن عمرو، وهو الهاد بن عبد الله بن جابر بن بشر بن عتواره ابن عامر
بن ليث وكانت عند شداد بن اسامه سلمى بنت عميس، اخت أسماء بنت عميس الخثعمية.
روى شداد عن رسول الله ص: ما حدثت عن موسى بن اسماعيل، قال: حدثنا جرير بن حازم عن
محمد بن عبد الله بن ابى يعقوب الضبي، عن عبد الله بن شداد بن الهاد، عن ابيه،
[قال: خرج علينا رسول الله ص في احدى أراه قال: - صلاتي العشى وهو حامل، احد ابنى
ابنته الحسن او الحسين ع فتقدم، فوضعه عند قدمه اليمنى، وسجد رسول الله بين ظهراني
صلاته سجده أطالها، قال:
ابى: فرفعت راسى من بين الناس، فإذا رسول الله ص ساجد، وإذا الغلام على ظهره، فعدت
فسجدت، فلما انصرف رسول الله ص قال الناس:
يا رسول الله، لقد سجدت في صلاتك هذه سجده ما كنت تسجدها، أفشيء امرت به او كان
يوحى إليك؟ قال كل ذلك لم يكن، ولكن ابنى هذا ارتحلني، فكرهت ان اعجله حتى يقضى
حاجته] .
ومنهم خفاف بن إيماء بن رحضه بن خربه بن خلاف بن حارثة بن غفار.
روى خفاف عن رسول الله ص ما حدثنا به ابن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عبد
المجيد، قال: حدثنا محمد بن عمرو، عن خالد بن عبد الله بن حرمله، عن الحارث بن
خفاف بن إيماء بن رحضه، عن خفاف بن إيماء، [قال:
ركع رسول الله ص، ثم رفع راسه فقال: غفار عفر الله لها، واسلم سالمها الله، اللهم
العن رعلا وذكوان وعصيه، قال خفاف: فمن اجل ذلك لعنت الكفره] .
ورافع بن عمرو أخو الحكم بن عمرو، روى عن رسول الله ص:
(11/566)
حدثنى
عبد الرحمن بن الوليد الجرجانى قال: أخبرنا مسلم بن ابراهيم، قال:
حدثنا سليمان بن المغيره، قال: حدثنا حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، عَنْ
أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: ان من بعدي من امتى- او قال سيكون
من امتى قوم يقرءون القرآن لا يجاوز حلوقهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من
الرميه ثم لا يعودون فيه، شرار الخلق والخليقة] قال سليمان:
واكثر ظني انه قال: سيماهم التخالق قال عبد الله بن الصامت: فلقيت رافع ابن عمرو
الغفاري أخا الحكم بن عمرو، فقلت ما حدثت سمعته من ابى ذر يقول:
كذا وكذا، وذكرت هذا الحديث له، فقال: وما اعجبك من هذا؟ فانا سمعته من رسول الله
ص.
ومنهم نصر بن عبيده النصرى، روى عن رسول الله ص.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الأَسَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عن ابى إسحاق عن عبده بن
حزن النصرى، قال: [تفاخر عند رسول الله ص اصحاب الإبل واصحاب الغنم، فقال اصحاب
الإبل: ما أنتم يا رعاء الشاء! هل تحبون شيئا او تصيبونه ما هي الا شويهات، احدكم
يرعاها، ثم يروحها، حتى اصمتوهم، فقال رسول الله ص: بعث داود ع وهو راعى غنم، وبعث
موسى ع وهو راعى غنم، وبعثت انا وانا ارعى غنم اهلى باجياد، فغلبهم اصحاب الغنم] .
ومنهم عم الفرزدق، روى عن رسول الله ص ما حدثت عن يزيد بن هارون، قال: أخبرنا جرير
بن حازم، قال: حدثنا الحسن، عن صعصعة بن معاويه عم الفرزدق الشاعر- هكذا قال
يزيد-[انه اتى النبي ص فقرا عليه فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ
وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ، قال: حسبي لا اسمع غيرها] .
ومنهم سليم بن جابر الهجيمي ابو جرى.
حدثنى إسحاق بن ابراهيم الصواف، قال: حدثنا يوسف بن يعقوب السدوسي،
(11/567)
قال:
حدثنا عبد الواحد بن واصل، عن ابى غفار عن ابى تميمه، عن ابى جرى، [قال:
انتهيت الى رجل والناس حوله يصدرون عن رايه، ما قال لهم من شيء رضوا به، فقلت في
نفسي: ان هذا لرجل، من هذا؟ قالوا: هذا رسول الله، قلت: عليك السلام يا رسول الله،
عليك السلام يا رسول الله، قال: عليك السلام تحيه الميت، ولكن قل السلام عليك،
قلت: السلام عليك يا رسول الله، أنت رسول الله؟ قال: نعم، انا رسول الله الذى إذا
اصابك ضر فدعوته استجاب لك، وإذا اصابك عام سنه فدعوته استجاب لك، وإذا كنت في
ارض- قال: او في ارض قفر- فضلت راحلتك فدعوته ردها عليك، قال: قلت: بابى وأمي يا
رسول الله! اعهد الى عهدا، قال:
لا تسبن أحدا، قال: فما سببت بعده حرا ولا عبدا ولا شاه ولا بعيرا، قال: ولا تزهدن
في المعروف، وان تكلم اخاك وأنت منبسط اليه بوجهك، فان ذلك من المعروف، وارفع
الازار الى نصف الساق، والا فالى الكعبين، وإياك واسبال الازار، فان ذلك من
المخيله، وان الله لا يحب المخيله، وإذا عيرك رجل بأمر يعلمه فيك فلا تعيره بأمر
تعلمه فيه فيكون وبال ذلك عليك] .
ومنهم حرمله العنبري، روى عن رسول الله ص.
حدثنا ابن الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قال:
حدثنا قره بن خالد، عن ضرغامه بن عليه بن حرمله العنبري، قال: حدثنى ابى عن ابيه،
قال: انتهيت الى رسول الله ص في وفود من الحى، فصلى بنا صلاه الصبح، فجعلت انظر في
وجوه القوم، ما اكاد ان اعرفهم- اى من الغلس.
سلمان بن عامر الضبي روى عن رسول الله ص احاديث، منها ما حدثنى بشر بن دحية
البصرى، قال: حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثنا عاصم، عن حفصة بنت سيرين، عن الرباب،
امراه من بنى ضبة، ان سلمان بن عامر الضبي رفعه [الى النبي ص، قال: إذا افطر احدكم
فليفطر على تمر، فان لم يجد تمرا فليفطر على ماء، فان الماء طهور] .
ومنهم عبد الله بن سرجس المزنى، روى عن رسول الله ص،
(11/568)
حدثنا
نصر بن علي الجهضمي، قال: حَدَّثَنَا نوح بن قيس قال: حدثنا عبد الله ابن عمران عن
عاصم الأحول، عن عبد الله بن سرجس المزنى عن [رسول الله ص، انه قال: السمت الحسن
والتؤدة والاقتصاد جزء من اربعه وعشرين جزءا من النبوه] .
ومنهم ميسره الفجر، وهو- فيما قيل- ابو بديل بن ميسره، روى عن رسول الله ص، حدثنا
بن بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا منصور بن
سعد عن بديل عن عبد الله بن شقيق عن ميسره الفجر، [قال: قلت: يا رسول الله، متى
كتبت نبيا؟ قال: وآدم بين الروح والجسد.]
. ومن بنى جعدة بْن كعب بْن ربيعة بْن عامر بْن صعصعة
نابغه بنى جعدة الشاعر، واسمه قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعه بن جعدة، روى عن
رسول الله ص.
حدثنى عمر بن اسماعيل الهمدانى، قال: حدثنا يعلى بن الاشدق العقيلي، قال:
سمعت النابغة، يقول: انشدت النبي صلى الله عليه وسلم شعرا فقلت:
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا ... وانا لنرجو فوق ذلك مظهرا
ولا خير في حلم إذا لم تكن له ... بوادر تحمى صفوه ان يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما اورد الأمر اصدرا
[قال: فقال النبي ص: اجدت يا أبا ليلى- ثلاثا- لا يفض فوك الا اين المظهر يا أبا
ليلى؟ قلت الجنه، قال: الجنه ان شاء الله] .
ومنهم حميد بن ثور الهلالي الشاعر.
ومن بنى نمير بن عامر بن صعصعة
ابو زهير النميرى، روى عن رسول الله ص احاديث منها:
ما حدثنى محمد بن عوف الطائي، قال: حدثنا محمد بن اسماعيل، قال: حدثنى
(11/569)
ضمضم
عن شريح، قال: حدث ابو زهير النميرى ان [النبي ص قال:
لا تقاتلوا الجراد فانه من جند الله الأعظم] .
ومنهم يزيد بن عامر السوائى، كان مع المشركين يوم حنين، ثم اسلم، وروى عن رسول
الله ص.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الأَدَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا معن- يعنى ابن
عيسى- القزاز، عن سعيد بن السائب الطائفى، عن ابيه، عن يزيد بن عامر، قال: [لما
كانت انكشافه المسلمين حين انكشفوا يوم حنين، ضرب النبي ص يده الى الارض، فاخذ
منها قبضه من تراب فاقبل بها على المشركين، وهم متبعون المسلمين، فحثا بها في
وجوههم، وقال: ارجعوا، شاهت الوجوه! قال: فانصرفنا ما يلقى منا احد أحدا الا وهو
يمسح القدى عن عينيه] .
وحبشي بن جناده بن نصر بن اسامه بن الحارث بن معيط بن عمرو بن جندل ابن مره بن
صعصعة صحب النبي ص وروى عنه احاديث.
حدثنى اسماعيل بن موسى السدى، قال: أخبرنا شريك عن ابى إسحاق عن حبشي ابن جناده
السلولي، قال: [قال رسول الله ص: على منى وانا من على، لا يؤدى ديني الا انا او
على] .
وحدثنا ابن حميد، قَالَ: حَدَّثَنَا حكام، عن عنبسة، عن ابى إسحاق عن حبشي ابن
جناده السلولي، قال: [سمعت رسول الله ص يقول: على منى وانا منه لا يبلغ عنى الا
انا او على،] قالها في حجه الوداع.
ومنهم ابو مريم مالك بن ربيعه السلولي ابو بريد بن ابى مريم روى عن رسول الله ص
احاديث.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قَالَ: حَدَّثَنَا جرير، عن عطاء عن بريد بن ابى مريم عن
ابيه، قال: قام النبي ص فينا مقاما حدثنا بما هو كائن الى ان تقوم الساعة.
ومنهم الهرماس بن زياد الباهلى، روى عن رسول الله ص احاديث منها:
ما حَدَّثَنِي العباس بن أبي طالب، قال: حَدَّثَنَا عبد الله بن عمران الاصبهانى،
(11/570)
قال:
حدثنا يحيى بن ضريس الرازى، عن عكرمه بن عمار عن هرماس، [قال:
كنت رديف ابى، فرايت النبي ص على بعير، يقول: لبيك بحجه وعمره معا] .
ومنهم من تغلب جد حرب بن عبيد الله من قبل أمه، روى عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قَالَ: حَدَّثَنَا جرير عن عطاء عن حرب بن عبيد الله عن جده
ابى أمه- رجل من بنى تغلب-[قال: أسلمنا فأتينا النبي ص، فقلت:
ان قومى قد أسلموا، فعلمنا، قال: اذهب فعلمهم الصلاة والزكاة، فحدثني بزكاه الإبل
والبقر والغنم والذهب والفضه، فادبرت فحفظت كل شيء علمنيه الا الزكاة، فرجعت اليه،
فقلت: انى قد حفظت كل شيء الا الزكاة فأعادها على، فلما ادبرت نسيتها، فرجعت اليه،
فقلت: قد حفظت كل شيء الا الزكاة، اعشرهم؟ قال: لا، انما العشور على اليهود
والنصارى وليس على المسلمين عشور.]
ذكر اسامى من روى عن رسول الله ص ممن آمن به واتبعه في حياته وعاش بعده من قبائل
اليمن
فمنهم- من ولد أوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن إمرئ القيس بن
ثعلبه بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبا ابن يشجب
بن يعرب بن قحطان والى قحطان جماع نسب اليمن، ثم يختلف في نسب قحطان النسابون
فمنهم من ينسبه الى اسماعيل بن ابراهيم فيقول: هو قحطان بن الهميسع ابن تيمن بن
نبت بن اسماعيل بن ابراهيم، كذلك كان هشام بن محمد ينسبه، ويذكر عن ابيه انه ادرك
اهل النسب والعلم ينسبون قحطان كذلك ومنهم من يقول:
هو قحطان بن فالغ بن عابر بن شالخ- قيل بالخاء والحاء- بن ارفخشد بن نوح صلوات
الله عليه وعلى جميع الأنبياء وأم الأوس والخزرج- وهما ابنا حارثة- العنقاء
(11/571)
قيله
بنت كاهل بن عذره بن سعد- وهو سعد بن هذيم، نسب الى هذيم، وهذيم عبد حبشي كان يسمى
هذيما، لأنه حضن سعدا فغلب عليه فقيل سعد بن هذيم.
وانما هو سعد بن زيد بن ليث بن سود بن اسلم بن الحاف بن قضاعه وكان سيدهم حتى مات-
منصرف النبي ص عن بنى قريظة سعد بن معاذ، وقد مضى ذكرى اخباره.
ومنهم خزيمة بن ثابت الفاكه بن ثعلبه بن ساعده بن عامر بن غيان بن عامر بن خطمه،
روى عن رسول الله ص احاديث.
حَدَّثَنِي العباس بن أبي طالب، قال: حَدَّثَنَا سعد بن عبد الحميد بن جعفر
الأنصاري، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عمران بْن
إبراهيم بْن محمد بْن طلحة ابن عبيد الله قال: حدثنى خزيمة بن محمد بن عماره بن
خزيمة بْنُ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ خزيمة بن ثابت، [قال: قال رسول
الله ص: اتقوا دعوه المظلوم فإنها تحمل على الغمام، لقول الله عز وجل: وعزتي
وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين] .
ومنهم أخو خزيمة بن ثابت، روى عن رسول الله ص احاديث، منها ما حَدَّثَنِي عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
زُرْعَةَ، قَالَ: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن عماره بن خزيمة بن ثابت، وخزيمة بن
ثابت الذى جعل رسول الله ص شهادته شهاده رجلين قال عماره اخبره عمه- وَكَانَ مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ان خزيمة بن ثابت
راى في المنام انه سجد على جبهه رسول الله ص، فاتى خزيمة رسول الله، فحدثه، قال:
فاضطجع رسول الله، ثم قال له: صدق رؤياك فسجد على جبهته.
ومنهم عبد الله بن حنظله بن الراهب، روى عن رسول الله ص.
حدثنى محمد بن اسماعيل السلمى، قال: حدثنا الحسن بن سوار ابو العلاء، قال: حدثنا
عكرمه بن عمار عن ضمضم بن جوس، عن عبد الله بن حنظله بن الراهب، قال: رايت النبي ص
يطوف بالبيت على ناقه لا صرب ولا طرد ولا إليك إليك
(11/572)
ومنهم
ثم من بنى حارثة بن الحارث عويمر بن اشقر، روى عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حدثنى العباس بن الوليد البيروتى، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا
الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حدثنى يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عباد بن تميم، عن عويمر
بن اشقر الأنصاري، ثم المازنى، انه ذبح اضحيته قبل ان يصلى رسول الله، ثم انه ذهب
الى رسول الله ص فاخبره، قال: فأمره رسول الله ص ان يعود لضحيته.
وحدثنى يونس بن عبد الأعلى الصدفي، قال: أخبرني ابن وهب، قال: حدثنا عمرو بن
الحارث ومالك بن انس ان يحيى بن سعيد الأنصاري حدثهما عن عباد بن تميم عن عويمر بن
اشقر الأنصاري، انه ذبح ضحيته قبل ان يغدو يوم الاضحى، وانه ذكر ذلك لرسول الله ص
فأمره رسول الله ان يعود بضحيه اخرى.
وحدثنى ابن سنان القزاز، قال: حدثنا موسى، عن حماد عن يحيى بن سعيد عن عباد بن
تميم، عن عويمر بن اشقر، انه ذبح قبل ان يصلى النبي ص، فأمره النبي ص ان يعيد.
ومنهم مجمع بن جاريه، من بنى عمرو بن عوف، روى عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احاديث.
حدثنى الحسن بن عرفه، قال: حدثنا اسماعيل بن عياش الحمصى، عن عبد العزيز بن عبيد
الله، عن يعقوب بن مجمع بن جاريه، عن ابيه، [ان رسول الله ص خرج في جنازة رجل من
بنى عمرو بن عوف حتى انتهى الى المقبرة، فقال: السلام على اهل القبور، ثلاث مرات،
من كان منكم من المؤمنين والمسلمين، أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع، عافانا الله عز وجل
وإياكم] .
ومنهم حذيفة بن اليمان ابو عبد الله، اصله من عبس بن بغيض، وهو حليف لبنى عبد
الاشهل، روى عن رسول الله ص حديثا كثيرا
(11/573)
ومنهم
ابو أيوب خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبه بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار،
وهو تيم الله بن ثعلبه بن عمرو بن الخزرج، شهد العقبه مع السبعين من الانصار، وشهد
بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله ص، وروى عن رسول الله حديثا كثيرا.
ومنهم ثابت بن قيس بن شماس بن إمرئ القيس بن مالك الأغر بن ثعلبه بن كعب ابن
الخزرج بن الحارث بن الخزرج، روى عن رسول الله ص احاديث.
حدثنى يونس بن عبد الأعلى الصدفي، قال: أخبرنا ابن وهب قال: حدثنا داود بن عبد
الرحمن المكى، عن عمرو بن يحيى المازنى، عن يوسف بن مُحَمَّد بن ثَابِتِ بْنِ قيس
بن شماس، عن ابيه عن جده [عن رسول الله ص انه دخل عليه فقال: اكشف الباس، رب
الناس، عن قيس بن شماس، ثم أخذ ترابا من بطحان، فجعله في قدح فيه ماء فصبه عليه] .
ومنهم ابو اليسر كعب بن عمرو، روى عن رسول الله ص.
حدثنا حميد بن مسعده السامي، قال: حدثنا بشر بن المفضل، قال: حدثنا عبد الرحمن بن
إسحاق، عن عبد الرحمن بن معاويه، عن حنظله بن قيس، عن ابى اليسر البدري، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [قال: من أحب ان يظله الله في ظله-
واشار بيده- فلينظر معسرا او ليضع له] .
ومنهم عبيد بن رفاعة الزرقي.
حدثنى حوثره بن محمد المنقرى وسعيد بن الربيع الرازى، قالا حدثنا سفيان عن عمرو عن
عروه بن عامر عن عبيد بن رفاعة الزرقي، قال: [قالت أسماء:
يا رسول الله، ان بنى جعفر تصيبهم العين افنسترقى لهم؟ قال: نعم، فلو كان شيء يسبق
القدر لسبقت العين] .
ومنهم خلاد بن رفاعة بن رافع، روى عن رسول الله ص.
حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عمى، عن شريك،
عن عبد الله ابن عون عن على بن يحيى، عن خلاد بن رفاعة بن رافع- وكان بدريا- قال:
(11/574)
[جاء
رجل الى النبي ص وهو جالس، فصلى قريبا منه، ثم انصرف، فوقف على نبى الله فسلم عليه
فقال نبى الله ص: اعد صلاتك، فإنك لم تصل، فصلى نحوا مما صلى ثم انصرف فوقف على النبي
ص فسلم، فقال له النبي ص: اعد صلاتك، فإنك لم تصل، فقال يا نبى الله، علمني، قال:
إذا توجهت الى القبله فكبر ثم اقرا بما شاء الله ان تقرا، فإذا ركعت فاجعل راحتيك
على ركبتيك، وامدد ظهرك، ومكن لركوعك، فإذا رفعت فاقم صلبك حتى ترجع العظام في
مفاصلها، فإذا سجدت فمكن سجودك، فإذا رفعت، فاجلس على فخذك اليسرى، ثم افعل مثل
ذلك في كل ركعة وسجده حتى تفرغ] .
ومنهم زياد بن لبيد بن ثعلبه بن سنان، احد بنى بياضه بن عامر بن زريق روى عن رسول
الله ص.
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ الاعمش، عن سالم بن ابى
الجعد، عن زياد بن لبيد، [قال: ذكر رسول الله ص شيئا، فقال: وذاك عند أوان ذهاب
العلم، قلنا: يا رسول الله، وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا
ويقرئه أبناؤنا ابناءهم الى يوم القيامه؟ قال: ثكلتك أمك زياد! ان كنت لاراك من
افقه رجل بالمدينة اوليس هذه اليهود والنصارى يقرءون التوراة والانجيل ولا يعملون
بشيء مما فيهما!] ومنهم ابو ابى ابراهيم الأنصاري.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ، قال: حدثنا بشر بن
المفضل، قال: حدثنا هشام الدستوائى، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي ابراهيم
الأنصاري، عن ابيه انه سمع رسول الله ص يقول في الصلاة على الميت: اللهم اغفر
لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وذكرنا وأنثانا، وصغيرنا وكبيرنا وحدثنيه ابن
المثنى قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأوزاعي،
ان يحيى حدثه عن ابى ابراهيم- رجل من بنى عبد الاشهل- حدثه ان أباه حدثه انه سمع
رسول الله ص يصلى على جنازة، يقول: اللهم اغفر لأولنا وآخرنا وحينا وميتنا، وذكرنا
وأنثانا،
(11/575)
وصغيرنا
وكبيرنا، وشاهدنا وغائبنا اللهم لا تحرمنا اجره ولا تضلنا بعده.
قال يحيى: وحدثنى ابو سلمه، [عن النبي ص بمثله وزاد فيه ومن احييته فأحيه على
الاسلام، ومن توفيته فتوفه على الايمان] .
وعمير الأنصاري روى عن رسول الله ص.
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابى سعيد بن سعيد التغلبى، او الثعلبى- شك الطبرى- عن
سعيد بن عمير الأنصاري، عن ابيه وكان بدريا، [قال: قال النبي ص: من صلى على من
امتى صلاه مخلصا بها من نفسه، صلى الله عليه بها عشر صلوات، ورفعه بها عشر درجات،
وكتب له بها عشر حسنات، ومحا عنه بها عشر سيئات]
. ذكر بعض أسماء من عاش بعد رسول الله ص ممن آمن به واتبعه في حياته وروى عنه بعد
وفاته في سائر قبائل اليمن
ثم من الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبا بن يشجب ابن يعرب بن
قحطان ثم من خزاعة وهم بنون لكعب ومليح وعدى بنى عمرو بن ربيعه ابن حارثة بن عمر
ومزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن إمرئ القيس ابن ثعلبه بن مازن.
منهم الحصين بن عبيد بن خلف بن عبدنهم بن جريبه بن جهمه بن غاضره بن حبشية بن كعب
بن عمرو، وهو ابو عمران بن حصين، روى عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ المغيره،
قال: حدثنا عمرو- يعنى بن ابى قيس- عن منصور، عن ربعي، عن عمران بن الحصين عن
ابيه، [انه اتى النبي ص قبل ان يسلم، فقال: يا محمد، عبد المطلب كان خيرا لقومه
منك، كان يطعمهم الكبد والسنام، وأنت تنحرهم، ثم قال: علمني، فقال: قل اللهم قنى
شر نفسي واعزم لي على ارشد امرى، ثم أتاه وقد اسلم، فقال: ما اقول؟ قال قل:
اللهم اغفر لي ما اسررت وما اعلنت، وما أخطأت وما عمدت، وما علمت وما جهلت]
(11/576)
ومنهم
سليمان بن صرد بن الجون بن ابى الجون، وهو عبد العزى بن منقذ- وكان سليمان يكنى
أبا مطرف وكان اسمه قبل ان يسلم يسار، فلما اسلم سماه رسول الله صلى الله عليه
وسلم سليمان- وشهد مع على بن ابى طالب ع الجمل وصفين، وقد قيل انه لم يشهد الجمل،
فاما في شهوده معه صفين فلم يختلف فيه، وقتل بعين الورده بناحيه قرقيسياء قتله
يزيد بن الحصين بن نمير، وهو يومئذ رئيس التوابين وصاحب امرهم، روى عن رسول الله ص
احاديث.
حدثنا نصر بن على الجهضمي، قال: حدثنا ابى عن شعبه عن عبد الأكرم- رجل من اهل
الكوفه- عن ابيه، عن سليمان بن صرد، قال: أتانا رسول الله ص فمكثنا ليالي لا نقدر-
او لا يقدر- على طعام.
ومنهم حبيش بن خالد الأشعري بن خليف روى عن رسول الله ص.
ما حدثنى ابو هشام محمد بن سليمان بن الحكم بن أيوب بن سليمان بن ثابت بن يسار
الكعبي الربعي، قال: حدثنى عمى أيوب بن الحكم بن أيوب عن حزام بن هشام، عن ابيه
هشام بن حبيش، عن جده حبيش بن خالد صاحب رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ إن
رسول الله ص حين خرج من مكة خرج منها مهاجرا الى المدينة، هو وابو بكر ومولى ابى
بكر عامر بن فهيره، ودليلهما الليثى عبد الله بن الأريقط فمروا على خيمتي أم معبد
الخزاعية- وكانت برزه جلده، تحتى بفناء القبه ثم تسقى وتطعم- فسألوها لحما وتمرا
ليشتروه منها، فلم يصيبوا من ذلك شيئا، وكان القوم مرملين- قال ابو هشام مشتين-،
قال الطبرى وانما هو مسنتين- فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إلى شاه في كسر الخيمة، فقال: ما هذه الشاه يا أم معبد؟ قالت: شاه خلفها
الجهد عن الغنم، قال: هل بها من لبن؟ قالت: هي اجهد من ذلك، قال:
تاذنين لي ان أحلبها، قالت: نعم بابى وأمي، ان رايت بها حلبا فاحلبها- فدعا بها
رسول الله فمسح بيده ضرعها، وسمى الله، ودعا لها في شاتها، فتفاجت عليه، ودرت
واجترت ودعا بإناء يربض الرهط، فحلب فيه ثجا حتى علاه البهاء، ثم سقاها حتى
(11/577)
رويت،
وسقى اصحابه حتى رووا، ثم شرب آخرهم، ثم أراضوا، ثم حلب فيه ثانيا بعد بدء حتى ملا
الإناء، ثم غادره عندها وبايعها، وارتحلوا عنها، فقل ما لبثت حتى جاءها زوجها ابو
معبد، يسوق اعنزا عجافا، تساوكن هزلا ضحى، مخهن قليل.
فلما راى ابو معبد اللبن عجب، وقال: من اين لك هذا يا أم معبد؟ والشاه عازب حيال
ولا حلوب في البيت، قالت: لا والله الا انه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا،
قال: صفيه لي يا أم معبد، قالت: رايت رجلا ظاهر الوضاءة، ابلج الوجه، حسن الخلق،
لم يعبه نحله ولم تزر به صعله هكذا قال: ابو هشام، وانما هو لم تعبه تجله، ولم تزر
به صقله وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي اشفاره وطف- قال ابو هشام: عطف، وفي صوته
صهل، قال الشيخ: وهو خطا وانما هو صحل بالحاء- وفي عنقه سطع وفي لحيته كثافة أزج
اقرن ان صمت فعليه الوقار، وان تكلم سما وعلاه، البهاء، اجمل الناس وأبهاه من
بعيد، واحسنه واحلاه من قريب، حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر، كان منطقه خرزات نظم
يتحدر، ربعه لا ياس من طول، ولا تقتحمه
(11/578)
عين
من قصر، غصن بين غصنين، فهو انضر الثلاثة منظرا، واحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به،
ان قال نصتوا لقوله- قال الطبرى: وانما هو انصبتوا لقوله- وان امر تبادروا الى
امره- محفود محشود لا عابس ولا مفند- قال ابو هشام:
ولا معتد- وهو خطا قال ابو معبد هو والله صاحب قريش الذى ذكر لنا من امره ما ذكر
بمكة، ولقد هممت ان اصحبه ان وجدت الى ذلك سبيلا، فاصبح صوت ببكة عاليا يسمعون
الصوت، ولا يدرون من صاحبه، وَهُوَ يَقُولُ:
جَزَى اللَّهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ قَالا خَيْمَتَيْ
أُمِّ مَعْبَدِ
هُمَا نزلاها بالهدى واهتدت به ... فقد فاز من امسى رفيق محمد
فيال قصى ما زوى الله عنكم ... به من فعال لا يجازى وسودد
ليهنئ بنى كعب مقام فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد
سلوا أختكم عن شاتها وانائها ... فإنكم ان تسألوا الشاه تشهد
دعاها بشاه حائل فتحلبت ... عليه صريح ضره الشاه مزبد
قال الطبرى: هكذا أنشدنيه ابو هشام وانما هو: فتحلبت له بصريح ضره الشاه مزبد
فغادرها رهنا لديها لحالب ... يرددها في مصدر ثم مورد
فلما سمع بذلك حسان بن ثابت شاعر رسول الله ص وسلم شبب يجاوب الهاتف وهو يقول:
لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم ... وقدس من يسرى اليهم ويغتدى
ترحل عن قوم فضلت عقولهم ... وحل على قوم بنور مجدد
هداهم به بعد الضلالة ربهم ... وارشدهم، من يبتغ الحق يرشد
وهل يستوى ضلال قوم تسفهوا ... عمى وهداه يهتدون بمهتد
وقد نزلت منه على اهل يثرب ... ركاب هدى حلت عليهم باسعد
نبى يرى مالا يرى الناس حوله ... ويتلو كتاب الله في كل مسجد
(11/579)
قال
الطبرى والذى نرويه في كل مشهد: -
وان قال في يوم مقاله غائب ... فتصديقها في اليوم او في ضحى الغد
ليهن أبا بكر سعاده جده ... بصحبته من يسعد الله يسعد
ليهن بنى كعب مقام فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد
قال: فلحقه فاسلم.
حدثنى ابراهيم القارئ ابو إسحاق الكوفى، قال: حدثنا بشر بن حسن ابو احمد السكرى،
قال: حدثنا عبد الملك بن وهب المذحجى، عن الحر بن الصياح النخعى، عن ابى معبد
الخزاعي ان رسول الله ص خرج ليله هاجر من مكة الى المدينة هو وابو بكر وعامر بن
فهيره مولى ابى بكر، ودليلهم عبد الله بن اريقط الليثى، فمروا بخيمتى أم معبد
الخزاعية- وكانت امراه برزه جلده تحتى وتجلس بفناء الخيمة ثم تطعم وتسقى- فسألوها
تمرا ولحما ليشتروا فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك، وإذا القوم مرملون مسنتون
فقالت: لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القرى، فنظر رسول الله ص الى شاه في كسر خيمتها
فقال: ما هذه الشاه يا أم معبد؟ قالت شاه خلفها الجهد عن الغنم، قال: فهل بها من
لبن؟
قالت: هي اجهد من ذلك، قال: افتأذنين ان أحلبها؟ قالت: نعم بابى وأمي، ان رايت بها
حلبا، فاحلبها فدعا رسول الله ص بالشاه فمسح ضرعها، وذكر اسم الله عز وجل، فتفاجت
ودرت، واجترت، فدعا بإناء لها يربضن الرهط، فحلب فيه ثجا حتى غلبه الثمال، فسقاها
فشربت حتى رويت، وسقوا حتى رووا، وقال: ساقى القوم آخرهم، فشربوا جميعا عللا بعد
نهل حتى أراضوا، ثم حلبوا فيه ثانيا عودا على بدء، فغادره عندها، فقلما لبثت ان
جاء زوجها ابو معبد يسوق أعنزا حثلا عجافا، تساوك هزلا، مخهن قليل، لا نقى بهن،
فلما راى اللبن عجب وقال: من اين هذا لكم والشاء عازبه ولا حلوبه في البيت؟ قالت:
لا والله انه
(11/580)
مر
بنا رجل مبارك، كان من حديثه كيت وكيت، قال: أراه والله صاحب قريش الذى ذكر لنا
صفيه لي يا أم معبد، قالت: رايت رجلا ظاهر الوضاءة، متبلج الوجه، حسن الخلق لم
تعبه تجله، ولم تزر به صعله، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي اشفاره وطف، وفي صوته
صهل- قال: الطبرى وانما هو صحل- احور اكحل أزج اقرن، رجل في عنقه سطع، وفي لحيته
كثافة- قال الطبرى: وانما هو كثاثة- إذا صمت فعليه الوقار، وإذا تكلم سما وعلاه
البهاء، كان منطقه خرزات نظم يتحدرن، حلو المنطق، فصل لا نزر ولا هذر، اجهر الناس،
واجمله من بعيد، واحلاه واحسنه من قريب، ربعه لا تشنؤه من طول ولا تقتحمه عين من
قصر، غصن بين غصنين، فهو انضر الثلاثة منظرا، واحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به، ان
قال سمعوا لقوله، وان امر تبادروا الى امره، محفود محشود لا عابس ولا مفند قال:
هذا والله صاحب قريش الذى ذكر لنا، ولو كنت وافقته لالتمست صحبته، ولافعلن ذلك ان
وجدت اليه سبيلا، واصبح صوت بمكة عال يسمعونه ولا يدرون من يقوله بين السماء
والارض، وَهُوَ يَقُولُ:
جَزَى اللَّهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جزائه ... رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالبر وارتحلا به ... فافلح من امسى رفيق محمد
فيال قصى ما زوى الله عنكم ... به من فعال لا يجازى وسودد
ليهنئ بنى كعب مقام فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد
سلوا أختكم عن شاتها وانائها ... فإنكم ان تسألوا الشاه تشهد
دعاها بشاه حائل فتحلبت له ... بصريح ضره الشاه مزبد
قال الطبرى: هكذا أنشدنيه ابو هشام وانما هو: فتحلبت له بصريح ضره الشاه مزبد.
فغادره رهنا لديها بحالب ... يدر لها في مصدر ثم مورد
فاصبح الناس وقد فقدوا نبيهم ص، فأخذوا على خيمتي أم معبد حتى لحقوا النبي ص
واجابه حسان، وهو يقول:
لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم ... وقدس من يسرى اليه ويغتدى
ترحل عن قوم فزالت عقولهم ... وحل على قوم بنور مجدد
وهل يستوى ضلال قوم تسكعوا ... عمى وهداه يهتدون بمهتد
نبى يرى مالا يرى الناس حوله ... ويتلو كتاب الله في كل مشهد
وان قال في يوم مقاله غائب ... فتصديقها في ضحوه اليوم او غد
(11/581)
ليهن
أبا بكر سعاده جده ... بصحبته من يسعد الله يسعد
ويهن بَنِي كَعْبٍ مَكَانُ فَتَاتِهِمْ ... وَمَقْعَدُهَا لِلْمُؤْمِنِينَ
بِمَرْصَدِ
ومنهم هنيده بن خالد الخزاعي.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الأَسَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عن ابى إسحاق، عن هنيده بن خالد الخزاعي، قال: بينما
رسول الله ص يقاتل، إذ أتاه رجل، فقال: يا رسول الله أعطني سيفا، فلأقاتل به، قال:
لعلك ان تقوم في الكيول قال: فاعطاه سيفا فاخذ يرتجز وهو يقول:
انى امرؤ بايعنى خليلى ونحن عند اسفل النخيل الا اخون الدَّهْرَ فِي الْكُيُولِ
اضْرِبْ بِسَيْفِ اللَّهِ وَالرَّسُولِ قال: فما زال يقاتل حتى عطفوا عليه فقتلوه.
ومنهم نمير الخزاعي.
حدثنى محمد بن خلف العسقلاني، ومحمد بن عوف الطائي من اهل حمص، قالا: حدثنا
الفريابي قال: حدثنا عصام بن قدامه، قال: حدثنا مالك بن نمير الخزاعي، قال: حدثنى
ابى انه راى رسول الله ص قاعدا في الصلاة، واضعا ذراعه على فخذه اليمنى رافعا
اصبعه السبابة قد حناها شيئا وهو يدعو.
ومنهم نافع بن عبد الحارث.
حدثنا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حدثنا سفيان
عن حبيب عن رجل عن نافع بن عبد الحارث، قال: [قال رسول الله ص:
من سعاده المرء المسلم المسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء] .
ومنهم عمرو بن شاس.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة عن ابن إسحاق، عن ابان ابن صالح قال:
كنت مع عيسى بن الفضل بن معقل بن سنان الاشجعى، قال:
حدثنى ابو برده بن نيار مكرز الأسلمي، عن خاله عمرو بن شاس، [أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ
(11/582)
عليه
وسلم قال: من آذى عليا فقد آذاني] .
ومنهم القعقاع بن ابى حدرد، روى عن رسول الله ص.
حدثنى محمد بن ابراهيم المعروف بابن صدران، ويعقوب بن ابراهيم بن جبير الواسطي،
قالا: حدثنا صفوان بن عبسى، قال: حدثنا عبد الله بن سعيد، عن ابيه، عن القعقاع بن
ابى حدرد الأسلمي، [ان رسول الله ص كان يقول: تمعددوا واخشوشنوا وانتضلوا وامشوا
حفاه] .
ومنهم معاذ بن انس الجهنى، حدثنا ابو كريب، قال: حدثنا سعيد بن الوليد عن ابن
مبارك، عن يحيى بن أيوب، عن عبد الله بن سليمان، عن اسماعيل بن يحيى المعافرى،
اخبره عن سهل بن معاذ بن انس الجهنى، عن ابيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، [قال:
من حمى مؤمنا من منافق يغتابه بعث الله عز وجل اليه ملكا يحمى لحمه يوم القيامه من
نار جهنم، ومن قفى مؤمنا بشيء يريد شينه حبسه الله جل وعز على جسر جهنم حتى خرج
مما قال]
. ذكر أسماء من روى عن رسول الله ص من الأشعريين
وهم بنو الأشعر واسمه نبت بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد ابن كهلان بن سبأ
بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
منهم ابو موسى عبد الله واخوه ابو برده.
ومنهم ابو مالك الأشعري، حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابن وهب، قال: أخبرني معاويه بن صالح عن حاتم بن كريب عن مالك بن ابى
مريم، عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري، عن ابى مالك الأشعري عن رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انه [قال: ليشربن ناس من امتى الخمر يسمونها بغير
اسمها ويضرب على رءوسهم المعازف، يخسف الله عز وجل بهم الارض، ويجعل منهم قردة
وخنازير]
(11/583)
ذكر
أسماء من روى عن رسول الله ص من حضر موت
منهم وائل بن حجر الحضرمى.
ومنهم عبد الرحمن بن عائش الحضرمى.
حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قال: حدثنا ابن
جابر، قال: وحدثنا الأوزاعي أيضا قال: حدثنى خالد بن اللجلاج قال: سمعت عبد الرحمن
بن عائش الحضرمى، [يقول: صلى بنا رسول الله ص ذات غداه، فقال له قائل: ما رايتك
اسفر وجها منك الغداة! قال: ومالي وقد تبدى لي ربى في احسن صوره، فقال: فيم يختصم
الملا الأعلى يا محمد؟ قال: قلت أنت اعلم يا رب، فوضع يده بين كتفي، فوجدت بردها
بين ثديي، فعلمت ما في السماء والارض، ثم تلا هذه الآية وَكَذلِكَ نُرِي
إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ،
قال: فيم يختصم الملا الأعلى يا محمد؟ قلت: في الكفارات رب؟ قال: وما هن؟ قلت:
المشى على الاقدام الى الجمعات، والجلوس في المساجد خلاف الصلوات، وابلاغ الوضوء
اماكنه في المكاره وقال: من يفعل ذلك يعش بخير ويمت بخير، ويكن من خطيئته كيوم
ولدته أمه، ومن الدرجات اطعام الطعام، وبذل السلام، وان تقوم بالليل والناس نيام،
سل تعطه قال: اللهم اننى اسالك الطيبات وترك المنكرات وحب المساكين وان تتوب على،
وإذا اردت فتنه في قوم، فتوفني غير مفتون فتعلموهن، فو الذى نفسي بيده انهن لحق.]
. ومن كنده
غرفه بن الحارث الكندى.
حدثت عن ابن مهدى عن ابن المبارك عن حرمله بن عمران، عن عبد الله ابن الحارث
الأزدي، قال: سمعت غرفه بن الحارث الكندى قال: شهدت
(11/584)
رسول
الله ص في حجه الوداع، واتى بالبدن، فقال: ادعوا الى أبا حسن، فدعى فقال: خذ اسفل
الحربه، وأخذ رسول الله ص بأعلاها، ثم طعنا بها البدن، فلما فرغ ركب بغلته، واردف
عليا ع.
ومنهم عبد الله بن نفيل.
حدثنا عبد الرحمن بن الوليد، قال: حدثنا عمر بن سعيد الدمشقى، قال:
حدثنا ابو بكر النهشلي، عن عبد الله بن سالم عن ابى سلمه سليمان بن ابى سليم، عن
عبد الله بن نفيل الكندى، قال: [قال رسول الله ص: ثلاث قد فرغ الله عز وجل من
القضاء فيهن، فلا تنتهكوا منهن شيئا، لا يبغين احدكم فان الله عز وجل يقول: يا
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ، ولا يمكرن احدكم فان
الله تبارك وتعالى يقول: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ولا
ينكثن احدكم، فان الله تعالى يقول: فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى
نَفْسِهِ.]
وَمَنْ سائر الأزد ممن روى عن رسول الله ص
منيب الأزدي.
حدثنى موسى بن سهل، قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الدِّمَشْقِيُّ، قال:
حدثنا عتبة بن حماد، قال: حدثنا منيب بن مدرك الأزدي عن ابيه، عن جده [قال: رايت
رسول الله ص في الجاهلية يقول للناس: قولوا لا اله الا الله تفلحوا، حتى انتصف
النهار، فجاءت جاريه بعس من ماء، فغسل وجهه ثم قال:
يا بنيه ابشرى ولا تحزنى، ولا تخشى على ابيك غلبه ولا ذلا فقلت: من هذه؟
فقالوا: زينب ابنته، وهي يومئذ وصيفه] .
وحدثنى بهذا الحديث عبد الله بن محمد بن عمرو الغزى قال: حدثنا إسحاق
(11/585)
ابن
ابراهيم الرملي، قال: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن ابو أيوب الدمشقى، قال:
حدثنا ابو خليد عتبة بن حماد الحكمي، قال: حدثنا منيب بن مدرك الأزدي، عن ابيه عن
جده، [قال: رايت رسول الله ص في الجاهلية وهو يقول للناس: قولوا لا اله الا الله
تفلحوا، فمنهم من تفل في وجهه، ومنهم من حثا عليه التراب، ومنهم من سبه حتى انتصف
النهار، فجاءت جاريه بعس من ماء، فغسل وجهه، ثم قال: يا بنيه ابشرى، ثم ذكر سائر
الحديث مثل حديث موسى بن سهل.]
. ومن همدان
وهو اسله بن مالك بن يزيد بن اسله بن ربيعه بن الخيار بن مالك بن زيد ابن كهلان بن
سبا.
عبد خير بن يزيد الخيوانى، ويكنى أبا عماره ادرك النبي ص، وذكر ان كتاب النبي ص
ورد عليهم، وانه يذكر ذلك، وكان يعد من اصحاب على بن ابى طالب ع، شهد معه صفين:
حدثنى محمد بن خالد، قال: حدثنا مسهر بن عبد الملك بن سلع، قال:
حدثنا ابى، قال: قلت لعبد خير، يا أبا عماره، انك قد كبرت، فكم اتى عليك؟
قال: عشرون ومائه سنه، قلت: وهل تذكر من امر الجهال شيئا؟ قال: اذكر ان أمي طبخت
لنا قدرا، فقلت؟ أطعمينا، فقالت: حتى يجيء أبوكم، فجاء ابى، فقال: ان كتاب رسول
الله ص قد جاءنا ينهانا عن لحوم الميته، قال: فاذكر انها كانت لحم ميته،
فأكفأناها.
ومنهم سويد بن هبيرة من سكان البصره.
حدثنى عبد الله بن إسحاق الناقد الواسطي والحسين بن على الصدائى، قالا: حدثنا روح،
قال: حدثنا ابو نعامة العدوى، عن مسلم بن بديل، عن اياس بن زهير، عن سويد بن
هبيرة، [قال: سمعت النبي ص يقول:
خير مال المرء له مهره مأمورة او سكه مابوره] الى ههنا حديث الصدائى، وزاد الناقد
في حديثه قال: السكة النخل، والمهرة المأمورة الكثيره الولد
(11/586)
ومنهم
ابو ابى المنهال.
حدثنى زريق بن السخت، قال: حدثنا شبابه بن سوار، قال: حدثنا سلم ابن ابى هلال عن
عبد الملك بن ابى بشير، عن ابى المنهال، عن ابيه، قال:
[قال رسول الله ص: أدوا ما تكون السنه ما بين سقوط النجم الى طلوعه] وعمير بن وهب
خال رسول الله ص، روى عن رسول الله ص حدثنى محمد بن عبد الله الهلالي ابو مسعود
المكتب، قال: حدثنا سعيد ابن سلام، قال: حدثنا هشام بن الغاز عن محمد بن ابان، عن
عمير بن وهب خال رسول الله ص، قال: [اقبل عمير فلما رآه رسول الله ص بسط له رداءه،
فقال اجلس، فقال: اعلى ردائك اجلس يا رسول الله؟! قال: اجلس فإنما الخال والد،
فلما جلس قال: الا اعلمك كلمات، من اراد الله به خيرا علمه اياه ثم لم ينسه ذلك
حتى يموت؟ قال: بلى يا رسول الله، قال قل: اللهم انى ضعيف فقوني في رضاك ضعفى، وخذ
الى الخير بناصيتي، وبلغنى برحمتك ما أرجو من رحمتك، واجعل الاسلام منتهى رغبتي،
واجعل الى ودا عند الناس وعهدا عندك] .
وعبد الله بن هلال.
حدثنى بشر بن آدم، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ: حَدَّثَنِي
بشر بن عمران، قال: حدثنى مولاى عبد الله بن هلال قال: ذهب بي ابى الى النبي ص،
فوضع يده على راسى، وبرك على قال: فرايته شيخا كبيرا، كثير الشعر، صائم النهار،
قائم الليل، قال: فما انسى برديد رسول الله ص على يافوخى.
ومنهم عم معاذ بن عبد الله بن خبيب.
حدثنى مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، قال: حدثنا عبد
الله بن ابى سلمان- شيخ من اهل المدينة- قال: حدثنا معاذ بن عبد الله بن خبيب، عن
ابيه، عن عمه، قال: كنا في مجلس، فاطلع علينا رسول الله ص وعلى
(11/587)
راسه
اثر ماء، فقلنا يا رسول الله، نراك طيب النفس، قال: اجل، ثم خاض الناس في ذكر
الغنى، [فقال رسول الله ص: لا باس بالغنى لمن اتقى، والصحة لمن اتقى خير من الغنى،
وطيب النفس من النعم] .
ابو فاطمه روى عن رسول الله ص.
حدثنى محمد بن عوف، قال: حدثنى محمد بن اسماعيل، قال: حدثنى ابى، قال: حدثنى ضمضم
عن شريح بن عبيد، قال: كان كثير بن مره يحدث ان أبا فاطمه حدثهم [انه قال لرسول
الله ص: يا رسول الله، حدثنى بعمل استقيم عليه، فقال: عليك بالهجره، فانه لا مثل
لها، فقلت: يا رسول الله، حدثنى بعمل استقيم عليه، قال: عليك بالصيام، فانه لا مثل
له، قال: فقلت:
حدثنى يا رسول الله بعمل استقيم عليه، قال: عليك بالسجود لله عز وجل، فإنك لن تسجد
من سجده الا رفعك الله عز وجل بها درجه، وحط عنك بها خطيئة] .
ووهب بن حذيفة.
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سعيد، قال: حدثنا
خالد عن عمرو ابن يحيى، عن عمه واسع بن حبان، عن وهب بن حذيفة، [ان رسول الله ص
قال: الرجل أحق بمجلسه، فان قام الى حاجه ثم رجع فهو أحق بمجلسه] .
والحارث بن مالك.
حدثنى سهل بن موسى الرازى، قال: حدثنا الحجاج بن مهاجر، عن أيوب ابن خوط، عن ليث،
عن زيد بن رفيع، عن الحارث بن مالك، انه [قال:
عند رسول الله ص: انى مؤمن حقا، فقال له رسول الله ص: انظر ما تقول، فان لكل قول
حقيقة، قال: يا رسول الله، عزفت نفسي عن الدنيا، واطمانت، فاظمات نهاري، واسهرت
ليلى، فكأني انظر الى عرش ربى عز وجل، والى اهل الجنه حين يتزاورون فيها، والى اهل
النار حين يتعاوون فيها، فقال رسول الله ص: عزفت فالزم، عزفت فالزم ثم قال:
(11/588)
من
سره ان ينظر الى عبد نور الله الايمان في قلبه، فلينظر الى الحارث بن مالك فقال
الحارث ادع الله لي بالشهادة، فدعا له، فاستشهد] .
وابو الحمراء، روى عن رسول الله ص.
حدثنا عبد الأعلى بن واصل وسفيان بن وكيع، قالا: حدثنا ابو نعيم الفضل ابن
دُكَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، قال: أخبرني ابو داود
عن ابى الحمراء، قال: رابطت المدينة سبعه اشهر على عهد رسول الله ص، [فرايت رسول
الله ص إذا طلع الفجر جاء الى باب على وفاطمه ع، فقال: الصلاة الصلاة إِنَّما
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيراً] .
والهدار.
حدثنى محمد بن عوف، قال: حدثنى ابى قال: حدثنى شقير مولى العباس، انه سمع الهدار
صاحب رسول الله ص، يقول للعباس- وراى منه إسرافا في طعامه من خبز السميذ وغيره- ما
رايت رسول الله ص شبع من خبز البر حتى قبضه الله عز وجل.
زياد بن مطرف.
حدثنى زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبَانٍ الْمِصْرِيُّ قَالَ: حدثنا احمد بن
إشكاب، قال: حدثنا يحيى بن يعلى المحاربى، عن عمار بن رزيق الضبي، عن ابى إسحاق
الهمدانى، عن زياد بن مطرف، قال: [سمعت رسول الله ص يقول:
من أحب ان يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل الجنه التي وعدني ربى قضبانا من قضبانها
غرسها في جنه الخلد، فليتول على بن ابى طالب وذريته من بعده، فإنهم لن يخرجوهم من
باب هدى، ولن يدخلوهم في باب ضلاله] .
وجناده بن مالك.
حدثنا ابو كريب ومحمد بن عمر بن الهياج الهمدانى، قالا: حدثنا يحيى
(11/589)
ابن
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدَةُ بْنُ الأَسْوَدِ، عن القاسم بن
الوليد عن مصعب ابن عبد الله الأزدي عن عبد الله بن جناده عن جناده بن مالك [عن
رسول الله ص، قال: ثلاث من اخلاق اهل الجاهلية لا يدعهن اهل الاسلام ابدا:
استسقاء بالكواكب، وطعن في النسبه، والنياحة على الميت] .
وابو أذينة.
حدثنى عبيد بن آدم بن ابى اياس، قال: حدثنى ابى، قال: حدثنا الليث ابن سعد، عن
موسى بن على بن رباح، عن ابيه عن ابى أذينة، قال:
[قال رسول الله ص: خير نسائكم الولود الودود المواتية المواسيه، إذا اتقين الله
وشر نسائكم المتبرجات المختالات هن المنافقات لا تدخل الجنه منهن الا مثل الغراب
الاعصم] .
وابن نضيله.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: حدثنا
أيوب بن سويد، قال: حدثنى الأوزاعي، عن ابى عبيد، قال: حدثنى القاسم بن مخيمره، عن
ابن نضيله [قال: أصاب الناس في عهد رسول الله ص مجاعه، فقالوا: يا رسول الله سعر
لنا، فقال: لا يسألني الله عن سنه احدثتها فيكم لم يأمرني بها، ولكن سلوا الله عز
وجل من فضله] .
وابو ابى المعلى: حدثنى الفضل بن سهل الاعرج، قال: حدثنا معلى بن منصور، قَالَ:
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عبد الملك بن عمير، عن ابى المعلى
عن ابيه، قال: [قام النبي ص عند المنبر، فقال: ان قدمي على ترعه من ترع الجنه] .
ومره.
حدثنا الحسن بن عرفه قال: حدثنا عمر بن عبد الرحمن عن محمد بن جحاده، عن محمد بن
عجلان، عن ابنه مره، عن أبيها، [ان رسول الله ص قال:
(11/590)
كافل
اليتيم له او لغيره إذا اتقى معى في الجنه هكذا- واشار بإصبعيه المسبحة والوسطى] .
وعبيد الله بن محصن.
حدثنا صالح بن مسمار، قال: حدثنا محمد بن عبد العزيز، قال: حدثنا مروان عن عبد
الرحمن بن ابى شميله الأنصاري، عن سلمه بن عبيد الله بن محصن، عن ابيه، [قال: قال
رسول الله ص: من اصبح منكم آمنا في سربه معافى في بدنه، عنده طعام يومه، فكأنما
حيزت له الدنيا] وعاصم بن حدره: حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ بَكَّارٍ الْكَلاعِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا يحيى ابن صالح، قال: حدثنا سعيد بن بشير، قال:
حدثنا قتادة عن الحسن، قال: دخلنا على عاصم بن حدره، فقال: ما اكل النبي ص على
خوان قط ولا مشى معه بوساده قط، وما كان له بواب قط.
وابو مريم الفلسطينى.
حدثنا محمد بن سهل بن عسكر، قال: حدثنا ابو مسهر، قال: حدثنى صدقه بن خالد، قال:
حدثنا يزيد بن ابى مريم، قال: حدثنا القاسم بن مخيمره، عن رجل من اهل فلسطين يكنى
أبا مريم، انه قدم على معاويه، فقال له معاويه:
حدثنا حديثا سمعته من رسول الله ص، فقال: [سمعت رسول الله ص يقول: من ولاه الله عز
وجل من امر المسلمين شيئا فاحتجب عن حاجتهم وخلتهم وفاقتهم، احتجب الله تعالى يوم
القيامه عن حاجته وفاقته وخلته] .
وراشد بن حبيش.
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بكر، قال: حدثنا سعيد
عن قتادة، عن مسلم بن يسار، عن ابى الاشعث الصنعانى، عن راشد بن حبيش [ان رسول
الله ص عاد عباده بن الصامت في مرضه، فقال: اتعلمون من شهداء امتى؟
قال: فارم القوم، فقال عباده بن الصامت: ساندونى فساندوه، فقال: الصابر المحتسب، فقال
النبي ص: ان شهداء امتى إذا لقليل القتل في سبيل الله
(11/591)
عز
وجل شهاده، والطاعون شهاده، والغرق شهاده، والبطن شهاده، والنفساء يجررها ولدها
بسرره الى الجنه وزاد ابو العوام، سادن بيت المقدس والحرق والسل] .
وأوس بن شرحبيل، حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه، قال: حدثنا إسحاق ابن ابراهيم،
قال: حدثنى عمرو بن الحارث، قال: حدثنى عبد الله بن سالم، عن الزبيدى، قال: حدثنا
عياش بن مؤنس، ان أبا نمران الرحبي حدثه ان أوس ابن شرحبيل احد بنى المجمع، [حدثه
انه سمع رسول الله ص يقول:
من مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم انه ظالم، فقد خرج من الاسلام] .
وعبد الرحمن بن خنبش.
حدثنا عن عبيد الله بن عمر، قَالَ: حَدَّثَنَا جعفر بن سليمان الضبعي، قَالَ:
حدثنا ابو التياح، قال: سال رجل عبد الرحمن بن خنبش- وكان شيخا كبيرا- فقال يا بن
خنبش، كيف صنع رسول الله ص حين كادته الشياطين؟
قال: تحدرت عليه الشياطين من الجبال والأودية، يريدون رسول الله ص وفيهم شيطان معه
شعله من نار، يريد ان يحرق بها رسول الله قال:
فلما رآهم رسول الله ص فزع منهم، قال: وجاءه جبريل ع، فقال: يا محمد، قل ما اقول
قل اعوذ بكلمات الله التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، من شر ما خلق وبر او ذرا، ومن
شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرا في الارض، ومن شر ما
يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر كل طارق الا طارقا يطرق بخير يا رحمن،
قال: فطفئت نار الشياطين وهزمهم الله عز وجل.
وابن جعدبه روى عن رسول الله ص.
حدثنا العباس بن الوليد، قال: أخبرنا سعيد بن منصور عن يعقوب بن عبد الرحمن وعبد
العزيز بن ابى حازم، عن ابى حازم، عن محمد بن كعب عن ابن جعدبه،
(11/592)
قال:
[قال رسول الله ص: ان الله عز وجل رضى لكم ثلاثا، وكره لكم ثلاثا، رضى لكم ان
تعبدوا الله عز وجل ولا تشركوا به شيئا، وان تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا،
وان تطيعوا من ولاه الله تعالى امركم وكره لكم قيلا وقال، وكثره السؤال، واضاعه
المال] .
وابو معتب بن عمرو.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن الحسن ابن
دينار، عن عطاء بن ابى مروان الأسلمي عن ابيه، عن ابى معتب بن عمرو، [ان رسول الله
ص قال لأصحابه حين اشرف على خيبر وانا فيهم:
قفوا، ثم قال: اللهم رب السموات وما اظللن ورب الارضين وما اضللن، ورب الشياطين
وما اضللن، ورب الرياح وما ذرين، انا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما
فيها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها، اقدموا باسم الله قال:
وكان يقولها لكل قريه دخلها.]
ذكر تاريخ النساء اللواتي اسلمن على عهد رسول الله ص ذكر من هلك منهن قبل الهجره:
فمنهن خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ العزى بن قصى كانت
تكنى أم هند، بابنه لها ولدتها من عَتِيقِ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عمر بْن مخزوم، يقال لها: هند، وبابن لها ولدته من ابى هاله بن النباش بن زراره بن
وقدان بن حبيب ابن سلامه بن غوى بْنِ جِرْوَةَ بْن أُسَيِّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
تميم، يقال له هند.
قال ابن عمر: حدثنى المنذر بن عبد الله الحزامي، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ
أَبِي حَبِيبَةَ مولى الزبير، قال: سمعت حكيم بن حزام يقول: توفيت خديجه عليها
السلام بنت خويلد في شهر رمضان سنه عشر من النبوه، وهي يومئذ ابنه خمس وستين سنه،
فخرجنا بها من منزلها حتى دفناها بالحجون، ونزل رسول الله ص في حفرتها، ولم تكن
يومئذ سنه الجنازة الصلاة عليها قيل: ومتى ذلك يا أبا خالد؟
قال: قبل الهجره بسنوات ثلاث او نحوها، وبعد خروج بنى هاشم من الشعب
(11/593)
بيسير،
وكانت أول امراه تزوجها رسول الله ص واولاده كلهم منها، غير ابراهيم بن مارية،
وكانت تكنى أم هند بولدها من زوجها ابى هاله التميمى
. ذكر من هلك منهن في حياه رسول الله ص بعد الهجره
منهن من بنات رسول الله ص ابنته رقيه وأمها خديجه.
وكان زوجها قبل ان يوحى اليه عتبة بن ابى لهب بن عبد المطلب، فلما بعث النبي ص
وانزل الله عز وجل عليه: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ، قال له أبوه: راسى من راسك
حرام ان لم تطلق ابنه محمد، ففارقها ولم يكن دخل بها، واسلمت حين اسلمت أمها
خديجه، وبايعت رسول الله ص حين بايعه النساء، فتزوجها عثمان بن عفان، وهاجرت معه
الى ارض الحبشه الهجرتين جميعا، واسقطت في الهجره الاولى من عثمان سقطا، ثم ولدت
له بعد ذلك ابنا، فسماه عبد الله، وهاجرت الى المدينة بعد زوجها عثمان حين هَاجَرَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومرضت ورسول الله ص يتجهز الى
بدر، فخلف رسول الله ص عثمان، فتوفيت ورسول الله ص ببدر في شهر رمضان، على راس
سبعه عشر شهرا، من مهاجر رسول الله ص وقدم زيد ابن حارثة من بدر بشيرا، ودخل
المدينة حين سوى التراب عليها.
وزينب بنت رسول الله ص وأمها خديجه، وهي اكبر بنات رسول الله ص تزوجها ابن خالتها
ابو العاص بن الربيع، قبل ان يبعث النبي ص، وأم ابى العاص هاله ابنه خويلد بن اسد
خاله زينب ابنه رسول الله ص، ولدت زينب لأبي العاص عليا وامامه فتوفى على وهو
صغير، وبقيت امامه فتزوجها امير المؤمنين على بن ابى طالب ع بعد وفاه فاطمه ابنه
رسول الله ص، ذكر محمد بن عمر ان يحيى ابن عبد الله بن ابى قتادة حدثه عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ محمد بن عمرو بن حزم، قال: توفيت زينب ابنه رسول
الله ص في أول سنه ثمان من الهجره
(11/594)
قال
الطبرى: وكانت عله وفاتها فيما ذكر ان هبار بن الأسود كان فيما ذكر لما خرجت من
مكة تريد المدينة واللحاق بأبيها لحقها، وهي في هودجها فدفعها فوقعت على صخره وهي
حامل، فاسقطت واهراقت الدماء فلم يزل بها وجعها ذلك حتى ماتت منه.
وأم كلثوم بنت رسول الله ص، وأمها خديجه كان زوجها قبل ان يبعث عتيبة بن ابى لهب
ففارقها للسبب الذى ذكرت ان أخاه عتبة فارق أختها رقيه، وذلك قبل ان يدخل بها،
وهاجرت الى المدينة مع عيال رسول الله ص، فلما توفيت رقيه بنت رسول الله ص زوجها
رسول الله ص عثمان بن عفان، وذلك في شهر ربيع الاول من سنه ثلاث من الهجره، فلم
تزل عنده حتى ماتت، ولم تلد له، وكانت وفاتها في شعبان سنه تسع من الهجره، وغسلها
نساء من الانصار فيهن أُمُّ عَطِيَّةَ، وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهَا أَبُو طَلْحَةَ
. ذكر من توفى من ازواجه على عهده ص
منهن زينب ابنه خزيمة بْن الحارث بْن عبد الله بْن عمرو بن عبد مناف بن هلال ابن
عامر بن صعصعة، وهي أم المساكين، كانت تسمى بذلك في الجاهلية فيما ذكر.
وذكر محمد بن عمر ان محمد بن عبد الله حدثه عن الزهري، قال: كانت زينب ابنه خزيمة
الهلالية تدعى أم المساكين، وكانت عند الطفيل بن الحارث ابن المطلب بن عبد مناف،
فطلقها.
قال ابن عمر: فحدثني عبد الله- يعنى ابن جعفر- عن عبد الواحد بن ابى عون، قال:
فتزوجها عبيده بن الحارث، فقتل عنها يوم بدر شهيدا.
قال ابن عمر: وحدثنا كثير بن زيد عن المطلب بْن عبد اللَّه بْن حنطب، قال: وحدثنا
محمد بن قدامه عن ابيه، قالا: خطب رسول الله ص زينب ابنه خزيمة الهلالية أم
المساكين، فجعلت امرها اليه، فتزوجها رسول الله
(11/595)
ص،
واشهد ان أصدقها اثنى عشره أوقية ونشا وكان تزوجه إياها في شهر رمضان على راس احد
وثلاثين شهرا من الهجره، فمكثت عنده ثمانية اشهر، وتوفيت في آخر شهر ربيع الآخر
على راس تسعه وثلاثين شهرا، وصلى عليها رسول الله ص ودفنها بالبقيع قال ابن عمر:
سالت عبد الله بن جعفر: من نزل في حفرتها؟ قال: اخوه لها ثلاثة، قلت له: كم كان سنها
يوم ماتت؟ قال: ثلاثين سنه او نحو ذلك.
ومنهن ريحانه بنت زيد بن عمرو بن خناقه بن سمعون بن زيد من بنى النضير، وكانت
متزوجه رجلا من بنى قريظة، يقال له الحكم، فنسبها بعض الرواه الى بنى قريظة لذلك.
وذكر مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُ عَنِ
يزيد بن الهاد عن ثعلبه ابن ابى مالك، قال: كانت ريحانه بنت زيد بن عمرو بن خنافه
من بنى النضير، متزوجه فيهم رجلا، يقال له الحكم فلما وقع السباء على بنى قريظة
سباها رسول الله ص، فأعتقها وتزوجها وماتت عنده قال محمد بن عمر: ولم تزل ريحانه
عند رسول الله حتى ماتت مرجعه من حجه الوداع، فدفنها بالبقيع وكان تزويجه إياها في
المحرم سنه ست من الهجره.
ومليكه بنت كعب الليثى، ذكر ابن عمر ان عبد العزيز بن الجندعى، حدثه عن ابيه، عن
عطاء بن يزيد الجندعى قال: تزوج رسول الله ص مليكه بنت كعب الليثى في شهر رمضان سنه
ثمان ودخل بها، فماتت عنده.
قال ابن عمر: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ مثل
ذلك، قال ابن عمر:
وأصحابنا ينكرون ذلك، ويقولون: لم يتزوج رسول الله ص كنانيه قط.
قال ابن عمر: حدثنى ابو معشر، قال: تزوج رسول الله ص مليكه بنت كعب، وكانت تذكر
بجمال بارع، فدخلت عليها عائشة فقالت اما تستحين ان تنكحى قاتل ابيك! فاستعاذت من
رسول الله ص،
(11/596)
فطلقها،
فجاء قومها الى النبي ص فقالوا: انها صغيره، وانه لا راى لها، وخدعت فارتجعها،
فأبى رسول الله ص، واستأذنوا ان يزوجوها قريبا لها من بنى عذره، فاذن لهم، فتزوجها
العذرى، وكان أبوها قتل يوم فتح مكة، قتله خالد بن الوليد بالخندمه.
ومنهن سنا ابنه الصلت بْن حبيب بْن حارثة بْن هلال بن حرام بن سمال بن عوف
السلمية، قال هشام بن محمد الكلبى: حدثنى رجل من رهط عبد الله بن خازم السلمى، ان
رسول الله ص تزوج سنا بنت الصلت بن حبيب السلمية، فماتت قبل ان يصل إليها.
وخوله ابنه الْهُذَيْلِ بْنِ هُبَيْرَةَ بْنِ قَبِيصَةَ بْنِ الْحَارِثِ بن حبيب
بن حرقه بن ثعلبه ابن بكر بن حبيب بن عَمْرو بن غنم بن تغلب، وأمها ابنه خليفه بن
فروه بن فضالة ابن زيد بن إمرئ القيس بن الخزرج الكلبى اخت دحية بن خليفه.
قال هشام بن محمد: حدثنى الشرقى بن قطامى ان رسول الله ص تزوج خوله ابنه الهذيل،
فهلكت في الطريق قبل ان تصل اليه، وكانت ربتها خالتها خرنق ابنه خليفه اخت دحية بن
خليفه.
ذكر تاريخ من مات من بنات رسول الله ص وعماته وازواجه بعد وفاته
منهن فاطمه ابنه رسول الله ص، أمها خديجه بنت خويلد ع، ولدتها وقريش تبنى البيت،
وذلك قبل ان نبئ رسول الله ص بخمس سنين.
ذكر محمد بن عمر، ان أبا بكر بْن عبد الله بْن أبي سبرة حدثه عن يحيى ابن شبل، عن
ابى جعفر، قال: دخل العباس بن عبد المطلب على على وفاطمه ع وهي تقول انا اسن منك،
فقال العباس: اما أنت يا فاطمه فولدت وقريش تبنى الكعبه والنبي ص ابن خمس وثلاثين
سنه، واما أنت يا على، فولدت قبل ذلك بسنوات
(11/597)
قال
الطبرى: وتزوج على فاطمه ع في رجب بعد مقدم النبي ص المدينة بخمسه اشهر، وبنى بها
مرجعه من بدر وفاطمه يوم بنى بها على ع ابنه ثماني عشره، كذلك ذكر محمد بن عمر عن
عبد الله بن محمد بن عمر ابن على عن ابيه.
واختلف في وقت وفاتها ع بعد اجماع الجميع على ان وفاتها كانت بعد وفاه رسول الله
ص، فقال بعضهم: توفيت بعد النبي ص بسته اشهر.
وقال ابن عمر: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنِ عائشة،
قَالَ:
وحدثنا ابن جريج عن الزهري عن عروه، ان فاطمه بنت النبي ص توفيت بعد النبي ص بسته
اشهر- قال ابن عمر وهو الثبت عندنا- وتوفيت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان
سنه احدى عشره، وهي بنت تسع وعشرين سنه او نحوها.
قال ابن عمر: وحدثنى ابن جريج عن عمرو بْن دينار، عن أبي جعفر، قال:
توفيت فاطمه بعد النبي ص بثلاثة اشهر.
قال ابن عمر: وحدثنا عمر بن محمد بن عمر بن على، عن ابيه عن على ابن الحسين عن ابن
عباس، قال: فاطمه أول من جعل لها النعش، عملت لها أسماء بنت عميس، وكانت قد رأته
يصنع بأرض الحبشه.
قال ابن عمر: وحدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَبْدِ الله
بْن ابى بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم عن عمره بنت عبد الرحمن، قالت: صلى العباس
ابن عبد المطلب على فاطمه بنت رسول الله ص، ونزل في حفرتها، هو وعلى والفضل بن العباس.
قال ابن عمر: وحدثنا عمر بن محمد بن عمر بن على، عن ابيه، عن على ابن الحسين ع،
[قال: سالت ابن عباس: متى دفنتم فاطمه؟ قال:
دفناها بليل بعد هداه، قلت: فمن صلى عليها؟ قال: على بن ابى طالب ع.
] . قال ابن عمر: وسالت عبد الرحمن بن ابى الموالي، قلت: ان الناس يقولون:
(11/598)
ان
قبر فاطمه عند المسجد الذى يصلون اليه على جنائزهم بالبقيع، فقال: والله ما ذلك
الا مسجد رقيه- يعنى امراه عمرته- وما دفنت فاطمه ع الا في زاوية دار عقيل مما يلى
دار الجحشيين مستقبل خوخه بنى نبيه من بنى عبد الدار بالبقيع، وبين قبرها وبين الطريق
سبعه اذرع.
قال ابن عمر: وحدثنا عبد الله بن جعفر، قال: حدثنى عبد الله بن حسن، قال: وجدت
المغيره بن عبد الرحمن واقفا ينتظرني بالبقيع نصف النهار، في حر شديد، فقلت: ما
يقفك يا أبا هاشم؟ قال: انتظرتك، بلغنى ان فاطمه دفنت في هذا البيت في زاوية دار
عقيل مما يلى دار الجحشيين، فأحب ان تبتاعه لي بما بلغ، ادفن فيه، فقال عبد الله:
والله لأفعلنه، قال: فجهدنا بالعقيليين فأبوا على عبد الله بن حسن، قال عبد الله
بن جعفر: وما رايت أحدا يشك ان قبرها في ذلك الموضع.
حدثنى الحارث، قال: حدثنا محمد بن جعفر الوركانى، قال: حدثنا جرير ابن عبد الحميد،
عن يزيد بن ابى زياد، عن عبد الله بن الحارث، قال: توفيت فاطمه بنت رسول الله ص
بعده بثمانية اشهر، وكانت تذوب، فشكت الى أسماء نحول جسمها، وقالت: اتستطيعين ان
تواريني بشيء؟ قالت: انى رايت الحبشه يعملون السرير للمرأة ويشدون النعش بقوائم السرير،
فأمرتهم بذلك، قال الحارث: وقال المدائني: قال ابو زكرياء العجلاني: ان فاطمه ع
عمل لها نعش قبل وفاتها فنظرت اليه فقالت: سترتمونى ستركم الله.
وصفيه بنت عبد المطلب بن هاشم وأمها هاله بنت وهيب بن عبد مناف بن زهره ابن كلاب،
وهي اخت حمزه بن عبد المطلب لأبيه ولامه، كان تزوجها في الجاهلية الحارث بن حرب بن
أُمَيَّة بن عبد شمس، فولدت له صفيا، ثم خلف عليها العوام ابن خويلد بن اسد، فولدت
له الزبير والسائب وعبد الكعبه، واسلمت صفيه.
وبايعت رسول الله، وهاجرت الى المدينة، وتوفيت في خلافه عمر بن الخطاب، وقبرت
بالبقيع بفناء دار المغيره بن شعبه.
وقال على بن محمد: قتلت صفيه ابنه عبد المطلب رجلا مبارزه
(11/599)
ذكر
تاريخ وفاه ازواج رسول الله ص اللاتي توفين بعده
منهن سوده ابنه زمعه بن قَيْسِ بْنِ عُبْدُودِ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
حِسْلِ بْنِ عامر ابن لؤي، وأمها الشموس ابنه قيس بن عمرو بْنِ زَيْدِ بْنِ
لَبِيدِ بْنِ خِدَاشِ بْنِ عامر ابن غنم بن عدى بن النجار من الانصار، تزوجها
السكران بن عمرو، وخرجا جميعا مهاجرين الى ارض الحبشه في الهجره الثانيه.
قال ابن عمر: حدثنى مخرمه بن بكير، عن ابيه، قال: قدم السكران ابن عمرو مكة من ارض
الحبشه، ومعه امراته سوده بنت زمعه، فتوفى عنها بمكة.
فلما حلت ارسل إليها رسول الله ص فخطبها، فقالت: امرى إليك يا رسول الله، قال رسول
الله ص: مرى رجلا من قومك يزوجك، فأمرت حَاطِبِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ
بْنِ عَبْدِ ود فزوجها، فكانت أول امراه تزوجها رسول الله ص بعد خديجه.
قال ابن عمر: وحدثنا محمد بن عبد الله بن مسلم، قال: سمعت ابى يقول:
تزوج رسول الله ص سوده في رمضان سنه عشر من النبوه، بعد وفاه خديجه، وقبل ان يتزوج
عائشة، فدخل بها مكة وهاجر الى المدينة، وتوفيت سوده ابنه زمعه في شوال سنه اربع وخمسين
بالمدينة، في خلافه معاويه بن ابى سفيان.
قال ابن عمر: وهذا الثبت عندنا قال هشام بن محمد، عن أبيه، عن أبي صالح عن ابن
عباس، قال: كانت سوده بنت زمعه عند السكران بن عمرو أخي سهيل بن عمرو، فرات في
المنام كان النبي ص اقبل يمشى حتى وطيء على عنقها، فاخبرت زوجها بذلك، فقال: وابيك
لئن صدقت رؤياك لأموتن وليتزوجك محمد، فقالت: حجرا وسترا، قال هشام: والحجر تنفى
عنها ذاك، ثم رات في المنام ليله اخرى ان قمرا انقض عليها من السماء وهي مضطجعه،
فاخبرت زوجها، فقال: وابيك لا البث الا يسيرا حتى اموت، وتزوجيه من بعدي، فاشتكى السكران
من يومه ذلك، فلم يلبث الا قليلا حتى مات، وتزوجها رسول الله ص.
قال الحارث: حدثنا داود بن المحبر، قال: حدثنا عبد الحميد بن بهرام،
(11/600)
عن
شهر، قال: حدثنى ابن عباس ان رسول الله ص خطب امراه من قومه، يقال لها سوده، وكانت
مصبية، لها خمسه صبيه او سته من بعل لها مات، فقال لها رسول الله ص: ما يمنعك منى؟
قالت: يا نبى الله، ما يمنعني منك الا ان تكون أحب البريه الى، ولكن اكرمك ان تضغو
هؤلاء الصبية عند راسك بكره وعشيه، فقال: هل يمنعك منى من شيء غير ذلك؟ قالت: لا
والله، [فقال لها رسول الله ص: ان خير نساء ركبن اعجاز الإبل صالح نساء قريش،
احناه على ولد في صغره، وارعاه على بعل في ذات يد] وعائشة بنت ابى بكر، وأمها أم
رومان بنت عمير بن عامر من بنى دهمان ابن الحارث بْن غنم بْن مالك بْن كنانة،
تزوجها رسول الله ص في شوال سنه عشر من النبوه قبل الهجره بثلاث سنين، وعرس بها في
شوال على راس ثمانية اشهر من الهجره، وكانت يوم ابتنى بها ابنه تسع سنين.
قال ابن عمر: حدثنا موسى بن محمد بن عبد الرحمن، عن ريطة، عن عمره عن عائشة، انها
سئلت: متى بنى بك رسول الله؟ فقالت: لما هاجر رسول الله ص الى المدينة خلفنا وخلف
بناته، فلما قدم المدينة بعث إلينا زيد بن حارثة، وبعث معه أبا رافع مولاه،
وأعطاهما بعيرين وخمسمائة درهم، أخذها رسول الله من ابى بكر، يشتريان بها ما
يحتاجان اليه من الظهر، وبعث ابو بكر معهما عبد الله ابن اريقط الديلى ببعيرين او
ثلاثة، وكتب الى عبد الله بن ابى بكر يأمره ان يحمل اهله أم رومان، وانا وأختي
أسماء امراه الزبير، فخرجوا مصطحبين فلما انتهوا الى قديد، اشترى زيد بن حارثة
بتلك الخمسمائة درهم ثلاثة أبعرة، ثم دخلوا مكة جميعا، وصادفوا طلحه بن عبيد الله
يريد الهجره بال ابى بكر، فخرجنا جميعا، وخرج زيد ابن حارثة وابو رافع وفاطمه وأم
كلثوم وسوده بنت زمعه، وحمل زيد أم ايمن واسامه ابن زيد، وخرج عبد الله بن ابى بكر
بام رومان وأختيه، وخرج طلحه بن عبيد الله واصطحبا جميعا حتى إذا كنا بالبيض من
تمنى نفر بعيري، وانا في محفه معى فيها أمي، فجعلت أمي تقول: وا بنتاه وا عروساه!
حتى ادرك بعيرنا، وقد هبط من لفت،
(11/601)
فسلم
ثم انا قدمنا المدينة، فنزلت مع عيال ابى بكر، ونزل الى رسول الله ص ورسول الله
يومئذ يبنى المسجد، وأبياتنا حول المسجد، فانزل فيها اهله، ومكثنا أياما في منزل
ابى بكر، ثم قال ابو بكر: يا رسول الله ما يمنعك ان تبنى باهلك؟
قال رسول الله: الصداق، فاعطاه ابو بكر الصداق اثنى عشر أوقية ونشا، فبعث رسول
الله ص إلينا وبنى بي رسول الله ص في بيتى، هذا الذى انا فيه، وهو الذى توفى فيه
رسول الله ص، وجعل رسول الله لنفسه بابا في المسجد، وجاه باب عائشة.
وقال: وبنى رسول الله ص بسوده في احد تلك البيوت التي الى جنبي، فكان رسول الله ص
يكون عندها، وتوفيت سنه ثمان وخمسين في شهر رمضان.
ذكر من قال ذلك:
ذكر ابن عمر، عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَبْدِ الله بْن
ابى بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم، قال: صلى ابو هريرة على عائشة في رمضان سنه ثمان
وخمسين وتوفيت بعد الايتار.
وقال محمد بن عمر: توفيت عائشة ليله الثلاثاء لسبع عشره مضت من رمضان سنه ثمان
وخمسين، ودفنت من ليلتها بعد الوتر، وهي يومئذ ابنة ست وستين سنه.
قال ابن عمر: وحدثنا ابن ابى سبره، عن موسى بن ميسره، عن سالم سبلان.
قال: ماتت عائشة ليله سبع عشره من شهر رمضان، بعد الوتر، فأمرت ان تدفن من ليلتها
فاجتمع الانصار وحضروا، فلم تر ليله اكثر ناسا منها، نزل اهل العوالي، فدفنت
بالبقيع.
قال ابن عمر: حدثنى ابن جريح، عن نافع، قال: شهدت أبا هريرة صلى على عائشة
بالبقيع، وابن عمر في الناس لا ينكره، وكان مروان اعتمر تلك السنه فاستخلف أبا
هريرة
(11/602)
وحفصة
ابنه عمر بن الخطاب، وأمها زينب ابنه مطعون، اخت عثمان بن مظعون.
وذكر ابن عمر أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، حَدَّثَهُ، عن ابيه عن
جده، عن عمر قال: ولدت حفصة وقريش تبنى البيت قبل مبعث النبي ص بخمس سنين.
قال: وحدثنى أبو بكر بْن عبد الله بْن أبي سبرة، عن حسين بن ابى حسين، قال: تزوج
رسول الله ص حفصة في شعبان على راس ثلاثين شهرا، قبل احد، قال ابن عمر: توفيت حفصة
في شعبان سنه خمس واربعين في خلافه معاويه، وهي يومئذ ابنه ستين سنه.
قال ابن عمر: حدثنا معمر، عن الزهري، عن سالم عن ابيه، قال توفيت حفصة، فصلى عليها
مروان بن الحكم، وهو يومئذ عامل المدينة.
قال: وحدثنى على بن مسلم عن المقبري عن ابيه، قال: رايت مروان حمل بين عمودى
سريرها من عند دار آل حزم الى دار المغيره بن شعبه، وحملها ابو هريرة من دار المغيره
الى قبرها.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ ابيه قال: نزل في قبر حفصة
عبد الله وعاصم ابنا عمر وسالم وعبد الله وحمزه بنو عبد الله بن عمر.
وأم سلمه، واسمها هند بنت ابى اميه، واسمه سهيل زاد الركب بن المغيره بن عبد الله
ابن عمر بن مخزوم، وأمها عاتكه بنت عامر بن ربيعه بن مالك بن جذيمة بن علقمه جذل
الطعان ابن فراس بن غنم بن مالك بن كنانه تزوجها ابو سلمه، واسمه عبد الله ابن عبد
الأسد بن هلال، وهاجر بها الى ارض الحبشه في الهجرتين جميعا، فولدت له هناك زينب
بنت ابى سلمه، وولدت له بعد ذلك سلمه، وعمر ودره بنى ابى سلمه.
قال ابن عمر: حدثنا عمر بن عثمان عن عبد الملك بن عبيد عن سعيد بن عبد الرحمن بن
يربوع عن عمر بن ابى سلمه، قال خرج ابى الى احد، فرماه ابو اسامه الجشمى في عضده
بسهم، فمكث شهرا يداوى جرحه، ثم برا الجرح، وبعث رسول الله ص ابى الى قطن في
المحرم على راس خمسه وثلاثين شهرا، فغاب تسعا وعشرين ليله، ثم رجع فدخل المدينة
لثمان خلون من صفر سنه اربع، والجرح
(11/603)
منتقض،
فمات منها لثمان خلون من جمادى الآخرة سنه اربع من الهجره، فاعتدت أمي وحلت لعشر
ليال بقين من شوال سنه اربع، وتزوجها رسول الله ص في ليال بقين من شوال سنه اربع،
وتوفيت في ذي القعده سنه تسع وخمسين.
قال ابن عمر: حدثنا كثير بن زيد عن المطلب بْن عبد اللَّه بْن حنطب، قال:
دخلت ايم العرب على سيد المسلمين أول العشاء عروسا، وقامت من آخر الليل، تطحن-
يعنى أم سلمه.
قال ابن عمر: وحدثنا معمر عن الزهري عن هند ابنه الحارث الفراسية، قالت: قال رسول
الله ص: ان لعائشة منى شعبه ما نزلها احد، فلما تزوج أم سلمه سئل رسول الله، فقيل:
يا رسول الله ما فعلت الشعبه، فسكت رسول الله ص، فعلم ان أم سلمه قد نزلت عنده.
وقال ابن عمر: ماتت أم سلمه رحمها الله في شوال سنه تسع وخمسين.
قال ابن عمر: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ قال: صلى ابو
هريرة على أم سلمه بالبقيع، وكان الوالي الوليد بن عتبة بن ابى سفيان، وكان ركب في
حاجه الى الغابة، وامر أبا هريرة ان يصلى بالناس، فصلى عليها قال: انما ركب لأنها اوصت
الا يصلى عليها الوالي، فكره ان يحضر ولا يصلى، فركب عمدا وامر أبا هريرة.
حدثنى الحارث، قال: حدثنا ابن سعد في موضع آخر، قال: قال الواقدى:
ماتت أم سلمه حين دخلت سنه تسع وخمسين في خلافه معاويه، وصلى عليها ابن أخيها عبد
الله بن عبد الله بن أبي اميه.
قال الحارث: وحدثنى محمد بن سهيل عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، قال:
تزوج رسول الله ص بالمدينة قبل وقعه بدر في سنه ثنتين من التاريخ أم سلمه، واسمها
هند ابنه أبي أمية بْن المغيرة بْن عبد الله بْن عمر بن مخزوم.
وقال ابو معشر: زينب أول من مات من ازواج النبي ص، وأم سلمه آخر من مات منهن.
وأم حبيبه واسمها رمله بنت ابى سفيان بن حرب، وأمها صفيه بنت ابى العاص
(11/604)
ابن
اميه بن عبد شمس عمه عثمان بن عفان، تزوجها عبيد الله بن جحش بن رئاب حليف حرب بن
اميه، فولدت له حبيبه، فكنيت بها، فتزوج حبيبه داود بن عروه ابن مسعود الثقفى،
وكان عبيد الله بن جحش هاجر بام حبيبه معه الى ارض الحبشه في الهجره الثانيه،
فتنصر وارتد عن الاسلام، وتوفى بأرض الحبشه، وثبتت أم حبيبه على دينها الاسلام
وهجرتها، وكانت قد خرجت بابنتها حبيبه بنت عبيد الله معها في الهجره الى ارض
الحبشه، ورجعت بها معها الى مكة وقال ابن عمر: حدثنا عبد الله بن جعفر عن عثمان بن
محمد الاخنسى ان أم حبيبه بنت ابى سفيان ولدت حبيبه ابنتها من عبيد الله بن جحش
بمكة قبل ان تهاجر الى ارض الحبشه، قال ابن عمر: فأخبرني أبو بكر بن إسماعيل بن
محمد بن سعد عن ابيه:
قال: خرجت من مكة وهي حامل بها، فولدتها بأرض الحبشه.
قال ابن عمر: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ زُهَيْرٍ عن اسماعيل
بن عمرو بن سعيد ابن العاص، قال: قالت أم حبيبه: رايت في النوم كان عبيد الله بن
جحش زوجي باسوا صوره وأشوهها، ففزعت، فقلت: تغيرت والله حاله، فإذا هو يقول حين اصبح،
يا أم حبيبه، انى نظرت في الدين فلم أر دينا خيرا من النصرانية، وكنت قد دنت بها،
ثم فقلت في دين محمد ثم رجعت الى النصرانية، فقلت: والله ما خير لك، واخبرته
بالرؤيا التي رايت له، فلم يحفل بها وأكب على الخمر حتى مات، فأرى في النوم كان
أتاني آت يقول يا أم المؤمنين، ففزعت وأولتها ان رسول الله يتزوجني، قالت:
فما هو الا ان انقضت عدتى، فما شعرت الا برسول النجاشى على بابى، يستأذن فإذا
جاريه له يقال لها أبرهة، كانت تقوم على ثيابه ودهنه، فدخلت على فقالت:
ان الملك يقول لك: ان رسول الله ص كتب الى ان أزوجكه، فقلت:
بشرك الله بخير، وقالت: يقول لك الملك وكلى من يزوجك، فأرسلت الى خالد ابن سعيد بن
العاص فوكلته واعطت أبرهة سوارين من فضه وخدمتين كانتا في رجليها، وخواتيم فضه
كانت في أصابع رجليها سرورا بما بشرتها به فلما كان العشى امر النجاشى جعفر بن ابى
طالب ومن هناك من المسلمين، فحضروا فخطب النجاشى فقال:
الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار، أَشْهَدُ أَنْ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
(11/605)
وان
محمدا عبده ورسوله، وانه الذى بشر به عيسى بن مريم ع.
اما بعد، فان رسول الله ص كتب الى ان ازوجه أم حبيبه بنت ابى سفيان فاجبت الى ما
دعا اليه رسول الله ص وقد أصدقتها أربعمائة دينار ثم سكب الدنانير بين يدي القوم،
فتكلم خالد بن سعيد، فقال: الحمد لله احمده واستعينه واستنصره، وأشهد أَنْ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عبده ورسوله، أرسله بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ*.
اما بعد، فقد اجبت الى ما دعا اليه رسول الله ص، وزوجته أم حبيبه ابنه ابى سفيان،
فبارك الله لرسوله، ودفع الدنانير الى خالد بن سعيد فقبضها، ثم أرادوا ان يقوموا،
فقال: اجلسوا، فان سنه الأنبياء إذا تزوجوا ان يؤكل طعام على التزويج، فدعا بطعام
فأكلوا ثم تفرقوا.
قالت أم حبيبه: فلما وصل الى المال أرسلت الى أبرهة التي بشرتني، فقلت لها:
انى كنت اعطيتك ما اعطيتك يومئذ ولا مال بيدي، فهذه خمسون مثقالا فخذيها، واستغنى
بها، فأخرجت الى حقا فيه كل ما أعطيتها، فردته الى، وقالت: عزم على الملك الا
أرزأك شيئا، وانا التي اقوم على ثيابه ودهنه، وقد اتبعت دين رسول الله ص، واسلمت
لله، وَقَدْ أَمَرَ الْمَلِكُ نِسَاءَهُ أَنْ يَبْعَثْنَ إِلَيْكِ بكل ما عندهن من
العطر، فلما كان الغد جاءتني بعود وورس وعنبر وزباد كثير، فقدمت بذلك كله على رسول
الله ص، وكان يراه على وعندي فلا ينكر ثم قالت أبرهة: فحاجتي إليك ان تقرئى رسول
الله منى السلام، وتعليمه انى قد اتبعت دينه، قالت: ثم لطفت بي، وكانت التي
جهزتني، وكانت كلما دخلت على تقول: لا تنسى حاجتي إليك، قالت: فلما قدمنا على رسول
الله ص اخبرته، كيف كانت الخطبه، وما فعلت بي أبرهة، فتبسم رسول الله ص واقراته
منها، فقال: وعليها السلام ورحمه الله.
قال ابن عمر، وحدثنا إسحاق بن محمد، عن جعفر بن محمد، عن ابيه، قال: بعث رسول الله
ص عمرو بن اميه الضمرى الى النجاشى يخطب عليه أم حبيبه بنت ابى سفيان، وكانت تحت
عبيد الله بن جحش، فزوجها اياه وأصدقها النجاشى من عنده عن رسول الله ص أربعمائة
دينار
(11/606)
قال
ابن عمر: فحدثني مُحَمَّدُ بْنُ صالح، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ،
قَالَ:
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ قالا: كان الذى زوجها وخطب اليه النجاشى خالد بن سعيد بن
العاص وذلك سنه سبع من الهجره، وكان لها يوم قدم بها المدينة بضع وثلاثون سنه،
وتوفيت سنه اربع واربعين في خلافه معاويه.
وزينب بنت جحش بن رئاب اخت عبد الرحمن بن جحش، وأمها اميمه بنت عبد المطلب بن
هاشم.
قال ابن عمر: حدثنى عمر بن عثمان الجحشى، عن ابيه، قال: قدم النبي ص المدينة،
وكانت زينب ابنه جحش ممن هاجر مع رسول الله ص، وكانت امراه جميله، فخطبها رسول
الله ص على زيد ابن حارثة، فقالت: يا رسول الله لا ارضاه لنفسي، وانا ايم قريش،
قال: فانى قد رضيت لك، فتزوجها زيد بن حارثة.
قال ابن عمر: وحدثنى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الأَسْلَمِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ
بن يحيى ابن حبان: قال: جاء رسول الله ص بيت زيد بن حارثة يطلبه، وَكَانَ زَيْدٌ
إِنَّمَا يُقَالُ لَهُ: زَيْدُ بْنُ محمد، فربما فقده رسول الله السَّاعَةَ،
فَيَقُولُ: أَيْنَ زَيْدٌ؟
فَجَاءَ مَنْزِلَهُ يَطْلُبُهُ فلم يجده، وتقوم اليه زينب، فتقول: هاهنا يا رسول
الله فولى يهمهم بشيء لا يكاد يفهم منه الا سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ،
سُبْحَانَ اللَّهِ مُصَرِّفِ الْقُلُوبِ، فَجَاءَ زَيْدٌ إِلَى مَنْزِلِهِ،
فَأَخْبَرَتْهُ امْرَأَتُهُ أَنَّ رسول الله ص أَتَى مَنْزِلَهُ، فَقَالَ زَيْدٌ:
أَلا قُلْتِ لَهُ: يدخل! قالت: قد عرضت ذلك عليه وابى، قال: فسمعتيه يقول شيئا؟
قالت: سمعته حين ولى يكلم بكلام لا افهمه وسمعته يقول: سبحان الله العظيم، سبحان
مصرف القلوب! قال: فخرج زيد حتى اتى رسول الله ص، فقال:
يا رسول الله، انه بَلَغَنِي أَنَّكَ جِئْتَ مَنْزِلِي، فَهَلا دَخَلْتَ بِأَبِي
أنت وأمي يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَعَلَّ زَيْنَبَ أَعْجَبَتْكَ فَأُفَارِقُهَا،
فيقول رسول الله: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ، فَمَا اسْتَطَاعَ زَيْدٌ إِلَيْهَا
سبيلا بعد ذلك، وياتى رسول الله ص فيخبره، فيقول:
امسك عليك زوجك، فيقول: يا رسول الله أفارقها، فيقول رسول الله: احبس عليك زوجك،
ففارقها زيد واعتزلها وحلت قال: فبينا رسول الله ص يتحدث مع عائشة الى ان أخذت
رسول الله ص غميه فسرى عنه وهو يبتسم وهو
(11/607)
يقول:
من يذهب الى زينب يبشرها ان الله عز وجل زوجنيها من السماء، وتلا رسول الله ص:
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ القصة
كلها.
قالت عائشة: وأخذني مَا قَرُبَ وَمَا بَعُدَ لِمَا يَبْلُغُنَا مِنْ جَمَالِهَا،
وَأُخْرَى هِيَ أَعْظَمُ الأُمُورِ وَأَشْرَفُهَا مَا صنع لها، زوجها الله عز وجل
من السماء وقلت: هي تَفْخَرُ عَلَيْنَا بِهَذَا.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَخَرَجَتْ سَلْمَى خادم رسول الله ص تشتد، فتحدثها بذلك،
وأعطتها اوضاحا عليها.
قال: وحدثنى عمر بن عثمان بن عبد الله الجحشى، عن ابيه قال: تزوج رسول الله ص زينب
بنت جحش لهلال ذي القعده سنه خمس من الهجره.
قال: وحدثنى عمر بن عثمان الجحشى عن ابيه، قال: ما تركت زينب ابنه جحش دينارا ولا
درهما، كانت تصدق بكل ما قدرت عليه، وكانت تأوي المساكين، وتركت منزلها، فباعوه من
الوليد بن عبد الملك حين هدم المسجد بخمسين الف درهم.
قال: حدثنا عمر بن عثمان الجحشى عن ابراهيم بن عَبْدُ ا