مجلد 3 من كتاب : تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
فكانت الحرب بينهم سجالا ورجعوا كذلك بعد أن اصطلحوا مع
صالح بك ان يذهب الى جرجا ويأخذ ما يكفيه هو ومن معه ويمكث بها ويقوم بدفع المال
والغلال
وكان ذلك في شهر جمادى الاولى سنة 1180
وفي ثاني شعبان منها اتهموا حسن بك الازبكاوي انه يراسل
علي بك وعلي بك يراسله فقتلوه في ذلك اليوم بقصر العيني ورسموا بنفي خشداشينه وهم
حسن بك أبو كرش ومحمد بك الماوردي وسليمان أغا كتخدا الجاويشية سيد الثلاثة وهو زوج
ام عبد الرحمن كتخدا وكان مقيما بمصر القديمة وقد صار مسنا فسفروهم الى جهة بحري
وتخيلوا من اقامة علي بك بالنوسات فارسلوا له خليل بك السكران فاخذه وذهب به الى
السويس ليسافر الى جدة من القلزم وأحضر له المركب لينزل فيها
وفي ثاني شهر شوال من السنة ركب الامراء الى قراميدان
ليهنئوا الباشا بالعيد وكان معتاد الرسوم القديمة ان كبار الامراء يركبون بعد
الفجر من يوم العيد كذلك ارباب العكاكيز فيطلعون الى القلعة ويمشون امام الباشا من
باب السراية الى جامع الناصر بن قلاوون فيصلون صلاة العيد ويرجعون كذلك ثم يقبلون
اتكة ويهنئونه وينزلون الى بيوتهم فيهنىء بعضهم بعضا على رسمهم واصطلاحهم وينزل
الباشا في ثاني يوم الى الكشك بقراميدان وقد هيئت مجالسه بالفرش والمساند والستائر
واستعد فراشو الباشا بالتطلي والقهوة والشربات والقماقم والمباخر ورتبوا جميع
الاحتياجات واللوازم من الليل واصطفت الخدم والجاويشية والسعاة والملازمون وجلس
الباشا الكشك وحضرت أرباب العكاكيز والخدم قبل كل أحد ثم يأتي الدفتردار وأمير
الحاج والامراء الصناجق والاختيارية وكتخدا والعزب أصحاب الوقت والمقادم والاوده
باشية واليمقات والجربجية فيهنئون الباشا
ويعيدون عليه على قدر مراتبهم بالقانون والترتيب ثم
ينصرفون
فلما حضروا في ذلك اليوم المذكور وهنا الامراء الصناجق
الباشا وخرجوا الى دهليز القصر يريدون النزول وقف لهم جماعة وسحبوا السلاح عليهم
وضربوا عليهم بنادق فاصيب عثمان بك الجرجاوي بسيف في وجهه وحسين بك كشكش أصيب
برصاصة نفذت من شقه وسحب الآخرون سلاحهم وسيوفهم واحتاط بهم مماليكهم ونط اكثرهم من
حائط البستان ونفذوا من الجهة الاخرى وركبوا خيولهم وهم لا يصدقون بالنجاة
وانجرح أيضا اسمعيل بك ابو مدفع ومحمود بك وقاسم أغا
ولكن لم يمت منهم الا عثمان بك
وباتوا على ذلك فلما اصبحوا اجتمعوا وطلعوا الى الابواب
وارسلوا الى الباشا يأمرونه بالنزول فنزل الى بيت احمد بك كشك بقوصون وعند نزوله
ومروره بباب العزب وقف له حسين بك كشكش وأسمعه كلاما قبيحا ثم انهم جعلوا خليل بك بلغيه
قائمقام وقلدوا عبد الرحمن أغا مملوك عثمان بك صنجقا عوضا عن سيده ونسبت هذه
النكتة الى حمزة باشا وقيل انها من علي بك الذي بالنوسات ومراسلاته الى حسن بك
جوجو فبيت مع انفار من الجلفية وأخفاهم عنده مدة ايام وتواعدوا على ذلك اليوم
وذهبوا الى الكشك بقراميدان وكانوا نحو الاربعين فاختلفوا واتفقوا على ثاني يوم
بدهليز بيت القاضي وتفرقوا الا أربعة منهم ثبتوا على ذلك الاتفاق وفعلوا هذه
الفعلة وبطل أمر العيد من قراميدان من ذلك اليوم
وتهدم القصر وخرب وكذلك الجنينة ماتت اشجارها وذهبت
نضارتها ولما حصلت هذه الحادثة أرسلوا حمزة بك الى علي بك فوجده في المركب الغاطس ينتظر
اعتدال الريح للسفر فرده الى البر واركبه بمماليكه واتباعه ورجع الى جهة مصر ومر
من الجبل وذهب الى جهة شرق اطفيح ثم الى أسيوط بقبلي ورجع حمزة بك الى مصر
ثم ان علي بك اجتمع
عليه المنفيون وهوارة وخلافهم وأراد الانضمام الى صالح
بك فنفر منه فلم يزل يخادعه وكان علي كتخدا الخربطلي هناك منفيا من قبله وجعله
سفيرا فيما بينه وبين صالح بك هو وخليل بك الاسيوطي وعثمان كتخدا الصابونجي
فارسلهم فلم يزالوا به حتى جنح لقولهم
فعند ذلك ارسل اليه محمد بك ابو الذهب فلم يزل به حتى
انخدع له واجتمع عليه بكفالة شيخ العرب همام وتحالفا وتعاقدا وتعاهدا على الكتاب والسيف
وكتبوا بذلك حجة واتفق مع علي بك انه اذا تم لهم الامر
اعطى لصالح بك جهة قبلي قيد حياته
واتفقوا على ذلك بالمواثيق الاكيدة وأرسلوا بذلك الى شيخ
العرب همام فانسر بذلك ورضي به مراعاة لصالح بك وأمدهم عند ذلك همام بالعطايا والمال
والرجال واجتمع عليهم المتفرقون والمشردون من الغز والاجناد والهوارة والشجعان
ولموا جموعا كثيرة وحضروا الى المنية وكان بها خليل بك السكران
فلما بلغه قدومهم ارتحل منها وحضر الى مصر هاربا واستقر
علي بك وصالح بك وجماعتهم بالمنية وبنوا حولها اسوارا وابراجا وركبوا عليها
المادفع وقطعوا الطريق على المسارفين المبحرين والمقبلين
وأرسل علي بك الى ذي الفقار بك وكان بالمنصورة وصحبته
جماعة كشاف فارتحلوا ليلا وذهبوا الى المنية فعمل الامراء جمعية وعزموا على تشهيل
تجريدة وتكلموا وتشاوروا في ذلك فتكلم الشيخ الحفناوي في ذلك المجلس وأفحمهم
الكلام ومانع في ذلك وحلف انه لا يسافر أحد بتجريدة مطلقا وان فعلوا ذلك لا يحصل
لهم خير ابدا فقالوا انه هو الذي يحرك الشر ويريد الانفراد بنفسه ومماليكه وان لم
نذهب اليه أتى هو الينا وفعل مراده فينا فقال لهم الشيخ أنا أرسل اليه مكاتبة فلا
تتحركوا بشيء حتى يأتي رد الجواب
فلم يسعهم الا الامتثال فكتب له الشيخ مكتوبا ووبخه فيه
وزجره ونصحه ووعظه وأرسلوه اليه فلم يلبث الشيخ بعد
هذا المجلس الا أياما ومرض ورمى بالدم وتوفى الى رحمة
الله تعالى
فيقال انهم اشغلوه وسموه ليتمكنوا من اغراضهم
ولاية محمد باشا راقم وفي أثناء ذلك ورد الخبر بوصول
محمد باشا راقم الى سكندرية فارسلوا له الملاقاة وحضر الى مصر وطلع الى القلعة في
غرة ربيع الثاني سنة 1181
وفي حادي عشر جمادى الاولى اجتمعوا بالديوان وقلدوا حسن
بك رضوان دفتردار مصر
وفي خامس عشرة قلدوا خليل بك بلغيه امير الحاج وقاسم أغا
صنجقا وكتبوا فرمانا بطلوع التجريدة الى قبلي ولبس صاري عسكرها حسين بيك كشكش
وشرعوا في التشهيل واضطرهم الحال الى مصادرة التجار وأحضر خليل بيك النواخيد وهم
منلا مصطفى وأحمد أغا الملطيلي وقرأ ابراهيم وكاتب البهار وطلب منهم مال البهار معجلا
فاعتذروا فصرخ عليهم وسبهم فخرجوا من بين يديه وأخذوا في تشهيل المطلوب وجمع المال
من التجار وبرز حسين بيك خيامه للسفر في منتصف جمادى الاولى وخرج صحبته ستة من
الصناجق وهم حسن بيك جوجو وخليل بيك السكران وحسن بيك شبكة واسمعيل بيك أبو مدفع
وحمزة بيك وقاسم بيك واسرعوا في الارتحال
وفي عشرينه اخرج خلفهم ايضا خليل بك تجريدة اخرى وفيها
ثلاثة صناجق ووجاقلية وعسكر مغاربة وسافروا ايضا في يومها وبعد ثلاثة ايام ورد
الخبر وقوع الحرب بينهم ببياضة تجاه بني سويف فكانت الهزيمة على حسين بك ومن معه وقتل
علي أغا الميجي وخلافه
وقتل من ذلك الطرف ذو الفقار بك ورجع المهزومون في ذلك
ثاني يوم
الاحد طلعوا الى ابواب القلعة وطلبوا من الباشا فرمانا
بالتجريدة على الكثرة وهو يوم السبت رابع عشرينه وهم في اسوأ حال
واصبحوا يوم علي بك وصالح بك ومن معهم وطلبوا مائتي كيس
من الميري يصرفوها في اللوازم فامتنع الباشا من ذلك وحضر الخبر يوم الاثنين بوصول
القادمين الى غمازه وكان الوجاقلية وحسن بك جوجو ناصبين خيامهم جهة البساتين فارتحلوا
ليلا وهربوا وتخبل عقل خليل بك وحسين بك ومن معهما وتحيروا في امرهم وتحققوا
الادبار والزوال وأرسل الباشا الى الوجاقلية يقول لهم كل وجاق يلازم بابه
وفي سابع عشرينه حضر علي بك صالح بك ومن معهم الى البساتين
فازداد تحيرهم وطلعوا الى الابواب فوجدوها مغلوقة فرجعوا الى قراميدان وجلسوا هناك
ثم رجعوا وتسحب تلك الليلة كثير من الامراء والاجناد وخرجوا الى جهة علي بك وكان
حسن بك المعروف بجوجو ينافق الطرفين ويراسل علي بك وصالح بك سرا ويكاتبهما وضم
اليه بعض الامراء مثل قاسم بك خشداشه واسمعيل بك زوج هانم بنت سيدهم وعلي بك
السروجي وجن علي وهو خشداش ابراهيم بك بلغية وكثير من اعيان الوجاقلية ويرسلون لهم
الاوراق في داخل الاقصاب التي يشربون فيها الدخان ونحو ذلك
وفي ليلة الخميس تاسع عشرين جمادى الاولى هرب الامراء
الذين بمصر وهو خليل بك شيخ البلد واتباعه وحسين بك كشكش واتباعه وهم نحو عشرة
صناجق وصحبتهم مماليكهم وأجنادهم عدة كثيرة وأصبح يوم الخميس فخرج الاعيان وغيرهم
لملاقاة القادمين ودخل في ذلك اليوم علي بك وصالح بك وصناجقهم ومماليكهم واتباعهم
وجميع من كان منفيا بالصعيد قبل ذلك من امراء ووجاقلية وغيرهم وحضر صحبتهم علي
كتخدا الخربطلي وخليل بك السيوطي وقلده علي بك
الصنجقية مجددا وضربت النوبة في بيته ثم أعطاه كشوفية
الشرقية وسافر اليها
وفي يوم الاحد ثاني جمادى الثانية طلع علي بك وصالح بك
وباقي الامراء القادمين والذين تخلفوا عن الذاهبين مثل حسن بك جوجو واسمعيل بك زوج
هانم وجن علي وعلي بك السروجي وقاسم بك والاختيارية والوجاقلية وغيرهم الى الديوان
بالقلعة فخلع الباشا على علي بك واستقر في مشيخة البلد كما كان وخلع علي صناجقه
خلع الاستمرار أيضا في امارتهم كما كانوا ونزلوا الى بيوتهم وثبت قدم علي بك في
امارة مصر ورئاستها في هذه المرة وظهر بعد ذلك الظهور التام وملك الديار المصرية
والاقطار الحجازية والبلاد الشامية وقتل المتمردين وقطع المعاندين وشتت شمل
المنافقين و وخرق القواعد وخرم العوائد وأحزب البيوت القديمة وأبطل الطرائق التي
كانت مستقمية ثم انه حضر سليمان أغا كتخدا الجاويشية وصناجقه الى مصر وعزم على نفي
بعض الاعيان واخراجهم من مصر فعلم انه لا يتمكن من اغراضه مع وجود حسن بك جوجو
وانم ما دام حيا لا يصفو له الحال فأخذ يدبر على قتله فبيت مع اتباعه على قتله
فحضر حسن بك جوجو وعلي بك جن علي عند علي بك وجلسوا معه حصة من الليل وقام ليذهب
الى بيته فركب وركب معه جن علي ومحمد بك ابو الذهب وايوب بك ليذهبا ايضا الى بيوتهما
لاتحاد الطريق فلما صاروا في الطريق التي عند بيت الشابوري خلف جامع قوصون سحبوا
سيوفهم وضربوا حسن بك وقتلوه وقتلوا معه أيضا جن علي ورجعوا وأخبروا سيدهم علي بك
وذلك ليلة الثلاثاء ثامن شهر رجب من سنة 1181 واصبح علي بك مالكا للابواب ورسم
بنفي قاسم بك واسمعيل بك ابي مدفع وعبد الرحمن بك واسمعيل بك كتخدا عزبان ومحمد
كتخدا زنور ومصطفى جاويش تابع
مصطفى جاويش الكبير مملوك ابراهيم كتخدا وخليل جاويش درب
الحجر
وفي حادي عشر شهر شوال اخرج ايضا نحو الثلاثين شخصا من
الاعيان ونفاهم في البلاد وفيهم ثمانية عشر اميرا من جماعة الفلاح وفيهم علي كتخدا
واحمد كتخدا الفلاح وابراهيم كتخدا مناو وسليمان أغا كتخدا جاووشان الكبير وصناجقه
حسن بك ابو كرش ومحمد بك الماوردي وخلافهم مقادم وأوده باشية فنفى الجميع الى جهة
قبلي وارسل سليمان أغا كتخدا الجاويشية الى السويس ليذهب الى الحجاز من القلزم
واستمر هناك الى أن مات
وفيه قبض علي بك على الشيخ يوسف بن وحيش وضربه علقة قوية
ونفاه الى بلده جناج فلم يزل بها الى أن مات
وكان من دهاة العالم وكان كاتبا عند عبد الرحمن كتخدا
القازدغلي وله شهرة وسمعة في السعي وقضاء الدعاوى والشكاوى والتحيلات والمداهنات
والتلبيسات وغير ذلك
وفي شهر الحجة وصلت اخبار عن حسين بك كشكش وخليل بك انهم
لما وصلوا الى غزة جمعوا جموعا وانهم قادمون الى مصر فشرع علي بك في تشهيل تجريدة
عظيمة وبرزوا وسافروا
ثم ورد الخبر بعد ثلاثة ايام انهم عرجوا الى جهة دمياط
ونهبوا منها شيئا كثيرا ثم حضروا الى المنصورة ونهبوا منها كذلك فارسل علي بك يأمر
التجريدة بالذهاب اليهم وأرسل لهم أيضا عسكرا من البحر فتلاقوا معهم عند الديزس
والجراح من أعمال المنصورة عند سمنود فوقع بينهم وقعة عظيمة وانهزمت التجريدة
وولوا راجعين
وقتل في هذه المعركة سليمان جربجي باش اختيار جمليان
واحمد جرجبي ظنان جراكسه وعمر أغا جاووشان أمين الشون وكانوا صدور الوجاقات ولم
يزالوا في هزيمتهم الى دجوة
فلما وصل الخبر بذلك الى علي بك اهتم لذلك ونزل الباشا
وخرج الى
قبة باب النصر خارج القاهرة وجمع الوجاقلية والعلماء
وارباب السجاجيد وأمر الباشا بأن كل من كان وجاقيا او عليه عتامنة يشهل نفسه ويطلع
الى التجريدة أو يخرج عنه بدلا واجتهد علي بك في تشهيل تجريدة عظيمة أخرى وكبيرها
محمد بك ابو الذهب وسافروا في أوائل المحرم واجتمعوا بالتجريدة الاولى وسار الجميع
خلف حسين بك وخليل بك ومن معهم وكانوا عدوا الى بر الغربية بعد ان هزموا التجريدة
فلو قدر الله انهم لما كسروا التجريدة ساقوا خلفهم كما فعل علي بك وصالح بك لدخلوا
الى مصر من غير مانع ولكن لم يرد الله تعالى لهم ذلك
وانقضت هذه السنين وما وقع بها
من مات في هذه الاعوام من اكابر العلماء وأعاظم الامراء
مات الشيخ الامام الفقيه المحدث الشريف السيد محمد بن محمد البليدي المالكي
الاشعري الاندلسي حضر دروس الشيخ شمس الدين محمد بن قاسم البقري المقري الشافعي في
سنة 1110 ثم على اشياخ الوقت كالشيخ العزيزي والملوي والنفراوي وتمهر ثم لازم
الفقه والحديث بالمشهد الحسيني فراج امره واشتهر ذكره وعظمت حلقته وحسن اعتقاد
الناس فيه وانكبوا على تقبيل يده وزيارته وخصوصا تجار المغاربة لعلة الجنسية
فهادوه وواسوه واشتروا له بيتا بالعطفة المعروفة بدرب الشيشيني وفسطوا المنه على
أنفسهم ودفعوه من مالهم
فلم يزل مقبلا على شانه ملازما على طريقته مواطبا على املاء
الحديث كصحيح البخاري ومسلم والموطأ والشفاء والشمائل حتى توفي ليلة التاسع
والعشرين من رمضان سنة ست وسبعين ومائة والف
ومات الاستاذ المعظم ذو المناقب العلية والسجايا المرضية
بقية السلف السيد مجد الدين محمد أبو هادي بن وفي ولد سنة 1151 ومات والده وهو طفل
فنشأ يتيما وخلف عمه في المشيخة والتكلم واقبل على العلم
والمطالعة والاذكار والاوراد وولى نقابة الاشراف بمصر في
الاثناء فساس فيها أحسن سياسة وجمع له بين طرفي الرياسة وكان ابيض وسيما ذا مهابة
لايهاب في الله امارا بالمعروف فاعلا للخير توفي يوم الخميس خامس ربيع الاول سنة
1176 وصلي عليه بالازهر في مشهد عظيم حضره الاكابر والاصاغر وحمل على الاعناق ودفن
بزاويتهم بالقرب من عمه رضي الله عنه وتخلف بعده السيد شهاب الدين أحمد ابو الامداد
ومات ايضا في هذا الشهر والسنة الصدر الاعظم المغفور له
محمد باشا المعروف براغب وكان معدودا من أفاضل العلماء وأكابر الحكماء جامعا
للرياستين حويا للفضيلتين وله تأليف وابحاث في المعقول والمنقول والفروع والاصول
وهو الذي حضر الى مصر واليا في سنة 1159 ووقع له ما وقع مع الخشاب والدمايطة كما تقدم
ورجع الى الديار الرومية وتولى الصدارة ثم توفي الى رحمة الله تعالى في رابع عشرين
شهر رمضان سنة 1176
ومات الشيخ المجذوب علي الهواري كان من ارباب الاحوال
الصادقين والاولياء المستغفرين وأصله من الصعيد
وكان يركب الخيول ويروضها ويجيد ركوبها ولذلك لقب
بالهواري
ثم اقلع من ذلك وانجذب مرة واحدة وكان للناس فيه اعتقاد
حسن وحكى عنه الكشف غير واحد ويدور في الاسواق والناس يتبركون به
مات شهيدا بالرميلة أصابته رصاصة من يد رومي فلتة في سنة
1176 وصلوا عليه بالازهر وازدحم الناس على جنازته رحمه الله
ومات الشيخ المسند عمر بن أحمد بن عقيل الحسيني المكي
الشافعي الشهير باسقاف ابن أخت حافظ الحجاز عبد الله بن سالم البصري وأسقاف لقب
جده الاكبر عبد الرحمن من آل باعلوي
ولد بمكة سنة 1102 وروى عن خالد المذكور وعن الشيخين
العجمي والنخلي
والشيخ تاج الدين المفتي وحسين بن عبد الرحمن الخطيب
ومحمد عقبلة وادريس بن أحمد اليماني والشيخ عيد وعبد الوهاب الطنتدائي ومصطفى ابن
فتح الله الحنفي وسمع الاولية عاليا عن الشهاب أحمد البناء بعناية خاله سنة 1110 ومهر
وانجب واشتهر صيته وسمع منه كبار الشيوخ وأجازهم كالشيخ الوالد والشيخ احمد
الجوهري وعندي اجازته للوالد بخطه وكذلك أجاز عبد الله بن سالم البصري والشيخ محمد
عقيلة ومحمد السندي وذلك بمكة سنة 1157 وبه تخرج شيخنا السيد محمد مرتضى في غالب
مروياته وسمعت منه إنه اجتمع به بالمدينة المنورة عند باب الرحمة احد ابواب الحرم
الشريف وسمع منه وأجازه اجازة عامة وذلك في سنة 1163 ولازمه بمكة سنة 1164 وسمع
منه أوائل الكتب الستة وأباح له كتب خاله يراجع فيها ما يحتاج اليه وسمع من لفظه
المسلسل بالعيد بالحرم المكي في صحبة سلالة الصالحين الشيخ عبد الرحمن المشرع
وأجازهما توفي في سنة 1174
ومات العمدة العلامة المفوه النبيه الفقيه الشيخ محمد
العدوي الحنفي تفقه على كل من الاسقاطي والسيد علي الضرير والشيخ الزيادي وغيرهم
وحضر في المعقول على أشياخ الوقف كالملوكي والعماوي
وتصدر للافادة والاقراء وكان ذا شكيمة وشجاعة نفس وقوة جنان ومكارم أخلاق
توفي في ثالث الحجة سنة 1175
ومات الامام العلامة الفقيه المتقن الشيخ محمد بن
عبدالوهاب الدلجي الحنفي وهو ابن خال الوالد اشتغل بالعلوم والفقه على أشياخ الوقت
ودرس وأفتى واقتنى كتبا نفيسة في الفقه وجميعها بخط حسن وقابلها وصححها وكتب عليها
بخطه الحسن وكانت جميع كتبه الفقهية وغيرها في غاية الجودة والصحة يضرب بها المثل
ويعتمد عليها الى الآن
وكان ملازما للافادة والافتاء والتدريس والنفع على حالة
حسنة ودماثة
أخلاق وحسن عشرة ولم يزل حتى توفي في شهر رجب سنة 1177
ومات الفقيه الصالح الخير الدين حسن بن سلامة الطيبي
المالكي نزيل ثغر رشيد تفقه على شيخه محمد بن عبد الله الزهيري وبه تخرج وأجازه
محمد بن عثمان الصافي البرلسي في طريقة البراهمة وسيدي احمد ابن قاسم البوتي حين ورد
ثغر رشيد في الحديث ودرس بجامع زغلول وأفتى ودرسه اكبر الدروس وكان لديه فوائد كثيرة
توفي سنة 1176
ومات المفتي الفاضل النبيه زين الدين ابو المعالي حسن بن
علي بن علي ابن منصور بن عامر بن ذئاب شمة الفوي الاصل المكي ينتهي نسبة الى الولي
الكامل سيدي محمد بن زين النحراوي ومن أمة الى سيدي ابراهيم البسيوني ولد بمكة سنة
1142 وبها تنشأ واخذ العلم عن الشيخ عطاء بن أحمد المصري والشيخ احمد الاشبولي
وغيرهما من الواردين بالحرمين وأتى الى مصر فحضر دروس الشيخ الحفني وله انتسب
وأجازه في الطريقة البرهامية بلدية الشيخ منصور هدية وألف وأجاد وكان فصيحا بليغا
ذكيا حاد الذهن جيد القريحة له سعة اطلاع في العلوم الغريبة ونظم رائق مع سرعة الارتجال
وقد جمع كلامه في ديران هو على فضله عنوان وسكن في الآخر بولاق وبها توفي ليلة
الجمعة رابع عشرين رمضان سنة 1146
ومات الشيخ الامام الفقيه المحدث المحقق الشيخ خليل بن
محمد المغربي الاصل المالكي المصري أتى والده من المغرب فتدير مصر وولده المترجم
بها نشأ على عفة وصلاح وأقبل على تحصيل المعارف والعلوم فأدرك منها المروم وحضر
دروس الشيخ الملوي والسيد البليدي وغيرهما من فضلاء الوقت الى ان استكمل هلال
معارفه وأبدر وفاق أقرانه في التحقيقات واشتهر وكان حسن الالقاء للعلوم حسن
التقرير والتحرير حاد القريحة جيد الذهن اماما في المعقولات وحلالا للمشكلات وولي
خزانة كتب المؤيد مدة فأصلح ما فسد منها ورم ما تشعث
وانتفع به جماعة كثيرون من أهل عصرنا وله مؤلفات منها شرح المقولات العشر
توفي يوم الخميس خامس عشرين المحرم سنة 1177 بالري وهو
منصرف من الحج
ومات السيد الاديب الشاعر المفنن عمر بن علي الفتوشي
التونسي ويعرف بابن الوكيل ورد مصر في سنة أربع وخمسين فسمع الصحيح على الشيخ
الحفني وأجازه في ثاني المحرم منها ثم توجه الى الاسكندرية وتديرها مدة ثم ورد في
أثناء أربع وسبعين وكان ينشد كثيرا من المقاطع لنفسه ولغيره والف رسالة في الصلاة على
النبي صلى الله عليه و سلم خرج صيغها بالدور الاعلى للشيخ الاكبر وتولى نيابة
القضاء بالكاملية وكان انسانا حسنا لطيف المحاورة كثير التودد والمراعاة بشوش
الملتقى مقبلا على شأنه
توفي في ثاني ذي الحجة 1175
ومات الاستاذ الذاكر الشيخ محفوظ الفوي تليذ سيدي محمد
ابن يوسف من ورم في رجليه في غرة جمادى الثانية سنة 1178
ودفن يومه قريبا من مشهد السيدة نفيسة رضي الله عنها
ومات العالم الفقيه المحدث الاصولي الشيخ محمد بن يوسف
بن عيسى الدنجيهي الشافعي بدمياط في سادس شعبان سنة 1178
ومات الجناب المكرم الصالح المنفصل عن مشيخة الحرم
النبوي عبد الرحمن آغا في ثامن شوال سنة 1179 ودفن بجوار المشهد النفيسي
ومات الجناب المكرم محب الفقراء والمساكين الامير
ابراهيم أوده باشه غالم فجأة في ثامن جمادى الاولى سنة 1177 ودفن بمقبرتهم عند
السادة المالكية
ومات ايضا العمدة الشيخ عبد الفتاح المرحومي بالازبكية
في تاسع شوال سنة 1178
ومات الاجل المكرم الحاج حسن فخر الدين النابلسي عن سن
عالية وكان من ارباب الاموال رابع عشرين جمادى الاولى سنة 1178
ومات الامير الاجل المحترم صاحب الخيرات والمحبب الى
الصالحات علي بن عبد الله مولى بشير آغا دار السعادة ولي وكالة دار السعادة فباشر
فيها بحشمة وافرة وشهامة باهرة
وكان منزله مورد الوافدين من الآفاق مظهر التجليات الاشراق
مع ميله الى الفنون الغريبة وكماله في البدائع العجيبة من حسن الخط وجودة الرمي
واتقان الفروسية
ومدحته الشعراء وأحبته العلماء والقت اليه الرياسة
قيادها فاصلح ما وهن من اركانها وازال فسادها ولقد عزل عن منصبه ولم يأفل بدر
كماله واستمر ناموس حشمته باقيا على حاله واقتنى كتبا نفيسة وكان سموحا باعارتها
وكان من جملتها البرهان القاطع للتبريزي في اللغة الفارسية على هيئة القاموس
وسفينة الراغب وهي مجموعة جامعة للفوائد الغريبة ومنها كشف الظنون في اسماء الكتب
والفنون لمصطفى خليفة وهو كتاب عجيب
توفي يوم الاثنين ثامن عشر شهر صفر سنة 1176 وصلى عليه
بسبيل المؤمن ودفن بالقرافة بالقرب من الامام الشافعي ولم يخلف بعده مثله في المروءة
والكرم رحمه الله تعالى وقد رثاه الشعراء بمراث كثيرة
ومات الامام العالم العلامة والمدقق الفهامة الشيخ يوسف
شقيق الاستاذ شمس الدين الحفني اخذ العلم عن مشايخ عصره مشاركا لاخيه وتلقى عن
أخيه ولازمه ودرس وافاد وافتى والف ونظم الشعر الفائق الرائق وله ديوان شعر مشهور
وكتب حاشية عظيمة على الاشموني وهي مشهورة يتنافس فيها الفضلاء وحاشية على مختصر السعد
وحاشية على شرح الخزرجية لشيخ الاسلام وحاشية على جمع الجوامع لم تكمل وحاشية على
الناصر وابن قاسم وشرح شرح الازهرية لمؤلفها وشرح على
شرح السعد لعقائد النسفي وحاشية الخيالي عليه
توفي في شهر صفر سنة 1178
ومات الامام الفصيح المفرد الاديب الماهر الناظم الناثر
الشيخ علي ابن الخبر بن علي المرحومي الشافعي خطيب جامع الحبشلي
توفي ليلة الجمعة سادس ذي القعدة سنة 1178
ومات الامام العلامة السيد ابراهيم بن محمد ابي السعود
بن علي بن علي الحسيني الحنفي ولد بمصر وقرأ الكثير على والده وبه تخرج في الفنون
ومهر في الفقه وانجب وغاص في معرفة فروع المذهب وكانت فتاوية في حياة والده مسددة معروفة
ويده الطولى في حل الاشكالات العقيمة مذكورة موصوفة رحل في صحبة والده الى
المنصورة فمدحهما القاضي عبد الله بن مرعي المكي واثنى عليهما بما هو مثبت في
ترجمته ولو عاش المترجم لتم به جمال المذهب
توفي يوم الاحد سابع عشر جمادى الآخرة سنة 1179
ومات الفقيه الزاهد الورع العالم المسلك الشيخ محمد بن
عيسى ابن يوسف الدمياطي الشافعي أخذ المعقول عن السيد على الضرير والشيخ العزيزي
والشيخ ابراهيم الفيومي والفقه أيضا عنهما وعن الشيخ العياشي والشيخ الملوي والحفني
وطبقتهم واجتمع بالسيد مصطفى البكري واخذ عنه الطريقة الخلوتية ولقنه الاسماء
بشروطها والف حاشية على المنهج ونسبها لشيخه السيد مصطفى العزيزي وله حاشية على
سلم الاخضري في المنطق وحاشية علي السنوسية وغير ذلك
توفي في ثامن رمضان سنة 1178 وكانت جنازته حافلة وصلى
عليه بالازهر ودفن ببستان المجاورين وبنوا على قبره سقيفة يجتمع تحتها تلامذته في
صبح يوم الجمعة يقرأون عنده القرآن ويذكرون واستمروا على ذلك مدة سنين
ومات الامام العلامة الناسك الشيخ احمد بن محمد السحيمي
الشافعي
نزيل قلعة الجبل حضر دروس الاشياخ ولازم الشيخ عيسى
البراوي وبه انتفع وتصدر للتدريس بجامع سيدي سارية واحيا الله به تلك البقعة
وانتفع به الناس جيلا بعد جيل وعمر بالقرب من منزله زاوية وحفر ساقية بذل عليها
بعض الامراء باشارته مالا حفيلا فنبع الماء وعد ذلك من كراماته فانهم كانوا قبل
ذلك يتعبون من قلة الماء كثيرا
وشغل الناس بالذكر والعلم والمراقبة وصنف التصانيف
المفيدة في علم التوحيد على الجوهرة وجعله متنا وشرحه مزجا وهي غاية في بابها وله
حال مع الله وتؤثر عنه كرامات اعتنى بعض اصحابه بجمعها واشتهر بينهم انه كان يعرف
الاسم الاعظم وبالجملة فلم يكن في عصره من يدانيه في الصلاح والخير وحسن السلوك
على قدم السلف
توفي ثامن شعبان سنة 1178
ودفن بباب الوزير
ومات الامام العلامة شمس الدين ابو عبد الله محمد بن
احمد بن صالح ابن احمد بن علي بن الاستاذ ابي السعود الجارحي الشافعي ويقال له
السعودي نسبة الى جده المذكور حضر دروس الشيخ مصطفى العزيزي وغيره من فضلاء الوقت
وكان اماما محققا له باع في العلوم وكان مسكنه في باب
الحديد احد ابواب مصر وحضر السيد البليدي في تفسير البيضاوي وكان الشيخ يعتمده في
اكثر ما يقول ويعترف بفضله ويحسن الثناء عليه
توفي في شعبان سنة 1179
ومات السيد الاجل المحترم فخر اعيان الاشراف المعتبر بن
السيد محمد بن حسين الحسيني العادلي الدمرداشي ولد بمصر قبل القرن بقليل وادرك
الشيوخ وتمول واثرى وصار له صيت وجاه وكان بيته بالازبكية ويرد عليه العلماء
والفضلاء وكان وحيدا في شأنه وكلمته مقبولة عند الامراء والاكابر
ولما تولى الشيخ ابو هادي الوفائي رحمه الله تعالى كان
يتردد الى مجلسه كثيرا
توفي سنة 1178
ومات الشيخ الفاضل الناسك الكاتب الماهر البليغ سليمان
بن عبد الله الرومي الاصل المصري مولى المرحوم علي بك الدمياطي جود الخط على حسن
افندي الضيائي وانجب وتميز فيه واجيز وكتب بخطه الفائق كثيرا من الرسائل والاحزاب والاوراد
وكانت له خلوة بالمدرسة السليمانية لاجتماع الاحباب وكان حسن المذاكرة لطيف
الشمائل حلو الفاكهة يحفظ كثيرا من الاناشيد والمناسبات
توفي سنة 1179
ومات السيد العالم الاديب الماهر الناظم الناثر محمد بن
رضوان السيوطي الشهير بابن الصلاحي ولد باسيوط على رأس الاربعين ونشأ هناك وامه
شريفة من بيت شهير هناك ولما ترعرع ورد مصر وحصل العلوم وحضر دروس الشيخ محمد
الحفني ولازمه وانتسب اليه فلاحظته لوناره ولبسته اسراره ومال الى فن الادب فأخذ منه
بالحظ الاوفر وخطه في غاية الجودة والصحة
وكتب نسخة من القاموس وهي في غاية الحسن والاتقان والضبط
وله شعر عذب يغوص فيه على غرائب المعاني وربما يبتكر ما لم يسبق اليه
وتوجه بآخر امره الى بلده وبه توفي سنة 1180 رحمه الله
ومات الامام الصوفي العارف الناسك الشيخ محمد سعيد بن
أبي بكر بن عبد الرحيم بن مهنا الحسيني البغدادي ولد بمحلة ابي النجيب من بغداد
وبها نشأ واخذ عن الشيخ عبد العزيز بن احمد الرحبي وحسن ابن مصطفى القادري وآخرين وحج
وقطن المدينة مدة واجازه الشيخ محمد حيوة السندي والشيخ حسن الكوراني
ورد مصر سنة 1171
فنزل بقصر الشوك قرب المشهد الحسيني وكان له في كلام
القوم علافان الى الغاية يورده على طريقة غريبة بحيث يرسخ في ذهن السامع ويلتذ به
وكان يذهب لزيارته الاجلاء من الاشياخ مثل شيخنا السيد علي المقدسي والسيد محمد
مرتضى والشيخ العفيفي وبالجملة فكان من
اعاجيب دهره وكان الشيخ العفيفي ينوه بشأنه ويقول في حقه
انه من رجال الحضرة وانه ممن يرى النبي صلى الله عليه و سلم عيانا
وتوجه الى الديار الرومية ثم عاد الى المدينة ثم ورد
ايضا الى مصر بعد ذلك ونزل قرب الجامع الازهر
ثم توجه الى الديار الرومية وقطن بها
وظهرت له هناك الكرامات وطار صيته وعلت كلمته وصار له
اتباع ومريدون ولم يزل هناك على حالة حسنة حتى وافاه الاجل المحتوم في اواخر الثمانين
وخلف ولده من بعده رحمه الله تعالى وسامحه
ومات الفقيه الصالح العلامة الفرضي الحيسوبي الشيخ احمد
بن احمد السبلاوي الشافعي الازهري الشهير برزة كان اماما عالما مواظبا على تدريس
الفقه والمعقول بالجامع الازهر وكان يحترف بيع الكتب وله حانوت بسوق الكتبيين مع
الصلاح والورع والديانة ملازما على قراءة ابن قاسم بالازهر كل يوم بعد الظهر اخذ
عن الاشياخ المتقدمين وانتفع به الطلبة وكان انسانا حسنا بهي الشكل عظيم اللحية
منور الشيبة معتنيا بشأنه مقبلا على ربه
توفي سنة 1180
ومات الاجل المكرم الفاضل النبيه النجيب الفقيه حسن
افندي ابن حسن الضيائي المصري المجود المكتب ولد كما وجد بخطه سنة 1092 في منتصف
جمادى الثانية واشتغل بالعلم على اعيان عصره واشتغل بالخط وجوده على مشايخ هذا
الفن في طريقتي الحمدية وابن الصائغ
اما الطريقة الحمدية فعلى سليمان الشاكري والجزائري
وصالح الحمامي واما طريقة ابن الصائغ فعلى الشيخ محمد بن عبد المعطي السملاوي فالشاكري
والحمامي جودا على عمر افندي وهو على درويش علي وهو على خالد افندي وهو على درويش
محمد شيخ المشايخ حمد الله بن بير علي المعروف بابن الشيخ الاماسي واما السملاوي
فجود على محمد ابن محمد بن عمار وهو على والده وهو على يحيى المرصفي وهو على
اسمعيل المكتب وهو على محمد الوسمي وهو على ابي الفضل
الاعرج وهو على ابن الصائغ بسنده
وكان شيخا مهيبا بهي الشكل منور الشيبة شديد الانجماع عن
الناس وله معرفة في علم الموسيقى والاوزان والعروض
وكان يعاشر الشيخ محمد الطائي كثيرا ويذاكره في العلوم
والمعارف ويكتب غالب تقاريره على ما يكتبه بيده من الرسائل والمرقعات وقد اجاز في
الخط لاناس كثيرا ويجتمع في مجالس الكتبة مع صرامة وشهامة وعزة نفس
توفي في منتصف ذي الحجة سنة 1180
ومات الامام العالم احد العلماء الاذكياء وافراد الدهر
البحاث في المعضلات الفتاح للمقفلات الشيخ عبد الكريم بن علي المسيري الشافعي
المعروف بالزيات لملازمته شيخه سليمان الزيات حضر دروس فضلاء الوقت وانضوى الى
الشيخ سليمان الزيات ولازمه حتى صار معيدا الدروسة ومهر وانجب وتضلع في الفنون ودرس
واملى
وكان اوحد زمانه في المعقولات ولازم اخيرا دروس الشيخ الحفني
وتلقن منه العهد ثم ارسله الشيخ الى بلاد الصعيد لانه جاءه كتاب من احد مشايخ
الهوارة ممن يعتقد في الشيخ بان يرسل اليهم احد تلامذته ينفع الناس بالناحية فكان
هو المعين لهذا المهم فالبسه واجازه ولما وصل الى ساحل بهجورة تلقته الناس بالقبول
التام وعين له منزل واسع وحشم وخدم واقطعوا له جانبا من الارض ليزرعها
فقطن بالبهجورة واعتنى به اميرها شيخ العرب اسمعيل بن
عبد الله فدرس وافتى وقطع العهود واقام مجلس الذكر وراج امره وراش جناحه ونفع وشفع
واثرى جدا وتملك عقارات ومواشي وعبيدا وزروعات ثم تقلبت الاحوال بالصعيد واوذي
المترجم واخذ ما بيده من الاراضي وزحرحت حاله فأتى الى مصر فلم يجد من يعينه لوفاة
شيخه
ثم عاد ولم يحصل على طائل وما زال بالبهجورة حتى مات في
اواخر سنة 1181
ومات الامام العلامة المتقن المعمر مسند الوقت وشيخ
الشيوخ الشيخ احمد بن عبد الفتاح بن يوسف بن عمر المجيري الملوي الشافعي الازهري
ولد كما اخبر من لفظه في فجر يوم الخميس ثاني شهر رمضان سنة 1088 وامه آمنة بنت
عامر بن حسن بن حسن بن علي بن سيف الدين ابن سليمان بن صالح بن القطب علي المغراوي
الحسني اعتنى من صغره بالعلوم عناية كبيرة واخذ عن الكبار من اولى الاسناد والحق
الاحفاد بالاجداد فمن شيوخه الشهاب احمد بن الفقيه والشيخ منصور المنوفي والشيخ
عبد الرؤوف البشبيشي والشيخ محمد بن منصور الاطفيحي والشهاب الخليفي والشيخ عيد
النمرسي والشيخ عبد الوهاب الطندتاوي وابو العز محمد بن العجمي والشيخ عبد ربه
الديوي والشيخ رضوان الطوخي والشيخ عبد الجواد وخاله ابو جابر علي بن فامر
الايتاوي وابو الفيض علي بن ابراهيم البوتيجي وابو الانس محمد بن عبد الرحمن
المليجي هؤلاء من الشافعية ومن المالكية محمد بن عبد الرحمن بن احمد الورزازي
والشيخ محمد الزرقاني والشيخ عمر بن عبد السلام التطواني والشيخ احمد الهشتوكي
والشيخ محمد بن عبد الله السجلماسي والشيخ احمد النفراوي والشيخ عبد الله الكنكسي
وابن ابي زكري وسليمان الحصيني والشبرخيتي ومن الحنفية السيد علي بن علي الحسيني
الضرير الشهير باسكندر ورحل الى الحرمين سنة 1122
فسمع علي البصري والنخلي الاولية واوائل الكتب الستة
واجازه والشيخ محمد طاهر الكوراني واجازه الشيخ ادريس ليماني ومنلا الياسي
الكوراني ودخل تحت اجازة الشيخ ابراهيم الكوراني في العموم وعاد الى مصر وهو امام
وقته المشار اليه في حل المشكلات المعول عليه في المعقولات والمنقولات قرأ المنهج
مرارا وكذا غالب الكتب وانتفع به الناس طبقة بعد طبقة وجيلا بعد جيل
وكان تحريره اقوى من تقريره
وله رضي
الله نعه مؤلفات كثيرة منها شرحان على متن السلم كبير
وصغير وشرحان كذلك على السمرقندية وشرح على الياسمينية وشرح الاجرومية ونظم النسب
وشرحها وشرح عقيدة الغمري وعقود الدرر على شرح ديباجة المختصر أتمه بالمشهد
الحسيني سنة ثلاث وعشرين
ونظم الموجهات وشرحها وتعريب رسالة منلا عصام في المجاز
ومجموع صيغ صلوات على النبي صلى الله عليه و سلم
ومؤلفاته مشهورة مقبولة متدولة بايدي الطلبة ويدرسها
الاشياخ
وتعلل مدة وانقطع لذلك في منزله وهو ملقى على الفراش ومع
ذلك يقرأ عليه كل يوم اوقات مختلفة انواع العلوم وترد عليه الناس من الآفاق ويقرأون
عليه ويستجيزونه فيجيزهم ويملي عليهم ويفيدهم ومنهم من يأتيه للزيارة والتبرك وطلب
الدعاء فيمدهم بأنفاسه ويدعو لهم وكان ممتع الحواس واقام على هذه الحالة نحو
الثلاثين سنة حتى توفي في منتصف شهر ربيع الاول سنة 1181
ومات الشيخ الامام الصالح عبد الحي بن الحسن بن زين
العابدين الحسيني البهنسي المالكي نزيل بولاق ولد بالبهنسا سنة 1083 وقدم الى مصر
فأخذ عن الشيخ خليل اللقاني والشيخ محمد النشرتي والشيخ محمد الزرقاني والشيخ محمد
الاطفيحي والشيخ محمد الغمري والشيخ عبد الله الكنكسي والشيخ محمد بن سيف والشيخ
محمد الخرشي وحج سنة 1113
والف فأخذ عن البصري والتخلي واجازه السيد محمد التهامي
بالطريقة الشاذلية والسيد محمد بن علي العلوي في الاحمدية والشيخ محمد شويخ في
الشناوية وحضر دروس المحدث الشيخ علي الطولوني ودرس بالجامع الخطيري ببولاق وافاد
الطلبة وكان شيخا بهيا معمرا منور الشيبة منجمعا عن الناس زاهدا قانعا بالكفاف
توفي ليلة الاثنين حادي عشري شعبان سنة 1181 بمنزلة
ببولاق وصلي عليه
بالجامع الكبير في مشهد حافل وحمل على الاعناق الى مدافن
الخلفاء قرب مشهد السيدة نفيسة فدفن بها رحمه الله
ومات الشيخ امام السنة ومقتدى الامة عبد الخالق بن ابي
بكر بن الزين ابن الصديق بن الزين بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد
بن ابي القاسم النمري الاشعري المزجاجي الزبيدي الحنفي من بيت العلم والتصوف جده الاعلى
محمد بن محمد بن ابي القاسم صاحب الشيخ اسمعيل الجبرتي قطب اليمن وحفيده عبد الرحمن
بن محمد خليفة جده في التسليك والتربية وهو الذي تدير زبيد باهلة وعياله وكان قبل
بالمزجاجة وهي قرية اسفل زبيد خربت الآن
ولد المترجم سنة ألف ومائة بزبيد وحفظ القرآن وبعض
المتون ولما ترعرع اخذ عن الامام المسند الشيخ علاء الدين المزجاجي والسيد عبد
الفتاح بن اسمعيل الخاص والشيخ علي المرحومي نزيل مخا واجازه من مكة الشيخ حسن
العجمي بعناية والده وبعناية قريبه الشيخ علي بن علي المزجاجي نزيل مكة ووفد الى
الحرمين فأخذ بمكة عن الشيخ محمد عقيلة
روى عنه الكتب الستة وحمل عنه المسلسلات بشرطها والبسه
وحكمه وحضر على الشيخ عبد الكريم اللاهوري في الفقه والاصول وكان يحثه على قراءة
الاخسكيتي ويقول لا يستغنى عنه طالب وحضر دروس الشيخ عبد المنعم ابن تاج الدين
القلعي ومحمد بن حسن العجمي ومحمد بن سعيد التنبكتي وبالمدينة عن الشيخ محمد طاهر
الكردي سمع منه اوائل الكتب الستة والشيخ محمد حياة السدي لازمه في سماع الكتب
الستة وعاد الى زبيد فاقبل على التدريس والافادة وسمع عليه شيخنا السيد محمد مرتضى
الصحيحين وسنن النسائي كله بقراءته عليه في عين الرضا موضح بالنخل خارج زبيد كان
يمكث فيه ايام خراف النخل والكنز والمنار كلاهما للنسفي ومسلسلات شيخه بن عقلية
وهي خمسة واربعون مسلسلا
وسمع عليه ايضا
المسلسل بيوم العيد ولازم درسه العامة والخاصة والبسه
الخرقة ونقبه وحكمه بعد ان صحبه وتأدب به وبه تخرج شيخنا المذكور
كذا ذكر في ترجمته
قال وفي اخرى توجه الى الحرمين فمات بمكة في ذي الحجة
سنة 1181
ومات الشيخ الامام الثبت العلامة الفقيه المحدث الشيخ
عمر بن علي ابن يحيى بن مصطفى الطحلاوي المالكي الازهري تفقه على الشيخ سالم
النفراوي وحضر دروس الشيخ منصور المنوفي والشهاب بن الفقيه والشيخ محمد الصغير
الورزازي والشيخ احمد الملوي والشبراوي والبليدي وسمع الحديث عن الشهابين احمد البابلي
والشيخ احمد العماوي وابي الحسن علي بن احمد الحريشي الفاسي وتمهر في الفنون ودرس
بالجامع الازهر وبالمشهد الحسيني واشتهر امره وطار صيته واشير اليه بالتقدم في
العلوم وتوجه الى دار السلطنة في مهم اقتضى لامراء مصر فقوبل بالاجابة والقى هناك
دروسا في الحديث في آيا صوفية وتلقى عنه اكابر العلماء هناك في ذلك الوقت وصرف
معززا مقضيا حوائجه وذلك في سنة 1147
ولما تمم عثمان كتخدا القزدغلي بناء مسجده بالازبكية في
تلك السنة تعين المترجم للتدريس فيه وذلك قبل سفره الى الديار الرومية وكان مشهورا
في حسن التقرير وعذوبة البيان وجودة الالقاء وقرأ الموطأ وغيره بالمشهد الحسيني
وافاد وأجاز الاشياخ وكان يطلع في كل جمعة الى المرحوم حمزة باشا مرة فيسمع عليه
الحديث
وكان للناس فيه اعتقاد حسن وعليه هيبة ووقار وسكون
ولكلامه وقع في القلوب توفي ليلة الخميس حادي عشر صفر سنة 1181 وصلي عليه بصباحه
في الازهر في مشهد حافل ودفن بالمجاورين رحمه الله
ومات الوجيه الصالح الشيخ عبد الوهاب بن زين الدين بن
عبد الوهاب بن نور الدين بن بايزيد بن احمد بن القطب شمس الدين بن أبي
المفاخر محمد بن داود التشربيني الشافعي وهو احد الاخوة
الثلاثة وهو اكبرهم تولى النظر والمشيخة بمقام جده بعد ابيه فسار فيها سيرا مليحا
واحيا المآثر بعدما اندرست وعمر الزاوية واكرم الوافدين واقام حلقة الذكر كل يوم وليلة
بالمسجد ويغدق على المنشدين وورد مصر مرارا منها صحبة والده ومنها بعد وفاته والف
باسمه شيخنا السيد مرتضى رسالة في الطريقة الاوسية سماها عقيلة الاتراب في سند
الطريقة والاحزاب وفي آخره اتى الى مصر لمقتضى ومرض ثلاثة ايام
وتوفي ليلة الاحد غرة ذي القعدة سنة 1181
ومات الشيخ الامام العلامة الهمام أوحد أهل زمانه علما
وعملا ومن أدرك ما لم تدركه الاول المشهود له بالكمال والتحقيق والمجمع على تقدمه
في كل فريق شمس الملة والدين محمد بن سالم الحفاوي الشافعي الخلوتي وهو شريف حسيني
من جهة ام أبيه وهي السيدة ترك ابنة السيد سالم بن محمد بن علي بن عبد الكريم بن السيد
برطع المدفون ببركة الحاج وينتهي نسبه الى الامام الحسين رضي الله عنه وكان والده
مستوفيا عند بعض الامراء بمصر وكان غاية من العفاف ولد على راس المائة ببلده حفنا
بالقصر قرية من اعمال بلبيس وبها نشأ والنسبة اليها حفناوي وحفني وحفنوي وغلبت
عليه النسبة حتى صار لا يذكر الا بها وقرأ بها القرآن الى سورة الشعراء ثم حجزه
ابوه باشارة الشيخ عبد الرؤوف البشبيشي وعمره اربع عشرة سنة بالقاهرة فكمل حفظ
القرآن ثم اشتغل بحفظ المتون فحفظ الفية ابن مالك والسلم والجوهرة والرحبية وابا
شجاع وغير ذلك
واخذ العلم عن علماء عصره واجتهد ولازم دروسهم حتى تمهر
واقرأ ودرس وأفاد في حياة اشياخه واجازوه بالافتاء والتدريس فاقرا الكتب الدقيقة
كالاشموني وجمع الجوامع والمنهج ومختصر السعد وغير ذلك من كتب الفقه والمنطق
والاصول والحديث
والكلام عام اثنتين وعشرين واشياخه الذين اخذ عنهم وتخرج
عليهم الشيخ احمد الخليفي والشيخ محمد الديربي والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي والشيخ
احمد الملوى والشيخ محمد السجاعي والشيخ يوسف الملوي والشيخ عبده الديوي والشيخ
محمد الصغير ومن اجل شيوخه الذين تخرج بالسند عنهم الشيخ محمد البديري الدمياطي
الشهير بابن المبت اخذ عنه التفسير والحديث والمسندات والمسلسلات والاحياء للإمام
الغزالي وصحيح البخاري ومسلم وسنن ابي داود وسنن النسائي وسنن ابن ماجه والموطأ
ومسند الشافعي والمعجم الكبير للطيراني والمعجم الاوسط والصغير له أيضا وصحيح ابن
حيان والمستدرك للنيسابوري والحلية للحافظ ابي نعيم وغير ذلك
وشهد له معاصروه بالتقدم في العلوم وحين جلس للافادة
لازمه جل طلبة العلم ومن بهم يسمو المعقول والمنقول وكان إذ ذاك في شدة من ضيق
العيش والنفقة فاشترى دواة وأقلاما واوراقا واشتغل بنسخ الكتب فشق عليه ذلك خوفا
من انقطاعه عن العلم
وكان يتردد الى زاوية سيدي شاهين الخلوتي بسفح الجبل
ويمكث فيها الليالي متحنثا واقبل على العلم وعقد الدروس وختم الختوم بحضرة جمع
العلماء وقرأ المنهاج مرات وكتب عليه وكذلك جمع الجوامع والاشموني ومختصر السعد
وحاشية حفيده علبه كتب عليها وقرأها غير مرة وكان الشيخ العلامة مصطفى العزيزي اذا
رفع اليه سؤال يرسله اليه
واشتغل بعلم العروض حتى برع فيه وعالى النظم والنثر
وتخرج عليه غالب اهل عصره وطبقته ومن دونهم كأخيه العلامة الشيخ يوسف والشيخ
اسمعيل الغنيمي صاحب التآليف البديعة والتحريرات الرفيعة المتوفى سنة احدى وستين
وشيخ الشيوخ الشيخ علي الغدوي والشيخ محمد الغيلاني والشيخ محمد الزهار نزيل
المحلة الكبرى وغيرهم كما هو في تراجم المذكورين منهم
وكان على مجالسه هيبة ووقار ولا يسأله احد لمهابته
وجلالته فمن تآليفه المشهورة
حاشية على شرح رسالة العضد للسعد وعلى الشنشوري في
الفرائض وعلى شرح الهمزية لابن حجر وعلى مختصر السعد وعلى شرح السمرقندي
للياسمينية في الجبر والمقابلة وله تصانيف أخر مشهورة
وكان كريم الطبع جدا وليس للدنيا عنده قدر ولا قيمة جميل
السجايا مهاب الشكل عظيم اللحية أبيضها كان على وجهه قنديلا من النور
وكان كريم العين على احداهما نقطة واكثر الناس لا يعلمون
ذلك لجلالته ومهابته وكان في الحلم على جانب عظيم ومن مكارم آخلاقه اصغاؤه لكلام
كل متكلم ولو من الخزعبلات مع انبساطه اليه واظهار المحبة ولو أطال عليه ومن رآه
مدعيا شيئا سلم له في دعواه ومن مكارم اخلاقه انه لو سأله انسان اعز حاجة عليه
اعطاها له كائنة ما كانت ويجد لذلك انسا وانشراحا ولا يعلق أمله بشيء من الدنيا
وله صدقات وصلات اخفية وظاهرة وكان راتب بيته من الخبز في كل يوم نحو الاردب
والطاحون دائمة الدوران وكذلك دق البن وشربات السكر ولا ينقطع وورد الورادين ليلا
ونهارا ويجتمع على مائدته الاربعون والخمسون والستون ويصرف على بيوت اتباعه
والمنتسبين اليه
وشاع ذكره في أقطار الأرض واقبل عليه الوافدون بالطول
والعرض وهادته الملوك وقصده والآخرة وجده
وكان رزقه فيضا الهيا
وللشيخ رضي الله عنه مناقب ومكاشفات وكرامات وبشارات
وخوارق عادات يطول شرحها ذكرها الشيخ حسن المكي المعروف بشمه في كتابه الذي جمعه
في خصوص الاستاذ وكذلك العلامة الشيخ محمد الدمنهوري المعروف بالهلباوي له مؤلف في
مناقب الشيخ ومدائحه وغير ذلك
وصل في ذكر أخذ العهد بطريق الخلوتية وهي نسبة الى سيدي
محمد الخلوتي احد اهل السلسلة ويعرفون
أيضا بالقرباشلية نسبة الى سيدي علي افندي قره باش احد
رجالها ايضا وهذا هو الاسم الخاص المميز لهم عن غيرهم من الخلوتية ولذلك قال السيد
البكري في الالفية ... والخلوتية الكرام فرق ... قد نهجوا نهج الجنيد فرقوا ... وخيرهم طريقنا
العلية ... من قد دعوا بالقربا شليه
...
وهي طريقة مؤيدة بالشريعة الغراء والحنفية السمحاء ليس
فيها تكليف بما لا يطاق وكانت خير الطرق لان ذكرها الخاص بها لا اله الا الله وهي
أفضل ما يقول العبد كما في الحديث الشريف
وكان المترجم رضي الله عنه اشتغل بالسلوك وطريق القوم
بعد الثلاثين فاخذ على رجل يقال له الشيخ احمد الشاذلي المغربي المعروف بالمقري
فتلقى منه بعض أحزاب واوراد ثم قدم السيد البكري من الشام سنة 1133 فاجتمع عليه
الشيخ بواسطة بعض تلامذة السيد وهو السيد عبد الله السلفيتي فسلم عليه وجلس فجعل
السيد ينظر اليه وهو كذلك ينظر اليه فحصل بينهما الارتباط القلبي ثم قام وجلس بين
يدي السيد بعد الاستئذان وكانت عادة السيد اذا اتاه مريد امره اولا بالاستخارة قبل
ذلك الا هو فلم يأمره بها وذلك اشارة الى كمال الارتباط فأخذ عليه العهد حالا ثم
اشتغل بالذكر والمجاهدة
فرأى في منامه في بعض الليالي السيد البكري والشيخ احمد الشاذلي
المذكور جالسين والشيخ حمد يعاتبه على دخوله في الطريق ويعاتب أيضا السيد فقال له
السيد هل لك معه حاجة قال نعم لي معه أمانة
واذا بجريدة خضراء بيد السيد فقال له هذه امانتك قال نعم
فكسرها نصفين ورماها للشاذلي وقال له خذ امانتك ثم انتبه
فاخبر السيد فقال له هذا اتصال بنا وانفصال عنه
وهذه النسبة الباطنية التي صار بها سلمان الفارسي وصهيب
من أهل البيت
وقال ابن الفارض في التائيه على لسان
الصادق صلى الله عليه و سلم ... واني وان كنت ابن آدم
صورة ... فلي فيه معنى شاهد بالأبوة
...
فان آدم له أب من حيث النسبة الظاهرة وهو أب لآدم من حيث
النسبة الباطنة لانه نائب عنه في الارسال ومنبأ بخده في الانزال ولم يستمد من
الحضرة العلية الا بواسطته ولذلك لما توسل به قبلت توبته وزادت محبته ولم يجعل مهر
حواء سوى الصلاة والسلام عليه كما ورد ذلك كله وهو من المعلوم ضرورة
فظهر بهذا ان هذه النسبة أعظم من تلك لترتب الثمرة عليها
ثم سار في طريقة القوم اتم سير حتى لقنه الاستاذ الاسم
الثاني والثالث
ومن حين أخذ عليه العهد لم يقع منه في حق الشيخ الا كمال
الادب والصدق التام وهو الذي قدمه وبه ساد أهل عصره
فمن ذلك انه كان لا يتكلم في مجلسه أصلا الا اذا سأله
فانه يجيبه على قدر السؤال ولم يزل يستعمل ذلك معه حتى اذن له بالتكلم في مجلسه في
بعض رحلاته الى القاهرة وسببه انه لما رأى اقبال الناس عليه وتوجههم اليه قال له
انبسط الى الناس واستقبلهم لان يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم
ومما اتفق له ان شيخه المذكور قال له مرة تعال الليلة مع
الجماعة واذكروا عندنا في البيت
فلما دخل الليل نزل شتاء ومطر شديد فلم يتخلف وذهب حافيا
والمطر يسكب عليه وهو يخوض في الوحل فقال له كيف جئت في هذه الحالة
فقال يا سيدي امرتمونا بالمجيء ولم تقيدوه بعذر وايضا لا
عذر والحالة هذه لا مكان المجيء وان كنت حافيا
فقال له احسنت هذا أول قدم في الكمال الى غير ذلك
ولما علم الشيخ صدق حاله وحسن فعاله قدمه على خلفائه
وأولاده حسن ولائه ودعاه بالاخ الصادق ومنحه اسرارا واراه عيون الحقائق وكيفية
تلقين الذكر واخذ العهد كما وجد بخط الاستاذ يظهر ثبت عبد الله بن سالم البصري ما
نصه
هذه صورة أخذ العهد ارسلها اليه السيد البكري الصديقي
الخلوتي حين أذنه باخذ العهود على طريقة السادة الخلوتية
ونص ما كتب كيفية المبايعة للنفس الطائعة ان يجلس المريد
بين يدي الاستاذ ويلصق ركبته بركبته والشيخ مستقبل القبلة ويقرأ الفاتحة ويضع يده
اليمنى في يده مسلما له نفسه مستمدا من امداده ويقول له قل معي استغفر الله العظيم
ثلاث مرات ويتعوذ ويقرأ آية التحريم يا ايها الذين آمنوا توبوا الى الله توبة
نصوحا الى قدير ثم يقرأ آية المبايعة التي في الفتح ليزول الإشتباه وهي إن الذين
يبايعونك إنما يبايعون الله اقتداء برسول الله صلى الله عليه و سلم الى قوله تعالى
عظيما ثم يقرأ فاتحة الكتاب ويدعو الله لنفسه وللآخذ بالتوفيق ويوصيه بالقيام
باوراد الطريق والدوام على ذوق اهل هذا الفريق وعرض الخواطر وقص الرؤيات العواطر
واذا وقعت الاشارة بتلقين الاسم الثاني لقنه ليبلغ الاماني
وفتح له باب توحيد الافعال اذ لا غيره فعال وفي الثالث
توحيد الاسماء ليشهد السر الاسمى وفي الرابع توحيد الصفات ليدرجه الى اعلى الصفات
وفي الخامس توحيد الذات ليحظى باوفر اللذات وفي السادس والسابع يكمل له التوابع
ونسأل الله تعالى الهداية والرعاية والعناية والدراية
والحمد لله رب العالمين انتهى
هذا ما كتب بخطه الشريف
قال ورأيت أيضا بظهر الثبت المذكور ما نصه
ثم رأيت في الفتوحات الالهية في نفع ارواح الذوات
الانسانية وهو كتاب نحو كراس لشيخ الاسلام زكريا الانصاري ما نصه اذا اراد الشيخ
ان ياخذ العهد على المريد فليتطهر وليأمره بالتطهر من الحدث والخبث ليتهيا لقبول
ما يلقيه اليه من الشروط في الطريق ويتوجه الى الله تعالى ويسأله القبول لهما
ويتوسل اليه في ذلك بمحمد صلى الله عليه و سلم لانه الواسطة بينه وبين خلفه ويضع يده
اليمنى على يد المريد اليمنى بان يضع رحته على راحته ويقبض ابهامه باصابعه ويتعوذ
ويبسمل ثم يقول الحمد لله رب العالمين استغفر الله العظيم
الذي لا اله الا هو الحي القيوم واتوب اليه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله
وصحبه وسلم ويقول المريد بعده مثل ما قال
ثم يقول اللهم اني اشهدك وأشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك
وأولياءك اني قد قبلته شيخنا في الله ومرشدا وداعيا إليه ثم يقول الشيخ اللهم إني
اشهدك واشهد ملائكتك وأنبياءك إني قد قبلته ولدا في الله فاقبله واقبل عليه وكن له
ولا تكن عليه
ثم يدعو كأن يقول اللهم اصلحنا وأصلح بنا واهدنا واهد
بنا وارشدنا وارشد بنا اللهم ارنا الحق حقا والهمنا اتباعه وارنا الباطل باطلا
وارزقنا اجتنابه اللهم اقطع عنا كل قاطع بقطعنا عنك ولا تقطعنا عنك ولا تشغلنا بغيرك
عنك انتهى
قلت والمراتب السبعة التي اشار اليها السيد في الكيفية
المتقدمة هي مراتب الاسماء السبعة وللنفس في كل مرتبة منها مرتبة باسم خاص دال
عليها الاسم الاول لا اله الا الله وتسمى النفس فيه أمارة والثاني الله وتسمى
النفس فيه لوامة والثالث هو وتسمى النفس فيه ملهمة والرابع حق وهو اول قدم يحله
المريد من الولاية كما مرت الاشارة اليه وتسمى النفس فيه مطمئنة الخامس حي وتسمى
النفس فيه راضية والسا دس قيوم وتسمى النفس فيه مرضية والسابع قهار وتسمى النفس
فيه كاملة وهو غاية التلقين
وكلها ما عدا الاول منها تلقن في الاذن اليمنى الا
السابع ففي اليسري وتلقينها بحسب ما يراه الشيخ من احوال المريدين افعال واقوال
وعالم مثال
واعلم ان سلسلة القوم هذه في كيفية اخذ العهد والتلقين
مروية عن النبي صلى الله عليه و سلم وهو يرويه عن جبريل وهو يرويه عن الله عز و جل
وفي بعض الروايات روايته عن رؤساء الملائكة الاربع
والنبي صلى الله عليه و سلم لقن عليا رضي الله عنه وصورة ذلك كما في ريحان القلوب
في التوصل الى المحبوب لسيدي
يوسف العجمي ان عليا سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم
فقال يا رسول الله دلني على اقرب الطرق الى الله تعالى
فقال يا علي عليك بمداومة ذكر الله في الخلوات
فقال علي رضي الله عنه هذا فضيلة الذكر وكل الناس ذاكرون
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا علي لا تقوم
الساعة وعلى وجه الارض من يقول الله
فقال علي كيف اذكر يا رسول الله
قال غمض عينيك واسمع مني ثلاث مرات ثم قل انت ثلاث مرات
وانا اسمع
فقال النبي صلى الله عليه و سلم لا اله الا الله ثلاث
مرات مغمضا عينيه رافعا صوته وعلي يسمع ثم قال علي لا اله الا الله ثلاث مرات
مغمضا عينيه رافعا صوته والنبي صلى الله عليه و سلم يسمع
ثم لقن علي الحسن البصري رضي الله عنهما على الصحيح عند
اهل السلسلة الاخيار من المحدثين
قال الجاحظ السيوطي الراجح ان البصري اخذ عن علي ومثله
عن الضياء المقدسي ومن المقرر في الاصول أن المثبت مقدم على النافي ثم لقن الحسن
البصري حبيبا العجمي وهو لقن داود الطائي وهو لقن معروفا الكرخي وهو لقن سريا
السقطي وهو لقن أبا القاسم سيد الطائفتين الجنيد البغدادي وعنه تفرقت سائر الطرق المشهورة
في الاسلام
ثم لقن الجنيد ممشاد الدينوري وهو لقن محمد الدينوري وهو
لقن القاضي وجيه الدين وهو لقن عمر البكري وهو لقن ابا النجيب السهروردي وهو لقن
قطب الدين الابهري وهو لقن محمد النجاشي وهو لقن شهاب الدين الشيرازي وهو لقن جلال
الدين التبريزي وهو لقن إبراهيم الكيلاني وهو لقن اخي محمد الخلوتي واليه نسبة اهل
الطريق وهو لقن بير عمر الخلوتي وهو لقن اخي بيرام الخلوتي وهو لقن عز الدين
الخلوتي وهو لقن صدر الدين الخيالي وهو لقن يحيى الشرواني صاحب ورد الستار وهو لقن
بير محمد الارزنجاني وهو لقن جلبي سلطان المشهور بجلبي خليفة وهو لقن خير التوقادي
وهو لقن
شعبان القسطموني وهو لقن اسمعيل الجورومي وهو المدفون في
باب الصغير في بيت المقدس عند مرقد سيدي بلال الحبشي وهو لقن سيدي علي افندي قره
باش اي اسود الرأس باللغة التركية واليه نسبة طريقنا كما مر وهو لقن مصطفى افندي ولده
وخلفاؤه كما قال السيد الصديقي اربعمائة ونيف واربعون خليفة وهو لقن عبد اللطيف بن
حسام الدين الحلبي وهو لقن شمس الطريقة وبرهان الحقيقة السيد مصطفى بن كمال الدين
البكري الصديقي وهو لقن قطب رحاها ومقصد سرها ونجواها شيخنا الشيخ محمد الحفناوي
وهو لقن وخلف اشياخا كثيرة منهم بركة المسلمين وكهف الواصلين الصوفي الصائم القائم
العابد الزاهد الشيخ محمد السمنودي المعروف بالمنير شيخ القراء والمحدثين وصدر
الفقهاء والمتكلمين
من مناقبه الحميدة صيام الدهر مع عدم التكلف لذلك وقيام
الليل يقرأ في كل ركعة ثلث القرآن وربما نصفه او جميعه في كل ركعة هذا ورده دائما
صيفا وشتاء فتى وشيخا يافعا ومنها تواضعه وخموله وعدم رؤية نفسه ويبرأ من ان تنسب
اليه منقبة وسيأتي باقي ترجمته في وفاته
ومنهم علامة وقته واوانه الولي الصوفي الشيخ حسن
الشيبيني ثم القوى طلب العلم وبرع فيه وفاق على أقرانه ثم جذبته ايدي العناية الى
الشيخ فاخذ عليه العهد ولقنه اسماء الطريق السبعة على حسب سلوكه في سيره ثنم البسه
التاج واجازه باخذ العهود والتلقين والتسليك وصار خليفة محضا فادار مجالس الذكر
ودعا الناس اليها من سائر الاقطار وفتح الله عليه باب العرفان حتى صار ينطق باسرار
القرآن
ومنهم العالم النحرير الصوفي الصالح السلك الراجح الشيخ
محمد السنهوري ثم الفوى طلب العلم حتى صار من اهل الافتاء والتدريس وانتصب للتأكيد
والتأسيس ثم دعته سعادة حضرة القوم فسلك مع
المجاهدة وحسن السيرة على يد الاستاذ حتى لقنه الاسماء
السبعة والبسه التاج واقامة خليفة يهدي لاقوم منهاج ثم اذن له في التوجه الى بلده
فتوجه اليها وربي بها المريدين وادار مجالس الاذكار بتلك البقاع وعم به في الوجود
الانتفاع
ومنهم البحر الزاخر حائز مراتب المفاخر الولي الرباني
والصوفي في العالم الانساني الشيخ محمد الزعيري اشتغل بالعلم حتى برع وصار قدوة
لكل مفتدي وجذوة لمن لا يهتدي ثم سلك على يد الاستاذ فاخذ عليه العهد ولقنه
الاسماء على حسب سيره وسلوكه ثم خلفه والبسه التاج واجازه بالتلقين والتسليك
ومنهم الحبر العلامة والبحر الفهامة شيخ الافتاء
والتدريس الشيخ خضر رسلان اشتغل على الشيخ مدة مديدة ولازمه شديدة واخذ عليه العهد
في طريق الخلوتية حتى تلقن الاسماء والبسه الشيخ التاج وصار خليفة مجازا باخذ
العهود والتسليك
ومنهم الشيخ الصوفي الولي صاحب الكرامات والايادي
والمكرمات شيخنا الشيخ محمود الكردي اخذ على الشيخ العهد والطريق ولقنه الاسماء
فكان محمود الإفعال معروفاة بالكمال ثم البسه التاج وصار خليفة واجازه بالتلقين والتسليك
فارشد الناس وازال عن قلوبهم الوسواس
وهو مشهور البركة يعتقده الخاص والعام كثير الرؤية لرسول
الله صلى الله عليه و سلم ومن كراماته انه متى اراد رؤية النبي صلى الله عليه و
سلم رآه
وله مكاشفات عجبية نفعنا الله بحبه ولا حجبنا عن قربه
وهو الذي قام للارشاد والتسليك بعد انتقال شيخه وسلك على يده كثير وخلفوه من بعده
منهم الشيخ الصالح الصوفي والشيخ محمد السقاط والشيخ العلامة شيخ الاسلام
والمسلمين مولانا الشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الجامع الازهر الآن والإمام الاوحد
الشيخ محمد بدير الذي هو الآن بالقدس الشريف والمشار
اليه في التسليك بتلك الديار والشيخ الصالح الناجح ابراهيم الحلبي الحنفي والسيد
الاجل العلامة والرحالة الفهامة السيد عبد القادر الطرابلسي الحنفي والشيخ الامام
العمدة الهمام الشيخ عمر البابلي وغيرهم ادام الله النفع بوجودهم
ومنهم العالم الالمعي الفهامة بقية السلف والخليفة ونعم
الخلف الشيخ محمد سبط الاستاذ المترجم أطال الله بقاءه
ومنهم الشيخ الفهامة الاديب الاريب واللوذعي النجيب
الشيخ محمد البلناوي الشهير بالدمنهوري الشافعي
ومنهم الشيخ الصوفي القدوة الشيخ احمد الغزالي تلقن منه
الاسماء وتخلف عنه والبسه التاج وأجازه بالتلقين والتسليك
ومنهم العالم العامل الشيخ احمد القحافي الانصاري اخذ
العهد وانتظم في سلك اهل الطريق وتلقن الاسماء وصار خليفة مجازا فارشد الناس
وافتتح مجالس الاذكار
ومنهم تاج الملة وانسان عين المجد من غير علة ذو النسب
الباذخ والشرف الرفيع الشانح السيد علي القناوي تلقن الاسماء والبس التاج وصار خليفة
حقا ومجازا بالتلقين والتسليك فادار مجالس الاذكار واشرقت به الانوار
ومنهم العلامة العامل والفهامة الواصل الفاضل الشيخ
سليمان المنوفي نزيل طندتا وارشده وخلفه والبسه التاج واجازه فسلك وأرشد وله أحوال
عجيبة
ومنهم الصوفي الصالح الشيخ حسن السخاوي نزيل طندتا ايضا
لقنه وخلفه والبسه التاج فدعا الناس لاقوم منهاج
ومنهم علامة الانام الشيخ محمد الرشيدي الملقب بشعير
لقنه وخلفه واجازه فكثر نفعه
ومنهم العلامة الاوحد ومن على مثله الخناصر تعقد الشيخ
يوسف الرشيدي الملقب بالشيال رحل ايضا اليه فتلقن منه وسلك على يديه حتى صار خليفة
والبسه التاج وأجازه بالتلقين والتسليك ورجع الى بلاده باوفر زاد وادار مجالس
الذكر واكثر المراقبة والفكر حتى كثرت اتباعه وعم انتفاعه
ومنهم العمدة المقدم الهمام الناسك السالك الشيخ محمد الشهير
بالسقالقنه واجازه بالتلقين والتسليك فكثر نفعه وطاب صنعه
ومنهم فريد دهره وعالم عصره معدن الفضل والكمال قطب
الجمال والجلال الشيخ باكير افندي لقنه والبسه التاج وأجازه بالتلقين والتسليك
ومنهم بدر الطريق وشمس افق التحقيق العالم العلامة
والصوفي الفهامة الشيخ محمد الفشني لقنه وخلفه والبسه التاج فاخذ العهود ولقن وسلك
وفاق في سائر الآفاق وتقدم في الخلاف والوفاق
ومنهم العالم العامل والشهم الماهر الكامل الشيخ عبد
الكريم المسيري الشهير بالزيات تلقن العهد والاسماء حسب سلوكه وسيره واجيز باخذ
العهود والتلقين والتسليك فزاد نورا على نور وحبي بلذة الطاعة والحبور
ومنهم شيخ الفروع والاصول الجامع بين المعقول والمنقول
علامة الزمان والحامل في وقته لواء العرفان الشيخ احمد العدوي الملقب بدر دير
جذبته العناية الى نادي الهداية فجاء الى الشيخ وطلب منه تلقين الذكر فلقنه وسار
أحسن سير وسلك احسن سلوك حتى صار خليفة باخذ العهود والتلقين والتسليك مع المجاهدة
والعمل المرضي وسيأتي في وفياتهم تتمة تراجمهم رضي الله عنهم
ومنهم أيضا الشيخ العلامة الولي الصوفي الشيخ محمد
الرشيدي الشهير بالمعصراوي
ومنهم الامام الجامع والولي الصوفي النافع مولاي احمد
الصقلي المغربي تلقن وتخلفه وأجيز باخذ العهود والتلقين والتسليك
ومنهم الامجد العامل بعمله والمزدري السحر بفهمه الشيخ
سليمان البتراوي ثم الانصاري
ومنهم الصالح العامل الفهامة العابد الزاهد الشيخ اسمعيل
اليمني تلقن وسلك مع التقى والعفاف والملازمة الشديدة والخدمة الاكيدة وحسن
المجاهدة
ومنهم النحرير الكامل واللوذعي الفاضل مؤلف المجموع
الشيخ حسن بن علي المكي المعروف بشمه الناظم الناثر الحاوي الخير المتكاثر وغير
هؤلاء ممن لم نعرف كثير
في ذكر رحلة الاستاذ المترجم الى بيت المقدس وهو انه لما
اذن له السيد البكري بأخذ العهود وتلقين الذكر لم يقع له تسليك أحد في هذه الطريقة
إنما كان شغله وتوجهه كله الى العلم واقرائه لكن ذلك بجسمه واما قلبه فلم يكن الا
عند شيخه السيد الصديقي ولم يزل كذلك الى عام تسع واربعين
فحن جسمه الى زيارة شيخه وانشد لسان حاله ... أخذتم
فؤادي وهو بعضى فما الذي ... يضركم لو كان عندكم الكل ...
فارسل اليه السيد يدعوه لزيارته فهام إذ فهم رمز اشارته
وتعلقت نفسه بالرحيل فترك الاقراء والتدريس وتقشف وسافر الى أن وصل بالقرب من بيت المقدس
فقيل له اذا دخلت بيت المقدس فادخل من الباب الفلاني وصل
ركعتين وزر محل كذا فقال لهم انا جئت قاصدا بيت المقدس وما جئت قاصدا الا أستاذي
فلا أدخل الا من بابه ولا أصلي الا في بيته
فعجبوا له فبلغ السيد كلامه فكان سببا لاقباله عليه
وامداده ثم سار حتى دخل بيت المقدس فتوجه الى بيت الاستاذ فقابله بالرحب والسعة
وأفرد له مكانا ثم أخذ في المجاهدة من الصلاة والصوم والذكر
والعزلة والخلوة قال فبينما انا جالس في الخلوة اذا بداع
يدعوني اليه فجئت اليه فوجدت بين يديه مائدة فقال انت صائم قلت نعم فقال كل
فامتثلت امره واكلت فقال اسمع ما اقول لك ان كان مرادك صوما وصلاة وجهادا او رياضة
فليكن ذلك في بلدك واما عندنا فلا تشتغل بغيرنا ولا تقيد اوقاتك بما تروم من
المجاهدة وانما يكون ذلك بحسب الاستطاعة وكل واشرب وانبسط قال فامتثلت اشارته
ومكثت عنده اربعة اشهر كأنها ساعة غير اني لم افارقه قط خلوة وجلوة ومنحه في هذه
المدة الاسرار وخلع عليه خلع القبول وتوجه بتاج العرفان واشهد مشاهد الجمع الاول
والثاني وفرق له فرق الفرق الثاني فحاز من التداني اسرار المثاني ثم لما انقضت المدة
واراد العود الى القاهرة ودعه وما ودعه وسافر حتى وصل الى غزة فبلغ خبره امير تلك
القرية وكانت الطريق مخيفة فوجه مع قافلة ببيرقين من العسكر فساروا فلقيهم في
أثناء الطريق اعراب فخاوفوهم فقالوا لاهل القافلة لا تخافوا فلسنا من قطاع الطريق
وان كنا منهم فلا نقدر نكلمكم وهذا معكم واشاروا الى الشيخ ولم يزالوا سائرين حتى
انتهوا الى مكان في اثناء الطريق بعد مجاوزة العريش بنحو يومين فقيل لهم ان طريقكم
هذا غير مأمون الخطر ثم تشاوروا فقال لهم اعراب ذلك المكان نحن نسير معكم ونسلك
بكم طريقا غير هذا لكن اجعلوا لنا قدرا من الدراهم نأخذه منكم اذا وصلتم الى بلبيس
فتوقف الركب أجمعه فقال الاستاذ انا ادفع لكم هذا القدر هنالك فقالوا لا سبيل الى ذلك
كيف تدفع انت وليس لك في القفل شيء والله ما نأخذ منك شيئا الا ان ضمنت اهل
القافلة فقبل ذلك فاتفق الرأي على دفع الدراهم من ارباب التجارات بضمانة الشيخ
فضمنهم وساروا حتى وصلوا الى بلبيس ثم منها الى القاهرة فسرت به أتم سرور وأقبل
عليه الناس من حينئذ أتم قبول ودانت لطاعته الرقاب واخذ العهود على العالم
وادار مجالس الاذكار بالليل والنهار واحيا طريق القوم
بعد دروسها وأنقذ من ورطة الجهل مهجا من عي نفوسها فبلغ هدية الاقطار كلها وصار في
كثير من قرى مصر نقيب وخليفة وتلامذة واتباع يذكرون الله تعالى ولم يزل امره في
ازدياد وانتشار حتى بلغ سائر اقطار الارض
وسار الكبار والصغار والنساء والرجال يذكرون الله تعالى
بطريقته وصار خليفة الوقت وقطبه ولم يبق ولي من اهل عصره الا اذعن له وحين تصدى
للتسليك واخذ العهود اقبل عليه الناس من كل فج وكان في بدء الامر لا يأخذون الا بالاستخارة
والاستشارة وكتابة اسمائهم ونحو ذلك فكثر الناس عليه وكثر الطلب فأخبر شيخه السيد
الصديقي بذلك فقال له لا تمنع احدا يأخذ عنك ولو نصرانيا من غير شرط واسلم على
يديه خلق كثير من النصارى واول من اخذ عنه الطريق وسلك على يديه الولي الصوفي
العالم العلامة المرشد الشيخ احمد البناء الفوي ثم تلاه من ذكر وغيرهم وكان استاذه
السيد يثني عليه ويمدحه ويراسله نظما ونثرا ويترجمه بالاخ ولولا رآه قسيما له في
الحال ما صدر عنه ذلك المقال حتى انه قال له يوما اني اخشى من دعائكم لي بالاخ
لانه خلاف عادة الاشياخ مع المريدين فقال له لا تخش من شيء وامتدحه اشياخه
ومعاصروه وتلامذته
توفي رضي الله عنه يوم السبت قبل الظهر سابع عشري ربيع
الاول سنة 1181 ودفن يوم الاحد بعد ان صلي عليه في الازهر في مشهد عظيم جدا وكان
يوم هول كبير وكان بين وفاته ووفاة الاستاذ الملوي ثلاثة عشر يوما ومن ذلك التاريخ
ابتدأ نزول البلاء واختلال احوال الديار المصرية وظهر مصداق قول الراغب ان وجوده امان
على اهل مصر من نزول البلاء وهذا من المشاهد المحسوس وذلك انه لم يكن في الناس من
يصدع بالحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقيم الهدى فسد نظام العالم وتنافرت
القلوب ومتى تنافرت القلوب نزل البلاء ومن المعلوم المقرر ان صلاح
الامة بالعلماء والملوك وصلاح الملوك تابع لصلاح العلماء
وفساد اللازم بفساد الملزوم فما بالك بفقده والرحى لا تدور بدون قطبها وقد كان
رحمه الله قطب رحى الديار المصرية ولا يتم امر من امور الدولة وغيرها الا باطلاعه
واذنه ولما شرع الأمراء القائمون بمصر في اخراج التجاريد لعلي بك وصالح بك
واستأذنوه فمنعهم من ذلك وزجرهم وشنع عليهم ولم يأذن بذلك كما تقدم وعلموا انه لا
يتم قصدهم بدون ذاك فاشغلوا الاستاذ وسموه فعند ذلك لم يجدوا مانعا ولا رادعا
وأخرجوا التجاريد وآل الامر لخذلانهم وهلاكهم والتمثيل بهم وملك علي بك وفعل ما
بدا له فلم يجد رادعا أيضا ونزل البلاء حينئذ بالبلاد المصرية والشامية والحجازية
ولم يزل يتضاعف حتى عم الدنيا وأقطار الارض فهذا هو السر الظاهري وهو لا شك تابع
للباطني وهو القيام بحق وراثه النبوة وكمال المتابعة وتمهيد القواعد واقامة اعلام الهدى
والاسلام واحكام مباني التقوى لانهم امناء الله في العالم وخلاصة بني آدم اولئك هم
الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون
ومات شمس الكمال ابو محمد الشيخ عبد الوهاب بن زين الدين
بن عبد الوهاب بن الشيخ نور بن بايزيد شهاب الدين احمد بن القطب سيدي محمد بن أبي
المفاخر داود الشربيني بمصر ونقلوا جسده الى شريين ودفن عند جده سامحه الله وتجاوز
عن سيآته وتولى بعده في خلافتهم أخوه الشيخ محمد ولهما أخ ثالث اسمه علي وكانت وفاة
المترجم ليلة الاحد غرة ذي القعدة سنة 1181
ومات الشيخ الامام العلامة المتقن المتفنن الفقيه
الاصولي النحوي الشيخ محمد بن محمد بن موسى العبيدي الفارسي الشافعي واصله من
فارسكور أخذ عن الشيخ علي قايتباي والشيخ الدفري والبشبيشي والنفراوي وكان آية في
المعارف والزهد والورع والتصوف وكان
يلقي دروسا بجامع قوصون على طريقة الشيخ العزيزي
والدمياطي وبآخراته توجه الى الحجاز وجاور به سنة والقى هناك دروسا وانتفع به
جماعة ومات بمكة وكان له مشهد عظيم ودفن عند السيدة خديجة رضي الله عنها
ومات الشيخ الامام العلامة مفيد الطالبين الشيخ احمد ابو
عامر النفراوي المالكي أخذ الفقه عن الشيخ سالم النفراوي والشيخ البليدي والطحلاوي
والمعقول عنهم وعن الشيخ الملوي والحفني والشيخ عيسى البراوي وبرع في المعقول
والمنقول ودرس وافاد وانتفع به الطلبة وكان درسه حافلا وله حظوة في كثرة الطلبة
والتلاميذ توفي سنة 1181
ومات الامير حسن بك جوجو وجن علي بك وهما من مماليك
ابراهيم كتخدا وكان حسن مذبذبا ومنافقا بين خشداشينه يوالي هؤلاء ظاهرا وينافق
الآخرين سرا وتعصب مع حسين بك وخليل بك حتى أخرجوا علي بك الى النوسات ثم صار
يراسله سرا ويعلمه باحوالهم وأسرارهم الى أن تحول الى قبلي وانضم الى صالح بك فأخذ
يستميل متكلمي الوجاقلية الى أن كانوا يكتبون لاغراضهم بقبلي ويرسلون المكاتبات في
داخل افصاب الدخان وغيرها وهو مع من بمصر في الحركات والسكنات الى أن حضر علي بك
وصالح بك وكان هو ناصبا وطاقة معهم جهة البساتين فلما أرادوا الارتحال استمر مكانه
وتخلف عنهم وبقي مع علي بك بمصر يشار اليه ويرى لنفسه المنة عليه وربما حدثته
بالامارة دونه وتحقق علي بك انه لا يتمكن من اغراضه وتمهيد الامر لنفسه ما دام حسن
بك موجودا فكتم امره واخذ يدبر على قتله
فبيت مع اتباعه محمد بك وايوب بك وخشداشينهم وتوافقوا
على اغتياله فلما كان ليلة الثلاثاء ثامن من شهر رجب حضر حسن بك المذكور وكذا
خشداشه جن علي بك وسمرا معه حصة من الليل ثم ركبا فركب صحبتهما محمد
بك وايوب بك ومماليكهما واغتالوهما في اثناء الطريق كما
تقدم
ومات الامير رضوان جربجي الرزاز وأصله مملوك حسن كتخدا
ابن الامير خليل أغا وأصل خليل أغا هذا شاب تركي خردجي يبيع الخردة دخل يوما من
بيت لاجين بك الذي عند السويقة المعروفة بسويقة لاجين وهو بيت عبد الرحمن أغا
المتخرب الآن وكان ينفذ من الجهتين فرآه لاجين بك فمال قلبه اليه ونظر فيه بالفراسة
مخايل النجابة فدعاه للمقام عنده في خدمته فأجاب لذلك واستمر في خدمته مدة وترقى
عنده ثم عينه لسد جسر شرمساح ووعده بالاكرام ان هو اجتهد في سده على ما ينبغي فنزل
اليه وساعدته العناية حتى سده وأحكمه ورجع ثم عينه لجبي الخراج وكان لا يحصل له
الخراج الا بالمشقة وتبقى البواقي على البواقي القديمة في كل سنة فلما نزل وكان في
اوان حصاد الارز فوزن من المزارعين شعير الارز من المال الجديد والبواقي اولا باول
وشطب جميع ذلك من غير ضرر ولا أذية وجمعه وخزنه واتفق انه غلا ثمنه في تلك السنة
غلوا زائدا عن المعتاد فباعه بمبلغ عظيم ورجع لسيده بصناديق المال فقال لا أخذ الا
حقي واما الربح فهو لك فأخذ قدر ماله واعطاه الباقي فذهب واشترى لمخدومه جارية
مليحة واهداها له فلم يقبلها وردها اليه وأعطى له البيت الذي بلتبانة ونزل له عن
طصفة وكفرها ومنية تمامه وصار من الامراء المعدودين فولد لخليل هذا حسن كتخدا
ومصطفى كتخدا كانا أميرين كبيرين معدودين بمصر ومماليكه صالح كتخدا وعبد الله
جربجي وابراهيم جربجي وغيرهم ومن مماليكه حسن حسين جربجي المعروف بالفحل ورضوان
جربجي هذا المترجم وغيرهما أكثر من المائة أمير
وكان رضوان جربجي هذا من الامراء الخيرين الدينين له مكارم
أخلاق وبر ومعروف ولما نفي علي بك عبد الرحمن كتخدا نفاه أيضا وأخرجه من مصر
ثم ان علي بك ذهب
يوما عند سليمان أغا كتخدا الجاويشية فعاتبه على نفي
رضوان جربجي فقال له علي بك تعاتبني على نفي رضوان جربجي ولا تعاتبني على نفي ابنك
عبد الرحمن كتخدا فقال ابني المذكور منافق يسعى في اثارة الفتن ويلقي بين الناس
فهو يستاهل واما هذا فهو انسان طيب وما علمنا عليه ما تشينه في دينه ولا دنياه فقال
نرده لاجل خاطرك وخاطره ورده ولم يزل في سيادته حتى مات على فراشه سادس جمادى
الاولى في هذه السنة والله سبحانه وتعالى أعلم
سنة اثنتين وثمانين ومائة والف استهل شهر المحرم بيوم
الاربعاء في ثانية سافرت التجريدة المعينة الى بحري بسبب الامراء المتقدم ذكرهم
وهم حسين بك وخليل بك ومن معهم وقد بذل جهده علي بك حتى شهل أمرها ولوازمها في
أسرع وقت وسافرت يوم الخميس وأميرها وسر عسكرها محمد بك ابو الذهب
فلما وصلوا الى ناحية دجوة وجدوهم عدوا الى مسجد الخضر
فعدوا خلفهم فوجدوهم ذهبوا الى طندتا وكرنكوا بها فتبعوهم الى هناك واحاطوا
بالبلدة من كل جهة ووقع الحرب بينهم في منتصف شهر المحرم فلم يزل الحرب قائما بين
الفريقين حتى فرغ ما عندهم من الجبخانة والبارود فعند ذلك أرسلوا الى محمد بك
وطلبوا منه الامان فأعطاهم الامان وارتفع الحرب من بين الفريقين
وكاتبهم محمد بك وخادعهم والتزم لهم باجراء الصلح بينهم
وبين مخدومه علي بك فانخدعوا له وصدقوه وانحلت عزائمهم واختلفت آراؤهم
وسكن الحال تلك الليلة ثم ان محمد بك أرسل في ثاني يوم
الى حسين بك يستدعيه ليعمل معه مشورة فحضر عنده بمفرده وصحبته خليل بك السكران
تابعة فقط
فلما وصلوا الى مجلسه ودخلوا اليه فلم يجدوه فعندما
استقر بهما الجلوس دخل عليهما جماعة وقتلوهما وحضر في أثرهما
حسن بك شبكة ولم يعلم ما جرى لسيده فلما قرب من المكان
أحس قلبه بالشر فاراد الرجوع فعاقه رجل سائس يسمى مرزوق وضربه بنبوت فوقع الى
الارض فلحقه بعض الجند واحتز رأسه فلما علم بذلك خليل بك الكبير ومن معه ذهبوا الى
ضريح سيدي أحمد البدوي والتجأوا الى قبره واشتد بهم الخوف وعلموا انهم لاحقون باخوانهم
فلما فعلوا ذلك لم يقتلوهم وأرسل محمد بك يستشير سيده في أمر خليل بك ومن معه فأمر
بنفيه الى ثغر سكندرية وخنقوه بعد ذلك بها
ورجع محمد بك وصالح بك والتجريدة ودخلوا المدينة من باب
النصر في موكب عظيم وامامهم الرؤوس محمولة في صوان من فضة وعدتها ستة رؤوس وهي رأس
حسين بك وخليل بك السكران وحسن بك شبكة وحمزة بك واسمعيل بك أبي مدفع سليمان أغا
الوالي وذلك يوم الجمعة سابع عشر المحرم
وفي يوم الثلاثاء رابع عشر صفر حضر نجاب الحج واطمأن
الناس وفي يوم الجمعة سابع عشره وصل الحجاج بالسلامة ودخلوا المدينة وامير الحاج
خليل بك بلغيه وسر الناس بسلامة الحجاج وكانوا يظنون تعبهم بسبب هذه الحركات
والوقائع
وفي ثامن عشر صفر اخرج علي بك جملة من الامراء من مصر
ونفى بعضهم الى الصعيد وبعضهم الى الحجاز وارسل البعض الى الفيوم وفيهم محمد كتخدا
تابع عبد الله كتخدا وقرا حسن كتخدا وعبد الله كتخدا تابع مصطفى باش اختيار
مستحفظان وسليمان جاويش ومحمد كتخدا الجردلي وحسن افندي الباقرجي وبعض أوده باشية
وعلي جربجي وعلي افندي الشريف جمليان
وفيه صرف علي بك مواجب الجامكية
وفيه ارسل علي بك وقبض على أولاد سعد الخادم بضريح سيدي
احمد البدوي وصادرهم وأخذ منهم اموالا عظيمة لا يقدر قدرها
وأخرجهم من البلدة ومنعهم من سكناها ومن خدمة المقام
الاحمدي وأرسل الحاج حسن عبد المعطي وقيده بالسدنة عوضا عن المذكورين وشرع في بناء
الجامع والقبة والسبيل والقيسارية العظيمة وأبطل منها مظالم أولاد الخادم والحمل والنشالين
والحرمية والعيارين وضمان البغايا والخواطيء وغير ذلك
وفي تاسع شهر ربيع الاول حضر قابجي من الديار الرومية
بمرسوم وقفطان وسيف لعلي بك من الدولة وفيه وصلت الاخبار بموت خليل بك الكبير بثغر
سكندرية مخنوقا
وفي يوم السبت ثاني عشرة نزل الباشا الى بيت علي بك
باستدعائه فتغدى عنده وقدم له تقادم وهدايا
وفي يوم الاحد ثامن عشر ربيع الاخر اجتمع الامراء بمنزل
علي بك على العادة وفيهم صالح بك وقد كان علي بك بيت مع اتباعه على قتل صالح بك
فلما انقضى المجلس وركب صالح بك ركب معه محمد بك وايوب بك ورضوان بك واحمد بك بشناق
المعروف بالجرار وحسن بك العبداوي وعلي بك الطنطاوي واحدق الجميع بصالح بك ومن
خلفهم الجند والمماليك والطوائف فلما وصلوا الى مضيق الطريق عند المفارق بسويقة
عصفور تأخر محمد بك ومن معه عن صالح بك قليلا واحدث له محمد بك حماقة مع سائسه
وسحب سيفه من غمده سريعا وضرب صالح بك وسحب الآخرون سيوفهم ما عدا احمد بك بشناق
وكملوا قتلته ووقع طريحا على الارض ورمح الجماعة الضاربون وطوائفهم الى القلعة
وعندما رأوا مماليك صالح بك واتباعه ما نزل بسيدهم خرجوا على وجوههم ولما استقر
الجماعة القاتلون بالقلعة وجلسوا مع بعضهم يتحدثون عاتبوا أحمد بك بشناق في عدم
ضربه معهم صالح بك وقالوا له لماذا لم تجرد سيفك وتضرب مثلنا فقل بل ضربت معكم
فكذبوه
فقال له بعضهم أرنا سيفك فامتنع وقال ان سيفي لا يخرج من
غمده لاجل الفرجة ثم ستوا وأخذ في نفسه منهم وعلم انهم سيخبرون سيدهم بذلك فلا
يأمن غائلته وذلك ان احمد بك هذا لم يكن مملوكا لعلي بك وانما كان اصله من بلاد
بشناق حضر الى مصر في جملة اتباع علي باشا الحكيم عندما كان واليا على مصر في سنة 1169
فاقام في خدمته الى سنة 1171
وتلبس صالح بك بامارة الحج في ذلك التاريخ فاستأذن احمد
بك المذكور علي باشا في الحج واذن له فحج مع صالح بك واكرمه واحبه والبسه زي
المصريين ورجع صحبته وتنقلت به الاحوال وخدم عند عبدالله بك علي ثم خدم عند علي بك
فأعجبه شجاعته وفروسيته فرقاه في المناصب حتى قلده الصنجقية وصار من الامراء
المعدودين
فلم يزل يراعي منة صالح السابقة عليه فلما عزم علي بك
على خيانة صالح بك السابقة وغدره خصصه بالذكر وأوصاه ان يكون اول ضارب فيه لما
يعلمه في من العصبية له فقيل له ان احمد بك اسر ذلك الى صالح بك وحذره غدر علي بك
اياه فلم يصدقه لما بينهما من العهود والايمان والمواثيق ولم يحصل منه ما يوجب ذلك
ولم يعارضه في شيء ولم ينكر عليه فعلا
فلما اختلى صالح بك بعلي بك اشار البه بما بلغه فحلف له
علي بك بان ذلك نفاق من المخبر ولم يعلم من هو فلما حصل ما حصل ورأى مراقبة
الجماعة له ومناقشتهم له عند استقرارهم بالقلعة تخيل وداخله الوهم وتحقق في ظنه
تجسم القضية فلما نزلوا من القلعة وانصرفوا الى منازلهم تفكر تلك الليلة وخرج من
مصر وذهب الى الاسكندرية وأوصى حريمه بكتمان امره ما امكنهم حتى يتباعد عن مصر
فلما تأخر حضوره بمنزل علي بيك وركوبه سألوا عنه فقيل له انه متوعك فحضر اليه في
ثاني يوم محمد بيك ليعوده وطلب الدخول اليه فلم يمكنهم منعه فدخل الى محل
مبيته فلم يجده في فراشه فسأل عنه حريمه فقالوا لا نعلم
له محلا ولم يأذن لاحد بالدخول عليه وفتشوا عليه فلم يجدوه وارسل علي بيك عبد
الرحمن آغا وامره بالتفتيش عليه وقتله فاحاط بالبيت وفتش عليه في البيت والخطة فلم
يجده وهو قد كان هرب ليلة الواقعة في صورة جزائرلي مغربي وقصقص لحيته وسعى بمفرده
الى شلقان وسافر الى بحري ووصل السعاة بخبره لعلي بيك بانه بالاسكندرية فارسل
بالقبض عليه فوجدوه نزل بالقبطانة واحتمى بها وكان من امره ما كان بعد ذلك كما سيأتي
وهو احمد باشا الجزار الشهير الذكر الذي تملك عكا وتولى الشام وامارة الحج الشامي
وطار صيته في الممالك
وفيه عين علي بيك تجريدة على سويلم بن حبيب وعرب الجزيرة
فنزل محمد بيك بتجريدة الى عرب الجزيرة وايوب بيك الى سويلم فلما ذهب ايوب بيك الى
دجوة فلم يجد بها احدا وكان سويلم بائتا في سند نهور وباقي الحبابية متفرقين في
البلاد فلما وصله الخبر ركب من سند نهور وهرب بمن معه الى البحيرة والتجأ الى
الهنادي
ونهبوا دوائره ومواشيه وحضروا بالمنهوبات الى مصر واحتج
عليه بسبب واقعة حسين بيك وخليل بيك لما اتيا الى دجوة بعد واقعة الديرس والجراح
قدم لهم التقادم وساعدهم بالكلف والذبائح ونحو ذلك والغرض الباطني اجتهاده في
ازالة اصحاب المظاهر كائنا ما كان
وفي يوم الاثنين تاسع عشرة امر علي بك باخراج علي كتخدا الخربطلي
منفيا وكذلك يوسف كتخدا مملوكه ونفي حسن افندي درب الشمسي واخوته الى السويس
ليذهبوا الى الحجاز وسليمان كتخدا الجلفي وعثمان كتخدا عزبان المنفوخ وكان خليل بك
الاسيوطي بالشرقية فلما سمع بقتل صالح بك هرب الى غزة
وفي يوم الاحد خامس جمادى الاولى طلع علي بك الى القلعة
وقلد
ثلاثة صناجق من اتباعه وكذلك وجاقلية وقلد ايوب بك تابعه
ولاية جرجا وحسن بك رضوان امير حج وقلد الوالي وفي جمادى الآخرة قلد إسمعيل بك
الدفتروارية وصرف المواجب في ذلك اليوم
وفي منتصف شهر رجب وصل آغا من الديار الرومية وعلى يده
مرسوم بطلب عسكر للسفر فاجتمعوا بالديوان وقرأوا المرسوم وكان علي بك احضر سليمان
بك الشابوري من نفيه بناحية المنصورة وكان منفيا هناك من سنة 1172
وفي يوم الثلاثاء عملوا الديوان بالقلعة ولبسوا سليمان
بك الشابوري امير السفر الموجه الى الروم واخذوا في تشهيله وسافر محمد بك ابو
الذهب بتجريدة ومعه جملة من الصناجق والمقاتلين لمنابذة شيخ العرب همام فلما قربوا
من بلاده ترددت بيتهم الرسل واصطلحوا معه على أن يكون لشيخ العرب همام من حدود
برديس ولا يتعدى حمكه لما بعدها
واتفقوا على ذلك ثم بلغ شيخ العرب انه ولد لمحمد بك
مولود فارسل له بالتجاوز عن برديس ايضا انعاما منه للمولود ورجع محمد بك ومن معه
الى مصر
وفيه قبض علي بك على الشيخ احمد الكتبي المعروف بالسقط
وضربه علقة قوية وامر بنفيه الى قبرص فلما نزل الى البحر الرومي ذهب الىا اسلامبول
وصاهر حسن افندي قطه مسكين النجم واقام هناك الى أن مات وكان المذكور من دهاة
العالم يسعى في القضايا والدعاوى يحيى الباطل ويبطل الحق بحسن سبكه وتداخله
وفي سابع عشرة حصلت قلقة من جهة والي مصر محمد باشا وكان
اراد ان يحدث حركة فوشي به كتخداه عبد الله بك الى علي بك فاصبحوا وملكوا الابواب
والرميلة والمحجر وحوالي القلعة وأمروه بالنزول فنزل من باب الميدان الى بيت احمد
بك كشك واجلسوا عنده الحرسجية
وفي يوم الاحد غرة شعبان تقلد علي بك قائمقامية عوضا عن
الباشا
وفي يوم الخميس أرسل علي بك عبد الرحمن اغا مستحفظان الى
رجل من الاجناد يسمى اسمعيل اغا من القاسمية وامره بقتله وكان اسمعيل هذا منفيا
جهة بحري وحضر الى مصر قبل ذلك وأقام ببيته جهة الصليبة
وكان مشهورا بالشجاعة والفروسية والاقدام فلما وصل الاغا
حذاء بيته وطلبه ونظر الى الاغا واقفا باتباعه ينتظره علم انه يطلبه ليقتله كغيره
لانه تقدم قتله لاناس كثيرة على هذا النسق بأمر علي بك فامتنع من النزول واغلق
بابه ولم يكن عنده احد سوى زوجته وهي ايضا جارية تركية
وعمر بندقيته وقرابينته وضرب عليهم فلم يستطيعوا العبور
اليه من الباب وصارت زوجته تعمر له وهو يضرب حتى قتل منهم أناسا وانجرح كذلك
واستمر على ذلك يومين وهو يحارب وحده
وتكاثروا عليه وقتلوا من اتباعه وهو ممتنع عليهم الى ان
فرغ منه البارود والرصاص ونادوه بالامان فصدقهم ونزل من الدرج فوقف له شخص وضربه
وهو نازل من الدرج وتكاثروا عليه وقتلوه وقطعوا رأسه ظلما رحمه الله تعالى
وفي تاسع عشره صرفت المواجب على الناس والفقراء
وفي ثامن عشرينه خرج موكب السفر الموجه الى الروم في
تجمل زائد
وفي عاشر رمضان قبض علي بك على المعلم اسحق اليهودي معلم
الديوان ببولاق وأخذ منه اربعين الف محبوب ذهب وضربه حتى مات وكذلك صادر اناسا
كثيرة في اموالهم من التجار مثل العشوبي والكمين وغيرهما وهو الذي ابتدع المصادرات
وسلب الاموال من مبادي ظهوره واقتدى به من بعده
وفي شوال هيأ علي بك هدية حافلة وخيولا مصرية جيادا
وارسلها الى اسلامبول للسلطان ورجال الدولة وكان المتسفر بذلك ابراهيم
أغا سراج باشا وكتب مكاتبات الى الدولة ورجالها والتمس
من الشيخ الوالد أن يكتب له ايضا مكاتبات لما يعتقده من قبول كلامه واشارته عندهم
ومضمون ذلك الشكوى من عثمان بك بن العظم والي الشام وطلب عزله عنها بسبب انضمام
بعض المصريين المطرودين اليه ومعاونته لهم وطلب منه ان يرسل من طرفه اناسا مخصوصين
فأرسل الشيخ عبد الرحمن العريشي ومحمد افندي البردلي فسافروا مع الهدية وغرضه بذلك
وضع قدمه بالقطر الشامي ايضا
وفي ثاني عشر ذي القعدة رسم بنفي جماعة من الامراء ايضا
وفيهم ابراهيم اغا الساعي اختيارية متفرقة واسمعيل افندي جاويشان وخليل أغا باش
جاويشان جمليان وباشجاويش تفكجيان ومحمد افندي جراكسة ورضوان والزعفراني فارسل
منهم الى دمياط ورشيد واسكندرية وقبلي وأخذ منهم دراهم قبل خروجهم واستولى على
بلادهم وفرقها في اتباعه وكانت هذه طريقته فيمن يخرجه يستصفي اموالهم أولا ثم
يخرجهم ويأخذ بلادهم واقطاعهم فيفرقها على مماليكه واتباعه الذين يؤمرهم في مكانهم
ونفى ايضا ابراهيم كتخدا جدك وابنه محمدا الى رشيد وكان ابراهيم هذا كتخدا ثم عزله
وولاه الحسبة فلما نفاه ولى مكانه في الحسبة مصطفى اغا والله اعلم
من مات في هذه السنة ومات الامام الفقيه المحدث الاصولي
المتكلم شيخ الاسلام وعمدة الانام الشيخ احمد بن الحسن بن عبد الكريم بن محمد بن
يوسف بن كريم الدين الكريمي الحالدي الشافعي الازهري الشهير بالجوهري وانما قيل له
الجوهري لان والده كان يبيع الجوهر فعرف به ولد بمصر سنة 1096 واشتغل بالعلم وجد
في تحصيله حتى فاق أهل عصره ودرس بالازهر وأفتى نحو ستين سنة مشايخه كثيرون منهم
الشهاب احمد بن الفقيه
ورضوان الطوخي امام الجامع الازهر والشيخ منصور المنوفي
والشهاب أحمد الخليلي والشيخ عبد ربه الديوي والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي والشيخ
محمد ابو العز العجمي والشيخ محمد الاطفيحي والشيخ عبد الجواد المخلي الشافعيون
والشيخ محمد السجلماسي والشيخ أحمد الننراوي ! والشيخ سليمان الحصيني والشيخ
عبدالله الكنكسي الشيخ محمد الصغير الورزازي وابن زكري والشيخ احمد الهشتوكي
والشيخ سليمان الشبرخيتي والسيد عبد القادر المغربي ومحمد القسطنطيني ومحمد
النشرتي المالكيون ورحل الى الحرمين في سنة 1120 فسمع من البصري والنخلي في سنة 1124 ثم في سنة
1130 وحمل في هذه الرحلات علوما جمة اجازه مولاي الطيب بن مولاي عبد الله الشريف
الحسيني وجعله خليفة بمصر وله شيوخ كثيرون غير من ذكرت وقد وجدت في بعض اجازاته
تفصيل ما سمعه من شيوحه ما نصه على البصري والنخلي أوائل الكتب الستة والاجازة
العامة مع حديث الرحمة بشرطه وعلى الاطفيحي بعض كتب الفقه والحديث والتصوف
والاجازة العامة وعلى السجلماسي في سنة 1126 الكبرى للسنوسي ومختصرة المنطقي وشرحه
وبعض تلخيص القزويني وأول البخاري الى كتاب الغسل وبعض الحكم العطائية وأجازه علي
بن زكري أوائل الستة وأجازه وعلى الكنكسي الصحيح بطرفيه وشرح العقائد للسعد وعقائد
السنوسي وشروحها وشرح التسهيل لابن مالك الى آخره وشرح الالفية للمكوي والمطول
بتمامه وشرح التلخيص وعلى الهشتوكي الاجازة بسائرها وعلى النفراوي شرح التلخيص
مرارا وشرح الفية المصطلح وشرح الورقات وعلي الديوي شرح المنهج لشيخ الاسلام مرارا
وشرح التحرير وشرح القية ابن الهائم وشرح التلخيص وشرح ابن عقيل على الالفية وشرح
الجزرية وعلى المنوفي جمع الجوامع وشرحه للمحلى وشرح التلخيص
وعلى ابن الفقيه شرح التحرير وشرح الخضيب مرارا وشرح
العقائد النسفية وشرح التلخيص والخبيصي وعلى الطوخي شرح الخطيب وابن قاسم مرارا
وشرح الجوهرة لعبد السلام وعلي الخليفي البخاري وشرح التلخيص والاشموني والعصام
وشرح الورقات وعلي الحصيني شرح الكبرى للسنوسي بتمامه وعلى الشبرخيتي شرح الرحبية
وشرح الاجرومية وغيرهما وعلى الورزازي شرح الكبرى بتمامه مرارا وشرح الصغرى وشرح
مختصر السنوسي والتفسير وغيره وعلي البشبيشي المنهج مرارا وجمع الجوامع مرارا
والتلخيص والفية المصطلح والشمائل وشرح التحرير لزكريا وغيره هذا نص ما وجدته بخطه
واجتمع بالقطب سيدي احمد بن ناصر فأجازه لفظا وكتابه
وممن أجازه أبو المواهب البكري واحمد البناء وأبو السعود الدنجيهي وعبد الحي
الشرنبلالي ومحمد بن عبد الرحمن المليجي وفي الحرمين عمر بن عبد الكريم الخلخالي
حضر دروسه وسمع منه المسلسل بالاولية بشرطه وتوجه بآخرته الحرمين باهله وعياله
وألقى الدروس وانتفع به الواردون ثم عاد الى مصر فانجمع عن الناس وانقطع في منزله يزار
ويتبرك به وله تآليف منها منقذة العبيد عن ربقة التقليد في التوحيد وحاشية علي عبد
السلام ورسالة في الاولية وأخرى في حياة الانبياء في قبورهم وأخرى في الغرائق
وغيرها وكانت وفاته وقت الغروب يوم الاربعاء ثامن جمادى الاولى وجهز بصباحه وصلي
عليه بالجامع الازهر بمشهد حافل ودفن بالزاوية القادرية داخل درب شمس الدولة رحمه
الله
ومات الامام العلامة والحبر الفهامة الفقيه الدراكة
الاصولي النحوي شيخ الاسلام وعمدة ذوي الافهام الشيخ عيسى بن احمد بن عيسى بن محمد
الزبيري البراوي الشافعي الازهري ورد الجامع وهو
صغير فقرأ العلم على مشايخ وقته وتفقه على الشيخ مصطفى العزيزي
وابن الفقيه وحضر دروس الملوي والجوهري والبشبراوي وانجب وشهد له بالفضل أهل عصره
وقرأ الدروس في الفقه واحدقت به الطلبة واتسعت حلقته واشتهر بحفظ الفروع الفقهية
حتى لقب بالشافعي الصغير لكثرة استحضاره في الفقه وجودة تقريره وانتفع به طلبة
العصر طبقة بعد طبقة وصاروا مدرسين وروى الحديث عن الشيخ محمد الدفري وكان حسن
الاعتقاد في الشيخ عبد الوهاب العفيفي وفي سائر الصلحاء
وله مؤلفات مقبولة منها حاشية على شرح الجوهرة في
التوحيد وشرح على الجامع الصغير للسيوطي في مجلد يذكر في كل حديث ما يتعلق بالفقه
خاصة ولا زال يملي ويفيد ويدرس ويعيد حتى توفي سحر ليلة الاثنين رابع رجب وجهز في
صباحه وصلي عليه بالازهر بمشهد حافل ودفن بالمجاورين وبني على قبره مزار ومقام
واستقر مكانه في التصدر والتدريس ابنه العلامة الشيخ احمد ولازم حضوره تلامذة ابيه
رحمه الله
ومات الامام العلامة الفقيه واللوذعي الذكي النبيه عمدة
المحققين ومفتي المسلمين حسن بن نور الدين المقدسي الحنفي الازهري تفقه على شيخ
وقته الشيخ سليمان المنصوري والشيخ محمد عبد العزيزي الزيادي وحضر دروس الشيخ
مصطفى العزيزي والسيد علي الضرير والملوي والجوهري والحفني والبليدي وغيرهم ودرس
بالجامع الازهر في حياة شيوخه ولما بنى الامير عثمان كتخدا مسجده بالازبكية جعله خطيبا
واماما به وسكن في منزل قرب الجامع وراج أمره ولما شعر فتوى الحنفية بموت الشيخ
سليمان المنصوري جعل شيخ الحنفية بعناية عبد الرحمن كتخدا وكان له به الفة ثم
ابتنى منزلا نفيسا مشرفا على بركة الازبكية بمساعدة بعض الامراء واشتهر امره ودرس
بعدة
أماكن كالصرغقشية المشروطة لشيخ الحنفية والمدرسة
المحمودية والشيخ مطهر وغيرها والف متنا في فقه المذهب ذكر فيه الراجح من الاقوال
واقتنى كتبا نفيسة بديعة الامثال وكان عنده ذوق والفة ولطافة وأخلاق مهذبة توفي
يوم الجمعة ثامن عشر جمادى الآخرة
ومات الامام العلامة احد أذكياء العصر ونجباء الدهر
الشيخ محمد ابن بدر الدين الشافعي سبط الشمس الشرنبابلي ولد قبل القرن بقليل
وأجازه جده وحضر بنفسه على شيوخ وقته كالشيخ عبد ربه الديوي والشيخ مصطفى العزيزي وسيدي
عبد الله الكنكسي والسيد علي الحنفي والشيخ الملوي في آخرين وباحث وناصل والف وأفاد
ولزمه سليقة في الشعر جيدة وكلامه موجود بين ايدي الناس وله ميل لعلم اللغة ومعرفة
بالانساب غير انه كان كثير الوقيعة في الشيخ محي الدين ابن عربي قدس الله سره والف
عدة رسائل في الرد عليه وكان يباحث بعض اهل العلم فيما يتعلق بذلك فينصحونه
ويمنعونه من الكلام في ذلك فيعترف تارة وينكر أخرى ولا يثبت على اعترافه وبلغني
انه الف مرة رسالة في الرد عليه في ليلة من الليالي ونام فاحترق منزله بالنار
واحترقت تلك الرسالة من جملة ما احترق من الكتب ومع ذلك فلم يرجع عما كان عليه من
التعصب وربما تعصب لمذهبه فيتكلم في بعض مسائل مع الحنفية ويرتب عليها أسئلة ويغض
عنهم ولما كان عليه مما ذكر لم يخل حاله عن ضيق وهيئته عن رثاثة توفي المترجم في
المحرم افتتاح السنة وصلي عليه بالازهر ودفن بالقرافة عند جده لامه رحمه الله تعالى
ومات الجناب الامجد والملاذ الاوحد حامل لواء علم المجد
وناشره وجالب متاع الفضل وتاجره السيد أحمد بن اسمعيل بن محمد أبو الامداد سبط بني
الوفي والده وجده من أمراء مصر وكذا اخوه لابيه محمد وكل منهم قد تولى الامارة
والمترجم أمه هي ابنة الاستاذ سيدي
عبد الخالق بن وفي ولد بمصر ونشأ في حجر أبويه في عفاف
وحشمة وأبهة وأحبه الناس لمكان جده لامه المشار اليه مع جذب فيه وصلاح وتولى نقابة
السادة الاشراف سنة 1168 ثم تولى الخلافة الوفائية بعد وفاة السيد ابي هادي فنزل
عن النقابة للسيد محمد افندي الصديقي وقنع بخلافة بيتهم وكان انسانا حسنا بهيا ذا
تؤدة ووقار وفيه قابلية لادراك الامور الدقيقة والاعمال الرياضية وهو الذي حمل
الشيخ مصطفى الخياط الفلكي على حساب حركة الكواكب الثابتة وأطوالها وعروضها ودرجات
ممرها ومطالعها لما بعد الرصد الجديد الى تاريخ وقته وهي من مآثره مستمرة المنفعة
لمدة من السنين واقتنى كثيرا من الآلات الهندسية الادوات الرسمية رغب فيها وحصلها
بالاثمان الغالية وهو الذي أنشأ المكان اللطيف المرتفع بدارهم المجاور للقاعة
الكبيرة المعروفة بأم الافراح المطل على الشارع المسلوك وما به من الرواشن المطلة
على حوش المنزل والطريق وما به من الخزائن والخورنقات والرفارف والشرفات والرفوف
الدقيقة الصنعة وغير ذلك وهو الذي كنى الفقير بابي العزم وذلك في سنة 1177 برحاب
اجدادهم يوم المولد النبوي المعتاد وتوفي في سابع المحرم سنة تاريخه وصلي عليه
بالجامع الازهر بمشهد حافل ودفن بتربة اجدادهم نفعنا الله بهم وامدنا من أمدادهم
وتولى الخلافة بعده مسك ختامهم ومهبط وحي اسرارهم نادرة
الدهر وغرة وجه العصر الامام العلامة واللوذعي الفهامة من مصابيح فضله مشارق
الانوار السيد شمس الدين محمد ابو الانوار نسأل الله لحضرته طول البقاء ودوام العز
والارتقاء آمين
ومات الامام العلامة الفقيه النبيه شيخ الاسلام وعمدة الانام
الشيخ عبد الرؤوف بن محمد بن عبد الرحمن بن احمد السجيني الشافعي الازهري شيخ
الازهر وكنيته ابو الجود اخذ عن عمه الشمس السجيني
ولازمه وبه تخرج وبعد وفاته درس المنهج موضعه وتولى
مشيخة الازهر بعد الشيخ الحفني وسار فيها بشهامة وصرامة الا انه لم تطل مدته وتوفي
رابع عشر شوال وصلي عليه بالازهر ودفن بجوار عمه باعلى البستان واتفق انه وقعت له
حادثة قبل ولايته على مشيخة الجامع بمدة وهي التي كانت سببا لاشتهار ذكره بمصر وذلك
ان شخصا من تجار خان الخليلي تشاجر مع رجل خادم فضربه ذلك الخادم وفر من امامه
فتبعه هو وآخرون من ابناء جنسه فدخل الى بيت الشيخ المترجم فاضل خلفه وضربه برصاصة
فاصابت شخصا من اقارب الشيخ يسمى السيد احمد فمات وهرب الضارب فطلبوه فامتنع عليهم
وتعصب معه اهل خطته وابناء جنسه فاهتم الشيخ عبد الرؤوف وجمع المشايخ والقاضي وحضر
اليهم جماعة من امراء الوجاقلية وانضم اليهم الكثير من العامة وثارت فتنة أغلق
الناس فيها الاسواق والحوانيت واعتصم اهل خان الخليلي بدائرتهم واحاط الناس بهم من
كل جهة وحضر اهل بولاق واهل مصر القديمة وقتل بين الفريقين عدة اشخاص واستمر الحال
على ذلك اسبوعا ثم حضر علي بك ايضا وذلك في مبادي امره قبل خروجه منفيا واجتمعوا
بالمحكمة الكبرى وامتلأ حوش القاضي بالغوغاء والعامة وانحط الامر على الصلح وانفض
الجمع ونودي في صبحها بالامان وفتح الحوانيت والبيع والشراء وسكن الحال
ومات الشيخ الصالح الخير الجواد احمد بن صلاح الدين
الدنجيهي الدمياطي شيخ المتبولية والناظر على اوقافها كان رجلا رئيسا محتشما صاحب
احسان وبر ومكارم اخلاق وكان ظلا ظليلا على الثغر يأوي اليه الواردون فيكرمهم
ويواجههم بالطلاقة والبشر التام مع الاعانة والانعام ومنزله مجمع للاحباب ومورد
لائتناس الاصحاب وتوفي يوم السبت ثاني عشر ذي الحجة عن ثمانين سنة تقريبا
ومات الامام الفاضل احد المتصدرين بجامع بن طولون الشيخ
احمد ابن احمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عامر العطاشي الفيومي الشافعي كان له
معرفة في الفقه والمعقول والادب بلغني انه كان يخبر عن نفسه انه يحفظ اثني عشر الف
بيت من شواهد العربية وغيرها وادرك الاشياخ المتقدمين واخذ عنهم وكان انسانا حسنا
منور الوجه والسيبة ولديه فوائد ونوادر مات في سادس جمادى الثانية عن نيف وثمانين
سنة تقريبا غفر الله له
ومات الامير خليل بك القازدغلي اصله من مماليك ابراهيم
كتخدا القازدغلي وتقلد الامارة والصنجقية بعد موت سيده وبعد قتل حسين بك المعروف بالصابونجي
وظهر شأنه في أيام علي بك الغزاوي وتقلد الدفتردارية ولما سافر علي بك اميرا بالحج
في سنة ثلاث وسبعين جعله وكيلا عنه في رياسة البلد ومشيختها وحصل ما حصل من تعصبهم
على علي بك وهروبه الى غزة كما تقدم وتقلبت الاحوال فلما نفي علي بك جن في المرة
الثانية كان هو المتعين للامارة مع مشاركة حسين بك كشكش فلما وصل علي بك وصالح بك
على الصورة المتقدمة هرب المترجم مع حسين بك وباقي جماعتهم الى جهة الشام ورجعوا
في صورة هائلة وجرد عليهم علي بك وكانت الغلبة لهم على المصريين فلم يجسراو على
الهجوم كما فعل علي بك وصالح بك
فلو قدر الله لهم ذلك كان هو الرأي فجهز علي بك على
الفور تجريدة عظيمة وعليهم محمد بك ابو الذهب وخشداشينه فخرجوا اليهم وعدوا خلفهم
ولحقوهم الى طندتا فحاصروهم بها وحصل ما حصل من قتل حسين بك ومن معه والتجأ
المترجم الى ضريح سيدي احمد البلدوي فلم يقتلوه اكراما لصاحب الضريح
وارسل محمد بك يخبر مخدومه ويستشيره في أمره فارسل اليه بتأمينه
وارساله الى ثغر سكندرية ثم ارسل بقتله فقتلوه بالثغر خنقا ودفن هناك
وكان اميرا جليلا ذا عقل ورياسة واما الظلم فهو قدر
مشترك في الجميع
ومات ايضا الامير حسين بك كشكش القازدغلي وهو ايضا من
مماليك ابراهيم كتخدا وهو احد من تآمر في حياة استاذه وكان بطلا شجاعا مقداما
مشهورا بالفروسية وتقلد امارة الحج اربع مرات آخرها سنة 1176 ورجع اوائل سنة 1177 ووقع
له مع العرب ما تقدم الالماع به في الحوادث السابقة واخافهم وهابوه حتى كانوا
يخوفون بذكره اطفالهم وكذلك عربان الاقاليم المصرية
وكان اسمر جهوري الصوت عظيم اللحية يخالطها الشيب يميل
طبعه الى المزاح والخدعة واذا لم يجد من يمازحه في حال ركوبه وسيره مازح سواسه
وخدمه وضاحكهم
وسمعته مرة يقول لبعضهم مثلا سائرا ونحو ذلك
وكان له ابن يسمى فيض الله كريم العين فكان يكنى به
قتل المترجم بطندتا واتى برأسه الى مصر كما تقدم ودفن
هناك وقبره ظاهر مشهور ودفن ايضا معه مملوكه حسن بيك شبكة وخليل بيك السكران وكانا
ايضا يشبهان سيدهما في الشجاعة والخلاعة
ومات الامير الكبير الشهير صالح بك القاسمي وأصله مملوك
مصطفى بك المعروف بالفرد ولما مات سيده تقلد الامارة عوضه وجيش عليه خشداشينه
واشتهر ذكره وتقلد امارة الحج في سنة 1172 كما تقدم في ولاية علي باشا الحكيم وسار
أحسن سير ولبسته الرياسة والامارة والتزم ببلاد أسياده واقطاعاتهم القبلية هو
وخشداشينه واتباعهم وصار لهم نماء عظيم وامتزجوا بهوارة الصعيد وطباعهم ولغتهم
ووكله شيخ العرب همام في اموره بمصر وأنشأ داره العظيمة المواجهة للكبش ولم يكن
لها نظير بمصر
ولما نما أمر علي بك ونفي عبد الرحمن كتخدا الى السويس
كان المترجم هو المتسفر عليه وأرسل خلفه فرمانا بنفيه الى غزة ثم نقل منها الى
رشيد ثم ذهب من هناك الى الصعيد من ناحية البحيرة واقام بالمنية وتحصن بها وجرى ما
جرى من توجيه المحاربين اليه وخروج
علي بك منفيا وذهابه الى قبلي وانضمامه الى المذكور كما
تقدم بعد الايمان والعهود والمواثيق وحضوره معه الى مصر على الصورة المذكورة آنفا
وقد ركن اليه وصدق مواثيقه ولم يخرج عن مزاجه ولا ما يأمر به مثقال ذرة وباشر قتال
حسين بك كشكش وخليل بك ومن معهما مع محمد بك كما ذكر آنفا كل ذلك في مرضاة علي بك
وحسن ظنه فيه ووفائه بعهده الى ان غدر به وخانه وقتله كما ذكر
وخرجت عشيرته وأتباه من مصر على وجوههم منهم من ذهب الى
الصعيد ومنهم من ذهب الى جهة بحري
وكان أميرا جليلا مهيبا لين العريكة يميل بطبعه الى
الخير ويكره الظلم سليم الصدر ليس فيه حقد ولا يتطلع لما في أيدي الناس والفلاحين
ويغلق ما عليه وعلى أتباعه وخشداشينه من المال والغلال الميرية كيلا وعينا سنة
بسنة وقورا محتشما كثير الحياء وكانت احدى ثناياه مقلوعة فاذا تكلم مع أحد جعل طرف
سبابته على فمه ليسترها حياء من ظهورها حتى صار ذلك عادة له
ولما بلغ شيخ العرب همام موته اغتم عليه غما شديدا وكان
يحبه محبة اكيدة وجعله وكيله في جميع مهماته وبعلقاته بمصر ويسدد له ما عليه من
الاموال الميرية والغلال
ولما قتل الامير صالح بك أقام مرميا تجاه الفرن الذي
هناك حصة ثم أخذوه في تابوت الى داره وغسلوه وكفنوه ودفنوه بالقرافة رحمه الله
ومات وحيد دهره في المفاخر وفريد عصره في المآثر نخبة
السلالة الهاشمية وطراز العصابة المصطفوية السيد جعفر بن محمد البيتي السقاف
باعلوي الحسيني أديب جزيرة الحجاز ولد بمكة وبها أخذ عن النخلي والبصري وأجيز
بالتدريس فدرس وأفاد
واجتمع إذ ذاك بالسيد عبد الرحمن العيدروس وكل منهما أخذ
عن صاحبه وتنقلت به الاحوال فولي كتابة الينبع ثم وزارة المدينة وصار اماما في
الادب يشار اليه بالبنان وكلامه العذب يتناقله الركبان وله ديوان شعر جمعه لنفسه
وله مدائح وقصائد وغزليات كلها غرر محشوة بالبلاغة تدل
على غزارة علمه وسعة اطلاعه
توفي بهذه السنة بالمدينة المنورة
سنة ثلاث وثمانين ومائة والف فيها في المحرم أخرج علي بك
عثمان اغا الوكيل من مصر منفيا الى جهة الشام وكذلك احمد أغا اغات الجوالي وأغات
الضربخانة الى جهة الروم
وكان أحمد أغا هذا رجلا عظيما ذا غنية كبيرة وثروة زائدة
فصادره علي بك في ماله وامره بالخروج من مصر فاحضر المطربازية والدلالين والتجار
وأخرج متاعه وذخائره وباعها بسوق المزاد بينهم فبيع موجوده من أمتعة وثياب وجواهر
وتحف واسلحة وكتب واشياء نفيسة وهو ينظر اليها ويتحسر ثم سافر الى جهة الاسكندرية
وفيها توفي محمد باشا الذي كان بقصر عبد الرحمن كتخدا
بشاطيء النيل ولعله مات مسموعا ودفن بالقرافة الصغرى عند مدافن الباشوات بالقرب من
الامام الشافعي
ونزل الحج ودخل الى مصر مع امير الحاج خليل بك بلغيا في
امن وأمان
ووصل باشا من طريق البر وطلع الامراء الى العادلية
لملاقاته ونصبوا خيامهم ودخل بالموكب وذلك في شهر صفر
وفيها أرسل علي بك تجريدة الى سويلم بن حبيب والهنادي
بالبحيرة ثم نقل منها الى المحلة الكبرى فاقام سنين
وفيها ارسل علي بك تجريدة الى سويلم بن حبيب والهنادي
بالبحبر وباش التجربدة اسمعيل بك وذلك ان ابن حبيب لما رحل من دجوة وذهب الى
البحيرة وانضم الى عرب الهنادي وكان المتولي على كشوفية البحيرة عبدالله بك تابع علي
بك فحاربوه وحاربهم حتى قتل عبد الله بك المذكور في المعركة ونهبوا متاعة ووطاقه
وكان احمد بك بشناق لما خرج من مصر هاربا بعد قتل صالح بك كما تقدم ذهب الى الروم
فصادف
هناك جماعة من الهربانين ومنهم يحيى السكري وعلي أغا
المعمار وعلي بك الملط وغيرهم وزيفوا بسبب المغرضين لعلي بك بدار السلطنة فنزلوا
في مركبين الى درنة فوصلوها متفرقين
فالتي وصلت اولا بها يحيى السكري وعلي المعمار والملط
فركبوا عندما وصلوا الى درنة وذهبوا الى الصعيد ووصلت المركب الأخرى بعد أيام وبها
أحمد بك بشناق فطلع الى عند الهنادي
فلما وصل اسمعيل بك ومن معة بالتجريدة فتحاربوا مع
الحبايبة والهنادي ومعهم أحمد بك بشناق ثلاثة أيام وكان سويلم بن حبيب منعزلا في
خيمة صغيرة عند امرأة بدوية بعيدا عن المعركة فذهب بعض العرب وعرف الامراء بمكانة
فكبسوه وقتلوه وقطعوا رأسة ورفعوها على رمح واشتهر ذلك
فارتفع الحرب من بين الفريقين وتفرق الهنادي وعرب
الجزيرة والصوالحة وغيرهم وراحت كسرة على الجميع ولم يقم لهم قائم من ذلك اليوم
وتغيب أحمد بك بشناق فلم يظهر الا بعد مدة ببلاد الشام
وفيها تقلد أيوب بك على منصب جرجا وخرج مسافرا ومعه عدة
كبيرة من العساكر والاجناد فوصلوا الى قرب اسيوط فوردت الاخبار باجتماع الامراء
المنفيين وتملكهم اسيوط وتحصنهم بها وكان من أمرهم انه لما ذهب محمد بك أبو الذهب الى
جهة قبلي لمنابذة شيخ العرب همام كما تقدم وجرى بينهما الصلح على ان يكون لهمام من
حدود برديس وتم الامر على ذلك بشرط ان تطرد المصريين الذين عندك ولا تبقي منهم
احدا بدائرتك
فجمعهم وأخبرهم بذلك وقال لهم اذهبوا الى اسيوط واملكوها
قبل كل شيء فان فعلتم ذلك كان لكم بها قوة ومنعة وأنا امدكم بعد ذلك بالمال
والرجال فاستصوبوا رأيه وبادروا وذهبوا الى اسيوط وكان بها عبد الرحمن كاشف من طرف
علي بك وذو الفقار كاشف
وقد كانوا حصنوا البلدة وجهاتها وبنوا كرانك والبوابة
وركب عليها المدافع فتحيل ليلا وزحفوا الى البوابة ومعهم انخاخ وأحطاب جعلوا فيها
الكبريت والزيت وأشعلوها وأحرقوا الباب وهجموا على البلدة فلم يكن له بهم طاقة
لكثرتهم وهم جماعة صالح بك وباقي القاسمية وجماعة الخشاب وجماعة الفلاح وجماعة
مناو ويحيى السكري وسليمان الجلفي وحسن كاشف ترك وحسن بك ابو كرش ومحمد بك الماوردي
وعبد الرحمن كاشف من خشداشين صالح بك وكان من الشجعان ومحمد كتخدا الجلفي وعلي بك
الملط تابع خليل بك وجماعة كشكش وغيرهم ومعهم كبار الهوارة واهالي الصعيد
فملكوا اسيوط وتحصنوا بها وهرب من كان فيها ووردت الاخبار
بذلك الى علي بك فعين للسفر ابراهيم بلغيا ومحمد بك أبا شنب وعلي بك الطنطاوي ومن
كل وجاق جماعة وعساكر ومغاربة وأرسل الى خليل بك القاسمي المعروف بالاسيوطي فاحضره
من غزة وطلع هو وابراهيم بك تابع محمد بك بعساكر أيضا وعزل الباشا وأنزله وحبسه
ببيت ايواظ يك عند الزير المعلق ثم سافر محمد بك ابو الذهب ورضوان بك وعدة من
الامراء والصناجق وضم اليهم ما جمعه وجلبه من العساكر المختلفة الاجناس من دلاة
ودروز ومتاولة وشوام
وسافر الجميع برا وبحرا حتى وصلوا الى أيوب بك وهو يرسل
خلفهم في كل يوم بالامداد والجبخانات والذخيرة والبقسماط وذهب الجميع الى أن وصلوا
قرب اسيوط ونصبوا عرضيهم عند جزيرة منقباط وتحققوا وصول محمد بك ومن معه وفرحوا بذلك
لانهم كانوا رأوا في زايرجات الرمل سقوطه في المعركة
ثم أجمعوا رأيهم على ان يدهموهم آخر الليل فركبوا في
ساعة معلومة وسار بهم الدليل في طوق الجبل وقصدوا النزول من محل كذا على ناحية كذا
من العرضي فتاه وضل بهم الدليل حتى تجاوزوا
المكان المقصود بساعتين واخذوا جهة العرضى فوجدوه قبليهم
بذلك المقدار وعلموا فوات القصد وان القوم متى علموا حصولهم خلفهم ملكوا البلدة من
غير مانع قبل رجوعهم من المكان الذي اتوا منه فما وسعهم الا الذهاب اليهم
ومصادمتهم على أي وجه كان فلم يصلوهم الا بعد طلوع النهار
وتبقظ القوم واستعدوا لهم فالتطموا معهم وهم قليلون
بالنسبة اليهم ووقع العرب واشتد الجلاد وبذلوا جهدهم في الحرب ويصرخ الكثير منهم بقوله
اين محمد بك فبرز اليهم محمد بك أبو شنب وهو يقول أنا محمد بك
فقصدوه وقاتلوه وقاتلهم حتى قتل وسقط جواد يحيى السكري
فلم يزل يقاتل ويدافع حصة طويلة حتى تكاثروا علية وقتلوة وعبد الرحمن كاشف القاسمي
يحارب بمدفع يضربة وهو على كتفة
وانجلت الحرب عن هزيمتهم ونصرة المصريين عليهم وذلك عند
جبانة اسيوط
فتشتتوا في الجهات وانضموا الى كبار الهوارة وملك
المصريون اسيوط ودفنوا القتلى ومحمد بك أبا شنب
واغتم محمد بك ابو الذهب لموته وفرح لوقوع الزايرجة عليه
ومفاداته لة لأنه كان يعلم ذلك أيضا
وأقاموا بأسيوط اياما ثم ارتحلوا الى قبلي بقصد محاربة
همام والهوارة
واجتمع كبار الهوارة مع من انضم اليهم من الأمراء
المهزومين فراسل محمد بك اسمعيل أبا عبد الله وهو ابن عم همام واستماله ومناه
وواعده برياسة بلاد الصعيد عوضا عن شيخ العرب همام حتى ركن الى قوله وصدق تمويهاته
وتقاعس وتثبط عن القتال وخذل طوائفه
ولما بلغ شيخ العرب همام ما حصل ورأى فشل القوم خرج من
فرشوط وبعد عنها مسافة ثلاثة ايام ومات مكمودا مقهورا ووصل محمد بك ومن معه الى
فرشوط فلم يجدوا مانعا فملكوها ونهبوا واخذوا جميع ما كان بدوائر همام وأقاربة
واتباعه من ذخائر وأموال وغلال
وزالت دولة شيخ العرب همام من بلاد الصعيد من ذلك
التاريخ كانها
لم يكن ورجع الأمراء الى مصر ومحمد بك أبو الذهب وصحبته
درويش ابن شيخ العرب همام
فانه لما مات أبوه وانكسر ظهر القوم بموته وعلموا انهم
لا نجاح لهم بعده أشاروا على ابنه بمقابلة محمد بك وانفصلوا عنه وتفرقوا في الجهات
فمنهم من ذهب الى درنه ومنهم من ذهب الى الروم ومنهم من
ذهب الى الشام
وقابل درويش بن همام محمد بك وحضر صحبته الى مصر وأسكنه
في مكان بالرحبة المقابلة لبيته وصار يركب ويذهب لزيارة المشاهد ويتفرج على مصر
ويتفرج عليه الناس ويعدون خلفه وأمامه لينظروا ذاته
وكان وجيها طويلا أبيض اللون اسود اللحية جميل الصورة ثم
ان علي بك أعطاه بلاد فرشوط والوقف بشفاعة محمد بك
وذهب الى وطنه فلم يحسن السير والتدبير وأخذ امره في
الانحلال وحاله في الاضمحلال وارسل من طالبه بالاموال والذخائر فاخذوا ما وجدوه
وحضر الى مصر والتجأ الى محمد بك فاكرمه وانزله بمنزل
بجواره فلم يزل مقيما به حتى خرج محمد بك من مصر مغاضبا لاستاذه فلحق به الى
الصعيد وخلص الاقليم المصري بحري
وقبلي الى علي بك وأتباعه فشرع في قتل المنفيين الذين
أخرجهم الى البنادر مثل دمياط ورشيد والاسكندرية والمنصورة فكان يرسل اليهم ويخنقهم
واحدا بعد واحد فخنق علي كتخدا الخربطلي برشيد وحمزة بك تابع خليل بك بزفتا وقتلوا
معه سليمان أغا الوالي وإسمعيل بك أبا مدفع بالمنصورة وعثمان بك تابع خليل بك هرب
الى مركب البيليك فحماه وذهب الى اسلامبول ومات هناك ونفى أيضا جماعة واخرجهم من
مصر وفيهم سليمان كتخدا المشهدي وابراهيم أفندي جمليان
ومات الباشا المنفصل بالبيت الذي نزل فيه ولحق بمن قبله
ومما اتفق ان علي بك صلى الجمعة في اوائل شهر رمضان
بجامع الداودية فخطب الشيخ عبد ربه ودعا للسلطان ثم دعا لعلي بك
فلما
انقضت الصلاة وقام علي بك يريد الانصراف احضر الخطيب
وكان رجلا من اهل العلم يغلب عليه البله والصلاح فقال له من امرك بالدعاء باسمي
على المنبر أقيل لك اني سلطان فقال نعم انت سلطان وانا ادعو لك
فاظهر الغيظ وامر بضربه فبطحوه وضربوه بالعصي فقام بعد
ذلك متألما من الضرب وركب حمارا وذهب الى داره ثم ان علي بك ارسل اليه في ثاني يوم
بدراهم وكسوة واستسمحه
من مات في هذه السنة من العلماء والامراء مات الامام
الولي الصالح المعتقد المجذوب العالم العامل الشيخ علي ابن حجازي بن محمد البيومي
الشافعي الخلوتي ثم الاحمدي ولد تقريبا سنة 1108 حفظ القرآن في صغره وطلب العلم وحضر
دروس الاشياخ وسمع الحديث والمسلسلات على عمر بن عبد السلام التطاوني وتلقن
الخلوتية من السيد حسين الدمرداشي العادلي وسلك بها مدة ثم اخذ طريق الاحمدية عن
جماعة ثم حصل له جذب ومالت اليه القلوب وصار للناس فيه اعتقاد عظيم
وانجذبت اليه الارواح ومشى كثير من الخلق على طريقته
واذكاره وصار له اتباع ومريدون وكان يسكن الحسينية ويعقد حلق الذكر في مسجد الظاهر
خارج الحسينية وكان يقيم به هو وجماعته لقربه من بيته وكان ذا واردات وفيوضات
واحواله غريبة
والف كتبا عديدة منها شرح الجامع الصغير وشرح الحكم لابن
عطاء الله السكندري وشرح الانسان الكامل للجيلي وله مؤلفات في طريق القوم خصوصا في
طريق الخلوتية الدمرداشية الفه سنة 1144 وشرح الاربعين النووية ورسالة في الحدود
وشرح على الصيغة الاحمدية وشرح على الصيغة المطلسمة وله كلام عال في التصوف واذا
تكلم افصح في البيان واتى بما يبهر الاعيلان وكان يلبس قميصا ابيض وطاقية بيضاء
ويعتم عليها بقطعة شملة حمراء لا يزيد على ذلك شتاء
وصيفا وكان لا يخرج من بيته الا في كل اسبوع مرة لزيارة المشهد الحسيني وهو على
بغلة واتباعه بين يديه وخلفه يعلنون بالتوحيد والذكر وربما جلس شهورا لا يجتمع
باحد من الناس
وكانت له كرامات ظاهرة
ولما كان يعقد الذكر بالمشهد الحسيني في كل يوم ثلاثاء
ويأتي بجماعته على الصفة المذكورة ويذكرون في الصحن الى الضحوة الكبرى قامت عليه
العلماء وانكروا ما يحصل من التلوث في الجامع من اقدام جماعته اذ غالبهم كانوا يأتون
حفاة ويرفعون اصواتهم بالشدة وكاد ان يتم لهم منعه بواسطة بعض الامراء فانبرى لهم
الشيخ الشبراوي وكان شديد الحب في المجاذيب وانتصر له وقال للباشا والامراء هذا
الرجل من كبار العلماء والاولياء فلا ينبغي التعرض له
وحينئذ امره الشيخ بان يعقد درسا بالجامع الازهر فقرأ في
الطيبرسية الاربعين النووية وحضره غالب العلماء وقرر لهم ما بهر عقولهم فسكتوا عنه
وخمدت نار الفتنة
ومن كلامه في آخر رسالة الخلوتية ما نصه فمن منن الله
علي وكرمه أني رأيت الشيخ دمرداش في السماء وقال لي لا تخف في الدنيا ولا في
الآخرة وكنت ارى النبي صلى الله عليه و سلم في الخلوة في المولد فقال لي في بعض
السنين لا تخف في الدنيا ولا في الآخرة ورأيته يقول لابي بكر رضي الله عنه اسع بنا
نطل على زاوية الشيخ دمرداش وجاءا حتى دخلا في الخلوة ووقفا عندي وأنا اقول الله
الله وحصل لي في الخلوة وهم في رؤية النبي صلى الله عليه و سلم فرأيت الشيخ الكبير
يقول لي عند ضريحه مد يدك الى النبي صلى الله عليه و سلم فهو حاضر عندي
ورأيته في خلوة الكردي يعني الشيخ شرف الدين المدفون
بالحسينية بين اليقظة والنوم وأنا جالس فانتبهت فرأيت النور قد ملأ المحل فخرجت
منها هائما فحاشني بعض من كان في المحل فوقفت عند الشيخ ولم أقدر
على العود الى الخلوة من الهيبة الى آخر الليل
وتبسم في وجهي مرة واعطاني خاتما وقال لي والذي نفسي
بيده في غد يظهر ما كان مني وما كان منك
ومن كراماته انه كان يتوب العصاة من قطاع الطريق ويردهم
عن حالهم فيصيرون مريدين له وذا سمعته من الثقات ومنهم من صار من السالكين وكان
تارة يربطهم بسلسلة عظيمة من حديد في عمدان مسجد الظاهر وتارة بالشوق في رقبتهم
يؤدبهم بما يقتضيه رأيه
وكان اذا ركب ساروا خلفه بالاسلحة والعصي وكانت عليه
مهابة الملوك
واذا ورد المشهد الحسيني يغلب عليه الوجد في الذكر حتى
يصير كالوحش النافر في غاية القوة فاذا جلس بعد الذكر تراه في غاية الضعف
وكان الجالس يرى وجهه تارة كالوحش وتارة كالعجل وتارة
كالغزال
ولما كان بمصر مصطفى باشا مال اليه واعتقده وزاره فقال
له انك ستطلب الى الصدارة في الوقت الفلاني فكان كما قال له الشيخ
فلما ولي الصدارة بعث الى مصر وبنى له المسجد المعروف به
بالحسينية وسبيلا وكتابا وقمة وبداخلها مدفن للشيخ علي على يد الامير عثمان أغا
وكيل دار السعادة ولما مات خرجوا بجنازته وصلي عليه بالازهر في مشهد عظيم ودفن بالقبر
الذي بني له بداخل القبة بالمسجد المذكور
ومات علامة وقته واوانه الآخذ من كمية البلاغة بعنانه والولي
الصوفي من صفا فصوفي الشيخ حسن الشيبيني ثم الفوي رحل من بلدته فوة الى الجامع
الازهر فطلب العلم وأخذ عن الشيخ الديربي فجعله ممليا عليه في الدرس حتى قرأ
الاشموني والمختصر ونحو ذلك واخبر عن نفسه كان ملازما لولي من أولياء الله تعالى
فحين تعلقت نفسه بالمجيء الى الجامع الازهر توجه مع هذا الولي لزيارة ثغر دمياط
ثم اشتغل بالفقه وغيره من أصول ومنطق ومعان وبيان وتفسير
وحديث وغير ذلك حتى فاق على أقرانه وصار علامة زمانه
ثم اخذ عن الشيخ الحفني الطريق
وتلقن الاسماء وسار على حسب سلوكه وسيره والبسه التاج
واجازه باخذ العهود والتلقين والتسليك وصار خليفة محضا فادار مجالس الاذكار ودعا
الناس اليها في سائر الاقطار وفتح الله عليه باب العرفان حتى صار ينطق باسرار
القرآن ويتكلم في الحقائق
نقل عن الشيخ الحفني انه ورد عليه منه مكتوب فقال الحمد
لله الذي جعل في اتباعه من هو كمحيي الدين ابن العربي
توفي رحمه الله تعالى في هذه السنة وخلف ولده السيد احمد
موجود في الاحياء بارك الله فيه
وممن أخذ عنه صاحبنا العمدة العلامة الصالح السيد علي
المعروف بزيادة الرشيدي وهو خليفة الخلوتية الآن بثغر رشيد نفع الله به
ومات الجناب المبجل الفريد الكاتب الماهر المنشيء البليغ
المجيد محمد أفندي بن اسمعيل السكندري العارف بالالسنة الثلاثة العربية والفارسية والتركية
وكان لديه محاورات ولطائف ادبية وميل شديد الى علم اللغة وبحث عن الادوات المتعلقة
به ورسائله في الالسن الثلاثة غاية في الفصاحة مع حسن حظ ووفور حظ ومهابة عند
الامراء وقبول عند الخواص ووالده كان اسرائيليا فاسلم وحسن اسلامه وتولى مناصب
جليلة بالثغر وله هناك شهرة فولد هذا هناك وهذبه وادبه حتى صار الى ما صار واستقر
بمصر وما زالت له املاك هناك وقرابة رايته يأتي لزيارة الشيخ الوالد وقد اكتهل
وتناهى في السن وابقى الدهر في زواياه خبايا مستحسنة
ورأيت بخط يده كتاب بهارستان لمولانا جامي قد احسن في
كتابته واتقن في سياقه ومجموعا فيه النوادر من اشعار الالسن الثلاثة
وبالجملة لم يكن في عصره من يدانية في الفنون التي كان
تجمل بها
وقد ذكره الاديب الشيخ عبد الله الادكاري في بضاعة
الاريب واثنى على محاسنه وكانت بينهما الفة تامة ومصافاة ومصادقة ومحاورات ادبية
فان المترجم كان أوحد عصره ووحيد مصره لم يدانيه في
مجموعة
الفضائل احد ولم يزل حميد المسغى جميل السيرة بهيا وقورا
مهيبا عند الامراء والوزراء حتى وافاه الحمام في يوم الجمعة حادي عشر المحرم من
السنة
ومات الاستاذ العارف سيدي علي بن العربي بن علي العربي
الفاسي المصري الشهير بالسقاط ولد بفاس وقرأ على والده وعلى العلامة محمد ابن أحمد
بن العربي بن الحاج الفاسي سمع منه الاحياء جميعا بقراءة ولد عمه النبيه الكاتب
ابي عبد الله محمد بن الطيب بن محمد بن علي السقاط وعلى ولده ابي العباس احمد بن
محمد العربي ابن الحاج وعلى سيدي محمد بن عبد السلام البناني كتب العربية والمعقول
والبيان ولما ورد مصر حاجا لازمه فقرأ عليه بلفظه من الصحيح الى الزكاة والشمايل
بطرفيه بالجامع الازهر وكثيرا من المسلسلات والكتب التي تضمنتها فهرست ابن غازي
قراءة بحث وتفهيم واجازه حينئذ باواسط جمادى الثانية سنة 1143 وجاور بمكة فسمع على
البصري الصحيح كاملا ومسلما بفوت وجميع الموطأ رواية يحيى بن يحيى وذلك خلف المقام
المالكي عند باب ابراهيم واجازه وعلى النخلي اوائل الكتب الستة واجازه وعاد الى
مصر فقرأ على الشيخ ابراهيم الفيومي اوائل البخاري وعلى احمد بن احمد الغرقاوي
واجازه وعلى عمر بن عبد السلام التطاوني جميع الصحيح وقطعة من البيضاوي بجامع
الغوري سنة 1136 وجميع المنح البادية في الاسانيد العالية واضافه على الاسودين
وشابكه وصافحه وناوله السبحة واجازه بسائر السلسلات وعلى محمد القسطنطيني رسالة
ابن ابي زيد برواق المغاربة وعلى محمد بن زكري شرحه على الحكم بجامع الغوري وعلى
سيدي محمد الزرقاني كتاب الموطأ من باب العتق الى آخره واجازه به يوم ختمه وذلك
ثامن شعبان سنة 1113
وروى حديث الرحمة عن سيدي السيد مصطفى البكري في سنة
1160
واجازه ابن الميت في العموم واجتمع به شيخنا السيد مرتضى
في منزل السيد علي المقدسي كان قد اتى اليه لمقابلة المنح البادية على نسخته
وشاركهما في المقابلة واحبه وباسطه وشافهه بالإجازة العامة وكان انسانا مستأنسا
بالوحدة منجمعا عن الناس محبا للانفراد غامضا مخفيا ولا زال كذلك حتى توفي في آواخر
جمادى الاولى سنة 1183 ودفن بالزاوية بالقرب من الفحامين
ومات الجناب الاجل والكهف الاظل الجليل المعظم والملاذ
المفخم الاصيلي الملكي ملجأ الفقراء والامراء ومحط رجال الفضلاء والكبراء شيخ
العرب الامير شرف الدولة همام بن يوسف بن احمد بن محمد بن همام بن صبيح بن سيبيه
الهوراي عظيم بلاد الصعيد ومن كان خيره وبره يعم القريب والبعيد وقد جمع فيه من الكمال
ما ليس فيه لغيره مثال تنزل بحرم سعادته قوافل الاسفار وتلقى عنده عصى التسيار
واخباره غنية عن البيان مسطرة في صحف الامكان منها انه اذا نزل بساحته الوفود
والضيفان تلقاهم الخدم وانزلوهم في اماكن معدة لامثالهم واحضروا لهم الاحتياجات
واللوازم من السكر وشمع العسل والاواني وغير ذلك ثم مرتب الاطعمة في الغداء
والعشاء والفطور في الصباح والمربيات والحلوى مدة اقامتهم لمن يعرف ومن لا يعرف
فان أقاموا على ذلك شهورا لا يختل نظامهم ولا ينقص
راتبهم والا قضوا اشغالهم على اتم مرادهم وزادهم اكراما وانصرفوا شاكرين وان كان
الوافد ممن يرتجى البر والاحسان اكرمه واعطاه وبلغه اضعاف ما يترجاه
ومن الناس من كان يذهب اليه في كل سنة ويرجع بكفاية عامة
وهذا شأنه في كل من كان من الناس
وأما اذا كان الوافد عليه من اهل الفضائل او ذوي البيوت
قابلة بمزيد الاحترام وحياة بجزيل الانعام وكان ينعم بالجواري والعبيد والسكر
والغلال والثمر والسمن والعسل واذا
ورد عليه انسان ورآه مرة وغاب عنه سنين ثم نظره وخاطبه
عرفه وتذكره ولا ينساه
وحاله فيما ذكر من الضيفان والوافدين والمسترفدين أمر
مستمر على الدوام لا ينقطع أبدا
وكان الفراشون والخدم يهيئون أمر الفطور من طلوع الفجر
فلا يفرغون من ذلك الا ضحوة النهار ثم يشرعون في أمر الغداء من الضحوة الكبرى الى
قريب العصر ثم يبتدئون في أمر العشاء وهكذا
وعنده من الجواري والسراري والمماليك والعبيد شيء كثير
ويطلب في كل سنة دفتر الارقاء ويسأل عن مقدار من مات منهم فان وجده خمسمائة أو
أربعمائة استبش وانشرح وان وجده ثلثمائة او اقل او نحو ذلك اغتم وانقبض خاطره ورأى
ان ربما كانت في اعظم من ذلك وكان له برسم زراعة قصب السكر وشركة فقط اثنا عشر ألف
ثور وهذا بخلاف المعد للحرث ودراس الغلال والسواقي والطواحين والجواميس والابقار
الحلابة وغير ذلك
واما شون الغلال وحواصل السكر والتمر بأنواعه والعجوة
فشيء لا يعد ولا يحد وكان الانسان الغريب اذا رأى شون الغلال من البعد ظنها مزارع
مرتفعة لطول مكث الغلال وكثرتها فينزل عليها ماء المطر ويختلط بالتراب فتنبت وتصير
خضرا كأنها مزروعة وكان عنده من الأجناد والقواسة واكثرهم من بقايا القاسمية انضموا
اليه وانتسبوا له وهم عدة وافرة وتزوجوا وتوالدوا وتخلقوا باخلاق تلك البلاد
ولغاتهم وله دواوين وعدة كتبة من الأقباط والمستوفيين والمحاسبين لا يبطل شغلهم
ولا حسابهم ولا كتابتهم ليلا ونهارا ويجلس معهم حصة من الليل الى الثلث الاخير
بمجلسه الداخل بحاسب ويملي ويأمر بكتابة مراسيم ومكاتبات
لا يعزب عن فكره شيء قل ولاجل ثم يدخل الى الحريم فينام
حصة لطيفة ثم يقوم الى الصلاة
واذا جلس مجلسا عاما وضع بجانبه فنجانا فيه قطنة وماء
ورد فاذا قرب
منه بعض الاجلاف وتحادثوا معه وانصرفوا مسح بتلك القطنة
عينيه وشمها بانفه حذرا من رائحتهم وصنانهم
وكان له صلات واغداقات وغلال يرسلها للعلماء وارباب
المظاهر بمصر في كل سنة
وكان ظلا ظليلا بارض مصر ولما ارتحل لزيارته شيخنا السيد
محمد مرتضى وعرف فضله اكرمه اكراما كثيرا وانعم عليه بغلال وسكر وجوار وعبيد وكذلك
كان فعله مع امثاله من أهل العلم والمزايا
ولم يزل هذا شأنه حتى ظهر امر علي بك وحصل ما تقدم شرحه
من وقائعه من خشداشينه وذهابه الى الصعيد وصلحه مع صالح بك وانضمامه اليه وكان
المترجم صديقا لصالح بك وعشيرته فامدهما بالمال والرجال مراعاة لسعي صالح بك حتى
تم لهما الامر وغدر علي بك بصالح بك وخرجت رجاله واتباعه الى الصعيد واعلموه بما
اوقعه بهم علي بك فاغتم على فقد صالح بك غما شديدا
وحمله ذلك على ان اشار عليهم بذهابهم الى اسيوط وتملكهم
اياها فانها باب الصعيد فذهبوا اليها مع جملة المنفيين من مصر والمطرودين كما تقدم
وامدهم شيخ العرب المترجم حتى ملكوها واخرجوا من كان بها واستوحش منه علي بك بسبب
ذلك وتابع ارسال التجاريد وقدر الله بخذلان القبالي ورجوعهم الى قبلي على تلك
الصورة فعند ذلك علم همام انه لم يبق مطلوبا لهم سواه وخصوصا مع ما وقع من فشل
كبار الهوارة وآقاربه ونفاقهم عليه فلم يسعه الا الارتحال من فرشوط وتركها بما
فيها من الخيرات وذهب الى جهة اسنا فمات في ثامن شعبان من السنة ودفن في بلدة تسمى
قمولة فقضى عليه بها رحمه الله
وخلف من الاولاد الذكور ثلاثة وهم درويش وشاهين وعبد
الكريم
ولما مات انكسرت نفوس الامراء ثم ان اكابر الهوارة قدموا
ابنه درويشا لكونه اكبر اخوته واشاروا عليه بمقابلة محمد بك ففعل
واما الامراء فنهم من اخذ أمانا من محمد بك وقابله وانضم
اليه ومنهم من ذهب الى ناحية
درنه ونزل البحر وسافر الى الشام والروم ومنهم من انزوى
الى الهوارة بالصعيد
وحضر درويش صحبة محمد بك الى مصر وقابل علي بك واعطاه
بلاد فرشوط ورجع مكرما الى بلاده
فلم يحسن السير ولم يفلح واول ما بدأ في احكامه انه صار
يقبض على خدم ابيه واتباعه ويعاقبهم ويسلب اموالهم وقبض على رجل يسمى زعيتر وكيل
البصل المرتب لمطابخ أبيه فأخذ منه أموالا عظيمة في عدة ايام على مرار اخذ منه في دفعة
من الدفعات من جنس الذهب البندقي أربعين الفا وكذلك من يصنع البرد للجواري السود
والعبيد وذلك خلاف وكلاء الغلال والاقصاب والسكر والسمن والعسل والتمر والشمع
والزيت والبن والشركاء في المزارع
ووصلت اخباره بذلك الى علي بك فعين عليه احمد كتخدا
وسافر اليه بعدة من الاجناد والمماليك وطالبه بالاموال حتى قبض منه مقادير عظيمة
ورجع بها الى مخدومه واقتدى به بعد ذلك محمد بك في أيام امارته واخذ منه جملة
وكذلك اتباعه من بعده حتى اخرجوا ما في دورهم من المتاع والاواني والنحاس قناطير
مقنطرة ثم تتبعوا الحفر لاجل استخراج الخبايا حتى هدموا الدور والمجالس ونبشوها واخربوها
وحضر درويش المذكور بآخرة الى مصر جاليا عن وطنه ولم يزل بها حتى مات كآحاد الناس
واستمر شاهين وعبد الكريم يزرعان بارض الوقف اسوة المزارعين
ويتعيشون حتى ماتا
فاما شاهين فقتله مراد بك في سنة 1214 ايام الفرنسيس لامور نقمها عليه وخلف
ولدا يدعى محمدا
واما عبد الكريم فانه مات على فراشه قريبا من ذلك
التاريخ وترك ولدا يدعى هماما دون البلوغ يوصف بالنجابة حسبما نقل الينا من السفار
وكاتبني وكاتبته في بعض المقتضيات ورأيت ابن عمه محمد
المكذور حين اتى الى مصر بعد ذهاب الفرنسيس وتردد عندي مرارا وسبحان من يرث الارض
ومن عليها وهو خير الوارثين
ومات الجناب الكبير والمقدام الشهير من سرت بذكره الركبان
وطار صيته بكل مكان الفارس الضرغام النجيب شيخ العرب سويلم بن حبيب من اكابر عظماء
مشايخ العرب بالقليوبية ومسكنهم دجوة على شاطيء البحر وهو كبير نصف سعد مثل أبيه
حبيب بن احمد وليس لهم اصل مذكور في قبائل العرب وانما اشتهروا بالفروسية والشجاعة
وحبيب هذا اصله من شطب قرية قريبة من اسيوط ولما مات
حبيب خلف ولديه سالما وسويلما وكان سالم أكبر من اخيه وهو الذي تولى الرياسة بعد
ابيه واشتهر بالفروسية وعظم امره وطار صيته وكثرت جنوده وفرسانه ورحاله وخيوله
واطاعته جميع المقادم وكبار القبائل ونفذت كلمته فيهم وعظمت صولته عليهم وامتثلوا
امره ونهيه ولا يفعلون شيئا بدون اشارته ومشورته
صار له خفارة البرين الشرقي والغربي من ابتداء بولاق الى
رشيد ودمياط
وكان هو وفرسه مقوما على انفراده بالف خيال
وكان ظهور حبيب هذا في اوائل القرن
واتفق له ولابنه سالم هذا وقائع وامور مع اسمعيل بك ابن
ايواظ وغيره لا بأس يذكر بعضها في ترجمته منها ان في سنة 1125 ارسل حبيب ولده
سالما الى خيول الامير اسمعيل بك ابن ايواظ وهجم عليها بالمربع وجم معارفها
واذنابها وتركها وذهب ولم ياخذ منها شيئا
وذلك باغراء بعض الناس مثل قيطاس بك وخلافه
وكانت الخيول بالغيط جهة القليوبية
وحضر اميرا خور واخبر مخدومه فاغتاظ لذلك وعزم على
الركوب عليه فلاطفه يوسف بك الجزار حتى سكن غيظه ثم احضر حسنا ابا دفية زعيم مصر
سابقا من القاسمية مشهور بالشجاعة وجعلوه قائمقام الامانة فسافر بجبخانة ومدفعين وصحبته
طوائف ورجال وامره بان يطلب شر حبيب وان قدر على قتله فليفعل
وكتب مكاتبات للنواحي بان يكونوا مطيعين للمذكور فلم يزل
حتى نزل في غيط برسيم عند ساقية خراب وعمل هناك متراسا
ووضع المدفعين وغطاهما بلباد واقام رصد خيالة بالطريق
واذا بسالم بن حبيب ركب في عبيده ورجاله متوجهين الى الجزيرة فنزل بطريقه بغيط
الاوسية فحضر الخيالة الرصد الى الامير حسن ابي دفية واخبروه فركب برجاله وابقى
عند المدافع عشرة من السجمانية واوصاهم بانهم اذا انهزموا من القوم فانهم يرمون بالمدفعين
سواء ففعلوا ذلك بعدما لاقاهم ورمى منهم رجالا ووقع منهم ايضا عند رمي المدافع
والرصاص ثلاثة عشر خيالا واخذوا منهم نحو ستة قلائع
ورجع سالم بن حبيب بمن بقي من طائفته الى ابيه وعرفه بما
وقع له مع الامير حسن ابي دفية فارسل الى عرب الجزيرة فاحضر منهم فرسانا كثيرة
وكذلك من اقليم المنوفية وركب الجميع قاصدين مناوشته
ووصلته أخبار ذلك فركب بمن معه وفعل كالأول وركب مبحرا
وانعطف عليهم وحاربهم فرمى منهم فرسانا فانهزموا امامه
فوقف مكانه فرجعت عليه العرب والعبيد فانهزم امامهم
فرمحوا خلفه طمعا منهم حتى وصل المدافع فرموا بهم واتبعوهم بطلق الرصاص فولوا
هاربين وسقط من عرب الجزيرة وغيرها عدة فرسان
واخذوا منهم خيولا وسلاحا وحضرت نساؤهم ورفعوا القتلى ورجع
سالم الى ابيه وعرفه بما جرى عليهم من حرقهم وقتل فرسانهم فارسل حبيب الى قيطاس بك
يقول له انك اغريتنا بابن ايواظ وتولد من ذلك انه وجه علينا قائمقامه حرقنا بالنار
وقتل منا اجاويد
فأرسل اليه مكاتبة خطابا للقصاصين بمعاونته ومساعدته
فحضر اليه منهم عدة فرسان ضاربي نار وجمع اليه عربان الجزيرة وخيالة كثيرة من
المنوفية وركب حبيب واولاده وجموعه الى جسر الناحية ونزل هناك وارسل اولاده بخيول
يطلبون شر ابي دفية
واذا ركب عليهم انهزموا امامه حتى يصلوا الى محل رباطهم
بالجسر ففعلوا ذلك الى ان وصلوا الى الجسر فضربت القصاصة بنادقهم طلقا واحدا فرموا
نحو ثلاثين جنديا من الكبار والذي ما اصيب في بدنه
اصيب حصانه وردت عليهم الخيول وانهزم الامير حسن ابو
دفية بمن بقي معه الى دار الاوسية فاخذت العرب الخيول الشاردة وعروا الغز ورموهم
في مقطع من الجسر وارسل العبيد اتوابا لجراريف وجرفوا عليهم التراب من غير غسل ولا
تكفين
ورجع الى بلده وخلص ثأره وزيادة وحضرت الاجناد الى مصر
واخبروا الصنجق بما وقع لهم مع حبيب واولاده فعزل الامير حسن ابا دفية من
قائمقاميته وولى خلافه واخذ فرمانا بضرب حبيب واولاده وركب عليهم من البر والبحر
ووصلت النذيرة الى حبيب فرمى مدافع ابي دفية البحر ووضع النحاس في اشناف والقاها
ايضا في البحر
وقيل ان حبيب قبل هذه الواقعة بايام احضر ستة قناديل
وعمرها بعدما عاير فتائلها وزنها بالميزان عيارا واحدا وكتب على كل قنديل ورقة باسمه
واسم اخيه واولاده واسم ابن ايواظ واسرجها دفعة واحدة فانطفأ الذي باسمه اولا ثم
انطفأ قنديل ابن ايواظ ثم قناديل اخيه واولاده شيئا بعد شيء
فقال انا اموت في دولة ابن ايواظ
ولما وصل اليه الخبر بحركة ابن ايواظ وركوبه عليه فركب
باخيه واولاده وخرجوا هاربين ووصل ابن ايواظ الى دجوة ورمحوا على دواويرهم ورموا
الرصاص وكانت المراكب وصلت الى البر الغربي تجاه دجوة ورسوا هناك وموعدهم سماع البنادق
فعند ذلك عدوا الى البر الشرقي وطلعوا اليه
فامر ابن ايواظ بهدم دواوير الحبايبة فهدموها بالقزم
والفؤوس وانشأ كفرا بعيدا عن البحر بساقيه وحوض دواب وجامع وميضاة وطاحونين وجمع
اهل البلد فعمروا مساكنهم في الكفر وسموه كفر الغلبة
ورجع الامير اسمعيل بك الى مصر واخذ الغز والاجناد
ابقارا وعجولا واغناما وجواميس وامتعة وفرشا واخشابا شيئا كثيرا ووسقوه في المراكب
وحضروا به من البر ايضا الى مصر
وكتب مكاتبات الى سائر القبائل من العربان بتحذيرهم من
قبولهم حبيبا
واولاده وان لا ينجمع عليه احد ولا يأويه فلم يسعهم الا
انهم ذهبوا عند عرب غزة فاكرموهم ولم يزل بها حتى مات وحضر سالم ابنه بعد ذلك الى
قليوب ببيت الشواربي شيخ الناحية سرا واخذله مكاتبة من ابراهيم بك ابي شنب خطابا الى
ابن وافي المغربي بأن يوطن اولاد حبيب عنده حتى يأخذ لهم اجازة من استاذهم فارسل
احضر عمه واخاه سويلما وعدوا الى الجبل الغربي وساروا عند ابن وافي شيخ المغاربة
فرحب بهم وضرب لهم بيوت شعر واقاموا بها الى سنة 1130 فمات ابراهيم بك ابو شنب وكان يؤاسي
اولاد حبيب ويرسل لهم وصولات بغلال يأخذونها من بلاده القبلية
فلما مات في الفصل ضاقت معيشتهم فحضر سالم بن حبيب من
عند ابن وافي خفية وذلك قبل طلوع ابن ايواظ بالحج سنة احدى وثلاثين ودخل بيت السيد
محمد دمرداش وسلم عليه وعرفه بنفسه فرحب به وشكا له حال غربته وبات عنده تلك
الليلة واخذه في الصباح الى ابن ايواظ فدخل عليه وقبل يده ووقف فقال السيد محمد
للصنجق عرفت هذا الذي قبل يدك
قال لا
قال هذا الذي جم أذناب خيولك
قال سالم
قال لبيك
قال اتيت بيتي ولم تخف قال له نعم اتيت بكفني اما ان
تنتقم واما ان تعفو فأننا ضقنا من الغربة وها انا بين يديك
فقال له مرحبا بك احضر اهلك وعيالك وعمر في الكفر واتق
الله تعالى وعليكم الامان
وامر له بكسوة وشال وكتب له أمانا وارسل به عبده
وركب سالم وذهب عند ابراهيم الشواربي بقليوب فاقام عنده
حتى وصل العبد بالامان الى عمه واخيه في بني سويف فحملوا وركبوا وساروا الى قليوب
ونزلوا بدار اوسية الكفر حتى بنوا لهم دواوير واماكن ومساكن واتتهم العرنبية ومشايخ
البلاد ومقادمها للسلام والهدايا والتقادم
فاقام على ذلك حتى تولى محمد بك ابن اسمعيل بك امير
الحاج فأخذ منه اجازة بعمار البلد الذي على البحر
وشرع في تعمير الدور العظيمة والبساتين والسواقي
والمعاصر والجوامع وذلك سنة 1134 واستقام حال سالم واشتهر ذكره وعظم صيته واستولى
على خفارة البرين ونفذت كلمته بالبلاد البحرية من بولاق الى البغازين وصارت
المراكب والرؤساء تحت حكمة وضرب عليها الضرائب والعوائد الشهرية والسنوية وانشأ الدواوير
الواسعة والبستان الكبير بشاطيء النيل وكان عظيما جدا وعليه عدة سواق وغرس به
اصناف النخيل والاشجار المتنوعة فكانت ثماره وفاكهته وعنبه تجتني بطول السنة واحضر
لها الخولة من الشام ورشيد وغير ذلك
ولما وقعت الوقائع بين ذي الفقار بك ومحمد بك جركس
المتقدم ذكرها وحضر جركس بمن معه من اللموم الى قرب المنشية وخرجت اليه عساكر مصر
وارسلوا الى سالم بن حبيب فجمع العربان وحضر بفرسانه وعبيده الى ناحية الشيمي
وحارب مع الأجناد المصرية حتى قتل سليمان بك في المعركة وولى جركس ورجعت التجريدة
وتبعه سالم بن حبيب والأسباهية وذهبوا خلفه فعدى الشرق فعدوا خلفه وطلعت تجريدة
اخرى من مصر فتلاقوا معهم وتحاربوا مع محمد بك جركس فكانت بينهم وقعة عظيمة فكانت
الهزيمة على جركس وحصل ما حصل من وقوع جركس في الروبة وموته ودفنوه بناحية شرونه
كما تقدم ورجع سالم بن حبيب بما غنمه في تلك الوقائع الى بلده واشتهر امره واشترى
السراري البيض ولم يزل حتى توفي سنة 1151 وخلف ولدا يسمى عليا اشتهر ايضا
بالفروسية والنجابة والشجاعة ولما مات سالم ترأس عوضه أخوه سويلم في مشيخة نصف سعد
فسار بشهامة واشتهر ذكره وعظم صيته في الاقليم المصري زيادة عن أخيه سالم ووسع
الدواوير والمجالس ولما سافر الامير عثمان بك الفقاري بالحج ورجع سنة احدى وخمسين
المذكورة فارسل
هدية الى سويلم المذكور وارسل له الآخر التقادم ثم ان
الامير عثمان بك تغير خاطره على سويلم لسبب من الاسباب فركب عليه على حين غفلة
ليلا وتعالى به الدليل ونزل على دجوة طلوع الشمس وكان الجاسوس سبق اليهم وعرفهم
بركوب الصنجق عليهم فخرجوا من الدور ووقفوا على ظهور خيولهم بالغيط بعيدا عن البلد
فلما حضر الصنجق ورمح على دورهم ورمى الطوائف بالرصاص فلم يجدوا أحدا
فلم يتعرض لنهب شيء ومنع الغز والطوائف عن اخذ شيء وبلغ
خبر ركوب الصنجق عمر بك رضوان وابراهيم بك فركبا خلفه حتى وصلا اليه وسلما عليه فعرفهما
انه لم يجدهم بالبلد فركب عمر بك وأخذ صحبته مملوكين فقط وسار نحو الغيط فرآهم
واقفين على ظهور الخيل فلما عاينوه وعرفوه نزلوا عن الخيل وسلموا عليه فقال لهم
لاي شيء تهربون من استاذكم وعرفهم انه اتى بقصد النزهة وأحضر صحبته علي بن سالم
فقابل به الامير وقبل يده ورجع الى دواره وأحضر اشياء كثيرة من انواع المآكل حتى
اكتفى الجميع
وعزموا عليهم تلك الليلة فبات الصنجق وباقي الامراء وذبح
لهم اغناما كثيرة وعجلين جاموس وتعشى الجميع واخرجوا لهم في الصباح شيئا كثيرا من
انواع الفطورات ثم قدم لهم خيولا صافنات وركبوا ورجعوا الى منازلهم ولما هرب
ابراهيم بك قطامش في ايام محمد راغب باشا وكان سويلم مركونا عليه فجمع سويلم عرب
بلي وضرب ناحية شبرا المعدية فوصل الخبر الى ابراهيم جاويش القازدغلي فأخذ فرمانا
بضرب ناحية دجوة والخروج من حق اولاد حبيب فعين عليم ثلاثة صناجق وهم عثمان بك ابو
يوسف واحمد بك كشك وآخر ووصلتهم النذيرة بذلك فوزعوا دبشهم وحريمهم في البلاد
وركبوا خيولهم ونزلوا في الغيط ونزلت لهم التجريدة ومعهم الجبخانة والمحاربون
وهجموا على البلد فوجدوها خالية
ولما رأى الحبايبة كثرة التجريدة فوسعوا وذهبوا الى
ناحية
الجبل الشرقي وارسل ابراهيم جاويش الى عثمان بك ابي سيف
امير التجريدة بانه ينادي في البلاد عليهم ولم يدع احدا منهم ينزل الريف فركب
عثمان بك وطاف بالبلاد يتجسس عليهم وظفر لهم بقومانية وذخيرة ذاهبة اليهم من الريف
على الجمال فحجزها واخذها وذلك مرتين ورجع عثمان بك ومن معه الى مصر وصحبتهم ما
وجدوه للحبايبة في البلاد من مواش وسكر وعسل واخشاب وهدموا جانبا من بيوتهم وكان
علي بن سالم لم يذهب مع سويلم الى الجيل بل اخذ عياله وذهب عند اولاد فودة فلما
سمع بالتقريظ على اصحاب الدرك فأتى الى مصر ودخل الى بيت ابراهيم جاويش وعرفه
بنفسه وطلب منه الامان فعفا عنه بشرط ان لا يقرب دجوة ويسكن في اي بلد شاء يزرع
مثل الناس ثم ان سويلما ومن معه ارسلوا الى حسين بك الخشاب بان يأخذ لهم امانا من
ابراهيم جاويش ففعل وقبل شفاعة حسين بك بشرط ابطال حماية المراكب واذية بلاد الناس
ويكفيهم الخفارة التي اخذوها بالقوة واستخلص لهم المواشي التي كان جمعها عثمان بك
ابو سيف واستقر سويلم كما كان بدجوة وبنى له دورا عظيما ومقاعد مرتفعة شاهقة في
العلو يحمل سقوفها عدة اعمدة وعليها بوائك مقوصرة ترى من مسافة بعيدة في البر والبحر
وبها عدة مجالس ومخادع ولواوين وفسحات علوية وسفلية وجميعه مفروش بالبلاط الكدان
وبنى بداخل ذلك الدوار مسجدا ومصلى وبداخل حوش الدوار مساطب ومنايف لاجناس الناس
الآفاقية وغيرهم وبنى تحت ذلك الدوار بشاطيء النيل رصيفا متينا ومساطب يجلس عليها
في بعض الاوقات وانشأ عدة مراكب تسمى الخرجات ولها شرفات وقلوع عظيمة وعليها رجال
غلاظ شداد فاذا مرت بهم سفينة صاعدة أو حادرة صرخ عليها أولئك الرجال قائلين
البرفان امتثلوا وحضروا وأخذوا منهم ما أحبوه من حمل السفينة وبضائع التجار وان
تلكأوا في الحضور قاطعوا عليهم بالخرجات في أسرع وقت
وأحضروهم صاغرين وأخذوا منهم أضعاف ما كان يؤخذ منهم لو حضروا طائعين من أول الامر
وكان له قواعد واغراض وركائز واناس من الامراء وأعوانهم بمصر يراسلهم ويهاديهم
فيذبون عنه ولا يسمعون فيه شكوى وله عدة من العبيد السود التجارية الفرسان ملازمين
له مع كل واحد حرمدان مقلدية ملآن بالدنانير الذهب وكان لا يبيت في داره ويأتي في الغالب
بعد الثلث الاخير فيدخل الى حريمه جصة ثم يخرج بعد الفجر فيعمل ديوانا ويحضر بين
يديه عدة من الكتبة ويتقدم اليه ارباب الحاجات ما بين مشايخ بلاد واجناد وملتزمين
وعرب وفلاحين وغير ذلك والجميع وقوف بين يديه والكتاب يكتبون الاوراق والمراسلات
الى النواحي وغالب بلاد القليوبية والشرقية تحت حمايته وحماية أقاربه وأولاده ولهم
فيها الشركاء والزروع والدواوير الواسعة المعروفة بهم والمميزة عن غيرها بالعظم
والضخامة ولا يقدر ملتزم ولا قائمقام على تنفيذ امر مع فلاحيه الا باشارته أو
باشارة من البلد في حمايته من اقاربه وكذلك مشايخ البلاد مع استاذيهم وكان لهم
طرائق واوضاع في الملابس والمطاعم فيقول الناس سرج حبايبي وشال حبايبي ومركوب حبايبي
الى غير ذلك وكان مع شدة مراسه وقوة بأسه يكرم الضيفان ويحب العلماء وارباب
الفضائل ويأنس بهم ويتكلم معهم في المسائل ويؤاسيهم ويهاديهم وخصوصا ارباب المظاهر
وكان انسانا حسنا وجيها محتشما مقتصرا على حاله وشأنه ملازما على قراءة الاوراد
والمذاكرة ويحب اهل الفضل والصلاح ويتبرك بهم وبدعائهم وترددنا عليه وتردد الينا
بمصر كثيرا وبلونا منه خيرا وحسن عشرة وكان معه أخوه شيخ العرب محمد علي مثل حاله
ويزيد عنه الانجماع عن الناس لغير ما يعنيه ويعانيه في خاصة نفسه وكان ابوهما على
نزل بقليوب بدار فيحاء وكان حسن الخلق والخلق وله حشم واتباع
كثيرة وله هيبة عندهم وكان طيب السيرة فصيحا مفوها في
حفظه أشعار ونوادر ولديه معرفة وكان يفهم المعنى ويحقق الالفاظ ويطالع الكتب
ومقامات الحريري ونحو ذلك
ومات الامير المبجل علي كتخدا مستحفظان الخربطلي وهو من
مماليك احمد كتخدا الخربطلي الذي جدد جامع الفاكهاني الذي بخط العقادين وصرف عليه
من ماله مائة كيس وذلك في سنة 1148 واصله من بناء الفائز بالله الفاطمي وكان
اتمامه في حادي عشر شوال من السنة المذكورة وكان المباشر على عمارته عثمان جلبي شيخ
طائفة العقادين الرومي وفي تلك السنة ألبس مملوكه المترجم على أودة باشه الضلمة
وجعله ناظرا ووصيا ومات سيده في واقعة محمد بك الدفتردار في جملة الاحد عشر اميرا
المتقدم بيانهم وعمل جاويش في الباب ثم عمل كتخدا واشتهر ذكره بعد انقضاء دولة
عثمان بك الغفاري واستقلال ابراهيم كتخدا ورضوان كتخدا الجلفي بامارة مصر وزوج
ابنته لعلي بك الغزاوي وعمل لها فرحا عظيما ببركة الرطلي عدة ايام كانت من مقترحات
مصر وبعد انقضاء ايام الفرح زفت العروس في زفة عظيمة اجتمع العالم من الرجال
والنساء والصبيان للفرجة عليها ودخل بها علي بك المذكور وولد له منها حسن جلبي
المشهور وانشأ علي كتخدا المترجم داره العظيمة برأس عطفة خشقدم جهة الباطنية وداره
المطلة على بركة الرطلي والقصر على الخليج الناصري والقباب المعروفة به وغير ذلك ونفاه
علي بك الى جهة قبلي كما تقدم فلما ذهب علي بك الى قبلي صالحه وانضوى اليه وكان هو
السفير بينه وبين صالح بك في الصلح وبذل جهده في ذلك هو وخليل بك الاسيوطي حتى
أتموه على الوجه المتقدم وحضر صحبته علي بك الى مصر وسكن بداره وأقبلت عليه الناس
وقصدوه في الدعاوى والشكاوى وامن جانب علي بك واعتقد صداقته
وظن انه قلده منته فلم يلبث الا أياما واخرجه منفيا الى
رشيد ثم ارسل من خنقه هناك وكان اميرا جليلا وجيها جميل الصورة واسع العينين أبيض
اللحية ضخما مهاب الشكل بهي الطلعة ودفن هناك
ومات الامير محمد بك ابو شنب وهو من مماليك علي بك وقتل
في معركة اسيوط كما تقدم ودفن هناك وكان من الشجعان المعروفين
سنة اربع وثمانين ومائة والف فيها ورد على علي بك الشريف
عبد الله من اشراف مكة وكان من أمره انه وقع بينه وبين ابن عمه الشريف احمد اخي
الشريف مساعد منازعة في امارة مكة بعد وفاة الشريف مساعد فتغلب عليه الشريف احمد
واستقل بالامارة وخرج الشريف عبد الله هاربا وذهب الى ملك الروم واستنجد به فكتب له
مكاتبات لعلي بك بالمعونة والوصية والقيام معه وحضر الى مصر بتلك المكاتبات في
السنة الماضية وكان علي بك مشتغلا بتمهيد القطر المصري ووافق ذلك غرضه الباطني وهو
طمعه في الاستيلاء على الممالك فانزله في مكان وأكرمه ورتب له كفايته واقام بمصر
حتى تمم اغراضه بالقطر وخلص له قبلي وبحري وقتل من قتله وأخرج من أخرجه فالتفت عند
ذلك الى مقاصده البعيده وامر بتجهيز الذخائر والاقامات وعمل البقسماط الكثير حتى
ملأوا منه المخازن ببولاق ومصر القديمة والقصور البرانية وبيوت الامراء المنافي
الخالية ثم عبوا ذلك وارسل مع باقي الاحتياجات واللوازم من الدقيق والسمن والزيت
والعسل والسكر والاجبان في البر والبحر واستكتب اصناف العساكر اتراكا ومغاربة
وشواما ومتاولة ودروزا وحضارمة ويمانية وسودانا وحبوشا ودلاة وغير ذلك وارسل منهم طوائف
في المقدمات
والمشاة أنزلوهم من القلزم وصحبتهم الجبخانات والمدافع
وآلات الحرب وخرجت التجريدة في شهر صفر بعد دخول الحجاج في تجمل زائد ومهيأ عظيم
وساري عسكرها محمد بك ابو الذهب وصحبته حسن بك ومصطفى بك وخلافهم
وفي ثاني عشرين ربيع الاول وردت الاخبار من الاقطار
الحجازية بوقوع حرابة عظيمة بين المصريين وعرب الينبع وخلافهم من قبائل العربان والاشراف
ووقعت الهزيمة على المذكورين وقتل وزير الينبع المتولي من طرف شريف مكة وقتل معه
خلائق كثيرة
وفي تاسع شهر ربيع الاخر وصل نجاب الى مصر من الديار
الحجازية وأخبر بدخول محمد بك ومن معه الى مكة وانهزام الشريف احمد وخروجه هاربا
ونهب المصريين دار الشريف ومن يلوذ به واخذوا منها أشياء كثيرة من امتعة وجواهر
واموال لها قدر وجلس الشريف عبد الله في امارة مكة ونزل حسن بك الى بندر جدة وتولى
امارتها عوضا عن الباشا الذي تولاها من طرف ملك الروم ولذلك عرف بالجداوي واقام
محمد بك اياما بمكة ثم عزل على المسير والرجوع الى مصر ووصلت الاخبار والبشائر
بذلك وأرسلت اليه الملاقاة بالعقبة وخلافها فلما ورد الخبر بوصوله الى العقبة
وخرجت الامراء الى بركة الحاج والدار الحمراء لانتظار قدومه فوصل في اوائل شهر رجب
ودخل الى مصر في ثامنه في موكب عظيم وأتت اليه العلماء والاعيان للسلام وقصدته الشعراء
بالقصائد والتهاني
وفي منصف رجب المذكور عزل علي بك عبد الرحمن اغا
مستحفظان وقلد عوضه سليم اغا الوالي وقلد عوض الوالي موسى أغا من اتباعه وأمر عبد
الرحمن اغا بالسفر الى ناحية غزة وهي اول حركاته الى جهة
الشام وأمره بقتل سليط شيخ عربان غزة فلم يتحيل عليه حتى
قتله هو واخوته وأولاده وكان سليط هذا من العصاة العتاة له سير وأخبار
وفيه زاد اهتمام علي بك بالتحرك على جهة الشام واستكثر
من جمع طوائف العساكر وعمل البقسماط والبارود والذخائر والمؤن وآلات الحرب وامر
بسفر تجريدة وأميرها اسمعيل بك وصحبته علي بك الطنطاوي وعلي بك الحبشي فبرزوا الى
جهة العادلية وخرجوا بما معهم من طوائف العسكر والمماليك والاحمال والخيام
والجبخانات والعربات والضوبة وقرب الماء الكثيرة على الجمال والكرارات والمطابخ
والطبول والرمور والنقاقير وغير ذلك فلما تكامل خروجهم اقاموا بالادلية اياما حتى
قضوا لوازمهم وارتحلوا وسافروا الى جهة الشام
وفي حادي عشرينة برزت تجريدة اخرى وعليها سليمان بك وعمر
كاشف وحملة كثيرة من العساكر فنزلوا من طريق البحر على دمياط
وفي عاشر شهر القعدة وردت اخبار من جهة الشام واشيع وقوع
حرابات بينهم وبين حكام الشام وأولاد العظم
وفي منصفه خرجت تجريدة اخرى وسافرت على طريق البر على
النسق
وفي سابع عشره طلب علي بك حسن اغا تابع الوكيل
والروزنامجي وباش قلفة واسمعيل اغا الزعيم وآخرون وصادروهم في نحو اربعمائة كيس
بعد ما عوفهم اياما
وفي اواخره عمل علي بك دراهم على القرى وقرر على كل بلد
مائة ريال وثلاثمائة ريال حق طريق فضجت الناس من ذلك وطلب من النصارى القبط مائة الف
ريال ومن اليهود اربعين الفا وقبضت جميعها في اسرع وقت
من مات في هذه السنة مات الشيخ العمدة الفاضل الكامل
الاديب الماهر الناظم الناثر الشيخ عبد الله بن عبد الله بن سلامة الادكاوي المصري
الشافعي الشهير بالمؤذن ولد بادكو وهي قرية قرب رشيد سنة 1104 كما اخبر من لفظه وبها
حفظ القران وورد الى مصر فحضر دروس علماء عصره وادرك الطبقة الاولى واشتهر بفن
الادب وانضوى الى فخر الادباء في عصره السيد على افندي برهان زاده نقيب الساده
الاشراف فأنزله عنده في اكرام واحتفل به وكفاه المؤنة من كل وجه وصار يعاطيه كؤوس
الآداب ويصافيه بمطارحة أشهى من ارتشاف الرضاب وحج بصحبته بيت الله الحرام وزار
قبر نبيه عليه الصلاة و السلام وذلك سنة 1147 وعاد الى مصر واقبل على تحصيل الفنون
الادبية فنظم ونثر ومهر وبهر ورحل الى رشيد وفوة والاسكندرية مرارا واجتمع على
اعيان كل منها وطارحهم ومدحهم وفي سنة تسع وثمانين من نظمه بيتين بخطه في جدار
جامع بن نصر الله بقوة تاريخ كتابتهما سنة خمس واربعين وبعد وفاة السيد النقيب
تزوج وصار صاحب عيال وتنقلت به الاحوال وصار يتأسف على ما سلف من عيشه الماضي في
ظل ذلك السيد قدس سره فلجأ الى أستاذ عصره الشيخ الشبراوي ولازمه واعتنى به وصار لا
ينفك عنه ومدحه بغرر قصائده وكان يعترف بفضله ويحترمه ولما توفي انتقل الى شيخ
وقته الشمس الحفني فلازمه سفرا وحضرا ومدحه بغرر قصائده فحصلت له العناية والاعانة
وواساه بما به حصلت الكفاية والصيانة وله تصانيف كلها غرر ونظم نظامه عقود الدرر
فمنها الدرة الفريدة والمنح الربانية في تفسير آيات الحكم العرفانية والقصيدة
للزدية في مدح خير البرية ألفها لعلي باشا الجكيم ومختصر شرح بانت سعاد للسيوطي
والفوائح الجنانية في المدائح الرضوانية جمع فيها اشعار
المادحين للمذكور ثم أورد خاتمتها ماله من الامداح فيه
نظما ونثرا وهداية المتهومين في كذب المنجمين والنزهة الزهية بتضمين الرحبية نقلها
من الفرائض الى الغزل وعقود الدرر في أوزان الابحر الستة عشر التزم في كل بيت منها
الاقتباسات الشريفة والدر الثمين في محاسن التضمين وبضاعة الاريب في شعر الغريب
وذيلها بذيل يحكي دمية القصر وله المقامة التصحيفية والمقامة القمذية في المجون
وله تخميس بانت سعاد صدرها بخطبة بديعة وجعلها تأليفا مستقلا وديوانه المشهور على
حروف التهجي وغير ذلك وقد كتب بخطه الفائق كثيرا من الكتب الكبار ودواوين الاشعار
وكل عدة اشياء من غرائب الاسفار رأيت من ذلك كثيرا وقاعدة خطه بين اهل مصر مشهورة
لا تخفى ورأيت مما كتب كثيرا فمن الدواوين ديوان حسان رضي الله عنه رأيته بخطه وقد
أبدع في تنميقه وكتب على حواشيه شرح الالفاظ الغريبة ونزهة الالباب الجامع لفنون
الآداب وله مطارحات لطيفة مع شعراء عصره والواردين على مصر ولم يزل على حاله حتى
صار أوحد زمانه وفريد عصره وأوانه ولما توفي الاستاذ الحفني اضمحل حاله ولعب
بلباله واعترته الامراض ونصب روض عزه وغاض وتعلل مدة ايام حتى وافاه الحمام في
نهار الخميس خامس جمادى الاولى من السنة واخرج بصباحه وصلى عليه بالازهر ودفن
بالمجاورين فسرب تربة الشيخ الحفني وفي سنة ثلاث وسبعين ومائة والف لما اختلفت
خدام المشهد النفيسي وكبيرهم اذ ذاك الشيخ عبد اللطيف في امر العنز وذلك انهم
أظهروا عنزا صغيرة مدرة زعموا ان جماعة من الاسرى ببلاد الافرنج توسلوا بالسيدة
نفيسة واحضروا تلك العنز وعزموا على ذبحها في ليلة يجتمعون فيها يذكرون ويدعون ويتوسلون
في خلاصهم ونجاتهم من الاسر فاطلع عليم الكافر فزجوهم وسبهم ومنعهم من ذبح العنز
وبات تلك الليلة فرأى رؤيا هالته
فلما اصبح اعتقهم واطلقهم واعطاهم دراهم وصرفهم مكرمين
ونزلوا في مركب وحضروا الى مصر وصحبتهم تلك العنز وذهبوا الى المشهد النفيسي بتلك
العنز وذكروا في تلك العنز غير ذلك من اختلاقهم وخورهم كقولهم انهم يوم كذا اصبحوا
فوجدوها عند المقام او فوق المنارة وسمعوها تتكلم أو ان السيدة تكلمت واوصت عليها
وسمع الشيخ المذكور كلامها من داخل القبر وابرزها للناس واجلسها بجانبه ويقول للناس
ما يقوله من الكذب والخرافات التي يستجلب بها الدنيا وتسامع الناس بذلك فأقبل
الرجال والنساء من كل فج لزيارة تلك العنزة وأتوا اليها بالندور والهدايا وعرفهم
انها لا تأكل الا قلب اللوز والفستق وتشرب ماء الورد والسكر المكرر ونحو ذلك فأتوه
باصناف ذلك بالقناطير وعمل النساء للعنز القلائد الذهب والاطواق والحلي ونحو ذلك
وافتتنوا بها وشاع خبرها في بيوت الامراء وأكابر النساء وارسلن على قدر مقامهن من
النذور والهدايا وذهبن لزيارتها ومشاهدتها وازدحمن عليها فارسل عبد الرحمن كتخدا
الى الشيخ عبد اللطيف المذكور والتمس منه حضوره اليه بتلك العنز ليتبرك بها هو وحريمه
فركب المذكور بغلته وتلك العنز في حجره ومعه طبول وزمور وبيارق ومشايخ وحوله الجسم
الغفير من الناس ودخل بها بيت الامير المذكور على تلك الصورة وصعد بها الى مجلسه
وعنده الكثير من الامراء والاعيان فزارها وتملس بها ثم أمر بادخالها الى الحريم
ليتبركن بها وقد كان أوصى الكلارجي قبل حضوره بذبحها وطبخها فلما أخذوها ليذهبوا
بها الى جهة الحريم ادخلوها الى المطبخ وذبحوها وطبخها قيمة وحضر الغداء وتلك
العنز في ضمنه فوضعوها بين ايديهم واكلوا منها والشيخ عبد اللطيف كذلك صار يأكل
منها والكتخدا يقول كل يا شيخ عبد اللطيف من هذا للرميس السيمن فيأكل منها ويقول
والله انه طيب ومستو ونفيس وهو لا يعلم
انه عنزه وهم يتغامزون ويضحكون فلما فرغوا من الاكل
وشربوا القهوة وطلب الشيخ العنز فعرفه الامير انها هي التي كانت بين يديه في الصحن
وأكلها فبهت فبكته الامير ووبخه وامره بالانصراف وان يوضع جلد العنز على عمامته
ويذهب به كما جاء بجمعيته وبين يديه الطبول والاشاير ووكل به من اوصله محله على
تلك الصورة ولم يزل المترجم حتى تلعل بالامراض والاسقام واضمحل منه الجسم والقوى
بالآلام حتى وافاه الحمام في يوم الخميس خامس جمادى الاولى من السنة رحمه الله
وابنه العلامة السيد احمد المعروف بكتيكت مفتي الشافعية بثغر سكندرية والسيد هلال
الكتبي توفيا بعده بسنين والشيخ صالح الصحاف موجود مع الاحياء أعانه الله على وقته
ومات الامام الفصيح البارع الفقيه الشيخ جعفر بن حسن بن
عبد الكريم ابن محمد بن رسول الحسيني البرزنجي المدني مفتي الشافعية بها ولد
بالمدينة وأخذ عن والده والشيخ محمد حيوة السندي وأجازه السيد مصطفى البكري وكان
يقرأ دروس الفقه داخل باب السلام وكان عجيبا في حسن الالقاء والتقرير ومعرفة فروع
المذهب تولى الافتاء والخطابة مدة تزيد على عشرين سنة كان قوالا بالحق امارا بالمعروف
واجتمع به الشيخ سليمان بن يحيى شيخ المشايخ وذكره في رحلته وأثنى عليه وله مؤلفات
منها البر العاجل باجابة الشيخ محمد غافل والقبض اللطيف باجابة نائب الشرع الشريف
وفتح الرحمن على أجوبة السيد رمضان توفي في شهور هذه السنة قيل مسموما والله اعلم
ومات الولي العارف احد المجاذيب الصادقين الاستاذ الشيخ
احمد ابن حسن النشرتي الشهير بالعريان كان من ارباب الاحوال والكرامات ولد في اول
القرن وكان اول امره الصحو ثم غلب عليه السكر فأدركه المحو وكانت له في بدايته
امور غريبة وكان كل من دخل عليه زائرا
يضربه بالجريد وكان ملازما للحج في كل سنة ويذهب الى
موالد سيدي احمد البدوي المعتادة وكان اميا لا يقرأ ولا يكتب واذا قرأ قارىء بين يديه
وغلط يقول له قف فانك غلطت وكان رجلا جلاليا يلبس الثياب الخشنة وهي جبة صوف
وعمامة صوف حمراء يعتم بها على لبدة من صوف ويركب بغلة سريعة العدو وملبسه دائما
على هذه الصفة شتاء وصيفا وكان شهير الذكر يعتقده الخاصة والعامة وتأتي الامراء
والاعيان لزيارته والتبرك به ويأخذ منهم دراهم كثيرة ينفقها على الفقراء المجتمعين
عليه وانشأ مسجده تجاه الزاهد جوار داره وبنى بجواره صهريجا وعمل لنفسه مدفنا
وكذلك لاهله وأقاربه واتباعه واتحد به شيخنا السيد أحمد العروسي واختص به اختصاصا
زائدا فكان لا يفارقه سفرا ولا حضرا وزوجه احدى بناته وهي ام أولاده وبشره بمشيخة
الجامع الازهر والرئاسة فعادت عليه بركته وتحققت بشارته وكان مشهورا بالاستشراف
على الخواطر توفي رحمه الله في منتصف ربيع الاول وصلى عليه بالازهر ودفن بقبره
الذي اعده لنفسه في مسجده نفعنا الله به وبعباده الصالحين
ومات الفقيه الصالح الشيخ علي بن احمد بن عبد اللطيف
البشبيشي الشافعي روى عن ابيه عن البابلي توفي في غاية ربيع الثاني من السنة
ومات الشيخ المبجل الصالح المفضل الدرويش الشيخ احمد
المولوي شيخ المولوية بتكية المظفر وكان انسانا حسنا لا باس به مقبلا على شأنه
منجمعا عن خلطة كثير من الناس الا بحسب الدواعي توفي في سابع عشرين ربيع الآخر من
السنة ولم يخلف بعده مثله
ومات المقدام الخير الكريم صاحب الهمة العالية والمروءة
التامة شمس الدين حمودة شيخ ناحية برمة بالمنوفية اخذ عن الشيخ الحفني وكان كثير
الاعتقاد فيه والاكرام له ولاتباعه وله حب في اهل الخير واعتقاد
في اهل الصلاح ويكرم الوافدين والضيفان
وكان جميل الصورة طويلا مهيبا حسن الملبس والمركب
توفي يوم الخميس حادي عشر رجب من السنة وخلف اولادا منهم
محمد الحفني الذي سماه على اسم الشيخ لمحبته فيه واحمد وشمس الدين
ومات بقية السلف ونتيجة الخلف الشيخ احمد سبط الاستاذ
الشيخ عبد الوهاب الشعراني وشيخ السجادة كان انسانا حسنا وقورا مالكا منهج
الاحتشام والكمال منجما عن خلطة الناس الا بقدر الحاجة
توفي يوم السبت ثامن صفر من السنة وخلف ولده سيدي عبد
الرحمن مراهقا تولى بعده على السجادة مع مشاركة قريبة الشيخ احمد الذي تزوج
بوالدته
ومات الامام العلامة الفقيه الصالح الناسك صائم الدهر
الشيخ محمد الشوبري الحنفي تفقه على الشيخ الاسقاطي والشيخ سعودي وبعد وفاة
المذكورين لازم الشيخ الوالد وتلقى عنه كثيرا وكان انسانا حسنا وجيها لا يتداخل
فيما لا يعنيه مقبلا على شأنه صائم الدهر وملازما لداره بعد حضور درسه وكان بيته
بقنطرة الامير حسين مطلا على الخليج
سنة خمس وثمانين ومائة والف اخرج علي بك تجريدة عظيمة
وسر عسكرها واميرها محمد بك ابو الذهب وايوب بك ورضوان بك وغيرهم كشاف وارباب مناصب
ومماليكهم وطوائفهم واتباعهم وعساكر كثيرة من المغاربة والترك والهنود واليمانية
والمتاولة وخرجوا في تجمل زائد واستعداد عظيم ومهيأ كبير ومعهم الطبول والزمور
والذخائر والاحمال والخيام والمطابخ والكرارات والمدافع والجيخانات ومدافع الزنبلك
على الجمال وأجناس العالم الوفا مؤلفة وكذلك أنزلوا الاحتياجات والاثقال وشحنوا
بها السفن
وسافرت من طريق دمياط في البحر
فلما وصلوا الى الديار الشامية فحاصروا يافا وضيقوا
عليها حتى ملكوها بعد أيام كثيرة ثم توجهوا الى باقي المدن والقرى وحاربهم النواب
والولاة وهزموهم وقتلوهم وفروا من وجوههم واستولوا على المماليك الشامية الى حد
حلب ووردت البشائر بذلك فنودي بالزينة فزينت مصر وبولاق ومصر العتيقة زينة عظيمة
ثلاثة أيام بلياليها وتفاخروا في ذلك الى الغاية وعملت وقدات واحمال قناديل وشموع
بالاسواق وسائر الجهات وعملوا ولائم ومغاني وآلات وطبولا وشنكا وحراقات وغير ذلك
وذلك في شهر ربيع اول من السنة
وتعاظم علي بك في نفسه ولم يكتف فارسل الى محمد بك يأمره
بتقليد الامراء والمناصب والولايات على البلاد التي افتتحوها وملكوها وان يستمر في
سيره ويتعدى الحدود ويستولي على المماليك الى حيث شاء وهو يتابع اليه ارسال
الامدادات واللوازم والاحتياجات
ولا يثنون عنانهم عما يامرهم به
فعند ذلك جمع محمد بك امراءه وخشداشينه الكبار في خلوة
وعرض عليهم الاوامر فضاقت نفوسهم وسئموا الحرب والقتال والغربة وذلك ما في نفس
محمد بك أيضا
ثم قال لهم ما تقولون قالوا وما الذي تقوله والرأي لك
فانت كبيرنا ونحن تحت أمرك واشارتك ولا نخالفك فيما تأمر به
فقال ربما يكون رأيي مخالفا لامر استاذنا
قالوا ولو مخالفا لامره فنحن جميعا لا نخرج عن امرك
واشارتك فقال لا أقول لكم شيئا حتى نتحالف جميعا ونتعاهد على الرأي الذي يكون
بيننا
ففعلوا ذلك وتعاهدوا وحلفوا على السيف والكتاب
ثم انه قال لهم ان أستاذكم يريد ان تقطعوا اعماركم في
الغربة والحرب والاسفار والبعد عن الاوطان وكلما فرغنا من شيء فتح علينا غيره
فرأيي ان نكون على قلب رجل واحد ونرجع الى مصر ولا نذهب الى جهة من الجهات وقد
فرغنا من خدمتنا وان كان يريد غير ذلك من المماليك يولي
امراء غيرنا ويرسلهم الى ما يريد ونحن يكفينا هذا القدر
ونرتاح في بيوتنا وعند عيالنا
فقالوا جميعا ونحن على رايك
واصبحوا راحلين وطالبين الى مصر فحضروا في أواخر شهر رجب
على خلاف مراد مخدومهم وبقي الامر على السكوت
ثم ان علي بك قلد ايوب بك امارة جرجا وقضى اشغاله وسافر
الى الصعيد بطائفته واتباعه
وانقضى شهر شعبان ورمضان وعلي بك مصمم على رجوع محمد بك
الى جهة الشام وذلك مصمم على خلاف ذلك
وبدت بينهما الوحشة الباطنية
فلما كان ليلة رابع شهر شوال بيت علي بك مع علي بك
الطنطاوي وخلافه واتفق معهم على غدر محمد بك فركبوا عليه ليلا واحاطوا بداره ووقفت
له العساكر بالاسلحة في الطرق فركب في خاصته وخرج من بينهم وذهب الى ناحية
البساتين وارتحل الى الصعيد
فحضر اليه بعض الامراء أصحاب المناصب وعلي كاشف تابع
سليمان افندي كاشف شرق أولاد يحيى وقدموا له ما معهم من الخيام والمال والاحتياجات
ولم يزل في سيره حتى وصل الى جرجا واجتمع عليه أيوب بك خشداشه
وأظهر به المصافاة والمؤاخاة وقدم له هدايا وخيولا وخياما فلم يلبث الا وقد أحضر
عيون محمد بك الذين أرصدهم بالطريق رجلا ومعه مكاتبة من علي بك خطابا لايوب بك
يأمره ويستحثه على عمل الحيلة وقتل محمد بك باي وجه أمكنه ويعده امارته وبلاده
وغير ذلك
فلما قرأ المراسلة وفهم مضمونها أكرم الرجل وقال له تذهب
اليه بالكتاب وأثنى بجوابه ولك مزيد الاكرام فذهب ذلك الساعي واوصل الكتاب الى
أيوب بك وطلب منه رد الجواب وأعطاه الجواب وذكر فيه أنه مجتهد في تتميم الغرض
ومترقب حصول الفرصة
فحضر به الى محمد بك
فعند ذلك استعد محمد بك وتحقق خيانته ونفاقه فاتفق مع
خاصته وامرائه بالاستعداد والوثوب وانه اذا حضر اليه أيوب بك أخذ أرباب المناصب
نظراءهم وتحفظوا عليهم
فلما حضر في
صبحها أيوب بك جلس معه في خلوة وأخذ كل من الخازندار
والكتخدا والجوخدار والسلحدار نظراءهم من جماعة محمد بك ثم قال محمد بك يخاطب أيوب
بك يا هل ترى نحن مستمرون على الاخوة والمصافاة والصداقة والعهد واليمين الذي
تعاقدنا عليه بالشام قال نعم وزيادة
قال ومن نكث ذلك وخان اليمين ونقض العهد قال يقطع لسانه
الذي حلف به ويده التي وضعها على المصحف
فعند ذلك قال له بلغني أنه أتاك كتاب من أستاذنا علي بك
فجمد ذلك فقال لعل ذلك صحيح وكتبت له الجواب أيضا
قال لم يكن ذلك ابدا ولو اتاني منه جواب لأطلعتك عليه
ولا يصح اني أكتمه عنك أو أرد له جوابا
فعند ذلك أخرج له الجواب من جيبه وأحضر اليه ذلك الرسول
فسقط في يده وأخذ ينتنصل ببادر العذر
فعند ذلك قال له حينئذ لا تصح مرافقتك معي وقم فأذهب الى
سيدك وأمر بالقبض عليه وأنزلوه الى المركب وأحاط بوطاقه وأسبابه وتفرقت عنه جموعه
فلما صار وحيدا في قبضته أحضر عبد الرحمن أغا وكان إذ
ذاك بناحية قبلي وانضم الى محمد بك فقال له اذهب الى أيوب بك واقطع يده ولسانه كما
حكم على نفسه بذلك
فأخذ معه المشاعلي وحضر اليه في السفينة وقطعوا يمينه ثم
شبكوا في لسانه سنارة وجذبوه ليقطعوه فتخلص منهم والقى بنفسه الى البحر فغرق ومات
وكان قصد محمد بك أن يفعل به ذلك ويرسله على هذه الصورة
الى سيده بمصر
ثم انهم أخرجوه وغسلوه وكفنوه ودفنوه
فعندما وقع ذلك أقبلت الامراء والاجناد المتفرقون
بالاقاليم على محمد بك وتحققوا عند ذلك الخلاف بينه وبين سيده وقد كانوا متجمعين
عن الحضور اليه ويظنون خلاف ذلك
وحضر اليه جميع المنافي وأتباع القاسمية والهوارة الذين
شردهم علي بك وسلب نعمتهم فانعم عليهم واكرمهم وتلقاهم بالبشاشة والمحبة واعتذر
لهم وواساهم وقلدهم الخدم
والمناصب وهم أيضا تقيدوا بخدمته وبذلوا جهدهم في طاعته
ووصلت الاخبار بذلك الى مصر وحضر اليه كثير من مماليك
أيوب بك واتباعه سوى من انضم منهم والتجأ الى محمد بك واتباعه فعند ذلك نزل بعلي
بك من القهر والغيظ المكظوم ما لا يوصف وشرع في تشهيل تجريدة عظيمة وأميرها وسر
عسكرها اسمعيل بك واحتفل بها احتفالا كثيرا وامر بجمع أصناف العساكر واجتهد في تنجيز
أمرها في أسرع وقت وسافروا برا وبحرا في اواخر ذي القعدة
فلما التقى الجمعان خامر اسمعيل بك وانضم بمن معه من
الجموع الى محمد بك وصاروا حزبا واحدا ورجع الذين لم يميلوا وهم القليل الى مصر
فعند ذلك اشتد الامر بعلي بك ولاحت على دولته لوائح
الزوال وكاد يموت من الغيظ والقهر وقلد سبع صناجق والكل مزلقون وسماهم أهل مصر
السبع بنات وهم مصطفى بك وحسن بك ومراد بك وحمزة بك ويحيى بك وخليل بك كوسه ومصطفى
بك اود باشه وعمل لهم برقا وداقما ولوازم وطبلخانات في يومين وضم اليهم عساكر
وطوائف ومماليك وأتباعا وبرز بنفسه الى جهة البساتين وشرع في تشهيل تجريدة أخرى
وأميرها علي بك الطنطاوي وأخرج الجبخانات والمدافع الكثيرة وأمر بعمل متاريش من البحر
الى جهة الجبل وانقضت السنة
من مات في هذه السنة ممن له ذكر مات الامام الفقيه
الصالح الخير الشيخ علي بن صالح ابن موسى بن احمد بن عمارة الشاوري المالكي مفتي
فرشوط قرأ بالازهر العلوم ولازم العلامة الشيخ علي العدوي وتفقه عليه وسمع الحديث
من الشيخ أحمد ابن مصطفى السكندري وغيره ورجع الى فرشوط فولي افتاء المالكية بها
فسار فيها سيرا مقتصدا ولما ورد عليه الشيخ ابن الطيب راجعا من الروم تلقى عنه
شيئا من الكتب وأجازه وكان لشيخ العرب همام بن يوسف في حقه عناية شديدة وصحبة
أكيدة وكانت شفاعات العلماء مقبولة
عنده بعناية ولذلك راج امره واشتهر ذكره وطار صيته
وكان حسن المذاكرة والمحاورة محتشما في نفسه مجملا في
ملابسه وجيها معتبرا في الاعين
والف شيخنا السيد محمد مرتضى باسمه نشق الغوالي من
المرويات العوالي وذلك ايام رحلته الى فرشوط ونزوله عنده ورفع من شأنه عند شيخ
العرب واكرمه اكراما كثيرا ولما تغيرت احوال الصعيد قدم الى مصر مع ابن مخدومه وما
زال بها حتى توجه الى طندتا وكان يعتريه حصر البول فيجلس اياما وهو ملازم للفراش
فزار وعاد
توفي يوم دخوله الى بولاق نهار الثلاثاء ثالث عشر شعبان
من السنة وكان يوما مطير اذا رعد وبرق فوصل خبره الى الجامع الازهر فخرج اليه
الشيخ علي الصعيدي وكثير من العلماء وتخلف من تخلف لذلك العذر فجهزوه هناك وكفنوه
وأتوا به الى الازهر وأراد الشيخ الصعيدي دفنه في مدفن عبد الرحمن كتخدا لصعوبة
الذهاب به الى القرافة ثم دفنوه بالمجاورين بجانب تربة الشيخ الصعيدي التي دفن
فيها
ومات الفقية الفاضل العلامة الشيخ علي بن عبد الرحمن بن
سليمان ابن عيسى بن سليمان الخطيب الجديمي العدوي المالكي الازهري الشهير
بالخرائطي ولد في اول القرن الجامع الازهر فحضر دروس جامعة من فضلاء العصر ولازم
بلدية الشيخ علي الصعيدي ملازمة كلية ودرس بالازهر ونفع الطلبة وكان انسانا حسنا
منور الشيبة ذا خلق حسن وتودد وبشساشة ومروءة كاملة له ميل تام في علم الحديث
ويتأسف على فوات اشتغاله به ويحب كلام السلف ويتأمل في معانيه مع سلامة الاعتقاد
وكثرة الاخلاص
توفي عشية يوم الاربعاء ثاني المحرم افتتاح سنة 1185
ومات الامام العلامة الفاضل المحقق الدراك المتفنن الشيخ
محمد ابن اسمعيل بن محمد بن إسمعيل بن خضر النقراوي المالكي وكان والده من اهل
العلم والصلاح والزهد عن جانب عظيم وعمر كثيرا حتى جاوز المائة
وانحنى ظهره وتوفي سنة 1178
تربى المترجم في حجر ابيه وحفظ القران والمتون وحضر دروس
الشيخ سالم النقراوي والشيخ خليل المالكي وغيرهما وتفقه وحضر المعقول على كثير من الفضلاء
ومهر وانجب درس وكان جيد الحافظة قوي الفهم والغوص على عويصات المسائل ودقائق
العلوم مستحضرا للمسائل الفقهية والعقلية ولما بلغ المنتهى في العلوم المشهورة
تاقت نفسه للعلوم الحكمية والرياضية فاحضره والده للشيخ الوالد سنة 1171 والتمس
منه مطالعته عليه فأجابه الى ذلك ورحب به وكان عمره اذ ذاك نيفا وعشرين سنة
ولما رأى ما فيه من الذكاء والنجابة والقوة الاستعدادية
والجد في الطلب اغتبط به كثيرا وصرف اليه همته وأقبل عليه بكليته وأعطاه مفتاح
خزانة بالمنزل يضع فيها كتبه ومتاعه واشترى له حمارا ورتب له مصروفا وكسوة ولازمه
ليلا ونهارا ذهابا وايابا حتى اشتهر بنسبته اليه فكان يرسله في مهماته واسراره الى
اكابر مصر واعيانها مثل علي بك وعبد الرحمن كتخدا وغيرهما فيحسن الخطاب والجواب مع
الحشمة وحسن المخاطبة مع معرفتهم بفضله وعلمه وكانوا يكرمونه
ومدحهم بقصائد لم أعثر على شيء منها للاهمال وطول العهد
فكان لا يذهب الى داره الا في النادر بعد حصة من الليل ويرجع في الفجر وينزل إلى
الجامع بعد طلوع النهار فيقرأ درسين ثم يعود في الصخوة الكبرى فيقيم الى العصر
فيذهب الى الجامع فيقرأ درسا في المعقول ثم يعود
وهكذا كان دأبه الى أن مات
تلقى عنه فن الميقات والهيئة والهندسة وهداية الحكمة وشرحها
القاضي زاده والجغميني والمبادي والغابات والمقاصد في أقل زمن مع التحقيق والتدقيق
وحضر عليه المطول والمواقف والزيلعي في الفقه برواق الجبرت بالازهر وغير ذلك كل
ذلك بقراءته وعانى علم الاوفاق وتلقاه عن الشيخ المرحوم حتى أدرك أسراره وأقبلت عليه
روحانيته
وأجازه الملوي والجوهري
والحنفي والعفيفي وغيرهم ولما نفي علي بك الى النوسات
أرسل الى الشيخ فطلب منه أشياء يرسلها اليه مع المترجم فأرسله اليه وأقام عنده
أياما ورجع من غير أن يعلم أحد بذهابه ورجوعه وكان يكتب الخط الجيد وجوده على
الشيخ أحمد حجاج المعروف بابي العز
وكتب بخطه كثيرا وألف حاشيه على شرح العصام على
السمرقندية وأجوبة عن الاسئلة الخمسة التي أوردها الشيخ أحمد الدمنهوري على علماء العصر
وأعطاها الى علي بك وقال له أعطها للعلماء الذين يترددون عليك يجيبوني عنها ان
كانوا يزعمون انهم علماء فاعطاها علي بك للشيخ الوالد وأخبره بمقابلة الشيخ
الدمنهوري فقال له هذه وان كانت من عويصات المسائل يجيب عنها ولدنا الشيخ محمد
النقراوي
والخسة الاسئلة المذكورة الاول في ابطال الجزء الذي لا
يتجزأ
ا الثاني في قول ابن سينا ذات الله نفس الوجود المطلق ما
معناه
الثالث في قول أبي منصور الماتريدي معرفة الله واجبة
بالعقل مع ان المجهول من كل وجه يستحيل طلبه
الرابع في قول البرجلي ان من مات من المسلمين لسنا نتحقق
موته على الاسلام
الخامس في الإستثناء في الكلمة المشرقة هل هو متصل أو
منفصل
فأجاب عنها بأجوبة منطوية على مطارح الانظار دلت على
رسوخه وسعة اطلاعه وغوصه ومعرفته بدقائق كلام أذكياء الحكماء والمتكلمين وفضلاء
الاشعرية والماتريدية
وعانى الرسم فرسم عدة بسائط ومنحرفات وحسب كثيرا من الاصول
والدساتير وتصدى لتعليم الطلبة الذين كانوا يردون من الآفاق لطلب العلوم الغريبة
وكتب شرحا على متن نور الايضاح في الفقه الحنفي باسم الامير عبد الرحمن كتخدا وله
رسالة سماها الطراز المذهب في بيان معنى المذهب وهي عبارة عن جواب على سؤال ورد من
ثغر سكندرية نظما وكان له سليقة جيدة في النثر والنظم ولما ورد الى مصر محمد أفندي
سعيد قاضيا في سنة 1181 امتدحه بقصيدة بليغة لم أعثر
عليها وكان به حدة طبيعة وهي التي كانت سببا لموته وهو
انه حصل بينه وبين الشيخ البجرمي منافسة فشكاه الى الشيخ الدمنهوري وهو إذ ذاك
الشيخ الجامع فارسل اليه فلما حضر عنده في مجلسه بالازهر فتحامل عليه فقام من عنده
وقد أثر فيه القهر ومرض أياما وتوفي في شهر جمادى الثانية من السنة
واغتم عليه الشيخ المرحومي غما شديدا وتأثر لفراقه وحزن
لموته وتوعك أياما بسبب ذلك
ومات الامام الفقيه العلامة المفتي الشيخ ابراهيم بن
الشيخ عبد الله الشرقاوي الشافعي تفقه على علماء عصره وحضر دروس الاشياخ المتقدمين
كالملوي والحفني والبراوي والشيخ أحمد رزة والشيخ عطية الاجهوري وأنجب في الاصول والفروع
الفقهية وتصدر ودرس وانقطع والافتاء والقضاء بين المتخاصمين من اهل القرى للافادة
واكثرهم من أهل بلاده وكان لا يفارق محل درسه بالازهر من الشروق الى الغروب
وانفرد بالافتاء مدة طويلة على مذهبه وقلما يرى فتوى
وليس عليها جوابه
ولم يزل هذا دأبه حتى تعلل أياما وتوفي ثالث ربيع الثاني
من السنة
ومات أحد أذكياء العصر ونجباء الدهر من جمع متفرقات
الفضائل وحاز أنواع الفواضل الصالح الرحلة الشيخ علي بن محمد الجزائرلي المعروف
بابن الترجمان ولد بالجزائر سنة 1100 وكان ينتمي الى الشرف وزاحم العلماء بمناكبه
في تحصيل انواع العلوم واجازه الشيخ سيدي محمد المنور التلمساني رحمه الله ودخل
الروم مرارا وحظي بارباب الدولة واتى الى مصر وابتنى بها دارا حسنة قرب الازهر
وكان يخبر عن نفسه انه لا يستغنى عن الجماع في كل يوم فلذلك ما كان يخلو عن امرأة
او اثنتين حتى في أسفاره
ولما ورد الامير احمد اغا امينا على دار الضرب بمصر
المحروسة الذي صار فيما بعد
باشا كان مختصا بصحبته لا يفارقه ليلا ولا نهارا وله
عليه اغداقات جميلة وهو حسن العشرة يعرف في لسانهم قليلا وتوجه الى دار السلطنة
وكانت اذ ذاك حركة السفر الى الجهاد كتب هذا عرضحالا الى السلطان مصطفى صورته ان
من قرأ استغاثة ابي مدين الغوت في صف الجهاد حصلت النصرة
وقدمه الى السلطان فاستحسن ان يكون صاحب هذا العرض هو
الذي يتوجه بنفسه ويقرأ هذه الاستغاثة تبركا ففاجاءه الامر من حيث لا يحتسب واخذ
في الحال وكتب مع المجاهدين وتوجه رغما عن انفه ووصل الى معسكر المسلمين وصار يقرأ
فقدر الله الهزيمة على المسلمين لسوء تدبير امراء العسكر فاسر مع من اسر وذهب به
الى بلاد موسقو وبقي اسيرا مده ولم يغثه احد بخلاصه منهم لاشتغال الناس بما هو اهم
حتى توفي هناك شهيدا غريبا في هذه السنة رحمه الله
ومات الشيخ الصالح العلامة علي الفيومي المالكي شيخ رواق
أهل بلاده حضر دروس الشيخ ابراهيم الفيومي وشيخنا الشيخ علي الصعيدي ودرس برواقهم
وكان سريع الادراك متين الفهم له في على الكلام باع طويل
وتزوج ابنة الشيخ احمد الحماقي الحنفي وتوفي ثاني شهر
رمضان من السنة ودفن بالمجاورين
ومات الشيخ الفاضل الصالح علي الشيبني الشافعي نزيل جرجا
قرأ على جماعة من مشايخ عصره وتكمل في العربية والفقه وتوجه الى الصعيد فخالط
أولاد تمام من الهوارة في بيج القرمون فأحبوه وسكن عندهم مدة ثم سكن جرجا
وكان يتردد أحيانا الى مصر وكان كثير الاجتماع بصهرنا
علي أفندي درويش المكتب وكان يحكي لي عنه أشياء كثيرة من مآثره من الصلاح والعلم
وحسن المعاشرة ومعرفة التجويد ووجوه القراءات
فلما تغيرت أحوال الصعيد اتى المترجم الى مصر وكان
حسن المذاكرة والمرافقة مع مداومة الذكر وتلاوة القرآن
غالبا
توفي تاسع عشر رمضان في بيت بعض احبابه بعلة البطن وصلى
عليه الشيخ احمد بن محمد الراشدي ودفن بالمجاورين
ومات العمدة الفاضل اللغوي الماهر المنشىء الاديب الشيخ
عبد الله ابن منصور التلباني الشافعي المعروف بكاتب المقاطعة وهو بن أخت الشيخ
المعمر أحمد بن شعبان الزعبلي ولد سنة 1098 تقريبا وأدرك الطبقة الاولى من الشيوخ العزيزي
والعشماوي والنفراوى
وكانت له معرفة تامة بعلم اللغة والقراءة واقتنى كتبا
نفيسة في سائر الفنون وكان سموحا باعارتها لاهلها وكان يعرف مظنات المسائل في
الكتب
وكان الاشياخ يجلونه ويعرفونه مقامه ولما دخل الشيخ ابن
الطيب أحبه واغتبط به وبصحبته وحصل حاشيته على القاموس في مجلدين حافلين استكتابا
وقرظ على شرح البديعية لعلي بن تاج الدين القلعي ذكر فيه من نوع وسع الاطلاع له
ولم يزل حتى فأجاته المنون في ثالث عشرين شعبان من السنة
وصلي عليه بالجامع الازهر ودفن شرقي مقام سيدي عبد الله المتوفي بالمجاورين رحمه
الله
ومات الامير الجليل ابراهيم افندي الهياتم جمليان مطعونا
في نهار الاربع ثالث عشرين المحرم من السنة
سنة ست وثمانين ومائة وألف فيها في المحرم خرج علي بك
الى جهة البساتين كما تقدم في أواخر العام الماضي وعمل متاريس ونصب عليها المدافع
من البحر الى الجبل واجتهد في تشهيل تجريدة وأميرها علي بك الطنطاوي وصحبته باقي
الامراء الذين قلدهم والعسكر فعدوا في منتصفه لمحاربة محمد بك أبي الذهب واسمعيل بك
ومن معهما
وكانوا سائرين يريدون مصر فتلاقوا
معهم عند بياضة ووقعت بينهم معركة قوية ظهر فيها فضل
القاسمية وخصوصا أباع صالح بك وعلي أغا المعمار ووقعت الهزيمة على عسكر علي بك
وساق خلفهم القبالي مسافة فمانعوا عن أنفسهم وعدوا على دير الطين وكان علي بك
مقيما به فلما حصل ما حصل اشتد القهر بالمذكور وتحير في أمره وأظهر التجلد وأمر
بالاستعداد وترتيب المدافع وأقام الى آخر النهار وتفرق عنه غالب عساكره من
المغاربة وغيرهم
وحضر محمد بك الى البر المقابل لعلي بك ونصب صيوانه
وخيامه تجاهه فتفكر علي بك في أمره وركب عند الغروب وسار الى جهة مصر ودخل من باب القرافة
وطلع الى باب العزب فأقام به حصة من الليل
وأشيع بالمدينة ان مراده المحاصرة بالقلعة
ثم انه ركب الى داره وحمل حموله وأمواله وخرج من مصر
وذهب الى جهة الشام وذلك ليلة الخامس والعشرين من شهر المحرم وصحبته علي بك
الطنطاوي وباقي صناجقه ومماليكه وأتباعه وطوائفه
فلما أصبح يوم الخميس سادس عشرينه عدى محمد بك الى بر
مصر وأوقدوا النار في ذلك اليوم في الدير بعد ما نهبوه ودخل محمد بك الى مصر وصار
أميرها ونادى أصحاب الشرطة على اتباعه بان لا أحد ياؤيهم ولا يتاويهم فكاننت مدة
غيبته سبعين يوما
وأرسل عبد الرحمن اغا مستحفظان الى عبد الله كتخدا
الباشا فذهب اليه بداره وقبض عليه وقطع رأسه ونادى بابطال المعاملة التي ضربها
المذكور بيد رزق النصراني وهي قروش مفرد ومجوز وقطع صغار تصرف بعشرة أنصاف وخمسة
انصاف ونصف قرش
وكان أكثرها نحاسا وعليها علامة علي بك
وأما من مات في هذه السنة من العظماء
فمات السيد الامام العلامة الفقيه المحدث الفهامة الحسيب
النسيب السيد علي بن موسى بن مصطفى بن محمد بن شمس الدين بن
محب الدين بن كريم الدين بن بهاء الدين داود بن سليمان
بن شمس الدين ابن بهاء الدين داود الكبير بن عبد الحفيظ بن أبي الوفاء محمد البدري
ابن أبي الحسن علي بن شهاب الدين أحمد بن بهاء الدين داود بن عبد الحافظ ابن محمد بن
بدر ساكن وادي النسور بن يوسف بن بدران بن يعقوب بن مطر بن زكي الدين سالم بن محمد
بن محمد بن زيد بن حسن بن السيد عريض المرتضى الاكبر ابن الامام زيد الشهيد ابن
الامام علي زين العابدين ابن السيد الشهيد الامام الحسين ابن الامام علي بن أبي
طالب الحسيني المقدسي الأزهري المصري ويعرف بابن النقيب لأن جدوده تولوا النقابة
ببيت المقدس ولد تقريبا سنة 1125 بيت المقدس وبها نشأ وقرأ القرآن على الشيخ مصطفى
الاعرج المصري والشيخ موسى كبيبة علي عود ومحمد بن نسبة الفضلي المكي وأخذ العلم
عن عم أمه صاحب الكرامات حسين العلمي نزيل لد وأبي بكر بن أحمد العلمي مفتي القدس
والشيخ عبد المعطي الخليلي ووصل الى الشام فحضر دروس الشيخ أحمد المتيتي والشيخ اسمعيل
العجلوني والشيخ عبد الغني النابلسي واجتمع على الشيخ صالح البشيري الآخذ عن الخضر
عليه السلام وعامر ابن نعير وأحمد القطناني ومصطفى بن عمر والدمشقي
وكان من الابدال وأحمد النحلاوي وكان من أرباب الكشف
ومحمد بن عميرة الدمشقي وعمران الدمشقي وزيد اليعبداوي وخليفة بن علي اليعبداوي ورضوان
الزاوى وأحمد الصفدي المجذوب والشيخ مصطفى بن سوار ودخل حماة فأخذ عن القطب السيد
يس القادري وحلب فأخذ بها عن أحمد البني وعبد الرحمن السمان كلاهما من تلاميذ
الشيخ أحمد الكتبي وعن الشيخ محمد بن هلال الرامهداني والشيخ عبد الكريم الشرباتي
وعاد الى بيت المقدس فاجتمع بالشيخ عبد الغني النابلسي أيضا وبالسيد مصطفى البكري
بحلب حين كان راجعا من بغداد فأخذ عنه الطريقة ورغبة
في مصر فوردها وحضر على الشمس السجيني ومصطفى العزيزي
والسيد علي الضرير الحفني وأحمد بن مصطفى الصباغ والشهابين الملوي والجوهري والشمس
الحنفي وأحمد العماوي وشيخ المذهب سليمان المنصوري وأجازه سيدي يوسف بن ناصر
الدرعي وأحمد العربي وأحمد بن عبد اللطيف زروق وسيدي محمد العياشي الاطروش والشيخ
ابن الطيب في آخرين ورأس في المذهب وتمهر في الفنون ودرس بالمشهد الحسيني في
التفسير والفقه والحديث واشتهر أمره وطار صيته
وكان فقيها في المذهب بارعا في معرفة فنونه عارفا بأصوله
وفروعه ويستنبط الاحكام بجودة ذهنه وحسن حافظته ويكتب على الفتاوى برائق لفظه
وكانت له في النثر طريقة غريبة لا يتكلف في الاسجاع واذا
سئل عن مسألة كتب عليها الجواب أحسن من الروض جاد به الغمام وأغزر من الوبل ساعده
نوء النعام
ويكتب في الترسل على سجية بادرة وفكرة على السرعة صاددة
وكان ذا جود وسخاء وكرم ومرؤة ووفاء لا يدخل في يده شىء من متاع الدنيا الا وبذله
لسائليه وأغدق به على معتفيه وكان منزله الذي قرب المشهد الحسيني مورد الآملين
ومحطا لرجال الوافدين مع رغبته في الخيل المنسوبة وحسن معرفته لانسابها وعزوه
لاربابها وكان اصطبله دائما لا يخلو من اثنين أو ثلاثة يركب عليها في شرائها
لمعرفته بالفروسية في رمي السهام واستعمال السلاح واللعب بالرماح وغير ذلك
ولما ضاق عليه منزله لكثرة الوفاد عليه ولكثرة ميله الى
ربط الخيول انتقل الى منزل واسع بالحسينية في طرف البلد بناء على ان الاطراف مساكن
الاشراف فسكنه وعمر فيه وفي الزاوية التي قرب بيته وصرف عليها مالا كثيرا
وفي سنة 1177 استخار الله تعالى في التوجه الى دار
السلطنة لامور اوجبت رحلته اليها منها انه ركبت عليه الديون وكثر مطالبوها وضاق
صدره من عدم مساعدة الوقت له وكان اذ ذاك محل تدريسه
بالمشهد الحسيني وعزم عبد الرحمن كتخدا على هدمة وانشائه على هذه الصورة ورأي أن
هذه البطالة تستمر أشهرا فوجد فرصة وتوجه اليها وقرأ دروسا في الحديث في عدة جوامع
واشتهر هناك بالمحدث وأقبلت عليه الناس أفواجا للتلقي واحبته الامراء وأرباب
الدولة وصارت له هناك وجاهة
الا انه كان في درسه ينتقل تارة الى الرد العنيف على
أرباب الاموال والاكابر وملوك الزمان وينسبهم الى الجور والعدوان وانحرافهم عن
الحق فوشي به الحاسدون فبرز الامر بخروجه من البلد وكان قد تزوج هناك فعاد الى مصر
فلما وصل الى بولاق ذهب اليه جماعة من الفضلاء واستقبلوه
واستقر في منزله وعاد الى دروسه في المشهد وذلك سنة 1183
ولم يترك عادته المألوفة من اكرام الضيوف وبذل المعروف وكان لا يصبر على الجماع
وعنده ثلاث نسوة شامية ومصرية ورومية واذا خرج الى الخلاء أو بعض المنتزهات أخذ
صحبته من يريدها منهن ونصب لها خيمة وألف الاغتسال مدة اقامته يوما أو يومين أو اكثر
واتفق له في آخر أمره انه ذهب عند محمد بك أبي الذهب
وكان في ضائقة فحادثه الامير على سبيل المباسطة وقال له كيف رأيت أهل اسلامبول
فقال لم يبق باسلامبول ولا بمصر خير ولا يكرمون الاشرار الخلق وأما أهل العلم والاشراف
فانهم يموتون جوعا
ففهم الامير تعريضه وامر له بمائة الف نصف فضة من
الضربخانة فقضى منها بعض ديونه وأنفق باقيها على الفقراء وعاش بعدها أربعين يوما
وتعلل بخراج أياما واحضروا له رجلا يهوديا فقصده بمشتر قيل انه مسموم فكان سببا
لموته
وتوفي عصر يوم الاحد سادس شهر شعبان من السنة وجهز في
صبح يوم الاثنين وصلى عليه بالازهر في مشهد حافل ودفن بمقبرة باب النصر على أكمة هناك
ولما أحضر له الناس من الاعيان
عدة أكفان وكل منهم يريد أن لا يوضع الا في كفنه فاخذوا
من كل كفن قطعة وكفنوه في مجموع ذلك جبرا لخواطرهم
وأعطى الامير محمد بك لاخيه مولانا السيد بدر الدين
عندما أخبره بموته خمسمائة ريال لتجهيزه ولوازمه
وجلس مكانه في الدار أخوه السيد بدر المذكور وتصدره
مكانه لاملاء درس الحديث النبوي بمسجد المشهد الحسيني وأقبلت عليه الناس والاعيان
ومشى على قدم أخيه وسار سيرا حسنا وجرى على نسقه وطبيعته في مكارم الاخلاق واطعام الطعام
واكرام الضيفان والتردد الى الاعيان والامراء والسعي في حوائج الناس والتصدي لاهل
حارته وخطته في دعاويهم وفصل خصوماتهم وصلحهم والذب عنهم ومدافعة المتعدى عليهم
ولو من الامراء والحكام في شكاويهم وتشاجرهم وقضاياهم حتى صار مرجعا وملجأ لهم في
أمورهم ومقاصدهم وصار له وجاهة ومنزلة في قلوبهم ويخشون جانبه وصولته عليهم
ثم انه هدم الزاوية وما بجانبها وأنشأها مسجدا نفيسا
لطيفا وعمل به منبرا وخطبة ورتب به اماما وخطيبا وخادما وجعل بجانبه ميضاه ومصلى
لطيفة يسلك اليهما من باب مستقل وبها كراسي راحة وأنشأ بجانب المسجد دارا نفيسة
وانتقل اليها بعياله وترك الدار التي كانت سكنه مع اخيه لانها كانت بالاجرة وبنى
لاخيه ضريحا بداخل ذلك المسجد ونقله اليه وذلك سنة 1205
فلما كانت الحوداث في سنة 1213 واستيلاء الفرنسيس على
الديار المصرية وقيام سكان الجهة الشرقية من أهلى البلد وهي القومة الاولى التي
قتل فيها دبوي قائمقام تحركت في السيد بدر الدين المذكور الحمية وجمع جموعه من اهل
الحسينية والجهات البرانية وانتبذ لمحاربة الافرنج ومقاتلتهم وبذل جهده في ذلك
فلما ظهر الافرنج على المسلمين لم يسع المذكور الاقامة
وخرج فارا الى جهة البلاد الشامية وبيت المقدس وفحص عنه الافرنج وبثوا خلفه
الجواسيس
فلم يدركوه فعند ذلك نهبوا داره ودهموا منها طرفا وكل
تخريبها أوباش الناحية وخربوا المسجد وصارت في ضمن الاماكن التي خربها الفرنسيس
بهدم ما حول السور من الابنية ثم في الواقعة الكبيرة الثانية عندما حضر الوزير
والعساكر الرومية ورجعوا بعد نقض الصلح بدون طائل كما يأتي تفصيل ذلك
فلما حضروا ثانيا بمعونة الانكليز وتم الامر وسافر
الفرنسيس الى بلادهم ورجع المذكور الى مصر وشاهد ما حصل لداره ومسجده من التخريب
أخذ في اسباب تعميرهما وتجديدهما حتى أعادهما أحسن مما كانا عليه قبل ذلك وسكن بها
وهو الآن بتاريخ كتابة هذا المجموع سنة 1220 قاطن بها ومحله مجمع شمل المحبين ومحط
رحال القاصدين بارك الله فيه
ومات الفقيه المفنن العلامة الشيخ علي ين شمس الدين بن
محمد بن زهران بن علي الشافعي الرشيدي الشهير بالخضري ولد بالثغر سنة أربع وعشرين
وأمه آمنة بنت الحاج عامر بن أحمد العراقي وأمها صالحة بنت الشريف الشريف الحاج
علي زعيتر أحد أعيان التجار برشيد حفظ المترجم الزبد والخلاصة وسبيل السعادة
والمنهج الى الديات والجزرية والجوهرة وسمع على الشيخ يوسف القشاشي الجزرية وابن
عقيل والقطر وعلى الشيخ عبد الله بن مرعي الشافعي في شوال سنة احدى واربعين جمع
الجوامع والمنهج وألقى منه دروسا بحضرته ومختصر السعد واللقاني على جوهرته وشرح
ابنه عبد السلام والمناوي على الشمائل والبخاري وابن حجر على الاربعين والمواهب
وعلى الشمس محمد بن عمر الزهيرى معظم البخارى دراية والمواهب وابن عقيل والاشموني
على الخلاصة وجمع الجوامع والمصنف على أم البراهين ونصف النفراوي على الرسالة
والبيضاوي الى قوله تعالى واذا وقع القول فكلمه بعد موته
وفي سنة ثمان وثلاثين وفد على الثغر الشيخ عطية الاجهوري
فقرأ
عليه العصام في الاستعارات مع الحفيد وعلى الشيخ محمد
الادكاوي شرح السيوطي على الخلاصة والشنشوري على الرحبية والتحرير لشيخ الاسلام ثم
قدم الجامع الازهر سنة ثلاث وأربعين فجاور ثلاث سنوات فسمع على الشيخ مصطفى العزيزي
شرح المنهج مرتين والخطيب والشمائل واجازه بالافتاء والتدريس في رجب سنة ست
وأربعين وكان به بارا رحيما شفوقا بمنزلة الوالد حتى بعد الوفاة وجرت له معه وقائع
كثيرة تدل على حسن توجهه له دون غيره من الطلبة
وسمع على السيد علي الحنفي الضرير الاشموني وجمع الجوامع
والمغني وبعض المنفرجة والقسطلاني على البخاري وتصريف العزى على الشمس محمد الدلجي
المغني كله قراءة بحث والخطيب وجمع الجوامع وعلى الشيخ علي قايتباي الخطيب فقط
وعلى الشيخ الحفني الخطيب والمنهج وجمع الجوامع والاشموني ومختصر السعد وألفية
المصطلح ومعراج الغيطي وعلى أخيه الشيخ يوسف الاشموني والمختصر ورسالة الوضع وعلى
الشيخ عطية الاجهوري المنهج والمختصر والسلم وعلى أحمد الشبراملسي الشافعي المختصر
والتجرير وبعض العصام ومنظومة في أقسام الحديث الضعيف وعلى الشيخ محمد السجيني
الشمائل وموضع من المنهج وأجازه الشيخ الشبراوي بالكتب الستة بعد أن سمع عليه بعضا
منها ورجع عن فتواه مرتين في وقفين وعلى الشيخ أحمد بن سابق الزعبلي المنهج كله
مرتين وعلى الشيخ أحمد المكودى كبرى السنوسي وبعض مختصره دراية وعلى الشيخ محمد
المنور التلمساني شيخ المكودى المذكور أم البراهين دراية وعلى الشيخ أحمد العماوي
المالكي بعض سنن أبي داود وجمع الجوامع والمغني والازهرية
ولما رجع الى الثغر لازم الشيخ شمس الدين الغوى خطيب
جامع المحلي فسرد عليه معظم متن الزبد والمنهج وشرحه والشنشورى ومتن العباب وهو
الذي عرفه به وبطريق تركيب الفتاوى أسئلة وأجوبة
وكان يقول لا بد للمبتلي بالافتاء من العباب لوضوحه
واستيعابه
وأجازه الشيخ شلبي البرلسي والشيخ عبد الدائم بن أحمد
المالكي وأحمد بن أحمد بن قاسم الوني
وله مؤلفات جليلة منها شرح لقطة العجلان وحاشية على شرح
الاربعين النووية للشبشيرى أجاد فيها كل الاجادة وقد رأيت كلا منهما بالثغر عند
ولده السيد أحمد توفي في خامس عشرين شعبان من السنة
ومات الشاب الصالح والنجيب الاريب الفالح العلامة
المستعد النبيه الذكي الشيخ محمد بن عبد الواحد بن عبد الخالق البناني أبوه وجده
وعمه من أعيان التجار والثروة بمصر نشأ في عفة وصلاح وحفظ القرآن والمتون وحبب
اليه طلب العلم فتقشف لذلك وتجرد ولازم الحضور والطلب ودأب واجتهد في التحصيل وسهر
الليل وكان له حافظة جيدة وفهم حاد وقوة استعدادية وقابلية فأدرك في الزمن اليسير
ما لم يدركه غيره في الزمن الكثير ولازم شيخنا الشيخ محمد الجناحي المعروف
بالشافعي ملازمة كلية وتلقى عنه غالب تحصيله في الفقه والمعقول والمنطق
والاستعارات والمعاني والبيان والفرائض والحساب وشباك ابن الهاثم وغير ذلك وحضر
دروس الشيخ الصعيدي والدردير وغيرهم حتى مهر وأنجب ودرس واشتهر بالفضل وعمل الختوم
وحضره أشياخ العصر وشهدوا بفضله وغزارة علمه وانتظم في عداد أكابر المحصلين والمفيدين
والمستفيدين ولم يزل هذا حاله حتى وافاه الحمام وانمحق بدره عند التمام ومات
مطعونا في هذه السنة وهو مقتبل الشبيبة لم يجاوز الثلاثين عوضه الله الجنة وهو ابن
عم الامام العلامة الشيخ مصطفى بن محمد بن عبد الخالق من أعيان العلماء المشاهير
بمصر الآن بارك الله فيه
ومات الفقيه الفاضل المحقق الشيخ أحمد بن أحمد الحمامي
الشافعي
الازهري ولد بمصر واشتغل بالعلم من صغره ومال بكليته
اليه وحبب اليه مجالسة أهله فلازم الشيخ عيسى البراوى حتى مهر وتفقه عليه وحضر
دروس الشمس الحفني والشيخ علي الصعيدي وغيرهما واجازوه وحج في سنة خمس وثمانين
مرافقا لشيخنا الشيخ مصطفى الطائي ورجعا الى مصر وتصدر للتدريس والافتاء في حياة شيوخه
ودرس وأفاد
وكان أكثر ملازمته لزاوية الشيخ الخضرى ويقرأ درسا بالصرغتمشية
وانتفع به جماعة وله حاشية على الشيخ عبد السلام مفيدة وأخرى على الجامع الصغير للسيوطي
لم تتم وكان ذا صلاح وورع وخشية من الله وسكون ووقار
توفي يوم الاربعاء تاسع ربيع الاول من السنة ودفن ثاني
يوم بمشهد عظيم بالقرب من السادة المالكية
ومات الامام الصوفي العارف المعمر الشيخ علي بن محمد بن
محمد بن أحمد بن عبد القدوس ابن القطب شمس الدين محمد الشناوي الروحي الاحمدي
المعروف ببندق ولد قبل القرن وأخذ عن عميه محمد العالم وعلي المصرى وهما عن عمهما
الشمس محمد بن عبد القدوس الشهير بالدناطي عن ابن عمه الشهاب الخامي ومسكنهم بمحلة
روح وهو شيخ مشايخ الاحمدية في عصره
وانتهت اليه الرياسة في زمنه وعاش كثيرا حتى جاوز المائة
ممتعا بالحواس وكان له خلوة في سطح منزله ولها كوة مستقبلة طندتا بين يديها فضاء
واسع يرى منها آثار طندتا وهو مستقبل القبلة في حال جلوسه ونومه ونظره الى تلك
الكوة
وأخبرني أولاده انه هكذا هو مستمر على هذه الطريقة من
مدة طويلة
توفي في أوائل جمادى الاولى من السنة واجتمع بمشهده غالب
أهل البلاد من المشايخ والاعيان والصلحاء من الآفاق والسيد محمد مجاهد الاحمدي
والشيخ محمد الموجه والسيد أحمد تقي الدين وغيرهم ودفن عند أسلافه بمحلة روح
ومات الامير خليل بك ابن ابراهيم بك بلفيا تقلد الامارة
والصنجقية بعد موت والده وفتح بيتهم وأحيا ما آثرهم وكان أهلا للامارة ومحلا
للرئاسة وتقلد امارة الحج في سنة احدى وثمانين ورجع في أمن وسخاء وطلع أيضا في
السنة الثانية ومات بالحجاز ورجع بالحج أخوه عبد الرحمن أغا بلفيا
ومات الاجل المكرم الرئيس محمد تابع المرحوم محمد أوده
باشه طبال مستحفظان ميسو الجداوى وهو زوج الجدة أم المرحوم الولد تزوج بها بعد موت
الجد في سنة 1114 وقطن بها ببندر جدة وأولدها حسينا ومحمدا وتوفي سنة أربع وخمسين
عن ولديه المذكورين وأخيهما محمود من أبيهما وعتقائه ومنهم المترجم قرباه ابن سيدة
وهو العم حسين فأنجب وعانى التجارة ورئاسة المراكب الكبار ببحر القلزم حتى صار من
أعيان النواخيد الكبار واشتهر صيته وذكره وكثر ماله وبنى دارا بمصر بجوار المدارس
الصالحية واشترى المماليك والعبيد والجوارى وصار له داربمصر وبجدة ولم يزل حتى
توفي بالشام وهو راجع الى مصر ووصل نعيه في سابع عشرين ربيع الثاني رحمه الله
ومات الخواجا الصالح المعمر الحاج محمد بن عبد العزيز
البندارى وكان انسانا حسنا وهو الذي عمر العمارة والمساكن بطندتا واشتهرت به
توفي في غرة ربيع أول بعد تعلل رحمه الله تعالى
سنة سبع وثمانين ومائة وألف فيها تواترت الاخبار
والارجافات بمجيء علي بك من البلاد الشامية بجنود الشام وأولاد الظاهر عمر فتهيأ
محمد بك للقائه وبرز خيامه الى جهة العادلية ونصب الصيوان الكبير هناك وهو صيوان
صالح بك وهو في غاية العظم والاتساع والعلو والارتفاع وجميعه بدوائره من جوخ
صاية وبطانته بالاطلس الاحمر وطلائعه وعساكره من نحاس
أصفر مموه بالذهب
فأقام يومين حتى تكامل خروج العسكر ووصل الخبر بوصول علي
بك بجنوده الى الصالحية فارتحل محمد بك في خامس شهر صفر فالتقيا بالصالحية وتحاربا
فكانت الهزيمة على علي بك واصابته جراحة في وجهه فسقط عن جواده فاحتاطوا به وحملوه
الى مخيم محمد بك وخرج اليه وتلقاه وقبل يده وحمله من تحت ابطه حتى أجلسه بصيوانه
وقتل علي بك الطنطاوي وسليمان كتخدا وعمر جاويش وغيرهم وذلك
يوم الجمعة ثامن شهر ضفر ووصل خبر ذلك الى مصر في صبح يوم السبت وحضروا الى مصر
وأنزل محمد بك أستاذه في منزله الكائن بالازبكية بدرب عبد الحق وأجرى عليه الاطباء
لمداواة جراحاته
وفي خامس عشر صفر وصل الحجاج ودخلوا الى مصر وأمير الحج
ابراهيم بك محمد
وفي تلك الليلة توفي الامير علي بك بعد وصوله بسبعة أيام
قيل انه سم في جراحاته فغسل وكفن ودفنوه عند اسلافه بالقرافة
وفي سابع عشر ربيع الاول وصل الوزير خليل باشا والي مصر
واطلع الى القلعة في موكب عظيم وذلك يوم الخميس تاسع عشرة وضربوا له مدافع وشنكا
من الابراج
وكان وصوله من طريق دمياط فعمل الديوان وخلع الخلع
ومات في هذه السنة الشيخ الامام الصالح العلامة المفيد
الشيخ أحمد ابن الشيخ شهاب الدين أحمد بن الحسن الجوهرى الخادلى الشافعي ولد بمصر
سنة 1132 وبها نشأ وسمع الكثير من والده ومن شيخ الكل الشهاب الملوى وآخرين
وتصدر في حياة أبيه للتدريس وحج معه وجاور سنة وكان
انسنا حسنا ذا مودة وبر وشهامة ومروءة تامة واخلاق لطيفة
توفي بعد ان تعلل أياما في حادي عشري ربيع الاول وصلي
عليه بالجامع الازهر بمشهد حافل ودفن مع والده بالزاوية
القادرية بدرب شمس الدولة
ومات المبجل المفضل الامام العارف صاحب المعارف علي بن
محمد بن القطب الكامل السيد محمد مراد الحسيني البخاري الاصل الدمشقي الحنفي ويعرف
بالمرادى نسبة لجده المذكور ولد بدمشق وأخذ عن أبيه وغيره من العلماء كعلي بن صادق
الداغستاني وغيره وكان انسانا عظيم الشأن ساطع البرهان طيب الاعراق كريم الاخلاق
منزله مأوى القاصدين ومحط رجال الواردين وهو والد خليل أفندي المفتي بدمشق نزل عنده
السيد العيدروس فأكرمه وبره ولم يزل حتى توفي في هذه السنة
وتوفي بعده بشهرين أيضا أخوه حسين أفندي المرادى رحمهما
الله
ومات الماهر الاديب الشاعر الكاتب المنشىء الشيخ ابراهيم
بن محمد سعيد بن جعفر الحسني الادريسي المنوفي المكي الشافعي ولد في آخر القرن
الحادى عشر بمكة وأخذ عن كبار العلماء كالبصرى والنخلي وتاج الدين القلعي والعجمي
ثم من الطبقة التي تليه مثل علي السخاوى وابن عقيلة في آخرين من الواردين على الحرمين
من آفاق البلاد واعلى ما عنده اجازة الشيخ ابراهيم الكوراني له وله شعر نفيس وقد
جمع في ديوان وبينه وبين السيد جعفر البيثي والسيد العيدروس مخاطبات ومحاورات ودخل
الهند بسفارة صاحب مكة فأكرم وعاد الى مكة وولي كتابة السر لملكها وكان يكاتب رجال
الدولة على لسانه على إختلاف طبقاتهم وكان قلمه كلسانه سيالا وربما شرع في كتابة
سورة من القرآن وهو يتلو سورة أخرى بقدرها فلا يغلط في كتابته ولا في قراءته حتى
تتما معا وهذا من أعجب ما سمعت
وكان له مهارة ومعرفة في علم الطب واما انشاآته فاليها
المنتهي في العذوبة وتناسب القوافي
وأما في نظمه فهو فريد عصره لا يجاريه فيه مجار ولا
يطاوله مطاول
ومات البارع المقرىء المجود المحدث الشيخ عبد القادر بن
خليل بن عبد الله الرومي المدني المعروف بكدك زاده ولد بالمدينة سنة 1140 وبها نشأ
وحفظ القرآن وجوده على شيخ القراء شمس الدين محمد السجاعي نزيل المدينة تلميذ البقرى
الكبير وحفظ الشاطبية واشتغل بالعلم على علماء بلده والواردين عليه سمع اكثر كتب
الحديث على الشيخين ابن الطيب ومحمد حياة بقراءته عليهما في الاكثر ولازم الشيخ
ابن الطيب ملازمة كلية حتى صار معيدا لدروسه وكان حسن النغمة طيب الاداء ولي
الخطابة والامامة بالروضة المطهرة وكان اذا تقدم الى المحراب في الصلوات الجهرية
تزدحم عليه الخلق لسماع القرآن منه ثم ورد الى مصر فأدرك الشيخ المعمر داود بن
سلمان الخربتاى فتلقى منه أشياء واجازه وذلك في سنة 1168 وحضر الشيخ الملوى
والجوهرى والحفني والبليدى وحمل عنهم الكثير وتزوج ثم توجه الى الروم ثم عاد الى
المدينة فلم يقر له بها قرار ثم أتى الى مصر ودار على الشيوخ البقية ثانيا وأخذ
عنهم وأحبه السيد اسمعل بن مصطفى الكماخي وصار يجلس عنده أياما في منزله الملاصق
لجامع قوصون فشرع في أخذ خطابته له فاشترى له الوظيفة فخطب به على طريقة المدينة
وازدحمت عليه الناس وراج أمره وتزوج ثم توجه الى الروم وباع الوظيفة وانخلع عما
كان عليه وجلس هناك مدة وسمع السلطان قراءته في بعض المواضع في حالة التبديل فأحب أن
يكون اماما لديه وكاد أن يتم فاحس امام السلطان بذلك فدعاه الى منزله وسقاه شيئا
مما يفسد الصوت حسدا عليه فلما أحس بذلك خرج فارا فعاد الى مصر واشتغل بالحديث
وشرع في عمل المعجم لشيوخه الذين أدركهم في بلده وفي رحلاته الى البلاد
ودخل حلب فاجتمع بالشيخ أبي المواهب القادرى وقرأ عليه شيئا
من الصحيح وأجازه واخذ عن السيد المعمر ابراهيم بن محمد الطرابلسي النقيب ومن
درويش مصطفى الملقي ودخل طرابلس الشام وأخذ الاجازة من الشيخ
عبد القادر الشكعاوي ودخل خادم ( احدى قرى الروم ) فاجتمع بالشيخ المعروف بمفتي
خادم ورام ان يسمع منه الآولية فلم يجد عنده اسنادا وانما هو من أهل المعقول فقط
ورجع الى مصر فاجتمع بشيخنا السيد مرتضى وتلقى عنه الحديث واهتم في جمع رجاله
وتمهر في الاسناد وجمع من ذلك شيئا كثيرا في مسودات بخطه ثم عاد الى الحريمن
ومنهما الى ارض اليمن فاجتمع بمن بقي من الشيوخ وأخذ عنهم ودخل صنعاء ومدح كلا من
الوزير والامام بقصيدة فأكرم بها واجتمع على علمائها وتلقى عنهم وصار بينه وبين
الشيخ أحمد قاطن أحد علمائها محاورات ثم دخل كوكيان فاجتمع على فريد عصره السيد
عبد القادر بن أحمد الحسني من بيت الائمة ودخل شبام فأجتمع على السيد ابراهيم بن
عيسى الحسني واللحية فأجتمع بها على الشيخ عيسى زريق وذلك في سنة 1185 وعاد الى
مصر بالفوائد الغزار وبما حمل في طول غيبته من النوادر والاسرار وفي هذه الخطرات
التي ذكرت دخل الصعيد من طريق القصير واجتمع على مشايخ عربان الهوارة ومدحهم
بقصائد طنانة وأكرموه وله ديوان جمع فيه شعره وما مدح به الآكابر والاولياء وكان
عنده مسودة بخطه وهذا قبل أن يسافر الى الشام والروم واليمن والصعيد فقد تحصل له
في هذه السفرات كلام كثير مفرق لم يلحقه بالديوان وكان كلما نزل في موضع ينشيء فيه
قصيدة غريبة في بابها وكان يغوص على المعاني بفكرة الثاقب فيستخرجها ويكسوها حلة
الالفاظ ويبرزها أعجوبة تلعب بالعقول وتعمل عمل الشمول فلله دره من بليغ لم يبلغ
معاصروه شأوه ولو اقام في موضع كغيره لاطلع ضياه ولكنه الف الغربة وهانت عنده
الكربة فلم ينال بخشن ولا لين ولم يكترث بصعب ولا هين وأجازه الشيخ محمد السفاريني
أجازه طويلة في خمسة
كراريس فيها فوائد جمة
ولم يزل تتنقل به الاحوال حتى سافر الى القدس الشريف
فمكث هناك قليلا وزار المشاهد الكرام ومراقد الانبياء عليهم الصلاة والسلام ثم
ارتحل الى نابلس فنزل في دار السيد موسى التميمي وهو اذ ذاك قاضي البلد فأكرمه
وآواه واحترمه
ومرض اياما وانتقل الى رحمة الله تعالى في سلخ جمادى
الثانية منها ووصل نعيه الى مصر وكانت معه كتبه وما جمعه في سفره من شعره والعجم
الذي جمعه في الشيوخ والاجراء والاماني التي حصلها وضاع ذلك جميعه ولله في خلقه ما
أراد
ومات العمدة الشاب الصالح الشيخ محمد بن حسن الجزايرلي
ثم المدني الحنفي الازهري ولد بمكة اذ كان والده يتجر بالحرمين في حدود الستين
وقدم به الى مصر فلازم الشيخ حسن المقدسي مفتي الحنفية ملازمة كلية وانضوى اليه
فقرأ عليه المتون الفقهية ودرجه في أدنى زمن الى معرفة طرق الفتوى حتى كان معيدا لدروسه
وكاتبا لسؤالاته وربما كتب على الفتوى بأذن شيخه
وفي أثناء حضر في المعقول على الشيخ الصعيدي والشيخ
البيلي والشيخ محمد الامير وغيرهما من مشايخ الوقت وحصل طرفا من العلوم وصارت له
الشهرة في الجملة وأعطاه شيخه تدريس الحديث بالصرغتمشية فكان في كل جمعة يقرأ فيه
البخاري وزوجه امرأة موسرة لها بيت بالازبكية
وبعد وفاة شيخه تصدر لللاقراء في محله وصار ممن يشار
اليه ولم يزل حتى مات في عنفوان شبابه في هذه السنة ويقال ان زوجته سمته
ومات الامير الكبير علي بك الشهير صاحب الوقائع المذكورة
والحوادث المشهورة وهو مملوك ابراهيم كتخدا تابع سليمان جاويش تابع مصطفى كتخدا القازدغلي
تقلد الامارة والصنجقية بعد موت استاذه في سنة 1168 وكان قوي المراس شديد الشكيمة
عظيم الهمة لا يرضى لنفسه
بدون السلطنة العظمى والرياسة الكبرى لا يميل لسوى الجد
ولا يحب اللهو ولا المزح ولا الهزل ويحب معالي الامور من صغره
واتفق ان بعض ولاة الامور تشاوروا في تقليده الامارة
فنقل اليه مجلسهم وذكر له مساعدة فلان وممانعة فلان فقال انا لا اتقلد الامارة الا
بسيفي لا بمعونة أحد
ولم يزل يرقى في مدارج الصعود حتى عظم شأنه وانتشر صيته ونما
ذكره وكان يلقب بجن علي ولقب أيضا ببلوط قبان وانضم الى عبد الرحمن كتخدا واظهر له
خلوص المحبة واغثر هو ايضا به وظن صحة خلوصه فركن اليه وعضده وساعده ونوه بشأنه
ليقوى به على نظرائه من الاختيارية والمتكلمين
واتفق انه وقع بين أحمد جاويش المجنون تابعه وبين أهل
وجاقة حادثة نقموا عليه فيها وأوجبوا عليه النفي بحسب قوانينهم واصطلاحهم واعرضوا
الامر على عبد الرحمن كتخدا استاذه فعارض في ذلك ولم يسلم لهم في نفي أحمد جاويش
ورأى ذلك نقصا في حقه فتلطف به بعضهم وترجوا في اخراجه ولو الى ناحية ترسا بالجيزة
أياما قليلة مراعاة وحرمة للوجاق فلم يرض وحنق واحتد
فلما كان في اليوم الثاني واجتمع عليه الامراء والاعيان على
عادتهم قال لهم أيها الامراء من انا اجابه الجميع بقولهم أنت استاذنا وابن استاذنا
وصاحب ولائنا
قال اذا أمرت فيكم بامر تنفذوه وتطيعوه قالوا نعم
قال علي بك هذا يكون أميرنا وشيخ بلدنا ومن بعد هذا
اليوم يكون الديوان والجمعية بداره وانا أول من اطاعه وآخر من عصى عليه
فلم يسعهم الا قبول ذلك بالسمع والطاعة وأصبح راكبا الى
بيت علي بك وتحول الديوان والجمعية اليه من ذلك اليوم واستفحل أمره ولم يمض على
ذلك الا مدة يسيرة حتى أخرج أحمد جاويش المذكور وحسن كتخدا الشعرواي وسليمان بك الشابوري
كما تقدم ثم غدر به أيضا واخرجه الى الحجاز من طريق السويس وأرسل معه صالح بك
ليوصله الى ساحل
القلزم فلما شيعه هناك أرسل بنفي صالح بك الى غزة ثم رد
الى رشيد ومنها ذهب الى منية ابن خصيب وتحصن بها وجرد عليه المترجم التجاريد ولم
يزل ممتنعا بها حتى تعصب على المترجم خشداشينه واخرجوه منفيا الى النوسات ثم وجهوه
الى السويس بعد قتل حسن بك الأزبكاوى ثم منها الى الجهة القبلية بعد قتل عثمان بك
الجرجاوى وانضم الى صالح بك وتعاقد معه وحضر معه الى مصر وقتل الرؤساء من أقرانه
ثم غدر بصالح بك أيضا كما تقدم مجمل ذلك ثم نفى باقي الأعيان وفرق جمعهم في القرى والبلدان
وتتبعهم خنقا وقتلا وأبادهم فرعا وأصلا وافنى باقيهم بالتشريد وجلوا عن أوطانهم
الى كل مكان بعيد واستأصل كبار خشداشينة وقبيلته واقصى صغارهم عن ساحته وسدته
واخرب البيوت القديمة واخرم القوانين الجسيمة والعوائد
المرتبة والرواتب التي من سالف الدهر كانت منظمة وقتل الرجال واستصفى الأموال
وحارب كبار العربان والبوادي وعرب الجزيرة والهنادي واعاظم الشجعان ومقادم البلدان
وشتت شملهم وفرق جمعهم واستكثر من شراء المماليك وجمع العسكر من سائر الأجناس
واستخلص بلاد الصعيد وقهر رجالها الصناديد ولم يزل يمهد لنفسه حتى خلص له ولأتباعه
الأقليم من الأسكندرية الى أسوان ثم جرد عساكره الى البلاد الحجازية ونفذ اغراضه
بها ثم التفت الى البلاد الشامية وتابع إرسال البعوث والسرايا والتجاريد اليها
وقتل عظماءها وكبراءها وولاتها واستولت اتباعه على البلاد الشامية حتى أنهم أقاموا
في حصار يافا أربعة اشهر حتى ملكوها وعمر قلاع الاسكندرية ودمياط وحصنها بعساكره
ومنع ورود الولاة العثمانيين وكان يطلع كتب الاخبار والتواريخ وسير الملوك المصرية
ويقول لبعض خاصته ان ملوك مصر كانوا مثلنا مماليك الاكراد مثل السلطان بيبرس
والسلطان قلاوون وأولادهم وكذلك ملوك الجراكسة وهم مماليك بني
قلاون الى آخرهم كانوا كذلك وهؤلاء العثمانية أخذوها
بالتغلب ونفاق أهلها
وينوه ويشير بمثل هذا القول بما في ضميره وسريرته ولو لم
يخنه مملوكه محمد بك لرد الامور الى أصولها وكان لا يجالس الا أهل الوقار والحشمة
والمسنين مثل محمد افندي كاتب كبير الينكجرية ومصطفى افندي توكلي وعبد الله كتخدا محمد
باشا الراقم ومرتضى أغا وأحمد افندي يجالسونه بالنوبة في اوقات مخصوصة مع غاية
التحرز في الخطاب والمسامرة بوجيز القول وكاتب انشائه العربي الشيخ محمد الهلباوي
الدمنهوري وكاتبه الرومى مصطفى افندي الاشقر ونعمان افندي وهو منجمه أيضا ويجل من
العلماء المرحوم الوالد والشيخ أحمد الدمنهوري والشيخ على العدوى والشيخ أحمد
الحماقي وكاتبه القبطي المعلم رزق بلغ في ايامه من العظمة ما لم يبلغه قبطي فيما
رأينا ومن مسقاته كرع المعلم ابراهيم الجوهرى وأدرك ما أدركه بعده في ايام محمد بك
واتباعه من بعده وتتبع المفسدين والذين يتداخلون في القضايا والدعاوى ويتحيلون على
ابطال الحقوق بأخذ الرشوات والجعالات وعاقبهم بالضرب الشديد والاهانة والقتل
والنفي الى البلاد البعيدة
ولم يراع في ذلك أحدا سواء كان متعمما أو فقيها أو قاضيا
أو كاتبا أو غير ذلك بمصر أو غيرها من البناذر والقرى وكذلك المفسدون وقطاع الطريق
من العرب وأهل الحوف والزم أرباب الادراك والمقادم بحفظ نواحيهم وما في حوزهم
وحدودهم وعاقب الكبار بجناية الصغار فأمنت السبل وانكفت أولاد الحرام وانكمشوا عن
قبائحهم وايذائهم بحيث ان الشخص كان يسافر بمفرده ليلا راكبا أو ماشيا ومعه حمل
الدراهم والدنانير الى أي جهة ويبيت في الغيط أو البرية آمنا مطمئنا لا يرى مكروها
أبدا
وكان عظيم الهيبة اتفق لاناس ماتوا فرقا من هيبته وكثيرا
من كان تأخذه الرعدة بمجرد المثول بين يديه فيقول له هون
عليك ويلاطفه حتى ترجع له نفسه ثم يخاطبه فيما طلبه
بصدده وكان صحيح الفراسة شديد الحذق يفهم ملخص الدعوى الطويلة بين المتخاصمين ولا
يحتاج في التفهيم الى ترجمان أو من يقرأ له الصكوك والوثائق بل يقرأها ويفهم
مضمونها ثم يمضيها أو يمزقها
وألبس سراجينه قواويق فتلى بالفاء من جوخ أصفر تمييزا
لهم عن غيرهم من سراجين امرائه ولم يزل منفردا في سلطنة مصر لا يشاركه مشارك في
رأيه ولا في احكامه وامرؤها وحكامها مماليكه وأتباعه فلم يقنع بما أعطاه مولاه
وخوله من ملك بحريها وقبليها الذي افتخرت به الملوك والفراعنة على غيرها من الملوك
وشرهت نفسه وغرته أمانيه وتطلبت نفسه الزيادة وسعة المملكة وكلف امراءه الاسفار
وفتح البلاد حتى ضاقت أنفسهم وشموا الحروب والغربة والبعد عن الوطن فخالف عليه
كبير امرائه محمد بك ورجع بعد فتح البلاد الشامية بدون استئذان منه واستوحش كل من
الآخر فوثب عليه وفر منه الى الصعيد وكان ما كان من رجوعه بمن انضم اليه وخامر معه
وكانت وكانت الغلبة له على مخدومه وفر منه الى الشام وجند الجنود وقصد العود لمملكته
ومحل سيادته فوصل الى الصالحية
وخرج اليه محمد بك وتلاقيا واصيب المترجم بجراحة في وجهه
واخذ أسيرا وقتل من قتل من امرائه ورجع محمد بك وصحبته مخدومه المذكور محمولا في
تخت فأنزلوه في داره بدرب عبد الحق فأقام سبعة أيام ومات والله أعلم بكيفية موته
وكان ذلك في منتصف شهر صفر من السنة
فغسل وكفن وخرجوا بجنازته وصلى عليه بمصلى المؤمنين في
مشهد حافل ودفن بتربة استاذه ابراهيم كتخدا بالقرافة الصغرى بجوار الامام الشافعي
ومدفنهم مشهور هناك وبواجهته سبيل يعلوه قصر مفتح الجوانب
ومن مآثره العمارة العظيمة بطندتا وهي المسجد الجامع
والقبة على مقام سيدي أحمد
البدوي رضى الله عنه والمكاتب والميضأة الكبيرة
والحنفيات وكراسي الراحة المتسعة والمنارتان العظيمتان والسبيل المواجه للقبة
والقيسارية العظيمة النافذة من الجهتين وما بها من الحوانيت للتجار وسميت هناك
بالغورية لنزول تجار أهل الغورية بمصر في حاونيتها أيام مواسم الموالد المعتادة
لبيع الاقمشة والطرابيش والعصائب وكان المشد على تلك العمارة المعلم حسن عبد المعطي
وكان من الرجال أصحاب الهمم وولاه سدانة الضريح عوضا عن أولاد سعد الخادم لسوء
سيرتهم وظلمهم فنكبهم المترجم واخذ ما امكنه أخذه من مالهم وهو شيء كثير وأنفقه في
هذه العمارة ووقف عليها أوقافا ورتب بالمسجد عدة من الفقهاء والمدرسين والطلبة
والمجاورين وجعل لهم خبزا وجرايات وشوربة في كل يوم وجدد أيضا قبة الامام الشافعي
رضي الله عنه وكشف ما عليها من الرصاص القديم من أيام الملك الكامل الايوبي في
القرن الخامس وقد تشعت وصدىء لطول الزمان فجدد ما تحته من خشب القبة البالي بغيره
من الخشب النقي الحديث ثم جعلوا عليه صفائح الرصاص المسبوك الجديد المثبت
بالمسامير العظيمة وهو عمل كثير
وجدد نقوش القبة من داخل بالذهب واللازورد والاصباغ وكتب
بافريزها تاريخا منظوما صالح افندى
وهدم أيضا الميضاة التي كانت من عمارة عبد الرحمن كتخدا
وكانت صغيرة مثمنة الاركان ووسعها وعمل عوضها هذه الميضأة الكبيرة وهي مربعة
مستطيلة متسعة وبجانبها حنفية وبزابيز يصب منها الماء وحول الميضاة كراسي راحة
بحيضان متسعة تجري مياهها الى بعضها وماؤها شديد الملوحة
ومن انشائه أيضا العمارة العظيمة التي أنشأها بشاطىء
النيل ببولاق حيث دكك الحطب تحت ربع الخرنوب وهي عبارة عن قيسارية عظمية بباين بين
يسلك منها من يجري الى قبلي وبالعكس وخانا عظيما يعلوه مساكن من الجهتين وبخارجه
حوانيت وشونه غلال حيث مجرى النيل ومسجد متوسط
فحفروا اساس جميع هذه العمارة حتى بلغوا الماء ثم بنوا
لها خنازير مثل المنارات من الاحجار والدبش والمؤن وغاصوا بها في ذلك الخندق حتى
استقرت على الارض الصحيحة ثم ردموا ذلك الخندق المحتوي على تلك الخنازير بالمؤن
ولاحجار واستعلوا عليه بعد ذلك بالبناء المحكم بالحجر النحيت وعقدوا العقود
والقواصر والاعمدة والاخشاب المتينة
وكان العمل في ذلك سنة خمس وثمانين
ومات المترجم قبل اتمامها وبناء أعاليها
وكانت هذه العمارة من أشام العمائر لان النيل انحسر
بسببها عن ساحل بولاق وبطل تياره واندفع الى ناحية انبابة ولم تزل الارض تعلو
والاتربة تزيد فيما بين زاوية تلك العمارة الى شون الغلال ويزيد نموها في كل سنة
حتى صار لا يركبها الماء الا في سنين الغرق
ثم فحش الامر وبنى الناس دورا وقهاري في بحري العمارة
وسبحوا الى جهة قرب الماء مغربين والقوا أتربة العمائر وما يحفرونه حول ذلك واقتدى
بهم الترابة وغيرهم ولم يجدوا مانعا ولا رادعا وكلما فعلوا ذلك هرب الماء وضعف
جريانه وربت الارض وعلت وزادت حتى صارت كيمانا تنقبض النفوس من رؤيتها
وتمتلىء المنافس من عجاجها وخصوصا في وقت الهجير
بعد ان كانت نزهة للناظرين
ولقد ادركنا فيمل قبل ذلك تيارا لنيل يندفع من ناحية
بولاق التكرور الى تلك الجهة ويمر بقوته تحت جدران الدور والوكائل القبلية وساحل
الشون ووكالة الابزار وخضرة البصل وجامع السنانية وربع الخرنوب الى الجيعانية
وينعطف الى قصر الحلي والشيخ فرج صيفا وشتاء ولا يعوقه عائق ولا يقدر أحد أن يرمي بساحل
النيل شيئاا من التراب فان اطلع الحاكم على ذلك نكل به أو بخفير تلك الناحية وهذا
شيء قد تودع منه ومن امثاله وأخر من أدركنا فيه هذا الالتفات والتفقد للامور
الجزئية التي يترتب بزيادتها الضرر العام عبد الرحمن أغا مستحفظان فانه كان يحذو
طريق الحكام السالفين الى
ان ضعفت شوكته بتآمر الاصاغر وقيد حكمه بعد الاطلاق وترك
هذا الامر ونسي بموته وتقليد الاغاشم وتضاعف الحال حتى ان بعض الطرق الموصلة الى
بولاق سدت بتراكم الاتربة التي يلقيها أهل الاطارف خارج الدروب ولا يجدون من
يمنعهم أو يردعهم وقدرت علو الارض بسبب هذه العمارة زيادة عن أربع قامات فاننا كنا
نعد درج وكالة الابزاريين من ناحية البحر عندما كنا ساكنين بها قبل هذه العمارة
نيفا وعشرين درجة وكذلك سلم قيطون بيت الشيخ عبد الله القمري وقد غابت جميعها تحت
الارض وغطتها الاتربة ولله عاقبة الامور
ومن إنشاء المترجم داره المطلة على بركة الازبكية بدرب
عبد الحق التي بها والحوض والساقية والطاحون بجوارها وهي الان مسكن الست نفيسة
وبالجملة فأخبار المترجم ووقائعه وسيرته لو جمعت من مبدأ
أمره الى اخره لكان مجلدات وقد ذكرنا فيما تقدم لمعا من ذلك بحسب الاقتضاء مما
استحضره الذهن القاصر والفكر المشوش الفاتر بتراكم الهموم وكثرة الغموم وتزايد
المحن واخطلاط الفتن واختلال الدول وارتفاع السفل ولعل العود يخضر بعد الذبول
ويقطع النجم بعد الافول او يبسم الدهر بعد كشارة أنيابه أو يلحظنا من نظره
المتغابي في أيابه ... زمن كاحلام تقضى بعده ... زمن نعلل فيه بالأحلام ...
ولله في خلقه من قديم الزمان عادة وانتظار الفرج عبادة
نسأله انقشاع المصائب وحسن العواقب
ومات سلطان الزمان السلطان مصطفى بن احمد خان تولى
السلطنة في سنة 1171 فكانت مدة سلطنته ست عشرة سنة وكانت له عناية ومعرفة بالعلوم
الرياضية والنجومية ويكرم أرباب المعارف
وكان يراسل المرحوم الوالد والشيخ أحمد الدمنهوري
ويهاديهما ويرسل اليهما الصلات والكتب وأرسل مرة الى الشيخ الوالد ثلاثة كتب مكلفة
من
خزانته وهي كتاب القهستاني الكبير وفتاوى انقروي ونور
العين في اصلاح جامع الفصولين كلاهما في الفقه الحنفي وله مؤلف في الفن دقيق ينسب
اليه
وتولى بعده السطان عبد الحميد خان جعل الله ايامه سعيدة
ومات الامير علي بك الشهير بالطنطاوي وهو من مماليك عي
بك المذكور وكان من الشجعان المعروفين والفرسان المشهورين ولم ينافق على سيده مع
المنافقين ولم يمرق مع المارقين ولم يزل مع مخدومه فيما وجهه اليه حتى قتل
بالصالحية بين يديه
ومات الرئيس المبجل الامير اسماعيل افندي الروزنامجي
رئيس الكتبة بمصر وكان انسانا حسنا منور الوجه والشيبة ضابطا محررا خيرا أصيب بوجع
عينيه فوعده الحاج سليمان الحكاك بشيء من الكحل وأودعه في ورقه وضعها في طي عمامته
وكان بها ورقة أخرى فيها شيء من السليماني لم يتذكرها وهو أبيض والكحل أيضا ابيض
فلما حضر عندما خرج الورقة التي بها السليماني من عمامته وأعطاها له وأمره أن
يكتحل منها وقت النوم يظنها إنها ورقة الكحل ثم انصرف الى داره
فلما نزع عمامته وقتا النوم رأى ورقة الكحل وتذكر عند ذلك
الاخرى فلم يمكنه الذهاب والتدارك ليلا لبعد المكان وفوات الوقت والمسكين صلى
العشاء واكتحل من الورقة فزال بصره في الحال واستمر مكفوفا الى ان مات سحر ليلة
الاحد سادس عشر ذي الحجة من آخر السنة وصلي عليه من الغد بسبيل المؤمنين ودفن
بقبره الذي أعده لنفسه بالقرب من بن أبي جمرة عوضه الله الجنة
ومات الرجل الصالح الامير مراد أغا تابع قيطاس بك القطامشي
وكان منجمعا عن الناس راضيا بحاله قانعا بمعيشته ملازما على حضور الجماعة والصلوات
في المسجد
توفي يوم الاربعاء سابع عشرين شوال وصلي عليه بمصلى أيوب
بك ودفن بالقرافة عند الطحاوي
ومات الامير حسن كتخدا مستحفظان القازدغلي الملقب بقرا
وكان من الامراء الكبار أصحاب الحل والعقد بمصر في الزمن السابق وانقطع في بيته عن
المقارشة والتداخل في الامور وكان مريضا بمرض الاكلة في فمه ولذلك تركه علي بك واهمله
حتى مات يوم الثلاثاء ثالث عشر ذي القعدة من السنة عن ذلك المرض وورم في رجليه
أيضا ودفن في يومه ذلك بالقرافة
ومات أيضا مصطفى أفندي الاشقر كاتب ديوان علي بك خنقه
خليل باشا بالقلعة في سابع عشرين جمادى الاولى بموجب مرسوم من الدولة حضر بطلب
رأسه ورأس عبدالله كتخذا ونعمان أفندي ومرتضي أغا فوجد محمد بك امضى الامر في عبد
الله كتخدا وقطع رأسه في منزله بيد عبد الرحمن أغا ونعمان افندي ذهب الى الحجاز
اثر موت علي بك وكذلك مرتضى أغا اختفى وتغيب وذهب من مصر ولم يعلم له مكان واستمر
المترجم فطلبه الباشا فلما حضر اليه أمر بخنقه فخنقوه وسلخوا رأسه ودفنوه بالقرافة
وأخذ موجوداته الباشا الى الميرى
ومات الاجل المبجل المجيد الضابط الماهر اسمعيل بن عبد
الرحمن الرومي الاصل ثم المصري المكتب الملقب بالوهبي شيخ الخطاطين بمصر كتب الخط
وجوده على شيخ عصره السيد محمد النورى وبرع واجتهد واشتغل قليلا بالعلم وكتب بيده
المصاحف مرارا
واما نسخ الدلائل والاحزاب والاوراد السبعة فمما لا يحصى
كثرة وكان انسانا حسنا بشوشا محبا للناس فيه مكارم الاخلاق وطيب النفس كتب عليه
غالب من بمصر من أهل الكتابة وكان صاحب نقش وهمة عالية
وكان يلي منصب سيده في الخدمة العسكرية وكتب عدة ألواح
كبار وتوجه بها باشارة بعض امراء مصر الى المدينة المنورة
فعلقها في المواجهة الشريفة بيده ونال بهذه الزيارة
الشريفة والخدمة المنيفة سرورا وشرفا
ولما كانت سنة
أتى الامر من صاحب الدولة بتوجيه بعض عساكر مصرية تقوية
للمجهادين فكان هو من جملة المعينين فيهم رئيسا في طائفتهم فتوجه الى الاسكندرية
وركب منها الى الروم وابلى في تلك السفرة بلاء حسنا
وبعد مدة اذن لهم بالانصراف فعاد الى مصر وقد وهنت قواه
واعترته الامراض وزاد شكواه وهو مع ذلك يكتب ويفيد ويجيز ويعيد ويحضر مجالس أهل
الخط على عادته
وجلس ملازما لفراشه مدة حتى وافاه الحمام ليلة الاحد
سادس عشر ذي الحجة فجهز وصلى عليه بمشهد حافل في مصلى المؤمنين ودفن عند ابن أبي
جمرة قرب العياشي في قبر كان أعده لنفسه منذ مدة ولم يخلف بعده مثله رحمه الله
سنة ثمان وثمانين ومائة وألف استهلت ووالي مصر خليل باشا
محجور عليه ليس له في الولاية الا الاسم والعلامة على الاوراق والتصرف الكلي
للامير الكبير محمد بك أبي الذهب والامراء واعيان الدولة مماليكه واشرافاته والوقت
في هدوء وسكون وامن والاحكام في الجملة مرضية والاسعار رخية وفي الناس بقية وستائر
الحياء عليهم مرخية شعر ... ماالدهر في حال السكون بساكن ... ولكنه مستجمع لو ثوب ...
ومات في هذه السنة الامام العلامة والتحرير الفهامة حامل
لواء العلوم على كاهل فضله ومحرر دقائق المنطوق والمفهوم بتحريره ونقله من تكلحت بحبره
عيون الفتوى وتشنفت المسامع بما عنه يروى وارتفع من حضيض التقليد الى ذرا الفضائل
وسابق في حلبة العلوم فحاز قصب الفواضل الروض النضير الذي ليس له في سائر العلوم
نظير وهو في فقه النعمان الجامع الكبير عمدة الانام وفيلسوف الاسلام سيدى ووالدي
بدر الملة أبي التدائي حسن بن برهان الدين ابراهيم ابن
الشيخ العلامة حسن ابن الشيخ نور الدين علي بن الوالي الصالح
شمس الدين محمد بن الشيخ زين الدين عبد الرحمن الزيلعي الجبرتي العقيلي الحنفي
وبلاد الجبرت هي بلاد الزيلع باراضي الحبشة تحت حكم الخطي ملك الحبشة وهم عدة بلاد
معروفة تسكنها هذه الطائفة وهم المسلمون بذلك الاقليم ويتمذهبون بمذهب الحنفي
والشافعي لا غير وينسبون الى سيدنا اسلم بن عقيل بن أبي طالب وكان اميرهم في عهد
النبي صلى الله عليه و سلم النجاشي المشهور الذي آمن به ولم يره وصلى عليه النبي
صلى الله عليه و سلم صلاة الغيبة كما هو مشهور في كتب الاحاديث وهم قوم يغلب عليهم
التقشف والصلاح ويأتون من بلادهم بقصد الحج والمجاورة في طلب العلم ويحجون مشاة
ولهم رواق بالمدينة المنورة ورواق بمكة المشرفة ورواق بالجامع الازهر بمصر وللحافظ
المقريزي مؤلف في أخبار بلادهم وتفصيل احوالهم ونسبهم
ومنهم القطب الكبير والمعتقد الشهير الشيخ اسمعيل بن
سودكين الجبرتي تلميذ الشيخ ابن العربي ويسمى قطب اليمن والشيخ عبد الله الذي
ترجمه الحافظ السيوطي في حسن المحاضرة وهو الذي كان يعتقده الملك الظاهر برقوق واوصى
عند موته بأن يدفن تحت قدمه بالصحراء ومنهم الولي العارف الشيخ علي الجبرتي الذي
كان يعتقده السلطان الاشرف قايتباي وارتحل الى بحيرة ادكو فيما بين رشيد
والاسكندرية وبنى هناك مسجدا عظيما ووقف عليه عدة أماكن وقيعان وأنوال حياكة
وبساتين ونخيل كثيرة وهو موجود الى الآن عامر بذكر الله والصلاة وهو تحت نظر
الفقير الا أن غالب اماكنه زحفت عليها الرمال وطمستها وغابت تحتها وفيه الى الآن بقية
صالحة
وبنى ايضا مسجدا شرقي عمارة السلطان قايتباي ودفن به وقد
خرب وانطمست معالمه ولم يبق الا مدفنه وحوله حائط منهدم من غير باب ولا سقف وقبره
ظاهر مكشوف يزار وللناس فيه اعتقاد عظيم
ومن كراماته التي أكرمه الله بها انه يرى على قبره في
بعض الليالي المظلمة نور مثل القنديل المستنير يري ذلك سكان العمارة وغيرهم وهو
أمر مشهور ومنها أن السفار وقوافل الاعراب ينزلون بأحمالهم حول قبره في الحوطة
ويتركونها من غير حارس ليالي وأياما آمنين فلا يتعدى عليها سارق البتة ويعتقدون
العطب للجاني في بدنه أو ماله وهو أمر مشهور ايضا مقرر في اذهانهم الى الآن
ومنهم الامام الحجة المجتهد الفقيه الاصولي الجدلي صاحب
التصحيح والترجيح فخر الدين أبي عمر وعثمان الحنفي الزيلعي شارح الكنز المسمى
بتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق المدفون بحوطة سيدي عقبة بن عامر الجهني والشيخ
الزيلعي الشافعي المدفون بالقرافة الكبرى وغير هؤلاء كثير ببلادهم وبأرض الحجاز ومصر
والقصد بذلك التعريف بالنسبة قال تعالى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن اكرمكم
عند الله اتقاكم
والنجاشي أول من آمن بالنبي صلى الله عليه و سلم من
الملوك ولم يره وأسلم على يد ابن عمه جعفر بن أبي طالب وزوجه أم حبيبة رضي الله
عنها وجهزها من عنده وأرسلها للنبي صلى الله عليه و سلم من الحبشة الى المدينة ومن
أراد الاطلاع على أخبار النجاشي رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه و سلم
وهداياه الى النبي صلى الله عليه و سلم وهدايا النبي اليه وبعض أخبار الحبشة وما
رد فيهم من الآيات الاحاديث والاثار فلينظر في كتاب الطراز المنقوش في محاسن
الحبوش للامام العلامة علاء الدين محمد بن عبد الله البخاري خطيب المدينة المنورة
ورفع شأن الحبشان للعلامة جلال الدين السيوطي وتنوير الغبش في فضائلي السودان
والحبش لابن الجوزي وفي تفسير البغوى اخرج أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت لما
مات النجاشي كنا نحدث انه لا يزال يرى على قبره نور وفي أزهار العروش في من عرف
اسمه من الصحابة الحبوش ومن عبيدة صلى الله عليه و سلم
ومنهم أحد كبار المجاهدين والمهاجرين بلال بن رباح مؤذن
رسول الله صلى الله عليه و سلم ومولى أبي بكر الصديق وهو أول من اذن في الاسلام
وأول من ثوب في الفجر كما في الاوائل للسيوطي وكان خازن رسول الله صلى الله عليه و
سلم على بيت المال كما في تهذيب الاسماء واللغات وكان يبدل الشين بالسين فقال رسول
الله صلى الله عليه و سلم في شأنه شين بلال سين عندي وعند الله
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول كان أبو بكر سيدنا
واعتق سيدنا يعنى بلالا
وروى عنه كثير من كبار الصحابة ومنهم أبو بكر وعمر وعلي
وابن مسعود وابن عمر واسامة بن زيد وجابر وأبو سعيد الخدري وكعب بن عرفجة والبراء
ابن عازب وغيرهم وجماعة من التابعين رضي الله عنهم اجمعين
ومنهم شقران بضم الشين المعجمة مولى رسول الله صلى الله
عليه و سلم واما خدامه من الحبشة الاحرار فكثيرون وكذلك الصحابيات من امائه واهل
بيته
ومنهم ام ايمن ذات الهجرتين وهي مرضعته وحاضنته وحليمة
السعدية وثويبة وبركة جارية ام حبيبة وبريرة مولاة عائشة رصى الله عنها وتبعة
جارية ام هانىء بنت ابي طالب وغفرة وسعيرة كذلك عبيد الصحابة
ومنهم مهجع بكسر الميم وفتح الجيم مولى عمر بن الخطاب
وهو اول من استشهد ببدر وكان من المهاجرين الاولين وعده النبي صلى الله عليه و سلم
من سادات اهل الجنة وقال في شأنه يوم قتل سيد الشهداء مهجع وهو اول من يدعى الى
باب الجنة من هذه الامة
ومنهم اسلم مولى عمر بن الخطاب وايمن الحبشي المكي والد
عبد الواحد ابن ايمن وبسار مولى المغيرة بن شعبة اخرج الحسن بن محمد الخلال في
كرامات الاولياء عن أبي هريرة رضى الله عنه قال دخلت على النبي صلى الله عليه و
سلم فقال لي يا أبا هريرة يدخل علي الساعة
من هذا الباب رجل من اجل السبعة الذين يدفع الله عز و جل
عن أهل الارض بهم الاذى
فاذا حبشى قد طلع من ذلك الباب أقرع أجدع على رأسه جرة
فيها ماء
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا ابا هريرة هو هذا
ثم قال مرحبا بيسار ثلاث مرات وكان يرش المسجد ويكنسه
ومات في عهده صلى الله عليه و سلم
واما الصحابة الاحرار من الجيوش الاخيار الذين كانوا
يخدمون الرسول واصحابه واهل بيته فكثيرون جدا لا يمكن استيعابهم في هذا الاستطراد
ضبطا وعددا وكذلك ابناء الحبشات من قريش من الصحابة والتابعين وأهل البيت الطاهرين
والخلفاء العباسيين ومن ولد بأرض الحبشة من الصحابة من الحبشان مثل صفوان ابن امية
بن خلف الجمحي وعمرو ابن العاص وغيرهما مثل عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وهو أول
مولود في الاسلام بأرض الحبشة بالاتفاق وكان يسمى بحر الجود وأخباره في السخاء
والكرم مشهورة والحرث بن حاطب الصحابي ومحمد بن حاطب وعمرو بن أبي سلمة وفي الجيوش
أخلاق لطيفة وشمائل ظريفة وفيهم الحذق والفطانة ولطافة الطباع وصفاء القلوب لكونهم
من جنس لقمان الحكيم وهم أجناس منهم السحرتي والامحرى وهم أحسن أجناس الحبوش
الموصوفين بالصباحة والملاحة والفصاحة والسماحة والنعومة في الخد والرشاقة في القد
ولله در الشيخ العلامة القاضي عبد البر ابن الشحنة الحنفي حيث يقول ... حبشية سألتها
عن جنسها ... فتبسمت عن در ثغر جوهري ... فطفقت أسأل عن نعومة ما خفى ... قالت فما
تبغيه جنسى أمحرى ...
والامحرية تفوق على السحرتية باللطف والظرف والسحرتية
تفوق على الامحرية بالشدة والعنف فبينهما عموم وخصوص مطلق وقيل ان النجاشي منهم
رضى الله عنه ويقال ان بني أرفدة الذين لعبوا بحرابهم
بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم وفازوا بخطابه
أعني قوله لهم دونكم يا بني ارفدة منهم ويقرب من هذين النوعين نوعان آخران نوع
الدموات وبلين ونوعان آخران وهما قمو وقتر ونوع آخر يسمى ازاره
عود وانعطاف ان الشيخ عبد الرحمن وهو الجد السابع لجامعه
واليه ينتهي علمنا بالاجداد هو الذي ارتحل من بلاده ووصل الينا خبره سلفا عن خلف
فقدم من طريق البحر الى جدة وانتقل الى مكة فجاور بها
وحج مرارا وذهب أيضا الى المدينة المنورة فجاور بها
سنتين ولقي من لقي بالحرمين من الاشياخ وتلقى عنهم ثم رجع الى جدة وحضر الى مصر من
طريق القلزم فدخل الى الجامع الازهر في أوائل العاشر وجاور بالرواق ولازم حضور الاشياخ
واجتهد في التحصيل وتولى شيخا على الرواق والتكلم على طائفته وتزوج وولد له
فلما مات خلف ولده الشيخ شمس الدين محمد ونشأ على قدم
الصلاح والاشتغال بطلب العلم وتولى مشيخة الرواق كوالده وانجب وقرأ دروسا في الفقه
والمعقول بالرواق وكان على غاية من الصلاح وملازمة الجماعة والسنن ولا يبيت عند
عياله ليلة أو ليلتين في الجمعة وغالب لياليه يبيتها بالرواق لاجل الاشتغال
بالمطالعة اول الليل على السهارة والتهجد آخره
ومما اتفق له وعد من كراماته أن السراج انطفأ في بعض
الليالي الشتوية فايقظ النقيب ليسرج له سراجا فقام من نومه متكرها وأخذ قنديلا
وذهب ليسرجه فلما عاد به وقرب من الرواق رأى نورا فستر ذلك القنديل ونظر اليه من
بعد لينظر من أين أتاه الاسراج فوجده يطالع في الكراس وهو في يده اليسار وسبابة
يده اليمنى رافعها وهي تضىء مثل الشمعة المستنيرة ويطالع في نورها
ثم دخل النقيب بالقنديل فاختفى ذلك الضوء وعلم الشيخ ذلك
من النقيب فعاتبه على التجسس وأشار اليه بكتمان سره ولم يعش الشيخ بعد ذلك الا
قليلا
وتوفي الى رحمة الله تعالى
وخلف ابنه الشيخ علي فنشأ أيضا على قدم اسلافه في ملازمة
العلم والعمل وصار له شهرة وتزوج بزينب بنت الامام العلامة القاضي عبد الرحمن
الجويني ولم يزل مواظبا على شأنه وطريقة اسلافه حتى توفي وخلف ولديه الامام
العلامة الشيخ حسن الذي تقدم ذكر تجرمته المتوفي سنة 1097 وأخاه الشبخ عبد الرحمن ومات
في حياة أخيه سنة 1086 وكان لزينب الجوينية اماكن جارية في ملكها وقفتها على ولدي
زوجها المذكورين
ولما توفي الشيخ حسن أعقب الجد ابراهيم وضيعا فكفلته
والدته الحاجة مريم بنت الشيخ العمدة الضابط محمد بن عمر المنزلي الانصاري فنشأ
أيضا نشوءا صالحا حتى بلغ الحلم فزوجوه بستيتة بنت عبد الوهاب أفندي الدلجي في سنة
1108 وبنى بها في تلك السنة وحملت بالمترجم وولدته في سنة عشر ومائة وألف ومات
والده وعمره شهر واحد وسن والده اذ ذاك ست عشرة سنة فربته والدته بكفالة جدته أم
أبيه المذكورة وصاية الامام العلامة الشيخ محمد النشرتي وقرروه في مشيخة الرواق
كأسلافه والمتكلم عند الوصي المذكور فتربى في حجورهم حتى ترعرع وحفظ القرآن وعمره عشر
سنين واشتغل بحفظ المتون فحفظ الالفية والجوهرة ومتن كنز الدقائق في الفقه ومتن
السلم والرحبية ومنظومة ابن الشحنة في الفرائض وغير ذلك
واتفق له في أثناء ذلك وهو ابن ثلاث عشرة سنة أنه مر مع
خادمه بطريق الازهر فنظر شيخ مقبل منور الوجه والشيبة وعليه جلالة ووقار طاعن في
السن والناس يزدحمون على تقبيل يده ويتبركون به فسأل عنه وعرف أنه ابن الشيخ
الشرنبلالي فتقدم اليه ليقبل يده كغيره فنظر اليه الشيخ وتوسمه وقبض على يده وقال
من يكون هذا الغلام ومن أبوه فعرفوه عنه فتبسم وقال عرفته بالشبه
ثم وقف وقال اسمع يا ولدي أنا قرأت على جدك وهو قرأ على
والدي وأحب أن تقرأ علي شيئا وأجيزك وتتصل بيننا سلسلة
الاسناد وتلحق الاحفاد بالاجداد
فامتثل اشارته ولازم الحضور عنده في كل يوم وقرأ عليه
متن نور الايضاح تأليف والده في العبادات وكتب له الاجازة ونصها الحمد لله الذي
أنعم على عبده بتوفيقه وأرشده الى سواء طريقه وأذاقه حلاوة التفقه في دينه وتمام تحقيقه
وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا سريك له المنعم بلطائف الانعام وعظيمه ودقيقه
وأشهد أن سيدنا وسيدنا محمد صلى الله عليه و سلم عبده ورسوله الهادي الى الخير
الكامل والجبر الشامل فأصبح كل أحد مغمورا في بحر فضله وجوده محفوظا من كيد
الشيطان وجنوده وتعويقه وعلى آله الاطهار وصحابته الاخيار
وبعد فقد حضر لدى الولد النجيب الموفق اللبيب الفطن
الماهر الذكي الباهر سليل العلماء الاعلام نتيجة الفضلاء العظام نور الدين حسن بن برهان
الدين ابراهيم بن العلامة مفتي المسلمين وامام المحققين الشيخ حسن الجبرتي الحنفي
رحم الله اسلافه وبارك فيه وقرأ على متن نور الايضاح من أوله الى آخره تأليف والدي
المندرج الى رحمة الله تعالى سيدي وسندى الامام العلامة الشيخ حسن ابن عمار
الشرنبلالي وأجزته أن يروى ذلك عني وجميع ما يجوز لي روايته اجازة عامة كما أجازني
به وتفقه ابي حنيفة النعمان رضى الله عنه كما تلقى ذلك هو عن الشيخ علي المقدسي
شارح نظم الكنز عن العلامة الشلبي شارح الكنز عن القاضي عبد البر بن الشحنة عن
المحقق الكمال بن الهمام عن سراج الدين قارىء الهداية عن علاء الدين السيرامي عن
السيد جلال الدين شارح الهداية عن علاء الدين بن عبد العزيز البخاري عن حافظ الدين
صاحب الكنز عن شمس الأئمة الكردري عن برهان الدين صاحب الهداية عن فخر الإسلام
البزدوى عن شمس الائمة السرخسي عن شمس الائمة الحلواني عن القاضي ابن علي النسفي
عن الامام محمد بن الفضل البخاري عن عبد الله السند موني عن الامير عبد الله بن
أبي حفص
البخاري عن أبيه المذكور عن الامام محمد بن الحسن
الشيباني عن الامام أبي يوسف عن الامام الاعظم أبي حنيفة النعمان بن ثابت رضى الله
عنه عن الامام حماد بن سليمان عن ابراهيم النخعي عن الامام علقمة عن عبد الله بن
مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم عن أمين الوحي جبريل عليه السلام عن الله عز و
جل
واوصى الولد الاعز بالتقوى ومراقبة الله في السر والنجوى
والله تعالى يوقفه وينفع به وبعلومه ويهدينا واياه لما كان عليه السلف الصالح في
اسساس الدين ورسومه
قال ذلك الفقير الى الله تعالى حسن بن حسن الشرنبلالي
الحنفي في ثالث ربيع الاول من سنة 1123 وتوفي الشيخ في آخر تلك السنة وقد جاوز
التسعين
واشتغل المترجم واجتهد في طلب العلوم وحضر اشياخ العصر
وتفقه على الامام العلامة السيد علي السيواسي الضرير وحضر عليه شرح الكنز للعيني
والدر المختار وكتاب الاشباه والنظائر لابن نجيم وشرح المنار لابن نجيم وشرح المنار
لابن فرشتة وشرح التحرير للكمال بن الهمام وشرح جمع الجوامع ومختصر السعد وعلى
العلامة الشيخ أحمد التونسي المعروف بالدقدوسي الحنفي شرح الكنز للعلامة الزيلعي
والدرر لملاخسرو والسيد علي السراجية في الفرائض وشرح منظومة بن الشحنة في الفرائض
والشنشورى على الرحبية والتلخيص ومتن الحكم وشرح التحفة وعلى الشيخ علي العقدي
الحنفي ملا مسكين على الكنز ومتن الهداية والسراجية والمنار والنزهة في علم الغبار
والقلصادى ومنظومة ابن الهائم وعلى الفقيه محمد بن عبد العزيز الزيادى الحنفي
ملتقى الابحر وفتح القدير والحكم لابن عطاء والقدورى وعقود الجمان في المعاني
والبيان وايساغوجي وعلى الشيخ الفقيد المحدث الشهاب احمد بن مصطفى الاسكندري
الشهير بالصياغ شرح الكبرى وام البراهين وشرح العقائد والمواقف وشرح المقاصد للسعد
والكشاف والبيضاوى والشمائل والصحيحين رواية ودراية والاربعين
النووية والمشارق والقطب على الشمسية والمواهب اللدنية
وشرح النخبة وعلى الشيخ منصور المنوفي شرح ابن عقيل على الالفية والشيخ خالد على
الآجرومية والازهرية والتوضيح وشرح تصريف العزى وشرح التلمسانية والخبيصي على
التهذيب وشيخ الاسلام على الخزرجية وعلى الشيخ عيد النمرسي شرح الورقات والسمرقندية
وآداب البحث والعضدية والعصام على السمرقندية وعلم الجبر والمقابلة والعروض واعمال
المناسخات والكسورات والاعداد الصم والغربال والمساحة والحساب وعلى الشيخ شلبي
البرانسي تلخيص المفتاح والمطول والتجريد وعلى الشيخ محمد السجيني الضرير المكودى
على الالفية والفاكهي وشرح الشذور وملاجامي وشرح مختصر ابن الحاجب والمطول وعلى
الشيخ احمد العمادى شرح الجوهرة لعبد السلام والسكتاني على الصغرى وشرح مختصر
السنوسي والكافي ونوادر الاصول والجامع الصغير وشرح المقاصد وعلى الشيخ حسن
المدابغي الاشموني على الالفية وشرح المراح وقواعد الاعراب والمغنى وعلى الشيخ الملوى
شرحه على السلم وشرح معراج الغيظي وأوضح المسالك وأوائل الكتب الستة والمسلسلات
والمسندات وحضر ايضا دروس الشيخ عبد الرؤف البشبيشي وأبو العز العجمي وغيرهما وجد
في التحصيل حتى فاق أهل عصره وباحث وناضل ودرس بالرواق في الفقه والمعقول
وبالسنانية ببولاق
وكان لجدته أم أبيه مكان مشرف على النيل بربع الخرنوب
عندما كان النيل ملاصقا لسدته فساكنها مدة فكان يغدو الى الجامع ثم يعود الى بولاق
وله حاصل بربع الخرنوب يجلس فيه حصة ثم يعود الى السنانية فيملي هناك درسا ثم
احترق ذلك المنزل بما فيه وتلف فيه اشياء كثيرة من المتاع والصيني القديم فانتقلت
الى مصر وكانوا يذهبون الى مكان لها بمصر العتيقة في ايام النيل بقصد النزهة وهي
التي أعانته على تحصيل العلوم اشتغاله بالعلم كان يعاني التجارة
والبيع والشراء والمشاركة والمضاربة والمقايضة وكانت
جدته ذات غنية وثروة ولها أملاك وعقارات ووقفت عليه أماكن ومنها الوكالة
بالصنادقية والحوانيت بجوارها وبالغورية ومرجوش ومنزل بجوار المدرسة الاقبغاوية
ورتبت في وقفها عدة خيرات ومكتب لاقراء أيتام المسلمين بالحانوت المواجه للوكالة
المذكورة وربعة تقرأ في كل يوم وختمات في ليالي المواسم وقصعتي تريد في كل ليلة من
ليالي رمضان وثلاث جواميس تفرق على الفقهاء والايتام والفقراء في عيد الاضحية
وتزوج بجدته المذكورة بعد موت جده الامير علي أغا باش
اخيتار متفرقة المعروف بالطورى وتزوج المترجم بابنته وله حكم قلاع الطور والسويس
والمويلح وكانت اذ ذاك عامرة وبها المرابطون ويصرف عليهم العلوفات والاحتياجات
ولما مات علي أغا المذكور سنة سبع وثلاثين تقلد ذلك بعده
المترجم مدة مع كونه في عداد العلماء وربي معتوقية عثمان وعليا ولم يزالا في كنفه
حتى مات بعد مدة طويلة وأرسل خادما له يسعى سليمان الحصافي جربجيا على قلعة
المويلح فقتلوه هناك فتكدر لذلك وترك هذا الامر وأعرض عنه وأقبل على شأنه من الاشتغال
وماتت زوجته بنت الامير علي أغا المذكور في حياة ابيها فتزوج ببنت رمضان جلبي بن
يوسف المعروف بالخشاب تابع كور محمد وهم بيت مجد وثروة ببولاق ولهم املاك وعقارات
وأوقاف ومن ذلك وكالة الكتان وربع وحوانيت تجاه جامع الزردكاش وبيت كبير بساحل
النيل وآخره تجاه جامع مزره جربجي وهو سكن رمضان جلبي المذكور وكان انسانا حسنا
رقيق الحاشية وفيه فضيلة وسليفة جيدة
ومات رمضان جلبي المذكور سنة 1139 واستمرت ابنته في عصمة
المترجم حتى ماتت في المحرم سنة 1182 وعمرها ستون سنة
وكانت من الصالحات الخيرات المصونات وحجت صحبته في سنة
احدى وخمسين وكانت به بارة وله مطيعة
ومن جملة برهالة وطاعتها أنها كانت تشتري له من
السراري الحسان من مالها وتنظمهن بالحلي والملابس
وتقدمهن اليه وتعتقد حصول الاجر والثواب لها بذلك وكان يتزوج عليها كثيرا من
الحرائر ويشتري الجوارى فلا تتأثر من ذلك ولا يحصل عندها ما يحصل في النساء من
الغيرة
ومن الوقائع الغريبة انه لما حج المترجم في سنة ست
وخمسين واجتمع به الشيخ عمر الحلبي بمكة الوصي بان يشترى جارية بيضاء تكون بكرا
دون البلوغ وصفتها كذا وكذا فلما عاد من الحج طلب من اليسرجية الجوارى لينقى منهن
المطلوب فلم يزل حتى وقع على الغرض فاشتراها وأدخلها عند زوجته المذكورة حتى
يرسلها مع من أوصاه بارسالها صحبته
فلما حضر وقت السفر أخبرها بذلك لتعمل لهم ما يجب من
الزوادة ونحو ذلك فقالت له اني أحببت هذه الوصية حبا شديدا ولا أقدر على فراقها
وليس لي أولاد وقد جعلتها مثل ابنتي والجارية بكت ايضا وقالت لا أفارق سيدتي ولا
اذهب من عندها أبدا
فقال وكيف يكون العمل قالت ادفع ثمنها من عندى واشتر أنت
غيرها ففعل
ثم انها اعتقتها وعقدت له عليها وجهزتها وفرشت لها مكانا
على حدتها وبنى بها في سنة خمس وستين وكانت لا تقدر على فراقها ساعة مع كونها صارت
ضرتها وولدت له أولادا
فلما كان في سنة اثنين وثمانين المذكورة مرضت الجارية فمرضت
فقامت الجارية في ضحوة النهار فنظرت الى مولاتها وكانت في حالة غطوسها فبكت وزاد
بها الحال وماتت تلك الليلة فأضجعوها بجانبها فاستيقظت مولاتها آخر الليل وحبستها
بيدها وصارت تقول ان قلبي يحدثني انها ماتت ورأيت في منامي ماا يدل على ذلك فلما
تحققت ذلك قامت وجلست وهي تقول لا حياة لي بعدها وصارت تبكي وتنتحب حتى طلع النهار
وشرعوا في تشهيلها وتجهيزها وغسلوها بين يديها وشالوا جنازتها ورجعت الى فراشها
ودخلت في سكرات الموت وماتت آخر النهار وخرجوا بجنازتها أيضا في اليوم الثاني
وهذا من أعجب ما شاهدته
ورأيته ووعيته وكان سني اذ ذاك أربع عشرة سنة
واشتغل المترجم في أيام اشتغاله بتجويد الخط فكتب على
عبد الله أفندي الانيس وحسن أفندي الضيائي طريقة الثلث والنسخ حتى أحكم ذلك وأجازه
الكتبة وأذنوه ان يكتب الاذن على اصطلاحهم ثم جود في التعليق على أحمد أفندي الهندى
النقاش لفصوص الخواتم حتى أحكم ذلك وغلب على خطه طريقته ومشى عليها وكتب الديواني
والقرمة وحفظ الشاهدى واللسان الفارسى والتركي حتى ان كثيرا من الاعاجم والاتراك
يعتقدون ان أصله من بلادهم لفصاحته في التكلم بلسانهم ولغتهم
وفي سنة اربع واربعين اشتغل بالرياضيات فقرأ على الشيخ
محمد النجاحي رقائق الحقائق للسبط المارديني والمجيب والمقنطر ونتيجة اللادقي والرضوانية
والدرلابن المجدى ومنحرفات السبط والى هنا انتهت معرفة الشيخ النجاحي
وعند ذلك انفتح له الباب وانكشف عنه الحجاب وعرف السمت والأرتفاع
والتقاسم والأرباع والميل الثاني والأول والأصل الحقيقي والمعدل وخالط أرباب
المعارف وكل من كان من بحر الفن غارف وحل الرموز وفتح الكنوز واستخرج نتائج الدر اليتيم
والتعديل والتقويم وحقق اشكال الوسايط في المنحرفات والبسائط والزيج والمحلولات
وحركات التداوير والنطاقات والتسهيل والتقريب والحل والتركيب والسهام والظلال
ودقائق الأعمال وانتهت اليه الرياسة في الصناعة واذعنت له أهل المعرفة بالطاعة
وسلم له عطارد وجمشيد الراصد وناظره المشترى وشهد له الطوسي والأبهري وتبوأ من ذلك
العلم مكانا عليا وزاحم بمنكبه العيوق والثريا وقدم القدوة العلامة والحكيم
الفهامة الشيخ حسام الدين الهندي وكان متضلعا من العلوم الرياضية والمعارف الحكمية
والفلسفية فنزل بمسجد في مصر القديمة واجتمع عليه بعض الطلبة مثل الشيخ الوسمي
والشيخ أحمد الدمنهوري وتلقوا عنه أشياء في الهيئة فبلغ خبره المترجم
فذهب اليه للاخذ عنه فاغتبط به الشيخ وأحبه وأقبل بكليته
عليه فلم يزل به حتى نقله الى داره وافرد له مكانا وأكرم نزله وقام باوده وطالع
عليه الجغميني وقاضي زاده عليه والتبصرة والتذكرة وهداية الحكمة لأثير الدين
الأبهري وما عليها من المواد والشروح مثل السيد والمبيدي قراءة بحث وتحقيق وأشكال
التأسيس في الهندسة وتحرير اقليدس والمتوسطات والمبادي والغايات والأكر وعلم
الأرتماطيقي وجغرافيا وعلم المساحة وغير ذلك
ثم أراد أن يلقنه على الصنعة الألهية وكان من الواصلين
فيها فغالطه عن ذلك وأبت نفسه الأشتغال بسوى العلوم المهذبة للنفس وكان يحكي عنه
امورا وعبارات واشارات تشعر بأنه كان من الكمل الواصلي في كل شيء ولم يزل عنده حتى
عزم على الرحلة وسافر الى بلاده
وقدم الى مصر الأمام العلامة الشيخ محمد الغلاني
الكشناوى وسكن بدرب الأتراك فأجتمع عليه المترجم وتلقى عنه علم الأوفاق وقرأ عليه
شرح منظومة الجزنائية للقوصاني والدر والترياق والمرجانية في خصوص المخمس الخالي
الوسط والأصول والضوابط والوفق المئيني وعلم التكسير للحروف وغير ذلك وسافر الشيخ
الى الحج وجاور هناك فلما رجع أنزله عنده وصحبته زوجته وجواره وعبيده وكمل عنده
غالب مؤلفاته ولم يزل حتى مات كما تقدم ذكر ذلك في ترجمته ولقي المترجم في حجاته
الشيخ النخلي وعبدالله بن سالم البصري وعمر بن أحمد ابن عقيل المكي والشيخ محمد
حياة السندي الكوراني وأبو الحسن السندى والسيد محمد السقاف وغيرهم وتلقى عنهم واجازوه
وتلقوا هم أيضا عنه ولقنه الشيخ أبو الحسن السندى طريق السادة النقشبندية والأسماء
الأدريسية
وهذه صورة اجازة الشيخ عمر ابن أحمد بن عقيل ومن خطه
نقلت بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين
اصطفى خصوصا أفضل أنبيائه وعترته الطاهرين وصحابته
أجمعين وبعد فان مما تطابقت عليه النصوص وتوافقت عليه ألسنة العموم والخصوص أن
الباحث عن ألسنة الغراء لأتباع هدى سيد الأنبياء الموجب لمحبة ذي الآلاء والنعماء
هو الفائز بالقدح المعلى والمرفوع الى المقام الأعلى ومن المعلوم أنه لم يبق في زماننا
ما يتداول منها الا التعلل برسوم الأسناد بعد انتقال أهل المنزل والناد فذو الهمة
هو الذي يثابر على تحصيل أعلاه وينافس في فهم متنه ويفحص عن معناه ويناقش في رجاله
الذين عليهم مغناه الا وهو الشيخ الأجل الراقي بعزمه المتين من العلم والعمل الى
أعلى محل سيدنا واستاذنا الشيخ حسن المرحوم ابراهيم بن الشيخ حسن الجبرتي أمده
الله بالمدد الألهي فطلب من هذا الفقير أن أجيزه فلما لم أجد بدا من الأمتثال قلت
سائلا التوفيق في الاول والفعال أجزت مولانا الشيخ حسن المذكور المنوه بذكره أعلى
السطور أجزل الله تعالى له الاجور ما يجوز لي وعني روايته من مقروء ومسموع وأصول
وفروع بشرطه المعتبر من تقوى الله والصيانة وضبط الالفاظ وسير الرجال والديانة حسبما
أجازني بذلك شيوخ أكابر عدة هم في الشدائد عدة ومنهم بل من أجلهم سيدي وجدى لامي
بعد أن قرأت عليه جانبا كبيرا من كتب الحديث وغيره قراءة تحقيق وتدقيق وغيره من
الشيوخ أهل التوفيق وقد سمع مولانا الشيخ حسن منى أوائل البخارى ومسلم وأبي داود
والنسائي والترمذى وابن ماجه والموطأ فليروعني المجاز المذكور متى شاء مما اتصلت
بي روايته متى أراد رفع سند أو كتاب لمن هو من أهل الدراية وهو دام أنسه وزكا قدسه
في غنية عن ذلك ولكن جرت العادة بأخذ الاكابر عن الاصاغر تكثيرا لسوادنا فهي سنة
الاوائل والاواخر
وكذلك اجرت له بالصلاة المشهورة النفع بهذه الصيغة اللهم
صل على سيدنا محمد وآله كما لا نهاية لكمالك وعد كماله حسبما أجازني بها ملانا الشيخ
طاهر
ابن الملا ابراهيم الكوراني عن شيخه الشيخ حسن المنوفي
مفتي الحنفية بالمدينة سابقا عن شيخه مولانا الشيخ علي الشبراملسي عن بعض اجلاء
شيوخه وأمره أن يصلي بها بين المغرب والعشاء بلا عدد معين وبالمواظبة عليها يظهر
نتائج فتحها خصوصا لمبتغى هذا العلم المجد في طلبه من ذويه نفعه الله تعالى بالعلم
وجعله من أهليه وقد أجزت الشيخ المذكور ضاعف الله تعالى له الاجور بالاسماء
الاربعينية الادريسية السهروردية بقراءتها واقرائها لخل صادق ان وجد كما أجازني
بذلك جملة من الشيوخ وقد اتصل سندي بها أيضا عن مولانا وسيدنا الامجد مولانا الشيخ
احمد بن محمد النخلي أنزل عليه شآبيب الرحمة والغفران الواحد العلي وهو يرويها عن
الشيخ حجازي الديربي عن الشيخ شهاب الدين أحمد بن علي الخامي الشناوي وأجازه شيخه أيضا
بشرحها للشيخ عثمان النحراوى قال الشيخ عثمان أجازني بالاسماء الادريسية العظام
الشيخ كمال الدين السوداني وهو يرويها عن شيخه أبي المواهب أحمد الشناوى عن السيد
صبغة الله أحمد عن السيد وجيه الدين العلوى عن الحاج حميد الشهير بالشيخ محمد
الغوث عن الحاج حصور عن أبي الفتح هدية الله سيرمست عن الشيخ قاضن الستارى عن
الشيخ ركن الدين صينوورى عن الشيخ يابوتاج الدين عن السيد جلال الدين البخارى عن
الشيخ ركن الدين أبي الفتح عن الشيخ صدر الدين أبي الفضل عن الشيخ أبي البركات
بهاء الدين زكريا عن شيخ الشيوخ شهاب الدين السهروردى عن سيدي وجيه الدين المعروف
بعمويه عن الشيخ أحمد اسود الدينوري عن الشيخ ممشاد الدينوري عن الشيخ أبي القاسم الجنيد
البغدادى عن خاله سرى السقطى عن الشيخ معروف الكرخي عن الشيخ داود الطائي عن الشيخ
حبيب العجمي عن سيد التابعين حسن البصري عن امام المشارق والمغارب سيدنا علي بن
ابي طالب عن
سيدنا ومولانا سيد الخلق حبيب الحق عبده ورسوله وحبيبه
وصفيه وخليله النبي الرسول الحاوى لجميع الكمالات الاصلية والفرعية الجامع لكل
الصفات السنية والمراتب العلية المبعوث لكل الخلق المتخصص بالقرب من العالم الحق
سيد الكونين والثقلين والفريقين من عرب ومن عجم محمد صلى الله عليه و سلم قال ذلك
بفمه وكتبه بقلمه أسير ذنبه عمر بن أحمد بن عقيل السقاف باعلوى حفيد مولانا الشيخ
عبد الله ابن سالم البصري عفا الله تعالى عنهم أجمعين سائلا من الشيخ المذكور ان
لا ينساني وأصولي ومشايخي في الدين وجميع أقاربي من صالح الدعوات في خلواته
وجلواته وحركاته وسكناته وأوصيه بما أوصي به نفسي وسائر المسلمين من ملازمة التقوى
وكمال الاستعداد واتباع سبيل الهدى والرشاد واسأل الله تعالى الكريم المنان أن
يوفقني واياه والمسلمين لصالح القول والعمل ويجنبنا الخطأ والزلل ويجعلنا من
العلماء العاملين والهداة الراشدين وان يميتنا على سنة سيد المرسلين صلى الله عليه
و سلم وعلى آله وصحابته أجمعين في كل وقت وحين
وللمترجم أشياخ غير هؤلاء كثيرون اجتمع بهم وتلقى عنهم
وشاركهم وشاركوه مثل علي أفندي الداغستاني والشيخ عبد ربه سليمان بن أحمد الفشتالي
الفاسي والشيخ عبد اللطيف الشامي والجمال يوسف الكلارجي والشيخ رمضان الخوانكي والشيخ
محمد النشيلي والشيخ عمر الحلبي والشيخ حسين عبد الشكور المكي والشيخ ابراهيم
الزمزمي وحسن أفندي قطعة مسكين واحمد افندي الكرتلي والاستاذ عبد الخالق بن وفي
وكان خصيصا به واجازه بالاحزاب وهو الذي كناه بأبي التداني وألبسه التاج الوفائي
والسيد مصطفى العيدروس وولده السيد عبد الرحمن والسيد عبد الله العيدروسي والشيخ
علي بندق الشناوى الاحمدى وكثير من المشايخ الازهرية مثل السيد محمد البنوفرى
والشيخ عمر الاسقاطي والشيخ احمد الجوهرى والشيخ أحمد
الدلجي بن خال المترجم والشيخ أحمد الراشدى والشيخ
ابراهيم الحلبي صاحب حاشية الدر والسيد سعودى محشي ملا مسكين وغيرهم من الآكابر
والاخيار وأهل الاسرار والانوار حتى كمل في المعارف والفنون ورمقته بالاجلال
العيون وعلا شأنه على علماء الزمان وتميز بين الاقران واذعنت له أهل الاذواق وشاع
ذكره في الآفاق ووفدت عليه الطلاب البلدانية والواردون من النواحي الآفاقية وأتوا
اليه من كل فج يسعون لميقاته ولزموا الطواف بكعبة فضله والوقوف بعرفاته فمنهم من
ينفر بعد اتمام نسكه وبلوغ امنيته ومنهم من يواظب على الاعتكاف بساحته وكان رحمه
الله عذب المورد للطالبين طلق المحيا للورادين يكرم كل من أم حماه ويبلغ الراجي مناه
والمقتفى جدواه والراغب أقصى مرماه مع البشاشة والطلاقة وسعة الصدر والرياقة وعدم
رؤية المنة على المحتدى ومسامحة الجاهل والمعتدى مع حسن الاخلاق والصفات التي سجدت
لها الخناصر كأنها آيات سجدات وكانت ذاته جامعة للفضائل والفواضل منزهة عن النقائص
والرذائل وقورا محتشما مهيبا في الاعين معظما في النفوس محبوبا للقلوب لا يعادى
أحدا ولا يخاصم على الدنيا فلذلك لا تجد من يكرهه ولا من ينقم عليه في شيء من
الاشياء وأما مكارم الاخلاق والحلم والصفح والتواضع والقناعة وشرف النفس وكظم
الغيظ والانبساط الى الجليل والحقير كل ذلك سجيته وطبعه من غير تكلف لذلك ولا يرى
لنفسه مقاما أصلا ولا يعرف التصنع في الامور ولا دعوى علم ولا معرفة ولا مشيخة على
التلاميذ والطلبة ولا يرضى التعاظم ولا تقبيل اليد وله منزلة عظيمة في قلوب الآكابر
والامراء والوزراء والاعيان ويسعون اليه ويذهب اليهم لبعض المقتضيات والشفاعات
ويرسل اليهم فلا يردون شفاعته ولا يتوانون في حاجة يتكلم فيها وله عندهم محبة
ومنزلة في قلوبهم زيادة عن نظرائه من الاشياخ لمعرفته
بلسانهم ولغتهم واصطلاحهم ورغبتهم فيما يعلمونه فيه من المزايا
والاسرار والمعارف المختص بها دون غيره وخصوصا أكابر العثمانيين والوزراء وأهل
العلوم والفضلاء منهم مثل علي باشا ابن الحكيم وراغب باشا وأحمد باشا الكور وغيرهم
ويأتون اليه أحيانا في التبديل
وأكرموه وهادوه كل ذلك مع العفة والعزة وعدم التطلع لشيء
من أسباب الدنيا بوظيفة أو مرتب أو فائظ أو نحو ذلك
وكان بينه وبين الامير عثمان بك ذي الفقار صحبة ومحبة
وحج في أيام امارته على الحج مرافقا له ثلاث مرات من ماله وصلب حاله ولم يصله منه
سوى ما كان يرسله اليه على سبيل الهدية وكان منزل سكنه الذي بالصنادقية ضيقا من
أسفل وكثير الدرج فعالجه ابراهيم كتخدا على أن يشترى له أو يبني له دارا واسعة فلم
يقبل وكذلك عبد الرحمن كتخدا وكان له ثلاثة مساكن أحدها هذا المنزل بالقرب من
الازهر وآخر بالابزارية بشاطىء النيل ومنزل زوجته القديمة تجاه جامع مرزه
وفي كل منزل زوجة وسرار وخدم فكان ينتقل فيها مع أصحابه وتلامذته
وكان يقتني المماليك والعبيد والجوارى البيض والحبوش والسود ومات له من الاولاد
نيف وأربعون ولدا ذكورا واناثا كلهم دون البلوغ ولم يعش له من الاولاد سوى الحقير
وكان يرى الاشتغال بغير العلم من العبثيات واذا أتاه طالب فرح به وأقبل عليه ورغبه
وأكرمه وخصوصا اذا كان غريبا وربما دعاه للمحاورة عنده وصار من جملة عياله ومنهم
من أقام عشرين عاما قياما ونياما لا يتكلف الى شىء من أمر معاشه حتى غسل ثيابه من
غير ملل ولا ضجر
وانجب عليه كثير من علماء وقته المحققين طبقة بعد طبقة
مثل الشيخ احمد الراشدى والشيخ ابراهيم الحلبي والشيخ مصطفى أبي الاتقان الخياط
والسيد قاسم التونسي والشيخ العلامة احمد العروسي والشيخ ابراهيم الصيحاني المغربي
والطبقة الاخيرة التي ادركناها مثل الشيخ ابي الحسن
القلعي والشيخ عبد الرحمن البناني
وأما الملازمون له فهم الشيخ محمد ابن اسمعيل النفراوي
والشيخ محمد الصبان والشيخ محمد عرفة الدسوقي والشيخ محمد الامير والشيخ محمد
الشافعي الجناجي المالكي والشيخ مصطفى الريس البولاقي والشيخ محمد الشوبري والشيخ
عبد الرحمن العريشي والشيخ محمد الفرماوى وهؤلاء كانوا المختصين به الملازمين عنده
ليلا ونهارا وخصوصا الشيخ محمد النفراوى والصبان ومحمود أفندي النيشي والفرماوى
والشيخ محمد الامير والشيخ محمد عرفة فانهم كانوا بمنزلة أولاده خصوصا الاولين
فانهما كانا لا يقارفانه الا وقت اقراء دروسهما وكان يباسط اخصاءه منهم ويمازحهم
ويروحهم بالمناسبات والادبيات والنوادر والابيات الشعرية والمواليات والمجونيات
والحكايات اللطيفة والنكات الظريفة وينتقلون صحبته في منازل بولاق ومواطن النزهة
فيقطعون الاوقات ويشغلونها حصة في مدارسة العلم وأخرى في مطارحات المسائل وأخرى
للمفاكهة والمباسطة والنوادر الادبية
ومن الملازمين على الترداد عليه والاخذ عنه الشيخ محمد الجوهرى
والشيخ سالم القيرواني ومحمد أفندي مفتي الجزائر والسيد محمد الدمرداش وولداه
السيد عثمان والسيد محمد
وممن تلقى عنه شيخ الشيوخ الشيخ علي العدوى تلقى شرح
الزيلعي على الكنز في الفقه الحنفي وكثيرا من المسائل الحكمية
ولما قرأ كتاب المواقف فكان يناقشه في بعض المسائل محققو
الطلبة فيتوقف في تصويرها لهم فيقوم من حلقته ويقول لهم اصبروا مكانكم حتى اذهب
الى من هو أعرف مني بذلك وأعود اليكم
ويأتي الى المترجم فيصورها له بأسهل عبارة ويقوم في
الحال فيرجع الى درسه ويحققها لهم وهذا من أعظم الديانة والانصاف
وقد تكرر منه ذلك غير مرة وكان يقول عنه لم نر ولم نسمع
من توغل في علم الحكمة والفلسفة وزاد ايمانه الا هو رحم الله الجميع
وممن تلقى عنه من أشياخ
العصر العلامة الشيخ محمد المصليحي والعلامة الشيخ حسن
الجداوي والشيخ محمد المسودى والشيخ أحمد بن يونس والشيخ محمد الهلباوى والشيخ
أحمد السجاعي لازمه كثيرا وأخذ عنه في الهيئة والفلكيات والهداية وألف في ذلك متونا
وشروحا وحواشي
وأما من تلقى عنه من الآفاقيين وأهالي بلاد الروم والشام
وداغستان والمغاربة والحجازيين فلا يحصون واجل الحجازيين الشيخ ابراهيم الزمزمي
وأما ما اجتمع عنده وما اقتناه من الكتب في سائر العلوم
فكثير جدا قلما اجتمع ما يقاربها في الكثرة عند غيره من العلماء أو غيرهم
وكان سموحا باعارتها وتغييرها للطلبة وذلك كان السبب في
اتلاف اكثرها وتخريمها وضياعها حتى انه كان أعد محلا في المنزل ووضع فيه نسخا من
الكتب المستعملة التي يتداول علماء الازهر قراءتها للطلبة مثل الاشموني وابن عقيل والشيخ
خالد وشروحه والازهرية وشروحها والشذور وكذلك من كتب التوحيد مثل شروح الجوهرة
والهدهدى وشرح السنوسية والكبرى والصغرى وكتب المنطق والاستعارات والمعاني وكذلك
كتب الحديث والتفسير والفقه في المذاهب وغير ذلك فكانوا يأتون الى ذلك المكان
ويأخذون ويغيرون وينقلون من غير استئذان فمنهم من يأخذ الكتاب ولا يرده ومنهم من
يهمل التغيير فتضيع الكراريس ومنهم من يسافر ويتركها عند غيره ومنهم من يهمل آخر
الكتاب ويتفق ان الاثنين والثلاثة يشتركون في الكتاب الواحد والنسخة الواحدة ولا
بد من حصول التلف من أحدهم ولا بد من حصول الضياع والتلف في كل سنة وخصوصا في
اواخر الكتب عندما تفتر هممهم
وأكثر الناس منحرفو الطباع معوجو الاوضاع
واقتنى أيضا كتبا نفيسة خلاف المتداولة وأرسل اليه
السلطان مصطفى نسخا من خزائنه وكذلك اكابر الدولة بالروم ومصر وباشة تونس والجزائر
واجتمع لديه من كتب الاعاجم مثل الكلستان وديوان حافظ
وشاه نامه وتواريخ العجم وكليله ودمنه ويوسف زليخا وغير
ذلك وبها من التشاويه والتصاوير البديعة الصنعة الغريبة الشكل وكذلك الآلات
الفلكية من الكرات النحاس التي كان اعتنى بوضعها حسن افندي الروزنامجي بيد رضوان
افندى الفلكي كما تقدم في ترجمتها
ولما مات حسن أفندي المذكور اشترى جميعها من تركته وكذلك
غيرها من الآلات الارتفاعية والميالات وحبق الارصاد والاسطرلابات والارباع والعدد
الهندسية وأدوات غالب الصنائع مثل التجارين والخراطين والحدادين والسمكرية
والمجلدين والنقاشين والصواغ وآلات الرسم والتقاسيم ويجتمع به كل متقن وعارف في
صناعته مثل حسن أفندي الساعاتي وكان ساكنا عنده وعابدين أفندي الساعاتي وعلي افندي
رضوان وكان من ارباب المعارف في كل شيء ومحمد افندى الاسكندراني والشيخ محمد
الاقفالي وابراهيم السكاكيني والشيخ محمد الزبداني وكان فريدا في صناعة التراكيب
والتقاطير واستخراج المياه والادهان وغير هؤلاء ممن رأيت ومن لم أر وحضر اليه طلاب
من الافرنج وقراوا عليه علم الهندسة وذلك سنة تسع وخمسين وأهدوا له من صنائعهم
وآلاتهم اشياء نفيسة وذهبوا الى بلادهم ونشروا بها ذلك العلم من ذلك الوقت وأخرجوه
من القوة الى الفعل واستخرجوا به الصنائع البديعة مثل طواحين الهواء وجر الاثقال واستنباط
المياه وغير ذلك
وفي أيام اشتغاله بالرسم رسم ما لا يحصى من المنحرفات
والمزاول على الرخامات والبلاط الكذان ونصبها في اماكن كثيرة ومساجد شهيرة مثل
الازهر والاشرفية وقوصون ومشهد الامام الشافعي والسادات
وفي الآثار منها ثلاثة واحدة باعلى القصر وأخرى على
البوابة وأخرى عظيمة بسطح الجامع بقى منها قطعة وكسر باقيها فراشو الامراء الذين
كانوا ينزلون هناك للنزاهة ليمسحوا بها صواني الاطعمة الصفر وكذلك بورد ان بالتماس
مصطفى أغا الورداني
وكذلك بحوش مدفن الرزازين بالتماس رضوان جرجبي الرزاز
رحمه الله ولما تمهر الآخذون عنه والملازمون عنده ترك الاشتغال بذلك واحال الطلاب
عليهم فاذا كان الطالب من أبناء العرب تقيد بتلميذه الشيخ محمد ابن اسمعيل
النفراوى وان كان من الاعاجم والاتراك تقيد بمحمود افندي النيشي
واشتغل هو بمدارسة الفقه واقرائه ومراجعة الفتاوى
والتحرى في الفروع الفقهية والمسائل الخلاقية وانكب عليه الناس يستفتونه في
وقائعهم ودعاويهم
وتقرر في اذهانهم تحرية الحق والنصوص حتى ان القضاة لا
يثقون الا بفتواه دون غيره وتقيد للمراجعة عنده الشيخ عبد الرحمن العريشي فانفتحت
قريحته وراج أمره وترشح بعده للافتاء
وكان المترجم لا يعتني بالتأليف الا في بعض التحقيقات
المهمة منها نزهة العينين في زاكاة المعدنين ورفع الاشكال بظهور العشر في العشر في
غالب الاشكال والاقوال المعربة عن أحوال الاشربة وكشف اللثام عن وجوه مخدرات النصف
الاول من ذوى الارحام والوشي المجمل في النسب المحمل والقول الصائب في الحكم على
الغائب وبلوغ الآمال في كيفية الاستقبال والجداول البهية برياض الخزرجية في علم
العروض واصلاح الاسفار عن وجوه بعض مخدرات الدر المختار ومآخذ الضبط في اعتراض الشرط
على الشرط والنسمات الفيحية على الرسالة الفتحية والعجالة على أعدل آلة وحقائق
الدقائق على دقائق الحقائق واخصر المختصرات على ربع المقنطرات والثمرات المجنية من
أبواب الفتحية والمفصحة فيما يتعلق بالاسطحة والدر الثمين في علم الموازين وحاشية
على شرح فاضي زادة على الجغميني لم تكمل وحاشية على الدر المختار لم تكمل ومناسك
الحج وغير ذلك جواش وتقييدات على العصام والحفيد والمطول والمواقف والهداية في
الحكمة والبرزنجي على قاضي زاده وأمثلة وبراهين هندسية شتى
وماله من الرسومات المخترعة
والآلات النافعة المبتدعة ومنها الآلة المربعة لمعرفة
الجهات والسمت والانحرافات باسهل ماخذو أقرب طريق والدائرة التاريخية وبركار
الدرجة
واتفق انه في سنة اثنتين وسبعين وقع الخلل في الموازين
والقبابين وجهل أمر وضعها ورسمها وبعد تحديدها وريحها ومشيلها واستخراج رمامينها
وظهر فيها الخطأ واختلفت مقادير الموزونات وترتب على ذلك ضياع الحقوق وتلاف الاموال
وفسد على الصناع تقليدهم الذى درجوا عليه فعند ذلك تحركت همة المترجم لتصحيح ذلك
وأحضر الصناع لذلك من الحدادين والسباكين وحرر المثاقيل والصنج الكبار والصغار
والقرسطونات ورسمها بطريق الاستخراج على أصل العلم العملي والوضع الهندسي وصرف على
ذلك أموالا من عنده ابتغاء لوجه الله ثم أحضر كبار القبانية والوزانين مثل الشيخ
علي خليل والسيد منصور والشيخ علي حسن والشيخ حسن ربيع وغيرهم وبين لهم ما هم عليه
من الخطأ وعرفهم طريق الصواب في ذلك وأطلعهم على سر الوضع والصنعة ومكنونها
واحضروا العدد وأصلحوا منها ما يمكن اصلاحه وابطلوا ما تقدم وضعه وفسدت لقمه
ومراكزه وقيدوا بصناعة ذلك الاسطى مراد الحداد ومحمد ابن عثمان حتى تحررت الموازين
وانضبط امرها وانصلح شأنها
وسرت في الناس العدالة الشرعية المأمورين باقامتها واستمر
العمل في ذلك أشهرا وهذا هو السبب الحامل له على تصنيف الكتاب المذكور وهذا هو
ثمرة العلم ونتيجة المعرفة والحكمة المشار اليها بقوله تعالى يؤتي الحكمة من يشاء
ولما وصل الى مصر الشيخ ابراهيم بن أبي البركات العباسي
البغدادي الشهير بابن السويدى في سنة 1175 وكان اماما فاضلا فصيحا مفوها ينظم
الشعر بالاملاء ارتجالا في أي قافية من أى بحر من غير تكلف فأنزله المترجم واكرمه
واغتبط به وصار يتنقل صحبته مع الجماعة بمنازل بولاق والمنتزهات
واتفق انه تمرض أياما فأقام بمنزل بولاق
المشرف على النيل فقيد به من يعوله ويخدمه ويعلل مزاجه
فكان كلما اختلى بنفسه وهبت عليه النسمات الشمالية والنفحات البحرية أخذ القلم
ببنانه ونقش على أخشابه وحيطانه فكتب نحو العشرين قصيدة على مواقف عديدة كلها
مدائح في المذكور والرياض والزهور والكوثر والسلسبيل وجريان النيل وتركت بحالها وذهبت
كغيرها
وفي سنة تسع وسبعين توفي ولده أخي لابي أبو الفلاح علي
وقد بلغ من العمر اثنتي عشرة سنة
فحزن عليه وانقبض خاطره وانحرف مزاجه وتوالت عليه
النوازل وأوجاع المفاصل وترك الذهاب الى بولاق وغيرها ونقل العيال من هناك ولازم
البيت الذي بالصنادقية واقتصر عليه وفتر عن الحركة الا في النادر
وصار يملي الدروس بالمنزل ويكتب على الفتاوى ويراجع
المسائل الشرعية والقضايا الحكمية مع الديانة والتحرى والمراجعة والإستنباط
والقياس الصحيح ومراعاة الأصول والقواعد ومطارحات التحقيقات والفوائد وتلقي
الوافدين وإكرام الواردين وإطعام الطعام وتبليغ القاصد المرام ومراعاة الأقارب
والأجانب مع البشاشة ولين الجانب وسعة الصدر وحسن الاخلاق مع الخلان والاصحاب
والرفاق ويخدم بنفسه جلاسه ولا يمل معهم ايناسه ولا يبخل بالموجود ولا يتكلف
المفقود ولا يتصنع في أحواله ولا يتمشدق في أقواله ويلاحظ السنة في أفعاله
ومن أخلاقه انه كان يجلس بآخر المجلس على اى هيئة كان
بعمامة وبدونها ويلبس أى شيء كان ويتحزم ولو بكنار الجوخ أو قطعة خرقة او شال
كشميرى أو محزم ولا ينام على فراش ممهد بل ينام كيفما اتفق وكان أكثر نومه وهو
جالس وله مع الله جانب كبير كثير الذكر دائم المراقبة والفكر ينام أول الليل ويقوم
آخره فيصلي ما تيسر من النوافل والوتر ثم يشتغل بالذكر حتى يطلع الفجر فيصلي الصبح
ويجلس كذلك الى طلوع الشمس فيضطجع قليلا أو ينام وهو جالس مستندا وهذا دأبه
على الدوام
ويحاذر الرياء ما أمكن وكان يصوم رجب وشعبان ورمضان ولا
يقول اني صائم وربما ذهب الى بعض الاعيان أو دعي الى وليمة فيأتون اليه بالقهوة
والشربات فلا يرد ذلك بل يأخذها ويوهم الشرب وكذلك الاكل ويضايع ذلك بالمؤانسة
والمباسطة مع صاحب المكان والجالسين
وكان مع مسايرته للناس وبشاشته ومخاطبته لهم على قدر
عقولهم عظيم الهيبة في نفوسهم وقورا محتشما ذا جلال وجمال
وسمعت مرة شيخنا سيدي الشيخ محمودا الكردى يقول أنا
عندما كنت أراه داخلا في دهليز الجامع يداخلني منه هيبة عظيمة وأدخل الى رواقنا
وانظر اليه من داخل واسأل المجاورين عنه فيقولون لي هذا الشيخ الجبرتي فأتعجب لما
يداخلني من هيبته دون غيره من الاشياخ فلما تكرر على ذلك أخبرت الاستاذ الحفني فتبسم
وقال لي نعم انه صاحب اسرار
وكان مربوع القامة ضخم الكراديس ابيض اللون عظيم اللحية
منور الشيبة واسع العينين غزير شعر الحاجبين وجيه الطلعة يهابه كل من يراه ويود
أنه لا يصرف نظره عن جميل محياه
ولم يزل على طريقته المفيدة وأفعاله الحميدة الى أن آذنت
شمسه بالزوال وغربت بعد ما طلعت من مشرق الاقبال وتعلل اثني عشر يوما بالهيضة
الصفراوية فكان كلما تناول شيئا قذفته معدته عندما يريد الاضطجاع الى ان اقتصر على
المشروبات فقط وهو مع ذلك لا يصلي الا من قيام
ولم يغب عن حواسه وكان ذكره في هذه المدة يقرأ الصمدية
مرة ثم يصلي على النبي صلى الله عليه و سلم بالصيغة السنوسية كذلك ثم الاسم
العشرين من الاسماء الادريسية وهو يا رحيم كل صريخ ومكروب وغياثه ومعاذه هكذا كان
دأبه ليلا ونهارا حتى توفى يوم الثلاثاء قبيل الزوال غرة شهر صفر من السنة وجهز في
صبحة يوم الاربعاء وصلي عليه بالازهر بمشهد حافل جدا ودفن عند اسلافه بتربة
الصحراء بجوار الشمس البابلي والخطيب
الشربيني ومات وله من العمر سبع وسبعون سنة
ومات الامام العلامة الفقيه المعمر الشيخ احمد بن محمد
الحماقي الحنفي كان أبوه من كبار علماء الشافعية فتحنف هذا بأذن الامام الشافعي
والشيخ احمد البنوفرى والشيخ سليمان المنصورى وغيرهم وتصدر رضي الله عنه لرؤيا
رآها وكان يخبر بها من لفظه وتلقى عن أئمة عصره كالشيخ أحمد الدقدوسي والشيخ علي العقدي
ومحمد عبد العزيز الزيادى والشيخ احمد البنوفرى والشيخ سليمان المنصورى وغيرهم
وتصدر للاقراء والتدريس بالجامع الازهر مدة سنين ثم تولى مشيخة افتاء الحنفية بعد
موت الشيخ حسن المقدسي
وكان انسانا حسنا دمث الاخلاق حسن العشرة صافي الطوية
عارفا بفروع المذهب لين الجانب لا يتحاشى الجلوس في الاسواق والقهاوى وكان اخوانه
من أهل العلم ينقمون عليه في ذلك فلا يبالي باعتراضهم ولم يزل حتى توفي في سحر
ليلة الجمعة خامس عشرى صفر من السنة رحمه الله
ومات الامام الفقيه العلامة المحدث الفرضي الاصولي الورع
الزاهد الصالح الشيخ أحمد بن محمد بن محمد بن شاهين الراشدى الشافعي الازهري ولد
بالراشدية قرية بالغربية سنة 1118 وبها نشأ وحفظ القرآن وجوده وقدم الازهر فتفقه
على الشيخ مصطفى العزيزى والشيخ مصطفى العشماوى وأخذ الحساب والفرائض عن الشيخ
محمد الغمرى وسمع الكتب الستة على الشيخ عيد النمرسي بطرفيها وبعضها على الشيخ عبد
الوهاب الطندتاوى وسيدى محمد الصغير وله شيوخ كثيرون
ورافق الشيخ الوالد وعاشره مدة طويلة وتلقى عنه وهو احد
اصحابه من الطبقة الاولى ولم يزل محافظا على وده وتردده ومؤانسته ويتذكر الازمان
السالفة والايام الماضية وله شيوخ كثيرون
وكان من جملة محفوظاته البهجة الوردية وقد انفرد في عصره
بذلك واعتنى بالكتب الستة كتابة ومقابلة وتصحيحا وكان حسن التلاوة للقرآن حلو
الاداء مع معرفته
باصول الموسيقي ولذلك ناطت به رغبة الامراء فصلى اماما
بالامير محمد بك ابن اسمعيل بك مع كمال العفة والوقار والانجماع عن الناس حتى ان
كثير منهم يود أن يسمع منه حزبا من القرآن فلا يمكنه ذلك ثم اقلع عن ذلك واقبل على
افادة الناس فقرأ المنهج مرارا وابن حجر على المنهاج مرارا وكان يتقنه ويحل مشكلاته
بكمال التؤدة والسكينة فاستمر مدة يقرأ دروسه بمدرسة السنانية قرب الازهر ثم انتقل
الى زاوية قرب المشهد الحسيني وكان تقرير مثل سلاسل الذهب في حسن السبك وقد انتفع
به كثير من الاعلام ولما بنى المرحوم محمد بك ابو الذهب المدرسة تجاه الجامع
الازهر في هذه السنة راوده ان يكون خطيبا بها فامتنع فالح عليه وارسل له صرة فيها
دنانير لها صورة فأبى ان يقبل ذلك ورده فالح عليه فلما اكثر عليه خطب بها أول جمعة
وألبسه فروة سمور وأعطاه صرة فيها دنانير فقبلها كرها ورجع الى منزله محموما يقال
فيما بلغني انه طلب من الله ان لا يخطب بعد ذلك فانقطع في منزله مريضا الى أن توفي
ليلة الثلاثاء ثاني شوال من السنة وجهز ثاني يوم وصلى عليه بالازهر في مشهد حافل
ودفن بالقرافة الصغرى تجاه قبة أبي جعفر الطمحاوى ولم يخلف بعده في جمع الفضائل مثله
وكان صفته نحيف البدن منور الوجه والشيبة ناتىء الجبهة
ولا يلبس زى الفقهاء ولا العمامة الكبيرة بل يلبس قاووقا لطيفا فتلي ويركب بغلة وعليها
سلخ شاة أزرق
وأخذ كتبه الامير محمد بك ووقفها في كتبخانته التي جعلها
بمدرسته وكان لها جرم وكلها صحيحة مخدومة وسرق غالبها
ومات الشيخ الصالح سعد بن محمد بن عبد الله الشنواني حصل
في مباديه شيئا كثيرا من العلوم ومال الى فن الادب فمهر فيه وتنزل قاضيا في محكمة
باب الشعرية بمصر وكان انسانا حسنا بينه وبين الفضلاء مخاطبات ومحاورات وشعره حسن
مقبول وله قصائد ومدائح في الاولياء وغيرهم
أحسن فيها ولم أعثر على شيء منها وجدد له شيخنا السيد
مرتضى نسبة الى الشيخ شهاب الدين العراقي دفين شنوان
توفي يوم السبت خامس جمادى الثانية من السنة وقد جاوز
السبعين رحمه الله
ومات العلامة الفقيه الصالح الدين الشيخ علي بن حسن
المالكي الازهري قرأ على الشيخ على العدوى وبه تخرج وحضر غيره من الاشياخ ومهر في
الفقه والمعقول وألقى دروسا بالازهر ونفع الطلبة وكان ملازما على قراءة الكتب النافعة
للمبتدئين مثل أبي الحسن وابن تركي والعشماوية في الفقه وفي النحو الشيخ خالد
والازهرية والشذور وحلقة درسه عظيمة جدا وكان لسانه أبدا متحركا بذكرى الله
توفي ليلة الخميس منتصف ربيع الاول من السنة ودفن
بالمجاورين
ومات الشيخ الامام المحدث البارع الزاهد الصوفي محمد بن
أحمد ابن سالم ابو عبد الله السفاريتي النابلسي الحنبلي ولد كما وجد بخطه سنة 1114
تقريبا بسفارين وقرأ القرآن في سنة احدى وثلاثين في نابلس واشتغل بالعلم قليلا وارتحل
الى دمشق سنة ثلاث وثلاثين ومكث بها قدر خمس سنوات فقرأ بها على الشيخ عبد القادر
التغلبي دليل الطالب للشيخ مرعي الحنبلي من أوله الى آخره قراءة تحقيق والاقناع
للشيخ موسى الحجازي وحضره في الجامع الصغير للسيوطي بين العشائين وغيره مما كان
يقرأ عليه في سائر أنواع العلوم وذاكره في عدة مباحث من شرحه على الدليل فمنها ما
رجع عنها ومنها ما لم يرجع لوجود الاصول التي نقل منها وكان يكرمه ويقدمه على غيره
وأجازه بما في ضمن ثبته الذي خرجه له الشيخ محمد بن عبد الرحمن الغزى في سنة خمس
وثلاثين وعلى الشيخ عبد الغني النابلسي الاربعين النووية وثلاثيات البخارى والامام
أحمد وحضر دروسه في تفسير القاضي وتفسيره الذي صنفه في علم التصوف وأجازه عموما
بسائر ما يجوز له وبمصنفاته كلها
وكتب له اجازة مطولة وذكر فيها مصنفاته وعلى الشيخ عبد
الرحمن المجلد ثلاثيات البخارى وحضر دروسه العامة وأجازه وعلى الشيخ عبد السلام
ابن محمد الكاملي بعض كتب الحديث وشيئا من رسائل اخوان الصفا وعلى ملا الياس
الكوراتي كتب المعقول وعلى الشيخ اسمعيل بن محمد العجلوني الصحيح بطرفيه مع مراجعة
شروحه الموجودة في كل رجب وشعبان ورمضان من كل سنة مدة أقامته بدمشق وثلاثيات
البخارى وبعض ثلاثيات أحمد وشيئا من الجامع الصغير شرحه للمناوى والعلقمي وشيئا من
الجامع الكبير وبعضا من كتاب الاحياء مع مراجعة تخريج أحاديثه للزين العراقي
والاندلسية في العروض مع مطالعة بعض شروحها وبعضا من شرح شذور الذهب وشرح رسالة
الوضع مع حاشيته التي ألفها وحاشية ملا الياس وأجازه بكل ذلك وبما يجوز له روايته وعلى
الشيخ أحمد بن علي المنيني شرح جمع الجوامع للمحلى وشرح الكافية لملا جامي وشرح
القطر للفاكهي وحضر دروسه للصحيح وشرحه على منظومة الخصائص الصغرى للسيوطي وقد
أجازه بكل ذلك أجازة مطولة كتبها بخطه وعلى الشيخ محمد بن عبد الرحمن الغزى بعضا
من شرح ألفية العراقي لزكريا وأول سنن أبي داود وعلى قريبه الشيخ احمد الغزى غالب
الصحيح بالجامع الاموى بحضرة جملة من كبار شيوخ المذاهب الاربعة وعلى الشيخ مصطفى
بن سوار أول صحيح مسلم وعلى حامد أفندي مفتي الشام المسلسل بالاولية وثلاثيات
البخارى وبعض ثلاثيات أحمد وحج سنة ثمان وأربعين فسمع بالمدينة على الشيخ محمد
حياة المسلسل بالاولية وأوائل الكتب الستة وتفقه على شيخ المذهب مصطفى بن عبد الحق
اللبدى وطه بن أحمد اللبدى ومصطفى بن يوسف الكرمي وعبد الرحيم الكرمي والشيخ
المعمر السيد هاشم الحنبلي والشيخ محمد السلقيني وغيرهم ومن شيوخه الشيخ
محمد الخليلي سمع عليه اشياء والشيخ عبد الله البصروى
سمع عليه ثلاثيات أحمد مع المقابلة بالاصل المصحح والشيخ محمد الدقاق أدركه بالمدينة
وقرأ عليه أشياء واجتمع بالسيد مصطفى البكرى فلازمه وقرأ عليه مصنفاته وأجازه بما
له وكتب له بذلك وله شيوخ اخر غير من ذكرت وله مؤلفات منها شرح عمدة الاحكام
للحافظ عبد الغني في مجلدين وشرح ثلاثيات أحمد في مجلد ضخم وشرح نونية الصرصرى
الحنبلي سماه معارج الانوار في سيرة النبي المختار وبحر الوفا في سيرة النبي
المصطفى وغذاء الالباب في شرح منظومة الآداب والبحور الزاخرة في علوم الآخرة وشرح
الدرة المضية في اعتقاد الفرقة الاثرية ولوائح الانوار السنية في شرح منظومة أبي
بكر بن أبي داود الحائية وكان المترجم شيخا ذا شيبة منورة مهيبا جميل الشكل ناصرا
للسنة قامعا للبدعة قوالا بالحق مقبلا على شأنه مداوما على قيام الليل في المسجد
ملازما على نشر علوم الحديث محبا في أهله ولا زال يملي ويفيد ويجيز من سنة ثمان وأربعين
الى أن توفي يوم الاثنين ثامن شوال من هذه السنة بنابلس وجهز وصلي عليه بالجامع
الكبير ودفن بالمقبرة الزاركنية وكثر الاسف عليه ولم يخلف بعده مثله رحمه الله
رحمة واسعة
ومات العمدة المبجل الفاضل الشيخ احمد بن محمد بن عبد
السلام الشرفي المغربي الاصل المصرى المولد وكان والده شيخا على رواق المغاربة
بالجامع الازهر ومن شيوخ الشيخ احمد الدمنهوري وولده هذا كان له معرفة بعلم
الميقات ومشاركة حسنة وفيه صداقة ود وحسن عشرة مع الاخوان ومكارم اخلاق ويدعو
الناس والعلماء في المولد النبوي الى بيته بالازبكية ويقدم لهم الموائد والحلوى
وشراب السكر وكان لديه فوائد ومآثر حسنة توفي سابع ربيع الاول من السنة وقد جاوز
السبعين رحمه الله
ومات العمدة الفاضل الشيخ زين الدين قاسم العبادي الحنفي
تفقه على الشيخ سليمان المنصورى والشيخ أحمد بن عمر الاسقاطي الى أن صار يقرأ درسا
في المذهب ولم يزل ملازما شأنه حتى توفي ثالث عشر الحجة من السنة وقد ناهز الثمانين
رحمه الله
ومات العمدة المعمر الشيخ عبد الله الموقت بجامع قوصون
وكان يعرف بالطويل وكان انسانا صالحا ناسكا ورعا توفي فجأة في الحمام ثاني عشر
الحجة عن سبع وثمانين سنة
ومات العمدة الفاضل الاديب الماهر الشيخ علي بن احمد بن
عبد الرحمن ابن محمد بن عامر العطشي الفيومي الشافعي وهو أخو الشيخ احمد العطشي
وكان له مذاكرة حسنة وحضر على الشيخ الحفني وغيره وكان نعم الرجل توفي في جمادى
الآخرة
ومات السيد الشريف المعمر محمد بن حسن بن محمد الحسني
الوفائي باش جاويش السادة الاشراف أخذ عن الشيخ المعمر يوسف الطولوني وكان يحكي
عنه حكايات مستحسنة وغرائب وكان متقيدا بالسيد محمد أبي هادى الوفائي في أيام
نقابته على الاشراف ولديه فضيلة وفوائد توفي في هذه السنة عن نحو ثمانين سنة
ومات الشيخ الصالح سليمان بن داود بن سليمان بن أحمد
الخربتاوي وكان من أهل المروءة والدين توفي ثامن عشرى المحرم من السنة في عشر
الثمانين
ومات الجناب المكرم الامير أحمد أغا البارودي وهو من
مماليك ابراهيم كتخدا القازدغلي وتزوج بأبنته التي من بنت البارودي وسكن معها في
بيتهم المشهور خارج باب سعادة والخرق وولد له منها أولاد ذكور واناث ومنهم صاحبنا
ابراهيم جلبي وعلي ومصطفى وهو أستاذ محمد أغا الآتي ذكره ذكره
تقلد المترجم في أيام علي بك مناصب جليلة مثل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق