مجلد 6. من كتاب : تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار لعبد الرحمن بن حسن الجبرتي
ومات الامير المبجل حسن افندي شقبون كاتب الحوالة وأصله
مملوك احمد افندي مملوك مصطفى افندي شقبون نشأ في الرياسة وخدمة الوزراء والاكابر
وحاز شيئا كثيرا من الكتب النفيسة والتي بخط الاعاجم والفارسية والخطوط التعليق المكلفة
والمذهبة والمصورة مثل كليلة ودمنة وشاهنامة وديوان حافظ والتواريخ التي من هذا
القبيل المصور بها صور الملوك البديعة الصنعة والاتقان الغالية الثمن النادرة
الوجود وكان قريبا الى الخير محتشما في نفسه توفي ايضا بالطاعون وتبددت كتبه
وذخائره
ومات الامير محمد آغا البارودي وهو مملوك احمد أغا مملوك
ابراهيم كتخدا القازدغلي رباه سيده وجعله خازنداره وعقد له على ابنته فلما توفي
سيده في سنة ثمان وثمانين طلقها وتزوج بزوجة سيد هانم بنت ابراهيم كتخدا من الست
البارودية وهي أم أولاده ابراهيم وعلي ومصطفى الذين تقدم ذكرهم والتي كان عقد
عليها كانت من غيرها فتزوجها حسن كاشف من اتباعهم تنبه المترجم وتداخل في الامراء
والاكابر وانضوى الى حسن كتخدا الجربان عندما كان كتخدا مراد بك فقلده في الخدم
والقضايا وأعجبه سياسته وحسن سعيه فارتاح اليه وكان حسن كتخدا المذكور تعتريه
النوازل فينقطع بسببها أياما بمنزله فينوب عنه المترجم في الكتخدائية عند مراد بك فيحسن
الخدمة والسياسة وتنميق الامور ويستجلب له المصالح فأحبه وأعجب به وقلده الامور
الجسيمة وجعله أمين الشون فعند ذلك اشتهر ذكره ونما امره واتسع حاله وانفتح بيته
وقصدته الناس وتردد إليه الأعيان في قضاء الحوائج ووقفت ببابه الحجاب واتخذ له
ندماء وجلساء من اللطفاء واولاد البلد يجلس معهم حصة من الليل ينادمونه ويسامرونه
ويضاحكونه ويشرب معهم وماتت زوجته ابنة سيد سيده من بنت البارودي فزوجه مراد بك
أكبر محاظية ام ولده أيوب وأتت الى بيته بجهاز عظيم وصار بذلك صهرا لمراد بك وزادت
شهرته ورفعته فلما حصلت الحوادث ووصل حسن باشا وخرج مراد بك من مصر فلم يخرج
معه واستمر بمصر وقبض عليه اسمعيل بك وحبسه مع عمر كاشف
ببيته ثم نقلهما الى القلعة بباب مستحفظان مدة فلم يزل المترجم حتى صالح عن نفسه
وأفرج عنه وتقيد بخدمة اسمعيل بك وتداخل معه حتى نصبه في كتخدائيته واحبه واحتوى
على عقله فسلم اليه قياده في جميع اشغاله وارتاح اليه وجعله أمين الشون والضربخانة
وغيرهما فعظم شانه وارتفع قدره وطار صيته بالأقاليم المصرية وكثر الازدحام ببابه
وجبيت اليه الاموال وصار الايراد اليه والمصرف من يده فيصرف جماكي العسكر ولوازم
الدولة وهداياها ومصاريف العمائر والتجاريد واحتياجات أمير الحاج وغير ذلك بتؤدة
وزياقة وحسن طريقة من غير جلبةولا عسف ولا شعور لاحد من الناس بشيء من ذلك وكل شيء
سأل عنه مخدومه أو اشار بطلبه أو فعله وجده حاضرا ولم يشتغل امراء الحاج في زمن اسمعيل
بك بشيء من لوازم الحج بل كان هو يقضي جميع اللوازم من الجمال والارحال والقرب
والخيش والعليق والذخيرة التي تسافر في البحر والبر وعوائد العرب وكساويهم والهجن والبغال
وارباب الصيت وغير ذلك ليلاونهارا في اماكن بعيدة عن داره تحت ايدي مباشريه الذين
وظفهم وأقامهم في ذلك بحيث اذا اقتضى لاحدهم شيئا أتاه وأسر له في أذنه فيوجهه
بطرف كلمة ولا يشعر احد من الجالسين معه بشيء وإذا كان وقت خروج المحمل فلا يرى
امير الحاج الا جميع احتياجاته ولوازمه حاضرة مهيأة على أتم ما يكون وأكمله وزوج
ابنة سيده لخازنداره علي أغا وعمل لهما مهما عظيما عدة ايام وحضر اسمعيل بك
والامراء والاعيان وأرسلوا إليه الهدايا العظيمة وكذلك جميع التجار والنصارى
والكتاب القبط ومشايخ البلدان وبعد تمام ايام العرس ولياليه بالسماعات والآلات
والملاعيب والنقوط عملوا للعروس زفة بهيئة لم يسبق نظيرها ومشى جميع اربا الحرف
وأرباب الصنائع مع كل طائفة عربة وفيها هيئة صناعتهم ومن يشتغل فيها مثل القهوجي
بآلته وكانونه والحلواني والفطاطري والحباك والقزاز
بنوله حتى مبيض النحاس والحيطان والمعاجيني وبياعين البز
وارباب الملاهي والتماءالمغنيين وغيرهم كل طائفة في عربة وكان مجموعها نيفا وسبعين
حرفة وذلك خلاف الملاعيب والبهالوين والرقاصين والجنك ثم الموكب وبعده الاغوات
والحريم والملازمون والسعاة والجاويشية وبعدها عربة العروس من صناعة الافرنج بديعة
الشكل وبعدها مماليك الخزنة والملبسون الزروخ وبعدهم النوبة التركية والنفيرات وكانت
زفة غريبة الوضع لم ينفق مثلها بعدها وبلغ المترجم في هذه الايام من العظمة ما لم
يبلغه أحد من نظرائه وكان إذا توجهت همته الى أي شيء اتمه على الوجه الذي يريده
ويقبل الرشوة واذا أحب انسانا قضى له اشغاله كائنة ما كانت من غير شيء فلما مات
مخدومه اسمعيل بك وتعين في الامارة بعده عثمان بك طبل استوزره ايضا وسلمه قيادة في
جميع أموره وهو الذي أشار عليه بممالاته الامراء القبليين عندما تضايق خناقه من
حسن بك الجداوي ومناكدته له فكاتبهم سرا بسفارته وأطمعهم في الحضور وتمكينهم من
مصر ومات المترجم في اثناء ذلك في غرة رمضان وذلك بعد اسمعيل بك بأربعة عشر يوما
ومات الصنو الوجيه والفريد النبيه محمد افندي بن سليمان
افندي ابن عبد الرحمن افندي بن مصطفى افندي ككليويان ويقال لها في اللغة العامية
جمليان نشأ في عفة وصلاح وخير وطلب العلم وعانى الجزئيات والرياضيات ولازم الشيخ
المرحوم الوالد وقرأ عليه كثير من الحسابيات الفلكيات والهيئة والتقويم ومهر في
ذلك وانتظم في عدد ارباب المعارف واشترى كتبا كثيرة في الفن واستكتب وكتب بخطه
الحسن واقتنى الالات والمستظرقات وحسب وقوم الدساتير السنوية عشرة اعوام مستقبلة بأهلتها
وتواريخها وتواقيعها ورسم كثيرا من الالات الغريبة والمنحرفات وكان شغله وحسابه في
غاية الضبط والصحة والحسن وكان لطيف الذات مهذب الاخلاق قليل الادعاء جميل الصحبة
وقورا مات ايضا بالطاعون
في شعبان وتبددت كتبه وآلاته
ومات ايضا الخدن الشقيق والمحب الشفيق النجيب الاريب
الامير رضوان الطويل وهو من مماليك علي كتخدا الطويل وكان من هذا القبيل متولعا من
صغره بهذا الفن وقرأ على الشيخ المتقن الشيخ عثمان الورداني وغيره وأنجب وحسب ورسم
واشتغل فكره بذلك ليلا نهارا ورسم الارباع الصحيحة المتقنة الكبيرة والصغيرة
والمزاول والمنحرفات وغير ذلك من الآلات المبتكرة والرسميات الدقيقة واتسع باعه في
ذلك واشتهر ذكره الى ان قطعت يد الاجل نواره واطفأت رياح المنية انواره
ومات الجناب المكرم والاختيار المعظم الامير اسمعيل
افندي الخلوتي اختيار جاويشان كان رجلا من أعيان الاختيارية في وقته معروفا صاحب
حشمة ووقار ومعرفة بالسياسة وأمور الرياسة ولم يزل حتى توفي في شهر شعبان سنة 1205
بالطاعون
ومات ايضا الجناب المكرم محمد افندي باشقلفة وهو مملوك
يوسف افندي باشقلفة وخشداش محمد افندي ثاني قلفة وعبد الرحمن افندي وكان مليح
بالذات جميل الصفات تقلد كتابة هذا القلم عندما تلبس السيد محمد باشقلفة بكتابة
الروزنامة فسار فيها سيرا حسنا وحمدت مساعيه الى ان وافاه الحمام وسارت نواعيه
ومات ايضا النبيه اللطيف والمفرد العفيف احمد افندي
الوزان بالضربخانة وكان انسانا حسنا جميل الاوضاع مترهف الطباع محتشما وقورا ودودا
محبوبا لجميع الناس
سنة ست ومائتين والف استهل شهر محرم بيوم الاربعاء وفيه
عينوا صالح آغا كتخدا الجاويشية الى السفر الى الديار الرومية وصحبته هدية وشربات
وأشياء وصالح أنما هذا هو الذي بعثوه قبل ذلك لاجراء الصلح على يد نعمان افندي
ومحمود بك وكاد ان يتم ذلك وأفسد ذلك حسن باشا ونفى
نعمان افندي بذلك السبب وذلك قبل موت حسن باشا بأربعة ايام فلما رجعوا الى مصر في
هذه المرة عينوه ايضا لللآرسالية لسابقته ومعرفته بالاوضاع وكان صالح اغا هذا
عندما حضروا الى مصر سكن ببيت البارودي وتزوج بزوجته فلما كان خامس المحرم ركب
الامراء لوداعه ونزل من مصر القديمة
وفيه هبط النيل ونزل مرة واحدة وذلك في ايام الصليب ووقف
جريان الخليج والترع وشرقت الاراضي فلم يرو منها الا القليل جدا فارتفعت الغلال من
السواحل والرقع وضجت الناس وايقنوا بالقحط وايسوا من رحمة الله وغلا سعر الغلة من
ريالين الى ستة وضجت الفقراء وعيطوا على الحكام فصار الاغا يركب الى الرقع
والسواحل ويضرب المتسببين في الغلة ويسمرهم في آذانهم ثم صار ابراهيم بك يركب الى
بولاق ويقف بالساحل وسعر الغلة بأربعة ريال الاردب ومنعهم من الزيادة على ذلك فلم
ينجع وكذلك مراد بك كرر الركوب والتحريج على عدم الزيادة فيظهرون الامتثال وقت
مرورهم فإذا التفتوا عنهم باعوا بمرادهم وذلك مع كثرة ورود الغلال ودخول المراكب وغالبها
للأمراء وينقلونها الى المخازن والبيوت
وفي أوائل صفر وصل قاصد وعلى يده مرسوم بالعفو والرضا عن
الامراء فعملوا الديوان عند الباشا وقرأوا المرسوم وصورة ما بنى عليه ذلك انه لما
حضر السيد عمر افندي بمكاتبتهم السابقة الى الباشا يترجون وساطته في اجراء الصلح
أرسل مكاتبة في خصوص ذلك من عنده وذكر فيها ان من بمصر من الامراء لا طاقة لهم بهم
ولا يقدرون على منعهم ودفعهم وانهم واصلون وداخلون على كل حال فكان هذا المرسوم جوابا
عن ذلك وقبول شفاعة الباشا والاذن لهم بالدخول بشرط التوبة والصلح بينهم وبين
اخوانهم فلما فرغوا من قراءة ذلك ضربوا شنكا ومدافع
وفي يوم الثلاثاء ثاني عشر صفر حضر الشيخ الامير الىمصر
من الديار الرومية ومعه مرسومات خطابا للباشا والامراء فركب المشايخ ولا قوه من
بولاق وتوجه الى بيته ولم يأت للسلام عليه احد من
الامراء وانعمت عليه الدولة بألف قرش ومرتب بالضربخانة قرش في كل يوم وقرأ هنا
البخاري عند الآثار الشريفة بقصد النصرة
وفي شهر ربيع الاول عمل المولد النبوي بالازبكية وحضر
مراد بك الى هناك واصطلح مع محمد افندي البكري وكان منحرفا عنه بسبب وديعته التي
كان اودعها عنده واخذها حسن باشا فلما حضر الى مصر وضع يده على قرية وكان اشتراها
الافندي من حسن جلبي بن علي بك الغزاوي وطلب من حسن جلبي ثمن القرية الذي قبضه من
الشيخ ليستوفي بذلك بعض حقه وطال النزاع بينهما بسب ذلك ثم اصطلحا على قدر قبضه
مراد بك منهما وحضر مراد بك الى الشيخ في المولد وعمل له وليمة واستمر عنده حصة من
الليل وخلع على الشيخ فروة سمور
وفيه عملوا ديوانا عند الباشا وكتبوا عرضحال بتعطيل
الميري بسبب شراقي البلاد
وفيه سافر محمد بك الالفي الى جهة شرقية بلبيس
وفيه حضر ابراهيم بك الى مسجد استاذه للكشف عليه وعلى
الخزانة وعلى ما فيها من الكتب ولازم الحضور اليه ثلاثة ايام واخذ مفتاح الخزانة
من محمد افندي حافظ وسلمه لنديمه محمد الجراحي واعاد لها بعض وقفها المرصد عليها بعد
ان كانت آلت الى الخراب ولم يبق بها غير البواب امام الباب
وفي شهر ربيع الثاني قرروا تفريدة على تجار الغورية
وطيلون وخان الخليلي وقبضوا على انفار انزلوهم الى التكية ببولاق ليلا في المشاغل
ثم ردوهم ووزع كبار التجار ما تقرر عليهم من فقرائهم بقوائم وناكد بعضهم بعضا وهرب
كثير منهم فسمروا دورهم وحوانيتهم وكذلك فعلوا بكثير من مساتير الناس والوجاقلية
وضج الخلائق من ذلك
وفي مستهل جمادى الاولى كتبوا فرمانا بقبض مال الشراقي
ونودي به
في النواحي وانقضى شهر كيهك القبطي ولم ينزل من السماء
قطرة ماء فحرثوا المزروع ببعض الاراضي التي طشها الماء وتولدت فيها الدودة وكثرت
الفيران جدا حتى اكلت الثمار من اعلى الاشجار والذي سلم من الدودة من الزرع اكله الفار
ولم يحصل فيه هذه السنة ربيع للبهائم الا في النادر جدا ورضي الناس بالعليق فلم
يجد والتبن وبلغ حمل الحمار من قصل التبن الاصفر الشبيه بالكناسة الذي يساوي خمسة
انصاف قبل ذلك مائة نصف ثم انقطع مرور الفلاحين بالكلية بسبب خطف السواس واتباع
الاجناد فصار يباع عند العلافين من خلف الضبة كل حفان تسفين الى غير ذلك
وفيه حضر صالح اغا من الديار الرومية
وفي شهر شوال سافر ايضا بهدية ومكاتبات الى الدولة
ورجالها
وفي شهر القعدة وردت الاخبار بعزل الصدر الاعظم يوسف
باشا وتولية محمد باشا ملكا وكان صالح اغا قد وصل الى الاسكندرية فغيروا المكاتبات
وارسلوها اليه
وفيه حضر اغا بتقرير لوالي مصر على السنة الجديدة وطلع
بمكب الى القلعة وعملوا له شنكا
وفي اواخر شهر الحجة شرع ابراهيم بك في زواج ابنته عديلة
هانم للامير ابراهيم بك المعروف بالوالي امير الحج سابقا وعمر لها بيتا مخصوصا
بجوار بيت الشيخ السادات وتغالوا في عمل الجهاز والحلي والجواهر وغير ذلك من الاواني
والفضيات والذهبيات وشرعوا في عمل الفرح ببركة الفيل ونصبوا صواري امام البيوت
الكبار وعلقوا فيها القناديل ونصب الملاعيب والملاهي أرباب الملاعيب وفردت
التفاريد على البلاد وحضرت الهدايا والتقادم من الامراء والاكابر والتجار ودعا
ابراهيم بك الباشا فنزل من القلعة وحضر صحبته خلع وفرا ومصاغ للعروس من جوهر وقدم
له ابراهيم بك تسعة عشر من الخيل منها عشرة معددة وسجة لؤلؤ وأقمشة
هندية وشبقات دخان مجوهره وعملوا الزقة في رابع المحرم
يوم الخميس وخرجت من بيت أبيها في عربة غريبة الشكل صناعة الإفرنج في هيئة كمال من
غير ملاعيب ولا خزعبلات والامراء والكشاف وأعيان التجار مشاة أمامها
وفيه حضر عثمان بك الشرقاوي وصحبته رهائن حسن بك الجداوي
وهم شاهين بك وسكن في مكان صغير وآخرون
وفيه وصلت الاخبار بان علي بك انفصل من حسن بك ومن معه
وسافر على جهة القصير وذهب الى جدة
واما من مات في هذه السنة مات الامام الذي لمعت أفق
الفضل بوارقه وسقاه من مورده النمير عذبه ورائقه لا يدرك بحر وصفه الاغراق ولا
تلحقه حركات الافكار ولو كان لها في مضمار الفضل السباق العالم النحرير واللوذعي
الشهير شيخنا العلامة أبو العرفان الشيخ محمد بن علي الصبان الشافعي ولد بمصر وحفظ
القرآن والمتون واجتهد في طلب العلم وحضر اشياخ عصره وجهابذة مصره وشيوخه فحضر على
الشيخ الملوي شرحه الصغير على السلم وشرح الشيخ عبد السلام على جوهرة التوحيد وشرح
المكودي على الالفية وشرح الشيخ خالد على قواعد الاعراب وحضر على الشيخ حسن
المدابغي صحيح البخاري بقراءته لكثير منه وعلى الشيخ محمد العشماوي الشفا للقاضي
عياض وجامع الترمذي وسنن ابي داود وعلى الشيخ احمد الجوهري شرح ام البراهين
لمصنفها بقراءته لكثير منها وعلى الشيخ السيد البليدي وصحيح مسلم وشرح العقائد
النسفية للسعد التفتازاني وتفسير البيضاوي وشرح رسالة الوضع للسمرقندي وعلى الشيخ
عبد الله الشبراوي تفسير البيضاوي وتفسير الجلالين وشرح الجوهرة للشيخ عبد السلام
وعلى الشيخ محمد الحفناوي صحيح البخاري والجامع الصغير وشرح المنهج والشنشوري على
الرجيبه ومعراج النجم الغيطي وشرح الخزرجية لشيخ الاسلام
وعلى الشيخ حسن الجبرتي التصريح على التوضيح والمطول ومتن الجغميني في علم الهيئة
وشرح الشريف الحسيني علىهداية الحكمة قال وقد أخذت عنه في الميقات وما يتعلق به وقرأت
فيه رسائل عديدة وحضرت عليه في كتب مذهب الحنفية كالدر المختار على تنوير الابصار
وشرح ملا مسكين على الكنز وعلى الشيخ عطية الاجهوري شرح المنهج مرتين بقراءته
لاكثر وشرح جمع الجوامع للمحلى وشرح التلخيص الصغير للسعد وشرح الاشموني على
الالفية وشرح السلم للشيخ الملوي وشرح الجزرية لشيخ الاسلام والعصام على
السمرقندية وشرح أم البراهين للحفصى وشرح الاجرومية لريحان اغا وعلى الشيخ على
العدوى مختصر السعد على التلخص وشرح القطب على الشمسية وشرح شيخ الاسلام على ألفية
المصطلح بقراءته لاكثره وشرح بن عبد الحق على البسملة لشيخ الاسلام ومتن الحكم
لابن عطاء الله رحمهم الله تعالى أجمعين قال وتلقيت طريق القوم وتلقين الذكر على
منهج السادة الشاذلية على الاستاذ عبد الوهاب العفيفي المرزوقي وقد لازمته المدة الطويلة
وانتفعت بمدده ظاهرا وباطنا قال وتلقيت طريق ساداتنا آل وفا سقانا الله من رحيق
شرابهم كؤوس الصفا عن ثمرة رياض خلفهم ونتيجة أنوار شرفهم على الاكابر والاصاغر
ومطمح انظار أولى الابصار والبصائر أبي الانوار محمد السادات ابن وفا نفحنا الله
واياه بنفحات جده المصطفى وهو الذي كناني على طريقة اسلافه بأبي العرفان وكتب لي
سنده عن حاله السيد شمس الدين أبي الاشراق عن عمه السيد أبي الخير عبد الخالق عن
أخيه السيد ابي الارشاد يوسف عن والده الشيخ أبي التخصيص عبد الوهاب عن ولد عمه
السيد بحيى أبي اللطف الى آخر السند هكذا نقلته من خط المترجم رحمه الله تعالى ولم
يزل المترجم يخدم العمل ويدأب في تحصيله حتى تمهر في العلوم العقلية والنقلية وقرأ
الكتب المعتبرة في حياة اشياخه وربى التلاميذ
واشتهر بالتحقيق والتدقيق والمناظرة والجدل وشاع ذكره
وفضله بين العلماء بمصر والشام وكان خصيصا بالمرحوم الشيخ الوالد اجتمع به من سنة
سبعين ومائة وألف ولم يزل ملازما له مع الجماعة ليلا ونهارا واكتسب من اخلاقه
ولطائفة وكذلك بعد وفاته لم يزل على حبه ومودته مع الحقير وانضوى الى استاذنا
السيد أبي الانوار بن وفا ولازمه ملازمة كلية وآشرقت عليه أنواره ولاحت عليه
مكارمه وأسراره ومن تآليفه حاشيته على الاشموني التي سارت بها الركبان وشهد بدفنها
أهل الفضائل والعرفان وحاشية على شرح العصام على السمرقندية وحاشية على شرح الملوى
على السلم ورسالة في علم البيان ورسالة عظيمة في آل البيت ومنظومة في علم العروض
وشرحها ونظم اسماء أهل بدر وحاشية على آداب البحث ومنظومة في مصطلح الحديث ستمائة
بيت ومثلثات في اللغة ورسالة في الهيئة وحاشية على السعد في المعاني والبيان ورسالتان
على البسملة صغرى وكبرى ورسالة في مفعل ومنظومة في ضبط رواة البخاري ومسلم وكان في
مبدأ أمره وعنفوان عمره معانقا للخمول والاملاق متكلا على مولاه الرزاق يستجدي مع العفة
ويستدر من غير كلفة وتنزل اياما في وظيفة التوقيت بالصلاحية بضريح الامام الشافعي
رضي الله عنه عندما جدده عبد الرحمن كتخدا وسكن هناك مدة ثم ترك ذلك ولما بنى محمد
بك ابو الذهب مسجده تجاه الازهر تنزل المترجم ايضا في وظيفة توقيتها وعمر له مكانا
بسطحها سكن فيه بعياله فلما اضمحل امر وقفة تركه واشترى له منزلا صغيرا بحارة
الشنواني وسكن به ولما حضر عبد الله افندي القاضي المعروف بططر زاده وكان متضلعا
من العلوم والمعارف وسمع بالمترجم والشيخ محمد الجناجي واجتمعا به اعجب بهما وشهد
بفضلهما واكرمهما وكذلك سليمان افندي الرئيس فعند ذلك راج امر المترجم واثرى حاله
بالملابس وركب البغال وتعرف ايضا باسمعيل كتخدا حسن باشا وتردد اليه قبل ولايته
فلما اتته الولاية بمصر زاد في اكرامه واولاه
بره ورتب له كفاتيه في كل يوم بالضربخانة والجزية وخرجا
من كلاره من لحم وسمن وارز وخبز وغير ذلك وأعطاه كساوى وفراء واقبلت عليه الدنيا
وازداد وجاهة وشهرة عمل فرحا وزوج ابنه سيدي علي فأقبل عليه الناس بالهدايا وسعوا
لدعوته وانعم عليه الباشا بدراهم لها صورة والبس ابنه فروة يوم الزفاف وكذا ارسل
اليه طبلخانته وجاويشيته وسعاته فزفوا العروس وكان ذلك في مبادىء ظهور الطاعون في
العام الماضي وتوعك الشيخ المترجم بعد ذلك بالسعال وقصبة الرئة حتى دعاه داعي الاكام
وفجأة الحمام ليلة الثلاثاء من شهر جمادى الاولى من السنة وصلى عليه بالآزهر في
مشهد حافل ودفن بالبستان تغمده الله بالرحمة والرضوان وخلف ولده الفاضل الصالح
الشيخ علي بارك الله فيه
ومات السيد السند الامام الفهامة المعتمد فريد عصره
ووحيد شامه ومصره الوارد من زلال المعارف على معينها المؤيد باحكام شريعة جده حتى
ابان صبح يقينها السيد العلامة ابي المودة محمد خليل بن السيد العارف المرحوم علي
بن السيد محمد بن القطب العارف بالله تعالى السيد محمد مراد بن علي الحسيني الحنفي
الدمشقي اعاد الله علينا من بركاته علومهم في الدنيا والاخرة من بيت العلم
والجلالة والسيادة والعز والرياسة والسعادة والمترجم وان لم نره لكن سمعنا خبره ووردت
علينا منه مكاتبات ووشى طروسة المحبرات وتناقل الينا اوصافه الجميلة ومكارم اخلاقه
الجليلة وكان شامة الشام وغرة الليالي وايام اورق عوده بالشام واثمر ونشأ بها في
حجر والده والدهر ابيض وقرأ القرآن على الشيخ سليمان الديركي المصري وطالع في
العلوم والادبيات واللغة التركية والانشاء والتوقيع ومهر وانجب واجتمعت فيه
المحاسن الحسية والمزايا المعنوية مع الطف خلق يسعى اللطف لينظر اليه ورقيق محاسن
يقف الكمال متحيرا لديه وانا وان لم يقع لي عليه نظر بالعين فسماع الاخبار احدى
الروايتين ولما توفي والده المرحوم تنصب مكانه مفتي الحنفية بالديار الشامية ونقيب
الاشراف باجماع الخاص والعام وسار فيها احسن سير وزين
بمآثره العلوم النفلية وملك بنقد ذهنه جواهرها السنية فكانت تتيه به على سائر
البقاع بقاع الشام ويفتخر به عصره على جميع الليالي والايام فلا تزال تصدح ورق
الفصاحة في ناديها وتسير الركبان بما فيه من المحاسن رائحها وغاديها ونور فضله باد
وموائده ممدودة لكل حاضر وباد وكان رحمه الله مغرما بصيد الشوارد وقيد الاوابد واستعلام
الاخبار وجمع الاثار وتراجم العصريين على طريق المؤرخين وراسل فضلاء البلدان
البعيدة ووصلهم بالهدايا والرغائب العديدة والتمس من كل جمع تراجم اهل بلاده
واخبار اعيان اهل القرن الثاني عشر يحسب وسع همته واجتهاده وكان هو السبب الاعظم
الداعي لجمع هذا التاريخ على هذا النسق فانه كان راسل شيخنا السيد محمد مرتضى
والتمس منه نحو ذلك فأجابه لطلبته ووعده بأمنيته فعند ذلك تابعه بالمراسلات واتحفه
بالصلات المترادفات وشرع شيخنا المرحوم في جمع المطلوب بمعونة الفقير ولم يذكر
السبب الحامل على ذلك وجمع الحقير ايضا ما تيسر جمعه وذهبت به يوما وعنده بعض
الشاميين فأطلعته عليه فسر بذلك كثيرا وطار حتى وطارحته في نحو ذلك بمسمع من
المجالس ولم يلبث السيد الا قليلا واجاب الداعي وتنوسي هذا الامر شهورا ووصل نعي
السيد الى المترجم والصورة الواقعة وكانت اوراق السيد مختوما عليها فعند ذلك ارسل
الي كتابا وقرنه بهدية على يد السيد محمد التاجر القباقيبي يستدعي تحصيل ما جمعه
السيد من اوراقه وضم ما جمعه الفقير وما تيسر ضمه ايضا وارساله وانتقل المترجم بعد
ذلك لامور اوجبت رحلته منها الى حلب الشهباء كما ذكر لي ذلك في مراسالاته في سنة
خمس ومائتين وألف وهناك عصفت رياح المنية بروضه الخصيب وهصرت يد الردي يانع غصنه
الرطيب فاحتضر واحضر بأمر الملك المقتدر لا زال جدثه روضة من رياض الجنان ولا برح
مجرى لجداول الرحمة والرضوان وذلك في اواخر صفر من هذه السنة وهو مقتبل الشبيبة
ولم يخلف بعده في
الفضائل والمكارم مثله
ومات الامام المفوه من غذى بلبان الفضل وليدا وعدلبيد
اذا قيس بفصاحته بليدا من له في المعالي ارومة وفي مغارس الفضل جرثومة الحسين ابن
النور علي بن عبد الشكور الحنفي الطائفي الحريري الفقه والانشاء ويعرف بالمتقي من اولاد
الشيخ علي المتقي مبوب الجامع الصغير من اكبر أصحاب الشيخ السيد عبد الله ميرغني
ولد بالطائف بها نشأ وتكمل في الفنون العرفانية وتدرج في المواهب الاحسانية واحبه
السيد عبد الله وتعلق بأذياله وشرب من صفو الاوهام وأخذ بالحرمين عن عدة علماء
كرام وشارك في العلوم ونافس في المنطوق والمفهوم الا انه غلب عليه التصوف وعرف منه
ما فيه الكمال والتصرف وبينه وبين شيخنا العيدروس مودة أكيدة ومحبة عتيدة ومحاورات
ومذاكرات وملاطفات ومصافاة وقد ورد علينا مصر في سنة 1174 وسكن ببيت الشيخ محسن
علي الخليج وكان يأتيه السيد العيدروس والسيد مرتضى وغيرهم فأعاد روض الانس نضيرا
وماء المصافاة نميرا ودخل الشام وحلب وبها أخذ عن جماعة في أشياء منهم السيد اسمعيل
المواهبي فقد عده من شيوخه واثنى عليه ودخل بلاد الروم وانعم بالمروم وعاد الى
الحرمين وقوض عن الاسفار الخيام
وللسيد العيدروس قصيدة بائية ارسلها له وهي بليغة مطولة
وغير ذلك مطارحات كثيرة وللمترجم مؤلفات حسان وكلها على ذوق أهل العرفان منها
المنظومة التي تعرف بالصلاتية عجيبة وشرحها مزجا كأصلها علىلسان القوم ولما حج
الشيخ التاودي بن سودة كتبها عنه ووصل بها المغرب ونوه بشأنها حتى كتبت منها عدة
نسخ ونوه بشأن صاحبها حتى عين له سلطان المغرب بصرة في كل سنة تصل اليه مع الركب
والناس في المترجم مختلفون فمنهم من يصفه بالبراعة والكمال واولئك الذين رأوا كلامه
فبهرهم نظامه ومنهم من يصفه بالحلول عن ربقة الانقياد ويرميه بالحلول والاتحاذ وهو
ان شاء الله تعالى مبرأ مما نسب اليه ولما اجتمع به العلامة
محمد بن يعقوب بن الفاضل الشمشاري ونزل في منزله فكان
أنيسا له في سائر احواله قال اختبرته حق الاختبار فلم اجد له الا لسانا وهو مثار
وبعد اشهر تبرم عن ملازمته واتخذ له حجرة في الحرم وعزل نفسه عنه فالتزم وحكى لي
من اموره اشياء غريبة والمترجم معذور فان ساداتنا المغاربة ليس لهم تحمل في سماع
كلام مثل كلامه لانهم الفوا ظاهر الشريعة ولم يدخل على اذهانهم نوادر اهل العرفان
ولا تسوروا حصونها المنيعة ولاهل الروم فيه اعتقاد جميل ومواهبهم تصل اليه في كل
قليل وكان له ولد يسمى جعفرا ورد علينا مصر في سنة خمس وثمانين واقام معنا برهة
يغدو الينا ويبيت ويروح لزيارة بعض احباب ابيه بمصر ويذهب معنا لبعض المنتزهات اذ
ذاك ولم يزل حتى اخترمته المنية سامحه الله ولم يخلف بعده مثله
سنة سبع ومائتين وألف استهل المحرم بيوم الخميس والامر
في شدة من الغلاء وتتابع المظالم وخراب البلاد وشتات اهلها وانتشارهم بالمدينة حتى
ملؤا الاسواق والازقة رجالا ونساء واطفالا يبكون ويصيحون ليلا ونهارا من الجوع
ويموت من الناس في كل يوم جملة كثيرة من الجوع
وفيه ايضا هبط النيل قبل الصليب بعشرة ايام وكان ناقصا
عن ميعاد الري نحو ذراعين فارتجت الاحوال وانقطعت الامال وكان الناس ينتظرون الفرج
بزيادة النيل فلما نقص انقطع املهم واشتد كربهم وارتفعت الغلال من السواحل والعرصات
وغلت اسعارها عما كانت وبلغ الاردب ثمانية عشر ريالا والشعير بخمسة عشر ريالا
والفول بثلاثة عشر ريالا وكذلك باقي الحبوب وصارت الاوقية من الخبز بنصف فضة ثم
اشتد الحال حتى بيع ربع الويبة بريال وآل الامر الى ان صار الناس يفتشون على الغلة
فلا يجدونها ولم يبق للناس شغل ولا حكاية ولا سمر بالليل والنهار في مجالس الاعيان
وغيرهم الا مذاكرة القمح والفول والاكل ونحو ذلك وشحت النفوس واحتجب المساتير وكثر
الصياح والعويل ليلا ونهارا فلا
تكاد تقع الارجل الاعلى خلائق مطروحين بالازقة واذا وقع
حمارا وفرس تزاحموا عليه واكلوه نيا ولو كان منتنا حتى صاروا يأكلون الاطفال ولما
انكشف الماء وزرع الناس البرسيم ونبت اكلته الدودة وكذلك الغلة فقلب اصحاب المقدرة
الارض وحرثوها وسقوها بالماء من السواقم والنطالات والشواديف واشتروا لها التقاوى
بأقصى القيم وزرعوها فأكله الدود ايضا ولم ينزل من السماء قطرة ولا اندية ولا صقيع
بل كان في اوائل كيهلك شرودات واهوية حارة ثقيلة ولم يبق بالارياف الا القليل من
الفلاحين وعمهم الموت والجلاء
وفي اواخر شهر ربيع الاول حضر صالح اغا من الديار الرومية
وعلى يده مرسومات بالعفو وثلاث خلع احداها للباشا والاخريان لابراهيم بك ومراد بك
فاجتمعوا بالديوان وقرأوا المرسومات وضربوا مدافع واحضر صحبته صالح آغا وكالة دار
السعادة وانتزعها من مصطفى اغا واستولى على ملابلها
وفيه وصلت غلال رومية وكثرت بالساحل فحصل للناس اطمئنان وسكون
ووافق ذلك حصاد الذرة فنزل السعر الى اربعة عشر ريالا الاردب واما التبن فلا يكاد
يوجد وإذا وجد منه شيء فلا يقدر من يشتريه على ايصاله لداره او دابته بل يبادر
لخطفه السواس واتباع الاجناد في الطريق واذا سمعوا واستشعروا بشيء منه في مكان
كبسوا عليه واخذوه قهرا فكان غالب مؤنة الدواب قصب الذرة الناشف ويشرح الكثير من
الفقراء والشحاذين في نواحي الجسور فيجمعون ما يمكنهم جمعه من الحشيش اليابس
والنجيل الناشف ويأتون به ويطوفون به الاسواق ويبيعونه بأغلى الاثمان ويتضارب على
شرائه الناس وان صادفهم السواس والقواسة خطفوه من على رؤوسهم واخذوه قهرا
وفيه وصلت الاخبار بان علي بك الدفتردار لما سافر من
القصير طلع على المويلح وركب من هناك مع العرب الى غزة وارسل سرا الى مصر وطلب
رجلا نصرانيا من اتباعه فذهب اليه صحبة الهجان بمطلوبات وبعض
احتياجات ولما وصل الى جهة غزة أرسل الى احمد باشا
الجزار يعلمه بوصوله فأرسل لملاقاته خيلا ورجالا فذهب اليه وصحبته نحو الثلاثين
نفرا لا غير فلما وصل الى قرب عكا خرج اليه احمد باشا ولاقاه ووجهه الى حيفا ورتب
لهم بها رواتب وأما مراد بك فانه خرج الى بر الجيزة من اول السنة وجلس في قصر
اسمعيل بك الذي عمره هناك واشتغل بعمل جبخانة وآلات حرب وبارود وجلل وقنابر وطلب
الصناع والحدادين وشرع في انشاء مراكب وغلايين رومية وزاد في بناء القصر ووسعه
وانشأ به بستانا عظيما وغير ذلك وسافر عثمان بك الشرقاوي الى ثغر الاسكندرية وجبى
الاموال في طريقه من البلاد
وفي يوم الاربعاء سابع عشرين ربيع الاخر وخامس كيهك
القبطي امطرت السماء مطرا متوسطا وفرح به الناس
وفي يوم السبت غرة جمادى الاولى عدى مراد بك من بر
الجيزة فدخل الى بيته واخبروا عن عثمان بك الشرقاوي انه رجع الى رشيد ثم في رابعه
حضر المذكور الى مصر
وفي ليلة الخميس خرج مراد بك وابراهيم بك وباقي امرائهم
الى جهة العادلية فأقاموا أياما قليلة ثم ذهب مراد بك الى ناحية ابو زعبل وكذلك ابراهيم
بك الوالي وصحبته جماعة من الامراء الى ناحية الجزيرة في وقت خروجهم نهب اتباعهم
ما صادفوه من الدواب وصاروا يكبسون الوكائل التي بباب الشعرية ويأخذون ما يجدونه
من جمال الفلاحين السفارة وحميرهم نهبا فأما مراد بك فانه لما وصل الى ابو زعبل
وجد هناك طائفة من عرب الصوالحة في خيشهم لاجنية لهم فنهبهم وأخذ اغنامهم ومواشيهم
وقتل منهم نحو خمسة وعشرين شخصا ما بين غلمان وشيوخ واقام هناك يوما وقبض على
مشايخ البلد أبى زعبل وحبسهم وقرر عليهم غرامة احد عشر الف ريال ولم يقبل فيهم
شفاعة استاذهم وشتمه وضربه بالعصا واما عرب الجزيرة فأنهم ارتحلوا من اماكنهم
وفي شهر شعبان وقع الاهتمام بسد خليج الفرعونية بسبب
احتراق
البحر الشرقي ونضوب مائه وظهرت بالنيل كيمان رمل هايلة
من حد المقياس الى البحر المالح وصار البحر الغربي سلسلول جدول تخوضه الاولاد
الصغار ولا يمر به الا صغار القوارب وانقطع الجالب من جميع النواحي الا ما تحمله
المراكب الصغار باضعاف الاجرة وتعطلت دواوين المكوس فأرسلوا الى سد الترعة رجلا مسلماني
وصحبته جماعة من الافرنج وأحضروا الاخشاب العظيمة ورتبوا عمل السد قريبا من كفر
الخضرة وركبوا آلات في المراكب ودقوا ثلاث صفوف خوابير من أخشاب طوال فلما أتموا
ذلك كانت الصناع فرغت من تطبيق الواح في غاية الثخن شبه البوابات العظام وهي مسمرة
بمسامير عظيمة ملحومة بالرصاص وصفائح الحديد مثقوبة بثقوب مقاسة علىما يوازيها من
نجوش منجوشة بالخوابير المركوزة في الماء فاذا نزلوا ببوابة آلحموها بتلك الخوابير
وتبعتهم الرجال بالجوابي المملوأة بالحصا والرمل من امام ومن خلف وتبع ذلك الرجال
الكثيرة بغلقان الاتربة والطين ففعلوا ذلك حتى قارب التمام ولم يبق الا اليسير ثم
حصل الفتور في العمل بسبب ان المباشر على ذلك أرسل لمراد بك بالحضور ليكون اتمامها
بحضرته ويخلع عليه ويعطيه ما وعده به من الانعام فلم يحضر مراد بك وغلبهم الماء
وتلف جانب من العمل وكان أيوب بك الصغير حاضرا وفي نفسه ان لا يتم ذلك لاجل بلاده
فأصبح مرتحلا وتركوا العمل وانفض الجمع وقد أقام العمل في ذلك من اوائل شعبان الى
اواسط شوال ثم نزل اليها جماعة آخرون وطبوا جملة مراكب موسوقة بالاحجار وشرعوا في
عمل سد المكان القديم عن فم الترعة ودقوا ايضا خوابير كثيرة وألقوا احجارا عظيمة
وفرغت الاحجار فأرسلوا بطلب غيرها فلم تسعفهم القطاعون فشرعوا في هدم الابنية
القديمة والجوامع التي بساحل النيل وقلعوا احجار الطواحين التي بالبلاد القريبة من
العمل واستمروا على ذلك حتى قويت الزيادة ولم يتم العمل ورجعوا كالاول وذهب في ذلك
من الاموال والغرامات والسخرات وتلف من المراكب
والاخشاب والحديد ما لا يحد ولا يعد
وفي اوائل شوال ورد الخبر بان علي بك سافر من عند احمد
باشا الى اسلامبول صحبة قبجي معين فلما قرب من اسلامبول ارسلوا من وجهه الى برصا
ليقيم بها ورتبوا له كفايته في كل شهر خمسمائة قرش رومي
من مات في هذه السنة ممن له ذكر مات السيد الامام العارف
القطب عفيف الدين ابو السيادة عبد الله ابن ابراهيم بن حسن بن محمد امين بن علي
ميرغني بن حسن بن مير خوردابن حيدر بن حسن بن عبد الله بن علي بن حسن بن احمد بن
علي بن ابراهيم ابن يحيى بن عيسى بن ابي بكر بن علي بن محمد بن اسمعيل ابن ميرخورد
البخاري بن عمر بن علي بن عثمان بن علي المتقي بن الحسن بن علي الهادي ابن
محمدالجوار الحسيني المتقي المكي الطائفي الحنفي الملقب بالمحجوب ولد بمكة وبها
نشأ وحضر في مباديه دروس بعض علمائها كالشيخ النخلي وغيره واجتمع بقطب زمانه السيد
يوسف المهدلي وكان أذ ذاك أوحد عصره في المعارف فانتسب اليه ولازمه حتى رقاه وبعد
وفاته جذبته عناية الحق وارته من المقامات مالا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على
قلب بشر فحينئذ انقطعت الوسايط وسقطت الوسائل فكان اويسيا تلقيه من حضر جده صلى
الله عليه و سلم كما اشار الى ذلك شيخنا السيد مرتضى عندما اجتمع به بمكة في سنة
1163 وأطلعه على نسبه الشريف وأخرجه اليه من صندوق قال وطلبت منه الاجازة واسناد
كتب الحديث فقال غنى عنه قال فعلمت انه أويسي المقام ومدده من جده عليه الصلاة و
السلام وانتقل الى الطائف بأهله وعياله في سنة ست وستين وشرف تلك المشاهد ومآثر
شهيرة ومفاخرة كثيرة وكراماته كالشمس في كبد السماء وكالبدر في غيهب الظلماء
وأحوله في احتجابه عن الناس مشهورة وأخباره في زهده عن الدنيا على ألسنة الناس
مذكورة ومن مؤلفاته كتاب فرائض
وواجبات الاسلام لعامة المؤمنين والكوكب الثاقب وشرحه
وسماه رفع الحاجب عن الكوكب الثاقب وله ديوانان متضمنان لشعره احدهما المسمى
بالعقد المنظم على حروف المعجم والثاني عقد الجواهر في نظم المفاخر ومنها المعجم
الوجيز في أحاديث النبي العزيز صلى الله عليه و سلم اختصره من الجامع وذيله وكنوز
الحقائق والبدر المنير وهو في اربعة كراريس وقد شرحه العلامة سيدي محمد الجوهري
وقرأه دروسا ومنها شرح صيغة القطب بن مشيش ممزوجا وهو من غرائب الكلام ومنها مشارق
الانوار في الصلاة والسلام على النبي المختار توفي رضي الله عنه في هذه السنة
ومات الشيخ الفاضل الصالح احمد بن يوسف الشنواني المصري
الشافعي المكني بأبي العز المكتب الخطاط ويعرف ايضا بحجاج وأمه الشريفة خاصكية ابنة
القاضي جلبي بن احمد العراقي من ذرية القطب شهاب الدين العراقي دفين شنوان الغرف
بالمنوفية حفظ القرآن وجوده على الشيخ المقرى حجازي بن غنام تلميذ الزميلي وجود
الخط المنسوب على الشيخ احمد بن اسمعيل الافقم ومهر فيه وأجيز فنسخ بيده كثيرا من
المصاحف ونسخ الدلائل والكتب الكبار منها الاحياء للغزالي والامثال للميداني
وانتفع الناس به طبقة بعد طبقة وفي غضون ذلك تردد على جملة من الشيوخ كالشهابين
الملوي والجوهري وأخذ عنهما أشياء والشمس الحفني والشيخ حسن المدابغي ومحمد بن
النعمان الطائي في آخرين وأحبوه وجاور بالحرم سنة ثم عاد الى مصر ولازم معنا كثيرا
على شيخنا السيد مرتضى في حضور الحديث فسمع البخارى بطرفيه ومسلما بطرفيه وسنن أبي
داود الى قريب ثلثيه وغالب الشمائل للترمذي وثلاثيات البخاري وثلاثيات الدرامي
والحلية لابي نعيم من اوله الى مناقب العشرة وأجزاء كثيرة بحدودها في ضمن اجازته
باسانيدها وكان نعم الرجل صحبة وديانة وحفظا للنوادر من الاشعار
والحكايات وأصيب المترجم بكريمتيه عوضه الله دار الثواب
من غير سابقة عذاب ولا عتاب توفي سابع عشرين جمادى الاولى من السنة
ومات الامام الفقيه المحدث البارع المتبحر علام المغرب
الشيخ ابو عبد الله محمد بن الطالب بن سودة المري الفاسي التاودي ولد بفاس سنة
1128 وأخذ عن ابي عبد الله محمد بن عبد السلام بناني الناصري شارع الاكتفاء
والشفاء ولامية الزقاق وغيرها والشهاب احمد بن عبد العزيزالهلالي السجلماسي قرأ عليهما
الموطا وغيرها والشهاب احمد بن مبارك السجلماسي اللمطي قرأ عليه المنطق والكلام
والبيان والأصول والتفسير والحديث وكان في أكثرها هو القارىء بين يديه مدة مديدة
وأذن له في اقراء الصحيح في حياته فألقى دروسا بين يديه وكان يوده ويسر به ويقدمه
على سائر الطلبة ولما توفي ليلة الجمعة تاسع عشر جمادى الاولى سنة خمس وخمسين
ومائة والف بالطاعون تزاحم ذو الوجاهات فيمن يلحده في قبره فكان الشيخ هو المتولي
لذلك دون غيره وتلك كرامة له ورضوا بذلك قال وكلمته يوما في شأن الحج متمنيا له
ذلك فقال لي مشيرا الى شيخه سيدي عبد العزيز الدباغ ان الناس قالوا لي جعلناك في
حق فلا تخرج من هذه البلدة وأنت ستحج واعطيك الف دينار وألف مثقال ان شاء الله تعالى
قال ولم تك نفسي تحدثني بالحج يومئذ ولم يخطر ببال ومنهم الفقيه المتواضع صاحب
التآليف ابو عبد الله محمد ابن قاسم جسوس لازمه مدة وقرأ عليه كتبا منها رسالة بن
أبي زيد ومختصر خليل ثلاث ختمات مع مطالعه شروح وحواش والحكم والشمائل وجميع
الصحيح من غير فوت شيء منه ومنهم حافظ المذهب الفقيه القاضي ابو البقاء يعيش بن
الزغاوي الشاوي قرأ عليه رجز بن عاصم ولامية الزقاق وطرفا من الصحيح توفي سنة 1150
كان منزله بالدوخ في اطراف المدينة فنزل به اللصوص ليلا فدافع عن حريمه وقاتلهم
حتى قتل شهيدا رحمه الله ومنهم قاضي الجماعة ومفتي الانام أبو العباس
احمد بن احمد الشدادي الحسني قرأ عليه المختصر الخليلي
من اوله الى الوديعة او العارية وسمع عليه بعض التفسير من اوله ومنهم الفقيه
الزاهد القاضي ابو عبد الله محمد بن احمد التماق قرأ عليه رسالة ابن أبي زيد
والحكم والتفسير من اوله الى سورة النساء ومنهم الامام الناسك الزاهد ابو عبد الله
محمد بن جلون قرأ عليه الاجرومية وختم عليه الالفية مرتين والمختصر الخليلي من
اوله الى اليمين ولم يكن له نظير في الضبط والاتقان والتحرير وهو اول شيخ اخذ عليه
وذلك قبل البلوغ وكان اذا قام من دروسه عرض على نفسه ماقاله فيجده لا يدع منه حرفا
واحدا ومنهم سيبويه زمانه ابو عبد الله سيدي محمد ابن الحسن الجندوز قرأ عليه
الالفية فكان يملي من حفظه في اثنائه الشروح والحواشي وشروح الكافية والتسهيل
والرضي والمعنى والشواهد وغير ذلك مما يستجاد ويستغرب وقرأ عليه السلم والتلخيص
ومن انصافه انه لما قرب اواخره بلغه ان الشيخ بن مبارك يريد ان يقرأه فقام مع
جماعة وذهب اليه ليسمع منه وهذا من حسن انصافه واعترافه بالحق ومنهم ابو العباس
احمد بن علال الوجاري قرأ عليه الالفية بلفظة ثلاث مرات وشيئا من التسهيل والمغنى
وقد ذكر له بعض الشيوخ عن ابن هشام انه قرأ الالفية الف مرة فقال له بعض من سمعه
وكم قرأتها قال اما المائة فجزتها فهؤلاء عشرة شيوخ كذا لخصتها من اجازة المترجم
للشيخ احمد ابن علي بن عبد الوهاب بن الحاج الفاسي في تاسع جمادى الثانية سنة ثلاث
والف وحج المترجم فقدم مصر سنة احدى وثمانين ورجع سنة 1182 وعقد درسا حافلا
بالجامع الازهر برواق المغاربة فقرأ الموطأ بتمامه وحضره غالب الموجودين من
العلماء واجاد في تقريره وافاد وسمع عليه الكثير اوائل الكتب الستة والشمائل
والحكم وغيرها واجاز ولقي بمكة ابا زبد عبد الرحمن بن اسلم اليمني وابا محمد حسين
بن عبد الشكور صاحب الشيخ عبد الله الميرغني والشيخ ابراهيم الزمزمي وغيرهم
وبالمدينة
ابا عبد الله محمد بن عبد الكريم السمان وابا الحسن
السندي وعبد الله جعفر الهندي وغيرهم واجازوه واجازهم وعاد الى مصر واجتمع بفاضلها
كالجوهري والصعيدي وحسن الجبرتي والطحلاوي والسيد العيدروس والشيخ محمود الكردي
وعيسى البراوي والبيومي والعربان وعطية الأجهوري وكان صحبته ولداه سيدي محمد وهو
الاكبر وسيدي أبو بكر خالي العذار جميل الصورة وتردد على الشيخ الوالد كثيرا وتلقى
عنه بعض الرياضيات وترك عنده ولديه المذكورين مدة اقامته بمصر فكنا نطالع معهما سوية
صحبة الشيخ سالم القيرواني والشيخ احمد السوسي ونسهر غالب الليل نراعي المطالع
والمغارب وممرات الكواكب بالسطح حذاء خيط المساترة ونراجع الشيخ فيما يشكل علينا
فهمه وهو معنا في ناحية اخرى واوقفت سيدي ابا بكر على طريق رسم ربع الدائرة
المقنطر والمجيب توفي سيدي محمد بفاس سنة 1193 ومن تآليف المترجم حاشية قوله وارخه
الى آخره ابتداء التاريخ من الزاي من زج مع حساب السنين بثلاثمائة على قاعدة
المغاربة الا انه يزيد واحدا عن سنة الوفاة فلعله مات سنة اربع وتسعين ومائة والف
كما يظهر ذلك بحساب التاريخ على البخاري في اربع مجلدات وحاشية على الزرقاني شارح
خليل وشرحان على الاربعين النووية ومناسك حج وشرح الجامع لسيدي خليل وشرح تحفة بن
عاصم في القضاء والاحكام والمنحة الثابتة في الصلاة الفائتة وفتح المتعال فيما
ينتظم منه بيت المال وحاشية علي بن جزي المفسر وحاشية على البيضاوي لم تكمل وشرح المشارق
للصاغاني ومنظومة فيما يختص بالنساء وكلفه سلطان المغرب خطة القضاء في سنة 1203
فقبلها كرها وكانت فتاويه مسددة واحكامه مؤيدة مع غاية التحرز والصيانة والاتقان
وبالجملة فكان عين الاعيان في عصره ومصره شهير الذكر وافر الحرمة مهيب الصورة يغلب
دلاله على جماله قليل التبسم ولما توفي مولاي محمد سلطان المغرب ووقع الاختلاف
والاضطراب
بين اولاده اجتمع الخاصة والعامة على رأى المترجم فاختار
المولى سليمان وبايعه على الامر بشرط السير على الخلافة الشرعية والسنن المحمدية
وبايعه الكافة بعده على ذلك وعلى نصره الدين وترك البدع والمظالم والمكوس والمحارم
وكان كذلك ولم يزل المترجم على طريقته الحميدة حتى توفي في هذه السنة وتوفي بعده
ابنه سيدي ابو بكر في سنة عشر ومائتين والف
ومات الامام العلامة والوجيه الفهامة الشيخ احمد بن محمد
بن جاد الله ابن محمد الخناني المالكي البرهاني وجده الاخير يعرف بأبي شوشة وله
مقام بزار بام خنان بالجيزة نشأ في طلب العلم وحضر أشياخ الوقت ولازم السيد
البليدي وصار معيدا لدروسه بالازهر والاشرفية وانتفع بملازمته له انتفاعا كليا
وانتسب اليه وأجازه اجازة مطولة بخطه ونوه بشأنه فلما توفي شيخه المذكور تصدر
لاقراء الحديث مكانه بالمشهد الحسيني واجتمع عليه الناس وحضره من كان ملازما لحضور
شيخه من تجار المغاربة وغيرهم واعتقدوا صلاحه وتحبب اليهم وواسوه بالصلاة والزكوات
النذور وواظب الاقراء بالازهر ايضا وزيارة مشاهد الاولياء واحياء لياليها بقراءة
القرآن والذكر ويقوم دائما من الثلث الاخير من الليل ويذهب الى المشهد الحسيني
ويصلي الصبح بغلس في جماعة وزاد اعتقاد الناس فيه واتسعت دنياه مع المداومة على
استجلابها وامسكاها وبآخرة اشترى دارا عظيمة بحارة كنامة المعروفة الان بالعينية
بالقرب من الازهر وانتقل اليها وسكنها وكان يخرج لزيارة قبور المجاورين في كل يوم
جمعة قبل الشمس فنزل العرب في بعض الجمع الى بين الكيمان فأراد الهروب وكان جسيما
فسقط من على بغلته على خربته فانكسر زره وحمل الى داره وعالج نفسه شهورا حتى عوفي
قليلا ولم يزل تعاوده الامراض حتى توفي رحمه الله وما رأيته قط الا وهو يتلو قرآنا
أو يطالع كتابا سامحه الله تعالى
ومات الامام الفاضل الصالح النجيب المفوه الناجح الشيخ
محمد ابن احمد بن خضر الخربتاوي المالكي الازهري قرأ على والده وحضر دروس شيخنا
الشيخ علي العدوي الصعيدي وبه تخرج وانجب في العلوم وله سليقة جيدة في النثر
والنظم وحصل كتبا نفيسة المقدار زيادة على الذي ورثه من والده وله محبة في آل
البيت ومدائح كثيرة وهو ممن قرظ على شرح القاموس لشيخنا السيد محمد مرتضى تقريظا
بديعا ولم يزل المترجم مقبلا على شأنه مواظبا على دروسه حتى توفي في هذه السنة
رحمه الله
ومات الاجل الصالح الناسك المسلك العارف الشيخ محمد بن
عبد الحافظ افندي ابو ذاكر الخلوتي الحنفي اخذ الطريق عن السيد مصطفى البكري
والشيخ الحفني وحضر الفقه على العلامة الشيخ محمد الدلجي والشيخ احمد الحماقي
وادرك الاسقاطي والمنصوري ولم يتزوج قط وكف بصره سنة 1181 وانقطع في بيته احدى
وعشرين سنة بمفرده وليس عنده قريب ولا غريب ولا جارية ولا عبد ولا من يخدمه في شيء
مطلقا وبيته متسع جهة التبانة وبابه مفتوح دائما وعنده الاغنام والدجاج والاوز
والبط والجميع مطلوقون في الحوش وهو يباشر علفهم واطعامهم وسقيهم الماء بنفسه
ويطبخ طعامه بنفسه وكذلك يغسل ثيابه واشتهر في الناس بان الجن تخدمه وليس ببعيد
لانه كان من اهل المعارف والاسرار ويأتي اليه الكثير من الطلبة للاخذ عنه والتلقي
منه وكان له يد طولي في كل شيء ومشاركة جيدة في العلوم والمعارف والاسماء
والروحانيات والاوفاق واستحضار تام في كل ما يسأل عنه وعنده عدة كثيرة من السنانير
ويعرفها بالواحد بأسمائها وأنسابها وألوانها ويقول هذه تحفة بنت بستانه وهذه كمونة
بنت ياسمين وهذه فلانة أخت فلانة الى غير ذلك توفي رحمه الله تعالى في شهر شوال من
هذه السنة
ومات الامام العلامة والرحلة الفهامة المعمر المتقدم
الشيخ مصطفى المرحومي الشافعي ولد بمحلة المرحوم بالمنوفية وقرأ القرآن وحفظه
وجوده وحضر الى مصر المتون وتفقه على الاشياخ المتقدمين
كالدفري والمدابغي والشيخ علي قايتباي والملوي والحفني وغيرهم ومهر في المعقول
والمنقول وأملى الدروس بالازهر وجامع أزبك وانتفع به الناس كان يتردد الى بيوت بعض
الاعيان ويحبونه ويكرمونه ويستفيدون من فوائده ونوادره وكان له حافظة واستحضار
للمناسبات والاشعار واللطائف لا يمل حديث ومفاكهته توفي في هذه السنة رحمه الله
ومات الامام العلامة الفقيه النحوي الاصولي الجدلي النحرير
الفصيح المتقن المتفنن الشيخ علي الشهير بالطحان الازهري المصري حضر شيوخ العصر
ولازم الشيخ الملوي والجوهري وكان معيد الدروس الاخيروبه وبه تخرج وكان يقرأ الكتب
ويقرر الدروس بدون مطالعة الا انه كان يغلب عليه الملل والسآمة وحب البطالة غالب
ايامه ولا يتعفف عن الدنيا من أي وجه كان ويطلبها وان قلت وكانت سليقته جيدة في
النثر والنظم وله منظومة في الفقه ومنظومة في المنطق ومنظومتان في التوحيد كبرى
وصغرى ومنظومة في المنطق ومنظومتان في التوحيد كبرى وصغرى ومنظومة في العروض
ومنظومة في البان ومنظومة في الطب وله لاميتان على محاكات لامية بن الوردي كبرى
الملوي على السمرقندية توفي في اواخر شعبان من السنة
ومات الامام العلامة النبيه الوجيه الفاضل المستعد الشيخ
يوسف ابن عبدالله بن منصور السنبلاويني الشهير برزه الشافعي تفقه على بلدية الشيخ
احمد رزة وحضر دروس الشيخ الحفني والشيخ البراوي والشيخ عطية والشيخ الصعيدي
وغيرهم من الاشياخ وأنجب ودرس وأفاد ولازم الاقراء وكان انسانا وجيها محتشما ساكن
الجاش وقورا بهي الشكل قانعا بحاله لا يتداخل كغيره في أمور الدنيا مجمل الملابس
لا يزيد على ركوب الحمار في بعض الاحيان لبعض الامور الضرورية ولم يزل حتى تعلل وتوفي
في هذه السنة رحمه الله تعالى
ومات العلامة المفيد المفوه المجيد الشيخ عبد الرحمن بن
علي بن الامام
العلامة عبد الرؤوف البشبيشي نشأ في حجر والده وحفظ
القرآن وحضر الاشياخ وتفقه في مذهب ابيه وجده وهم شافعيون واجتمع بالشيخ الوالد
ولازمه ملازمة كلية وحضر عليه في مذهب أبي حنيفة وحفظ كثيرا من الفروع الغريبة في
المذهب والرياضيات وأقراني في حال الصغر شيئا من القرآن وحروف الهجاء وكان به بعض رعوته
فانتقل الى مذهب أبي حنيفة واخبر الوالد بذلك يظن سروره في انتقاله فلامه على فعله
وانحط قدره عنده من ذلك الوقت وذلك بعد موت والده في سنة 1187 واملق حاله وتكدر باله وسافر بآخرة
الى دمياط واقام بها مدة يفتي على مذهب الحنفية وراج أمره هناك لشغور الثغر عن
مثله ثم قدم مصر لامر عرض له فأقام بمصر واراد بيع داره ليصرف ثمنها في شؤونه فلم
يجد من يشتريها بالثمن المرغوب وكان انسانا حسنا يذاكر بفوائد مع حسن المعرفة وصحة
الذهن وربما تعلق ببعض فنون غريبة ولذا قل حظه رحمه الله في هذه السنة وحيدا في
داره وهو جالس
ومات المجذوب المعتقد السيد علي البكري أقام سنينا
متجردا ويمشي في الاسواق عريانا ويخلط في كلامه وبيده نبوت طويل يصحبه معه في غالب
اوقاته وقد تقدم ذكره وذكر المرأة التي تبعته المعروفة بالشيخة أمونة وكان يحلق
لحيته وللناس فيه اعتقاد عظيم وينصتون الى تخليطاته ويوجهون ألفاظه ويؤولونها على
حسب أغراضهم ومقتضيات احولهم ووقائعهم وكان له أخ من مساتير الناس فحجر عليه ومنعه
من الخروج وألبسه ثيابا ورغب الناس في زيارته وذكر مكاشفاته وخوارق كراماته فأقبل
الناس عليه من كل ناحية وترددوا لزيارته من كل جهة وأتوا اليه الهدايا والنذور
وجروا على عوائدهم في التقليد وازدحم عليه الخلائق وخصوصا النساء فراج بذلك أمر
أخيه واتسعت دنياه ونصبه شبكة لصيده ومنعه من حلق لحيته فنبتت وعظمت وسمن بدنه
وعظم جسمه من كثرة الاكل والراحة وقد كان قبل ذلك عريانا شقيانا يبيت غالب لياليه
بالجوع طاويا من غير اكل بالازقة في الشتا والصيف وقيد
به من يخدمه ويراعيه في منامه ويقظته وقضاء حاجته ولا يزال يحدث نفسه ويخلط في
الفاظه وكلامه وتارة يضحك وتارة يشتم ولا بد من مصادفة بعض الالفاظ لما في نفس بعض
الزائرين وذوي الحاجات فيعدون ذلك كشفا واطلاعا على ما في نفوسهم وخطرات قلوبهم ويحتمل
ان يكون كذلك فانه كان من البله المجاذيب المستغرقين في شهود حالهم وسبب نسبتهم
هذه انهم كانوا يسكنون بسويقة البكري لا انهم من البكرية ولم يزل هذه حالة حتى
توفي في هذه السنة واجتمع الناس لمشهده من كل ناحية ودفنوه بمسجد الشرايبي بالقرب
من جامع الرويعي في قطعة من المسجد وعملوا على قبره مقصورة ومقاما يقصد للزيارة
واجتمع عند مدفنه في ليال وميعادات قراء ومنشدون وازدحم عند أصناف الخلائق ويختلط
النساء بالرجال ومات اخوه ايضا بعده بنحو سنتين
ومات الوجيه المكرم والنبيه المفخم مصطفى بن صادق افندي
اللازجي الحنفي ولد سنة 1174 ونشأ في حجر والده وحفظ القرآن وبعض المتون في صغره
وحفظ في صغره وحفظ البرجلي والشاهدي ومهر في اللغة التركية وتفقه على ابيه وقرأ
عليه علم الصرف وحضر على بعض الاشياخ ولازم الشيخ محمد الفرماوي واخد عنه النحو
وقرأ عليه مختصر السعد وغيره برواق الجيرت بالازهر ثم تصدر للافادة والمطالعة
لطلبة الاتراك المجاورين برواق الأورام ولبس له تاجا وفراجة وعمل له مجلس وعظ على
كرسي بالجامع المؤيدي وذلك قبل نبات لحيته وكان وسيما جسيما بهي الطلعة أبيض اللون
رابي البدن فاجتمع لسماع وعظه ومشاهدة ذاته كثير من الناس من ابناء العرب والاتراك
والامراء والاجناد فيقرر لهم بالعربي والتركي بفصاحة وطلاقة لسان وممن كان يحضره
علي أغا مستحفظان وهام فيه واحبه وصار يتردد اليه كثيرا ويذهب هو ايضا الى داره
كثيرا وكان والده متوليا على وقف اسكند ومشيخة التكية بباب الخرق فكان
هو المتكلم على ذلك عوضا عن أبيه واتفق انه حاسب المباشر
على ذلك وهو الشيخ احمد الصفطة وطالبه بما تأخر عليه فما طلبه فأغرى به علي أغا
المذكور فطلب الشيخ احمد المذكور ونكل به وشهره وعلقه على شباك السبيل بباب الخرق
بقاووقه وهيئته واجتمع الناس للفرجة عليه يوما كاملا ثم اطلقه فاشتهر أمر المترجم
وهابه الناس واكثر من الترداد الى بيوت الامراء وعظموه وأحبوه وأكرموه لاتحاد
الجنسية وارتباط الحيثية ولما توفي مصطفى افندي شيخ رواقهم انتبذ هو لطلب المشيخة
وذهب الى مراد بك فألبسه فروة على مشيخة الرواق فتعصب اهل الرواق وأبو مشيخته
عليهم لحداثة سنه واجتعوا وذهبوا الى مراد بك فزجرهم ونهرهم وطردهم فرجعوا بقهرهم
وسكتوا واستمر شيخا عليهم يأتي الى الرواق في كل يوم ويقرأ لهم الدرس كما كان من قبله
واشتهر ذكره وعظمت لحيته وصار ذا وجاهة عظيمة وسكن دارا عظيمة جهة التبانة من وقف
رواقهم ودعا اليه الاعيان والاكابر وعمل لهم ولائم وقدم لهم التقادم والهدايا
واحتفل به مصطفى أغا الوكيل وسعى له في اشغاله وكاتب الدولة في شأنه فأرسلوا له
مرتبا بالضربخانة وقدره مائة وخمسون نصفا في كل يوم واتسع حاله واقبلت عليه الدنيا
من كل جهة ومات ابوه في سنة اربع ومائتين وألف وكان ذا مكنة وحرص فأحرز مخلفاته
ايضا وباع تركته وكان سليط اللسان في حق الناس فاتفق انه لما حضر حسن باشا الى مصر
فحضر مرة الى زيارة المشهد الحسيني وجلس مع الشيخ السادات والشيخ البكري فدخل
عليهم المترجم فجلس هنيهة ثم قام فسأل عنه حسن باشا فأخبره الشيخ السادات عن
احواله وتكلمه في حق الناس فأمر بنفيه فأنزعج عليه والده ثم ذهب الىحسن باشا وكلمه
فرق له ورحم شيبته وامر برد ابنه فرجع من ليلته ولم يزل يسعى ويتحيل حتى احضر حسن
باشا الى داره وجدد معه صداقة وصحبة حتى كان أن يأخذه صحبته ولم يزل في فوعته
وفورته حتى غار ماء حياته وانغلق عن الفتح باب قبره
عند مماته وهو مقتبل الشبيبة في هذه السنة
ومات الشيخ المحترم المبجل الشيخ احمد بن الامام العلامة
سالم النفراوي المالكي نشأ في حجر والده في رفاهية وتنعم ورياسة ولما مات والده
تعصب له الشيخ عبد الله الشبراوي وحاز له وظائف والده وتعلقاته وأجلسه للاقراء في مكان
درس أبيه وأمر جماعة ابيه بالحضور عليه وكان الشيخ علي الصعيدي من اكبر طلبة ابيه
فتطلع للجلوس في محله وكان أهلا لذلك فعارضه الشيخ الشبراوي وأقصاه وصدر ولده لذلك
مع قلة بضاعته ولتغة في لسانه فحقد ذلك في نفسه الشيخ الصعيدي سنينا وكان المترجم
ذا دهاء ومكر وتصدي للقضايا والدعاوي واتخذ له أعوانا واشتهر ذكره وعد من الكبار
وترددت اليه الامراء والاعيان وصار ذا صولة وهيبة ولما ظهر شأن علي بك كان يرعى له
حقه وحالته التي وجده عليها ويقبل شفاعته ويكرمه حتى انه كان يأتي اليه بداره التي
بالجيزة فلما مات علي بك وانتقلت الرياسة الى محمد بك وكان له عناية بالشيخ الصعيدي
ويسمع لقوله وكان السيد محمد بدوي بن فتيح القباني مباشر المشهد الحسيني يعلم
كراهة الشيخ الصعيدي الباطنية للمترجم فيرصد الوقت الذي يحضر في الشيخ الصعيدي عند
الامير ويفتح مذاكرته والتكلم في حقه فيساعده الشيخ ويظهر المكمون في نفسه من
المترجم ويذكرون مساويه وقبائحه وما بيده من الوظائف بغير حق وما تحت نظارته من
الاوقاف المتخربة حتى اوغروا صدر الامير عليه فنزع منه وظائفه وفرقها على من
اشاروا عليه بتقليده اياها وأهانه فعند ذلك تسلطت عليه الالسن وكثرت فيه الشكاوي
وتجاسر عليه الانذال وتطاول عليه الارذال وهدموابيته الذي بالجيزة لانه كان تعدى
في بنائه وأخذ قطعة من الطريق التي يسلك منها الناس فعند ذلك خمل ذكره وبرد امره
واستمر على ذلك حتى توفي في هذه السنة غفر الله له وسامحه بمنه وكرمه
سنة ثمان ومائتين وألف فيها أوفى النيل أذرعه في سادس
عشر المحرم الموافق لثامن عشر مسرى القبطي وأول برج السنبلة وفيها انحلت الاسعار
وبورك في رمي الغلال حتى ان الفدان الواحد زكا بقدر خمسة أفدنة وبلغ النيل الى
الزيادة المتوسطة وثبت الى أول بابه وشمل الماء غالب الارض بسبب التفات الناس لسد المجارى
وحفر الترع واصلاح الجسور
وفي اوائل شهر صفر وصل قابجي من الديار الرومية بطلب مال
المصالحة والحلوان فانزلوه في دار وهادوه ورتبوا له مصروفا
ومن الحوادث ان الناس انتظروا جاويش الحاج وتشوفوا
لحضوره ولم يذهب اليهم في هذه السنة ملاقاة بالوش ولا بالازلم وأرسل ابراهيم بك
هجانا يستخبر عن الحجاج فذهب ورجع ليلة الثالث والعشرين من شهر صفر وأخبر ان العرب
تجمعوا على الحج من سائر النواحي عند مغاير شعيب ونهبوا الحجاج وكسروا المحمل واحرقوه
وقتلوا غالب الحجاج والمغاربة معهم وأخذوا أحمالهم ودوابهم ونهبوا أثقالهم وانجرح
أمير الحج وأصابه ثلاث رصاصات وغاب خبره ثلاثة ايام ثم أحضره العرب وهو عريان في
أسوأ حال وأخذوا النساء بأجمالهن والذي تبقى منهم أدخلوه الى قلعة العقبة وتركهم
الهجان بها من غير ماء ولا زاد فنزر بالناس من الغم والحزن تلك الليلة مالا مزيد
عليه ثم أنهم عينوا محمد بك الالفي وعثمان بك الاشقر ليسافرا بسبب ذلك فخرجا في
يوم الخميس سابع عشرين صفر وخطف اتباعهم في ذلك اليوم ما صادفوه من الجمال والبغال
والحمير وقرب السقائين التي تنقل الماء من الخليج ونهبوا الخبر من الطوابين
والمخابر والكعك والعيش من الباعة وفي يوم خروجهم
وصل جماعة من الحجاج ودخلوا في أسوأ حال من العري والجوع
والتعب فلما وصلوا الى نخل تلاقوا مع باقي الحجاج عل مثل ذلك ووجدوا أمير الحاج
ذهب الى غزة وصحبته جماعة من الحجاج وأرسل يطلب الامان ولم يزوروا المدينة في هذه
السنة وأرسل من صرة المدينة اثنين وثلاثين ألف ريال مع عرب حرب ضاع في هذه الحادثة
من الاموال والمحزوم شيء كثير جدا واخبروا ان مواسم هذا العام كان من أعظم المواسم
لم يتفق مثله من مدة مديدة
وفي يوم الاثنين غرة ربيع الاول دخل باقي الحجاج على مثل
حالة من وصل منهم قبل ذلك
وفي صبحها يوم الثلاثاء عملوا الديوان بالقلعة واجتمع
الامراء والوجاقلية والمشايخ وقرىء المرسوم الذي حضر بصحبة الاغا فكان مضمونه طلب
الحلوان والخزينة وقدر ذلك تسعة الاف واربعمائة كيس وعشرة الاف وخمسة واربعون نصفا
فضة تسلم ليد الاغا المعين من غير تأخير
وفيه عملوا على زوجات أمير الحاج ثلاثين الف ريال وأرسلوا
الى بيت حسن كاشف المعمار فأخذوا ما فيه من الغلال وغيرها لانه قتل في معركة العرب
مع الحجاج وألبسوا زوجته الخاتم قهرا عنها ليزوجوها لمملوك من مماليك مراد بك وهي
بنت علي اغا المعمار ووجدت على زوجها وجدا عظيما وارسلت جماعة لاحضار رمته من قبره
الذي دفن فيه في صندوق على هيئة تابوت
وفيه شرع الامراء في عمل تفريدة على البلاد بسبب الاموال
المطلوبة وقرروها عال وهو اربعمائة ريال ووسط ثلثمائة والدون مائة وخمسون وكتبوا
اوراقها على الملتزمين ليحصلوها منهم
وفي يوم الخميس سافر حسن كتخدا ايوب بك بامان لعثمان بك
ليحضره من غزة ووصل المتسفرون بجثة حسن كاشف المعمار
وفي عشرين جمادى الاولى وصل عثمان بك طبل الاسماعيلي
امير الحاج الى مصر مكسوف البال ودخل الى بيته
وفيه حضر الصدر الاعظم يوسف باشا الى الاسكندرية ليتوجه
الى الحجاز فاعتنى الامراء بشأنه وارسلوا له ملاقاة وتقادم وهدايا وفرشوا له قصر
العيني ووصل الى مصر وطلع من المراكب الى قصر العيني واسلوا له تقادم وضيافات ثم
حضروا للسلام عليه في زحمة وكبكبة فخلع على ابراهيم بك ومراد بك خلعا ثمينة وقدم لهما
حصانين بسرجين مرختين ثم نزل له الباشا المنولي بعد يومين وسلم عليه ورجع الى
القلعة واقاموا لخفارته عبد الرحمن بك الابراهيمي جلس بالقصر المواجه لقصر العيني
وقد تخيلوا من حضوره وظنوا ظنونا
وفي يوم الاحد ثالث جمادى الثانية طلع يوسف باشا الى
القلعة باستدعاء من الباشا المتولي فجلس عنده الى بعد الظهر ونزل في موكب حافل الى
محله بقصر العيني وارسل له ابراهيم بك ومراد بك مع كتخدائهم هدية وهي خمسمائة أردب
قمح ومائة اردب ارز وتعبيات اقمشة هندية وغير ذلك واقام بالقصر اياما وقضوا أشغاله
وهيؤا له اللوازم والمراكب بالسويس وركب في اواسط جمادى الثانية وذهب الى السويس ليسافر
الى جدة من القلزم وانقضت هذه السنة وحوادثها واستهلت الاخرى *
من مات فيها من الاعيان ومن سارت بذكرهم الركبان مات
نادرة الدهر وغرة وجه العصر انسان عين الاقاليم فريد عقد المجد النظيم جامع
الفضائل والمحاسن ومظهر اسم الظاهر والباطن من لبس رداء النجابة في صباه ولاح
عنوان المكارم على صحائف علاه ولم تقصر عليه أثواب مجده التي ورثها عن ابيه وجده
الحسيب النسيب والنجيب الاريب السيد محمد افندي البكري الصديقي شيخ سجادة السادة البكرية
ونقيب السادة الاشراف بمصر المحمية تقلد بعد والده المنصبين وورث عنه
السيادتين فسار فيهم سيرة الملوك ونثر فرائد المكارم من
أسلاك السلوك فجوده حدث عن البحر ولا حرج وبراعة منطقه تلتج سلب الالباب والمهج مع
حسن منظر تتزاحم عليه وفود الابصار وفيض نوال تضطرب لغيرتها منه البحار وقد اجتمع
فيه من الكمال ما تضرب به الامثال واخبار غنية عن البيان مسطرة في صحف الامكان
زمانه كأنه عروس الفلك فكم قال له الدهر اما الكمال فلك ولم يزل كذلك الى ان آذنت
شمسه بالزوال وغربت بعد ما طلعت من مشرق الاقبال وقطفت زهرة شبابه وقد سقتها دموع
احبابه وكانت وفاته ليلة الجمعة ثامن عشر ربيع الثاني وخرجوا بجنازته من بيتهم
بالازبكية وصلى عليه بالازهر في مشهد حافل ودفن عند اجداده بجوار الامام الشافعي
رضي الله عنه وبالجملة فهو كان مسك الختام قلما تسمح بمثله الايام ولما مات تولى
سجادة الخلافة البكرية ابن خاله سيدي الشيخ خليل افندي وتقلد النقابة السيد عمر
افندي الاسيوطي
ومات علامة العلوم والمعارف وروضة الاداب الوريقة وظلها
الوارف جامع المزايا والمناقب شهاب الفضل الثاقب الامام العلامة الشيخ احمد ابن
موسى بن داود ابو الصلاح العروسي الشافعي الازهري ولد سنة ثلاث وثلاثين ومائة والف
وقدم الازهر فسمع على الشيخ احمد الملوي الصحيح بالمشهد الحسيني وعلى الشيخ عبد
الله الشبراوي الصحيح والبضاوي والجلالين وعلى السيد البليدي البيضاوي في الأشرفية
وعلى الشمس الحفني الصيح مع شرحه للقسطلاني ومختصر بن ابي جمرة والشمائل وابن حجر
على الاربعين والجامع الصغير وتفقه على كل من الشبراوي والعزيزي والحفني والشيخ
علي قايتباي الاطفيجي والشيخ حسن المدابغي والشيخ سابق والشيخ عيسى البراوي والشيخ
عطية الاجهوري وتلقى بقية الفنون عن الشيخ علي الصعيدي لازمه السنين العديدة وكان
معيدا لدروسه وسمع عليه الصحيح بجامع مرزة ببولاق
وسمع من الشيخ ابن الطيب الشمائل لما ورد مصر متوجها الى
الروم وحضر دروس الشيخ يوسف الحفني والشيخ ابراهيم الحلبي وابراهيم بن محمد الدلجي
ولازم الشيخ الوالد وأخذ عنه وقرأ عليه في الرياضيات والجبر والمقابلة وكتاب
الرقائق للسبط وقوللي زاده على المجيب وكفاية القنوع والهدايةوقاضي زادة وغير ذلك
وتلقن الذكر والطريقة عن السيد مصطفى البكري ولازمه كثير واجتمع بعد ذلك على ولي
عصره الشيخ احمد العربان فأحبه ولازمه واعتنى به الشيخ وزوجه احدى بناته وبشره
بانه سيسود ويكون شيخ الجامع الازهر فظهر ذلك بعد وفاته بمدة لما توفي شيخنا الشيخ
احمد الدمنهوري واختلفوا في تعيين الشيخ فوقعت الاشارة عليه واجتمعوا بمقام الامام
الشافعي رضي الله عنه كما تقدم واختاروه لهذه الخطة العظيمة فكان كذلك واستمر شيخ
الجامع على الاطلاق ورئيسهم بالاتفاق يدرس ويعيد ويملي ويفيد ولم يزل يراعي للحقير
حق الصحبة القديمة والمحبة الاكيدة وسمعت من فوائده كثيرا ولازمت دروسه في المغني
لابن هشام بتمامه وشرح جمع الجوامع للجلال المحلي والمطول وعصام على السمرقندية
وشرح رسالة الوضع وشرح الورقات وغير ذلك وكان رقيق الطباع مليح الاوضاع لطيفا
مهذبا اذا تحدث نفت الدر واذا لقيته لقيت من لطفه ما ينعش ويسر ولم تزل كؤوس فضله
على الطلبة مجلوة حتى ورد موارد الموت ودعاه الله تعالى بجوار الجنان وتلقاه جدثه
بروح رحمة ورضوان وذلك في حادي عشرين شعبان وصلى عليه بالازهر في مشهد حافل ودفن بمدفن
صهره الشيخ العريان تغمده الله بالرحمة والرضوان ومن تآليفه شرح على نظم التنوير
في اسقاط التدبير الشيخ الملوي وهو نظم وحاشية على الملوي على السمرقندية وغير ذلك
وخلف أولاده الاربعة كلهم فضلاء أذكياء نبلاء أحدهم الذي تعين بالتدريس في محله
بالازهر العلامة اللوذعي والفهامة الالمعي شمس الدين السيد محمد واخوه النبيه
الفاضل المتقن شهاب الدين السيد أحمد وأخوه الذكي
اللبيب والفهيم النجيب السيد عبد الرحمن والنبيه الصالح
والمفرد الناجح السيد مصطفى بارك الله فيهم
ومات الخواجة المعظم والملاذ المفخم حائز رتب الكمال
وجامع مزايا الافضال سيدي الجامع محمود بن محرم اصل والده من الفيوم واستوطن مصر
وتعاطى التجارة وسافر الى الحجاز مرارا واتسعت دنياه وولد له المترجم فتربى في
العز والرفاهية ولما ترعرع وبلغ رشده وخالط الناس وشارك وباع واشترى وأخذ واعطى ظهرت
فيه نجابة وسعادة حتى كان اذا مسك التراب صار ذهبا فانجمع والده وسلم له قياد
الامور فاشتهر ذكره ونسا امره وشاع خبره بالديار المصرية والحجازية والشامية
والرومية وعرف بالصدق والامانة والنصح فاذعنت له الشركاء والوكلاء ووثقوا بقوله
ورأيه واحبه الامراء المصرية وتداخل فيهم بعقل وحشمة وحسن سير وفطانة ومدارات
وتؤدة وسياسة ولطف وادب وحسن تخلص في الامور الجسيمة وعمر داره ووسعها واتحفها
وخرفها وأنشأ بها قاعة عظيمة وامامها فسحة مليحة الشكل وحول القاعة بستان بديع
المثال وهي مطلة عليه من الجهتين وزوج ولده سيدي احمد الموجود الان وعمل له مهما
عظيما دعا اليه الاكابر والاعيان والتجار وتفاخر فيه الى الغاية وعمر مسجدا بجوار
بيته بالقرب من حبس الرحبة فجاء في غاية الاتقان والحسن والبهجة ووقف عليه بعض
جهات ورتب فيه وظائف وتدريسا وبالجملة كان انسانا حسنا وقورا محتشما جميل الطباع
مليح الاوضاع ظاهر العفاف كامل الاوصاف حج في هذه السنة من القلزم ورجع في البرمع
الحجاج في امارة عثمان بك الشرقاوي على الحج في احمال مجملة وهيئة زائدة مكملة
فصادفتهم شوبة فقضى عليه فيها ودفن بالخيوف ولم يخلف في بابه مثله رحمه الله
ومات الامير حسن كاشف المعمار واصله مملوك محمود بك واعطاه
لعلي اغا المعمار اخذه صغيرا ورباه ودربه في الامور وزوجه ابنته وعمل لزواجهما
مهما وولائم ولما مات سيده قام مقامه وفتح بيته ووضع يده
على تعلقاته وبلاده ونما امره وانتظم في سلك الامراء المحمدية لكونه في الاصل
مملوك محمد بك وخشداشهم وكان رئيسا عاقلا ساكن الجاش جميل الصورة واسع العينين
أحورهما ولما حج في هذه السنة وخرجت عليهم العرب ركب وقاتلهم حتى مات شهيدا ودفن
بمغاير شعيب ونهب متاعه واحماله وحزنت عليه زوجته الست حفيظة ابنة علي أغا حزنا
شديدا وارسلت مع العرب ونقلته الى مصر ودفنته عند ابيها بالقرافة وزوجته المذكورة
هي الان زوجة لسليمان بك المرادي
ومات الامير شاهين بك الحسني وقد تقدم انه كان حضر الى
مصر رهينة وسكن ببيت بالقرب من الموسكي وهو مملوك حسن بك الجداوي امره ايام حسن باشا
وسكن ببيت مصطفى بك الكبير الذي على بركة الفيل المعروف سابقا بشكر فره وصار من
جملة الامراء المعدودين ولما مات اسمعيل بك وحصل ما تقدم من قدوم المحمديين
وخروجهم فحضر المترجم صحبة عثمان بك الشرقاوي رهينة عن سيده واقام بمصر وكان سبب
موته ان انسانا كلمه عن اصول الصبغة التي تنبت بالغيطان ولها ثمر يشبه عنب الديب
في عناقيد يصبغ منه القراشون مياه القناديل في المواسم والافراح وان من اكل من
اصولها شيئا أسهله اسهالا مفرطا ولم يذكر له المسكن لذلك ولعله كان يجهله فأرسل من
اتى له بشي منها من البستان واكل منه فحصل هل اسهال مفرط حتى غاب عن حسه ومات
وتسكين فعلها اذا بلغت غايتها ان يمتص شيئا من الليمون المالح فانها تسكن في الحال
ويفيق الشخص كان لم يكن به شيء
ومات الامير احمد بك الوالي بقبلي وهو ايضا مملوك حسن بك
الجداوي وقد تقدم ذكره ووقائعه مع اهل الحسينية وغيرهم في ايام زعامته
سنة تسع ومائتي والف لم يقع بها شيء من الحوادث الخارجية
سوى جور الامراء وتتابع مظالمهم واتخد مراد بك الجيزة سكنا وزاد في عمارته واستولى
على غالب بلاد الجيزة بعضها بالثمن القليل وبعضها غصبا وبعضها معاوضه واتخذ صالح اغا
ايضا له دار بجانبه وعمرها وسكنها بحريمه ليكون قريبا من مراد بك
وفي سابع عشرين المحرم الموافق لعشرين شهر مسرى القبطي
أوفىالنيل أذرعه وكسر السد في صبحها بحضرة الباشا والامراء وجرى الماء في الخليج
وفي شهر صفر ورد الخبر بوصول صالح باشا والى مصر الى
اسكندرية واخذ محمد باشا في اهبة السفر ونزل وسافر الى جهة اسكندرية
وفي عشرين شهر ربيع الاول وصل صالح باشا الى مصر وطلع
القلعة
وفي اواخره ورد الخبر بوصول تقليد الصدارة الى محمد باشا
عزت المنفصل عن مصر وورد عليه التقليد وهو باسكندرية وكان صالح أغا الوكيل ذهب
صحبته ليشيعه الى اسكندرية فأنعم اليه بفرمان مرتب على الضربخانة باسم حريمه ألف نصف
فضة في كل يوم
وفي ليلة السبت خامس عشر ربيع الثاني أمطرت السماء مطرا
غزيرا قبل الفجر وكان ذلك آخر بابه القبطي
وفي شهر الحجة وقع به من الحوادث ان الشيخ الشرقاوي له
حصفة في قرية بشرقية بلبيس حضر اليه اهلها وشكوا من محمد بك الالفي وذكروا ان
اتباعه حضروا اليهم وظلموهم وطلبوا منهم مالا قدرة لهم عليه واستغاثوا بالشيخ فاغتاظ
وحضر الى الازهر وجمع المشايخ وقفلوا ابواب الجامع وذلك بعد ما خاطب مراد بك
وابراهيم بك فلم يبديا شيئا ففعل ذلك في ثاني يوم وقفلوا الجامع وامروا الناس بغلق
الاسواق والحوانيت ثم ركبوا في ثاني يوم واجتمع عليهم خلق كثير من العامة وتبعوهم
وذهبوا الى بيت الشيخ السادات وازحم الناس على بيت الشيخ من جهة الباب والبركة
بحيث يراهم ابراهيم بك وقد بلغه اجتماعهم فبعث من قبله
ايوب بك الدفتردار فحضر اليهم وسلم عليهم ووقف بين يديهم وسألهم عن مرادهم فقالوا
له نريد العدل ورفع الظلم والجور واقامة الشرع وابطال الحوادث والمكوسات التي
ابتدعتموها واحدثتموها فقال لا يمكن الاجابة الى هذا كله فاننا ان فعلنا ذلك ضاقت
علينا المعايش والنفقات فقيل له هذا ليس بعذر عند الله ولا عند الناس وما الباعث
على الاكثار من النفقات وشراء المماليك والامير يكون اميرا بالاعطاء لا بالأخذ
فقال حتى ابلغ وانصرف ولم يعد لهم بجواب وانفض المجلس وركب المشايخ الى الجامع
الازهر واجتمع اهل الاطراف من العامة والرعية وباتوا بالمسجد وارسل ابراهيم بك الى
المشايخ بعضدهم ويقول لهم انا معكم وهذه الامور على غير خاطري ومرادي وارسل الى
مراد بك يخيفه عاقبة ذلك فبعث مراد بك يقول اجيبكم الى جميع ما ذكرتموه الا شيئين
ديوان بولاق وطلبكم المنكسر من الجامكية ونبطل ما عدا ذلك من الحوادث والظلم وندفع
لكم جامكية سنة تاريخه اثلاثا ثم طلب أربعة من المشايخ عينهم بأسمائهم فذهبوا اليه
بالجيزة فلاطفهم والتمس منهم السعي في الصلح على ما ذكر ورجعوا من عنده وباتوا على
ذلك تلك الليلة وفي اليوم الثالث حضر الباشا الى منزل ابراهيم بك واجتمع الامراء
هناك وارسلوا الى المشايخ فحضر الشيخ السادات والسيد النقيب والشيخ الشرقاوي
والشيخ البكري والشيخ الامير وكان المرسل اليهم رضوان كتخدا ابراهيم بك فذهبوا معه
ومنعوا العامة من السعي خلفهم ودار الكلام بينهم وطال الحديث وانحط الامر علىانهم تابوا
ورجعوا والتزموا بما شرطه العلماء عليهم وانعقد الصلح على ان يدفعوا سبعمائة
وخمسين كيسا موزعة وعلى ان يرسلوا غلال الحرمين ويصرفوا غلال الشون واموال الرزق
ويبطلوا رفع المظالم المحدثة والكشوفيات والتفاريد والمكوس ما عدا ديوان بولاق وان
يكفوا اتباعهم عن امتداد أيديهم الى اموال الناس ويرسلوا صرة الحرمين
والموائد المقررة من قديم الزمان ويسيروا في الناس سيرة
حسنة وكان القاضي حاضر بالمجلس فكتب حجة عليهم بذلك وفر من عليها الباشا وختم
عليها ابراهيم بك وأرسلها الى مراد بك فختم عليها ايضا وانجلت الفتنة ورجع المشايخ
وحول كل واحد منهم وامامه وخلفه جملةعظيمة من العامة وهم ينادون حسب ما رسم
ساداتنا العلماء بأن جميع المظالم والحوادث والمكوس بطالة من مملكة الديار المصرية
وفرح الناس وظنوا صحته وفتحت الاسواق وسكن الحال على ذلك نحو شهر ثم عاد كل ما كان
مما ذكر وزيادة ونزل عقيب ذلك مراد بك الى دمياط وضرب عليها الضرائب العظيمة وغير ذلك
ومات الامام العلامة والرحلة الفهامة بقية المحققين
وعمدة المدققين الشيخ المعمر شهاب الدين احمد بن محمد بن عبد الوهاب السمنودي المحلي
الشافعي من بيت العلم والصلاح والرشد والفلاح واصلهم من سمنود ولد هو بالمحلة وقدم
الجامع الازهر وحضر على الشمس السجيني والعزيزي والملوي والشبراوي وتكمل في الفنون
الغريبة وتلقى عن السيد علىالضرير والشيخ محمد الغلاني الكشناوي مشاركا للشيخ
الوالد والشيخ ابراهيم الحلبي وعاد الى المحلة فدرس في الجامع الكبير مدة ثم اتى
الى مصر بأهله وعياله ومكث بها وأقرأ بالجامع الأزهر درسا وتردد الى الاكابر
والامراء واجلوه وقرأ في المحمدية بعد موت الشنويهي في المنهج وانضوى الى الشيخ
ابي الانوار السادات ويأتي اليه في كل يوم وكان انسانا حسنا بهي الشكل لطيف الطباع
عليه رونق وجلال جميل المحادثة حسن الهيئة توفي بعد ان تعلل دون شهر عن مائة وست
عشرة سنة كامل الحواس اذا قام نهض نهوض الشباب ودفن ببستان المجاورين وكان يتكتم
سني عمره رحمه الله
ومات الامام العلامة واللوذعي الفهامة رئيس المحققين
وعمدة المدققين النحوي المنطقي الجدلي الاصولي الشيخ احمد بن يونس الخليفي الشافعي
الازهري من قرابة الشهاب الخليفي ولد سنة 1131 كما سمعته
من لفظه وقرأ القرآن وحفظ المتون وحضر كل من الشبراوي والحفني واخيه الشيخ يوسف
والسيد البليدي والشيخ محمد الدقري والدمنهوري وسالم النفراوي والطحلاوي والصعيدي
وسمع الحديث على الشهابين الملوي والجوهري ودرس وأفاد بالجامع الازهر وتقلد وظيفة
الافتاء بالمحمدية عندما انحرف يوسف بك على الشيخ حسن الكفراوي كما تقدم فأتخذ
الشيخ احمد ابا سلامة امينا على فتاويه لجودة استحضاره في الفروع الفقهية وله
مؤلفات منها حاشية على شرح شيخ الاسلام على متن السمرقندية في آداب البحث وآخرى
على شرح الملوي في الاستعارات واخرى على شرح المذكور على السلم في المنطق واخرى
على شرح شيخ الاسلام على آداب البحث واخرى على شرح الشمسية في المنطق واخرى على
متن الياسمينية في الجير والمقابلة وشرح على اسماء التراجم ورسالة متعلقة بالابحاث
الخمسة التي اوردها الشيخ الدمنهوري ولازم الشيخ الوالد مدة وتلقى عنه بعض العلوم
الغريبة وكملها بعد وفاته على تلميذه محمود افندي النيشي وكان جيد التقرير غاية في
التحرير ويميل بطبعه الى ذوي الوسامة والصور الحسان من الجدعان والشبان فإذا رجع
من درسه خلع زي العلماء ولبس زي العامة وجلس بالاسواق وخالط الرفاق ويمشي كثيرا
بين المغرب والعشاء بالخفيفة نواحي داره جهة السيارج وغيرها ويرى في بعض الاحيان على
تلك الصورة في الاوقات المذكورة في نواح بعيدة عن داره وسافر مرة الى جهة قبلي في
سفارة بين الامراء ايام عابدي باشا ولم يزل على ذلك الى ان توفي في اوائل رجب من هذه
السنة سامحه الله
ومات العمدة الجليل والنبيه النبيل العلامة الفقيه
المفوه الشريف الضرير السيد عبد الرحمن بن بكار الصفا قسى نزيل مصر قرأ في بلاده
على علماء عصره ودخل كرسي مملكة الروم فاكرم وانسلخ عن هيئة المغاربة ولبس
ملابس المشارقة مثل التاج والفراجة وغيرها واثرى وقدم
الى مصر وألقى دروسا بالمشهد الحسيني وتأهل وولد له ولد به فضيلة ونجابة واتحد بشيخ
السادات الوقائية السيد أبي الانوار فراج حاله وزادت شوكته علىأبناء جنسه وتردد
الى الامراء وأشير اليه ودرس كتاب الغرر في مذهب الحنفية وتولى مشيخة رواق
المغاربة بعد وفاة الشيخ عبد الرحمن البناني وسار فيها أحسن سيرة مع شهامة وصرامة
وفصاحة لفظ في الالقاء وكان جيد البحث مليح المفاكهة والمحادثة واستحضار اللطائف
والمناسبات ليس فيه عربدة ولا فظاظة ويميل بطبعه الى الحظ والخلاعة وسماع الالحان
والآلآت المطربة توفي رحمه الله في هذه السنة وتولى بعده على مشيخة رواقهم الشيخ
سالم بن مسعود
ومات الفقيه العلامة الصالح الصوفي الشيخ احمد بن احمد
السماليجي الشافعي الاحمدي المدرس بالمقام الاحمدي بطندتاء ولد ببلده سماليج
بالمنوفية وحفظ القرآن وحضر الى مصر وحضر على الشيخ عطية الاجهوري والشيخ عيسى
البراوي والشيخ محمد الخشني والشيخ احمد الدردير ورجع الى طندتاء فاتخذها سكنا وأقام
بها يقرى دروسا ويفيد الطلبة ويفتي على مذهبه ويقضي بين المتنازعين من اهالي
البلاد فراج امره واشتهر ذكره بتلك النواحي ووثقوا بفتياه وقوله واتوه افواجا
بمكانه المسمى بالصف فوق باب المسجد المواجه لبيت الخليفة وتزوج بأمرأة جميلة
الصورةمن بلد الفرعونية وولد منها ولد سماه احمد كأنما أفرغ في قالب الجمال واودع
بعينيه السحر الحلال فلما ترعرع حفظ القرآن والمتون وحضر على ابيه في الفقه
والفنون وكان نجيبا جيد الحافظة يحفظ كل شيء سمعه من مرة واحدة ونظم الشعر من غير
قراءة شيء في علم العروض اول ما رأيته في سنة 1189 في ايام زيارة سيدي احمد البدوي
فحضر الي وسلم علي وآنسني بحسن الفاظه وجذبني بسحر الحاظة ولما بلغ زوجه والده
بزوجتين في سنة واحدة ولم يزل يجتهد ويشتغل حتى مهر
وانجب ودرس لجماعة من الطلبة وحضر الى مصر مع والده مرارا
وتردد علينا واجتمع بنا كثيرا في مواسم الموالد المعتادة الى ان اخترمته في شبابه
المنية وحالت بينه وبين الامنية وذلك في سنة ثلاث ومائتين وخلف ولدا صغيرا استأنس
به جده المترجم وصبر على فقد ابنه وترحم وتوفي هو ايضا في هذه السنة رحمهما الله
تعالى
ومات الاجل المعظم والملاذ المفخم الامير حسين بن السيد
محمد الشهير بدرب الشمس القادري وابوه محمد افندي كاتب صغير بوجاق التفكجيان وهو
ابن حسين افندي باش اختيار تفكجيان تابع المرحوم حسن جوربجي تابع المرحوم رضوان بك
الكبير الشهير صاحب العمارة ولما مات والد المتجرم اجتمع الاختيارية وقلدوا ابنه المذكور
منصب والده في بابه وكان اذ ذاك مقتبل الشبيبة وذلك في سنة ثلاث وستين ومائة والف
ونوه بشأنه وفتح بيت أبيه وعد في الاعيان واشتهر ذكره وكان نجيبا نبيها ولم يزل
حتى صار من ارباب الحل والعقد واصحاب المشورة ولما استقل علي بك بأمارة مصر اخرجه
هو واخوته من مصر ونفاهم الى بلاد الحجاز فأقاموا بها سبع سنوات الى ان استقل محمد
بك بالامارة فأحضرهم واكرمهم ورد اليهم بلادهم فاستمروا بمصر لا كالحالة الاولى مع
الوجاهة والحرمة الوافرة وكان انسانا حسنا فطنا يعرف مواقع الكلام ويكره الظلم وهو
الى الخير أقرب واقتنى كتبا كثيرة نفيسة في الفنون وخصوصا في الطب والعلوم الغريبة
ويسمح باعارتها لمن يكون أهلا لها ولما حضرته الوفاة أوصى ان لا يخرجوا جنازته على
الصورة المعتادة بمصر بل يحضرها مائة شخص من القادرية يمشون امامه في المشهد وهم
يقرأون الصمدية سر الاغير وأوصى لهم بقدر معلوم من الدراهم فكان كذلك
ومات الامير محمد أغا بن محمد كتخدا أباظة وقد تقدم انه
كان تولى الحسبة في ايام حسن باشا وسار فيها سيرا بشهامة واخاف السوقة وعاقبهم
وزجرهم واتفق انه وزن جانبا من اللحم وجده مع من اشتراه
ناقصا واخبره عن جزاره فذهب اليه وكملها بقطعة من جسد
الجزار ثم انفصل عن ذلك وعمل كتخدا عند رضوان بيك الى ان مات رضوان بك ولم يزل
معدودا في عداد الامراء الاكابر الى ان توفي في هذه السنة
ومات العمدة الصالح الورع الصوفي الضرير الشيخ محمد
السقاط الخلوتي المغربي الاصل خليفة شيخنا الشيخ محمود الكردي حضر الى مصر وجاور
بالازهر وحضر على الاشياخ في فقه مذهبه وفي المعقول واخذ الطريق على شيخنا الشيخ
محمود المذكور ولقنه الاسماء على طريق الخلوتية والاوراد والاذكار وانسلخ من زي
المغاربة وألبسه الشيخ التاج وسلك سلوكا تاما ولازم الشيخ ملازمة كلية بحيث انه لا
يفارق منزله في غالب أوقاته ولاحت عليه الانوار وتحلى بحلل الابرار وأذن له الشيخ
بالتلقين والتسليك ولما انتقل شيخه الى رحمة الله تعالى صار هو خليفته بالاجماع من
غير نزاع وجلس في بيته وانقطع للعبادة واجتمع على الجماعة في ورد العصر والعشاء
ولقن الذكر للمريدين وسلك الطريق للطالبين وانجذبت القلوب اليه واشتهر ذكره واقبلت
عليه الناس ولم يزل علي حسن حاله حتى توفي في منتصف شهر ربيع الاول وصلي عليه
بالازهر في مشهد حافل
ومات الذمي المعلم ابراهيم الجوهري رئيس الكتبة الاقباط
بمصر وأدرك في هذه الدولة بمصر من العظمة ونفاذ الكلمة وعظم الصيت والشهرة مع طول
المدة بمصر ما لم يسبق لمثله من ابناء جنسه فيما نعلم وأول ظهوره من ايام المعلم
رزق كاتب علي بك الكبير ولما مات علي بك والمعلم رزق ظهر أمر المترجم ونما ذكره في
ايام محمد بك فلما انقضت ايام محمد بك وترأس ابراهيم بك قلده جميع الامور فكان هو
المشار اليه في الكليات والجزئيات حتى دفاتر الروزنامة والميري وجميع الايراد
والمنصرف وجميع الكتبة والصيارف من تحت يده واشارته وكان من دهاقين العالم ودهاتهم
لا يعزب عن دهنه شيء من دقائق الامور ويداري كل انسان بما يليق
به من المداراة ويحابي ويهادي ويواسي ويفعل ما يوجب
انجذاب القلوب والمحبةويهادي ويبعث الهدايا العظيمة والشموع الى بيوت الامراء وعند
دخول رمضان يرسل الى غالب ارباب المظاهر ومن دونهم الشموع والهدايا والارز والسكر
والكساوى وعمرت في ايامه الكنائس وديور النصارى وأوقف عليها الاوقاف الجلية
والاطيان ورتب لها المرتبات العظيمة والارزاق الدارة والغلال وحزن ابراهيم بك
لموته وخرج في ذلك اليوم الى قصر العيني حتى شاهد جنازته وهم ذاهبون به الى
المقبرة وتأسف على فقده تأسفا زائد وكان ذلك في شهر القعدة من السنة
سنة عشرة ومائتين وألف لم يقع بها شيء من الحوادت التي
يعتني بتقييدها سوى مثل ما تقدم من جور الامراء والمظالم
وفيها في غرة شهر الحجة عزل صالح باشا ونزل الى قصر
العيني ليسافر فأقام هناك اياما وسافر الى اسكندرية
ومات بها الامام العلامة المفيد الفهامة عمدة المحققين
والمدققين الصالح الورع المهذب الشيخ عبد الرحمن النحراوي الاجهوري الشهير بمقرىء
الشيخ عطية خدم العلم وحضر فضلاء الوقت ودرس وتمهر في المعقول والمنقول ولازم
الشيخ عطية الاجهوري ملازمة كلية وأعاد الدروس بين ديه واشتهر بالمقرىء وبالاجهوري
لشدة نسبته الى الشيخ المذكور ودرس بالجامع الازهر وأفاد الطلبة وأخذ طريق
الخلوتية عن الشيخ الحفني ولقنه الاذكار وألبسه الخرقة والتاج وأجازه بالتلقين
والتسليك وكان يجيد حفظ القرآن بالقراءات ويلازم المبيت في ضريح الامام الشافعي في
كل ليلة سبت يقرأ مع الحفظة بطول الليل وكان انسانا حسنا متواضعا لا يرى لنفسه
مقاما يحمل طبق الخبز على رأسه ويذهب به الى الفران ويعود به الى عياله فان اتفق
ان احد رآه ممن يعرفه حمله عنه والا ذهب به
ووقف بين يدي الفران حتى يأتيه الدور ويخبزه له وكان كريم
النفس جدا يجود وما لديه قليل ولم يزل مقبلا على شأنه وطريقته حتى نزلت به الباردة
وبطل شقه واستمر على ذلك نحو السنة وتوفي الى رحمة الله تعالى غفر الله له
ومات العمدة العلامة والرحلة الفهامة الفقيه الفاضل ومن
ليس له في الفضل مناضل الشيخ حسن بن سالم الهواري المالكي احد طلبة شيخنا الشيخ
الصعيدي لازمه في دروسه العامة وحصل بجده ما به ناموس جاهه أقامه وبعد وفاة شيخه
ولى مشيخة رواق الصعايدة وساس فيهم أحسن سياسة بشهامة زائدة مع ملازمته للدروس
وتكلمه في طائفته مع الرئيس والمرؤوس وكان فيه صلابة زائدة وقوة جنان وشدة تجارى
واشترى خرابة بسوق القشاشين بالقرب من الازهر وعمرها دارا لسكنه وتعدى حدوده وحاف
على أماكن جيرانه وهدم مكتب المدرسة السنانية وكان مكتباص عظيما ذا واجتهين
وعامودين وأربع بوائك وزاوية جداره من الحجر النحيت عجيبة الصنعة في البروز
والاتقان فهدمه وأدخله في بنائه من غير تحاش او خشية لوم مخلوق أو خوف خالق واوقف
اعوانه من الصعايدة المنتسبين للمجاورة وطلب العلم يسخرون من يمر بهم من حمير الترابين
وجمال الأعيان المارين عليهم فيستعملونها في نقل تراب الشيخ لاجل التبرك اما قهرا
او محاباة ويأذ من مياسير الناس والسوقة دراهم على سبيل القرض الذي لا يرد وكذلك
المؤن حتى تممها على هذه الصورة وسكن فيها واحدق به الجلاوزة من الطلبة يغدون
ويروحون في الخصومات والدعاوى ويأخذون الجعالات والرشوات من المحق والمبطل ومن
خالف عليهم ضربوه واهانوه ولو عظيما من غير ميالاة ولا حياء ومن اشتد عليهم
اجتمعوا عليه من كل فج حتى بوابين الوكائل وسكان الطباق وباعة النشوق وينسب الكل
الى الازهر ومن عذلهم او لامهم كفروه ونسبوه الى الظلم والتعدي والاستهزاء بأهل
العلم والشريعة وزاد الحال
وصار كل من رؤساء الجماعة شيخا على انفراده يجلس في ناحية
ببعض الحوانيت يقضي ويأمر وينهى وفحش الامر الى ان نادى عليهم حاكم الشرطة فانكفوا
ومرض شيخهم بالتشيخ شهورا وتوفي في هذه السنة رحمه الله تعالى
ومات الامام الفقيه العلامة والفاضل والفهامة عثمان بن
محمد الحنفي المصري الشهير بالشامي ولد بمصر وتفقه على علماء مذهبه كالسيد محمد أبي
السعود والشيخ سليمان المنصوري والشيخ حسن المقدسي والشيخ الوالد واتقن الالات
ودرس الفقه في عدة مواضع وبالازهر وانتفع به الناس وقرأ كتاب الملتقي بجامع قوصون
وكان له حافظه جيدة واستحضار في الفروع ولا يمسك بيده كراسا عند القراءة ويلقى
التقرير عن ظهر قلب مع حسن السبك وألف متنا مفيدا في المذهب ثم حج وزار قبر النبي
صلى الله عليه و سلم وقطن بالمدينة وطلب عياله في ثاني عام وباع ما يتعلق به وتجرد
على المجاورة ولازم قراء الحديث والفقه بدار الهجرة وأحبه اهل المدينة وتزوج وولد
له أولاد ثم تزوج بآخرى ولم يزل على ذلك حتى توفي الى رحمه الله تعالى في هذه
السنة
ومات العمدة الفاضل المفوه النبيه المناضل الحافظ المجود
الاديب الماهر صاحبنا الشيخ شمس الدين بن عبد الله بن فتح الفرغلي المحمدي الشافعي
السبريائي نسبة الى سبرباى قرية بالغربية قرب طندتا وبها ولد ونسبة يرجع الى القطب
سيدي الفرغلي المحمدي من ولد سيدنا محمد بن الحنفية صاحب ابي تيج من قرى الصعيد
تفقه على علماء عصره وأنجب في المعارف والفهوم وعانى الفنون فأدرك من كل فن الحظ
الاوفر ومال الى فن الميقات والتقاويم فنال من ذلك ما يرومه وألف في ذلك وصنف زيجا
مختصار دل على سعة باعه ورسوخه في الفن ومعرفة القواعد والاصول ودقائق الحساب ونهج
مسلك الادب والتاريخ والشعر ففاق فيه الاقران ومدح الاعيان وصاحبناه وساجلناه
كثيرا عندما كان يأتينا مصر وبطندتا
في الموالد المعتادة فكان طودا راسخا وبحرا زاخرا مع دماسة
الاخلاق وطيب الاعراق ولين العريكة وحسن العشرة ولطف الشمائل والطباع وكان يلي
نيابة القضاء ببلده وبالجملة فكان عديم النظير في اقرانه لم ار من يدانيه في
أوصافه الجميلة وله مصنفات كثيرة منها الضوابط الجليلة في الاسانيد العلية آلفه
سنة 1177 وذكر فيه سنده عن الشيخ نور الدين ابي الحسن سيدي علي بن الشيخ العلامة
أبي عبد الله سيدي محمد العربي الفاسي المغربي الشهير بالسقاط وسليقته في الشعر
عذبة رائقة كلامه بديع مقبول في سائر انواعه من المدح والرثاء والتشبيب والغزل
والحماسة والجد والهزل وله ديوان جمع فيه أمداحه صلى الله عليه و سلم سماه عقود
القرائد توفي المترجم في شهر ربيع الاول من السنة ببلده ودفن هناك رحمه الله تعال
سنة أحدى عشرة واثنتي عشرة ومائتين والف لم يقع فيهما من
الحوادث التي تتشوف لها النفوس او تشتاق اليها الخواطر فتقيد في بطون الطروس سوى
ما تقدمت اليه الاشارة من أسباب نزول النوازل وموجبات ترادف البلاء المتراسل ووقوع
الانذارات الفلكية والايات المخوفة السماوية وكلها اسباب عادية وعلامات من غير ان ينسب
لتلك الاثار تأثيرات فبالنظر في ملكوت السموات والارض يستدلون وبالنجم هم يهتدون
فمن اعظم ذلك حصول الخسوف الكلي في منتصف شهر الحجة ختام سنة اثنتي عشرة بطالع
مشرق الجوزاء المنسوب اليه اقليم مصر وحضر طائفة الفرنسيس اثر ذلك في اوائل السنة
التالية كما سيأتي خبر ذلك مفصلا ان شاء الله تعالى
من مات في هذين العامين ممن له ذكر وشهرة مات العمدة
العلامة والفقيه الفهامة الشيخ علي بن محمد الاشبولي
الشافعي كان والده أحد العدول بالمحكمة الكبرى وكان ذا
ثروة وشهرة ولما كبر ولده المترجم حفظ القرآن والمتون واشتغل بالعلم وحضر الدروس
وتفقه على أشياخ الوقت ولازم الشيخ عيسى البراوي وتمهر في المعقول وانجب وتصدر
ودرس وانتظم في سلك الفضلاء والنبلاء وصار له ذكر وشهرة ووجاهة ومات والده فاحرز طريفه
وتالده وكان لابيه دار بحارة كتامة المعروفة بالعينية بقرب الازهر وأخرى عظيمة
بقناطر السباع على الخليج واخرى بشاطى النيل بالجيزة فكان ينتقل في تلك الدور
ويتزوج حسان النساء مع ملازمته للاقراء والافادة وحدثته نفسه بمشيخة الازهر وكان
بيده عدة وظائف وتداريس مثل جامع الآثار والنظامية ولم يباشرها الا نادرا ويقبض
معلوماتها المرتب لها ولم يزل حتى تعلل وتوفي سنة 1111
ومات الاديب الماهر الصالح الجليس الانيس السيد ابراهيم
بن قاسم ابن محمد بن محمد بن علي الحسني الرويدي المكتب المكني بأبي الفتح ولد
بمصر كما أحبر عن نفسه سنة 1127 وحفظ القرآن وجوده على الشيخ الحجازي غنام وجود
الخط على الشيخ احمد بن اسمعيل الافقم على الطريقة المحمدية فمهر فيه وأجازه فكتب
بخطه الحسن الفائق كثيرا من المصاحف والاحزاب والدلائل والادعية والقطع وأشير اليه
بالرياسة في الفن وكان انسانا حسنا متمشدقا يحفظ كثيرا من نوادر الاشعار وغرائب
الحكايات وعجائب المناسبات وروايتها على أحسن اسلوب وأبلغ مطلوب وسمعت كثيرا من
انشاده لم يعلق بذهني منها شيء وقد تفرد بمحاسن لم يشاركه فيها أهل عصره منها صحة الوضع
وتكمله على أصوله بغاية التحرير توفي ستة احدى عشرة رحمه الله تعالى
ومات النبيه الاريب والفاضل النجيب الناظم الناثر المفوه
اسمعيل افندي بن خليل بن علي بن محمد بن عبد الله الشهير بالظهوري المصري الحنفي
المكتب كان انسانا حسنا قانعا بحاله يتكسب بالكتابة وحسن الخط وقد كان جوده واتقنه
على أحمد افندي الشكري وكتب بخطه الحسن
كثيرا من الكتب والسبع المنجيات ودلائل الخيرات والمصاحف
وكان له حاصل يبيع به بن القهوة بوكالة البقل بقرب خان الخليلي وله معرفة جيدة
بعلم الموسيقى والالحان وضرب العود وينظم الشعر وله مدائح وقصائد موشحات توفي رحمه
الله تعالى سنة 1211
ومات الاجل الامثل والوجيه الاوحد المبجل حسين افندي
قلفة الشرقية والده الامير عبد الله من مماليك داود صاحب عيار وتربى المترجم عند
محمد افندي البرقوقي وزوجه ابنته وعانى قلم الكتابة واصطلاح كتاب الروزنامة ومهر
في ذلك فلما توفي محمد افندي كتابة الروزنامة قلده قلف الشرقية ولم تطل مدة محمد
افندي ومات بعد شهرين فاستولى المترجم على تعلقاته وراج امره واشترى بيتا جهة
الشيخ الظلام وانتقل اليه وسكن به وساس اموره واشتهر ذكره وانتظم في عداد الاعيان
واقتنى السراري والجواري والمماليك والعبيد وكان انسانا لا بأس به جميل الاخلاق
حسن العشرة مع الرفاق مهذب الطباع لين العريكة واقفا على حدود الشريعة لا يتداخل
فيما لا يعنيه مليح الصورة والسيرة توفي رحمه الله ايضا سنة 1211
ومات العمدة النبيه الفهامة بضعة السلالة الهاشمية وطراز
العصابة المطلبية الفصيح المفوه السيد حسين بن عبد الرحمن بن الشيخ محمد بن احمد
بن احمد بن حمادة المنزلاوي الشافعي خطيب جامع المشهد الحسيني وأم ابيه السيد عبد
الرحمن السيدة فاطمة بنت السيد محمد العمري ومنها اتاه الشرف حضر على الشيخ الملوي
والحفني والجوهري والمدابغي والشيخ علي قايتباي والشيخ البسيوني والشيخ خليل
المغربي وأخذ ايضا عن سيدي محمد الجوهري الصغير والشيخ عبد الله امام مسجد
العشراني والشيخ سعودي الساكن بسوق الخشب وتضلع بالعلوم والمعارف وصار له ملكة
وحافظة ولسانة واقتدار تام واستحضار غريب وينظم الشعر الجيد والنثر البليغ وانشأ
الخطب البديعة وغالب
خطبه التي كان يخطب بها بالمشهد الحسيني من انشائه على
طريقة لم يسبق اليها وانضوى الى الشيخ ابي الانوار السادات وشملته انواره ومكارمه ويصلى
به في بعض الاحيان ويخطب بزاويتهم ايام المواسم ويأتي فيهما بمدائح السادات وما
تقتضيه المناسبات توفي في منتصف شهر شعبان من السنة غفر الله لنا وله
سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف وهي اول سني الملاحم العظيمة
والحوادث الجسيمة والوقائع النازلة والنوازل الهائلة وتضاعف الشرور وترادف الامور
وتوالي المحن واختلال الزمن وانعكاس المطبوع وانقلاب الموضوع وتتابع الاهوال
واختلاف احوال وفساد التدبير وحصول التدمير وعموم الخراب وتواتر الاسباب وما كان
ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون
في يوم الاحد العاشر من شهر محرم الحرام من هذه السنة
وردت مكاتبات على يد السعاة من ثغر الاسكندرية ومضمونها ان في يوم الخميس ثامنه
حضر الى الثغر عشرة مراكب من مراكب الانكليز ووقفت على البعد بحيث يراها أهل الثغر
وبعد قليل حضر خمسة عشر مركبا ايضا فانتظر أهل الثغر ما يريدون وإذا بقارب صغير
واصل من عندهم وفيه عشرة انفار فوصلوا البر واجتمعوا بكبار البلد والرئيس إذ ذاك
فيها والمشار اليه بالابرام والنقض السيد محمد كريم الآتي ذكره فكلموهم واستخبروهم
عن غرضهم فأخبروا انهم انكليز حضروا للتفتيش على الفرنسيس لانهم خرجوا بعمارة
عظيمة يريدون جهة من الجهات ولا ندري أين قصدهم فربما دهموكم فلا تقدرون علىدفعهم
ولا تتمكنوا من منعهم فلم يقبل السيد محمد كريم منهم هذا ا لقول وظن انها مكيدة
وجاوبوهم بكلام خشن فقالت رسل الانكليز نحن نقف بمراكبنا في البحر محافظين على
الثغر لا نحتاج منكم الا الامداد بالماء والزاد بثمنه فلم يجيبوهم لذلك
وقالوا هذه بلاد السلطان وليس للفرنسيين ولا لغيرهم
عليها سبيل فاذهبوا عنا فعندها عادت رسل الانكليز واقلعوا في البحر ليمتاروا من
غير الاسكندرية وليقضى الله امرا كان مفعولا ثم ان أهل الثغر ارسلوا الى كاشف
البحيرة ليجمع العربان وياتي معهم للمحافظة بالثغر فلما قرئت المكاتبات بمصر حصل
بها اللغط الكثير من الناس وتحدثوا بذلك فيما بينهم وكثرت المقالات والاراجيف
ثم ورد في ثالث يوم بعد ورود المكاتيب الاول مكاتبات
مضمونها ان المراكب التي وردت الثغر عادت راجعة فاطمأن الناس وسكن القيل والقال
واما الامراء فلم يهتموا بشيء من ذلك ولم يكترثوا به اعتمادا على قوتهم وزعمهم انه
اذا جاءت جميع الافرنج لا يقفون في مقابتلهم وانهم يدوسونهم بخيولهم
فلما كان يوم الاربعاء العشرون من الشهر المذكور وردت
مكاتبات من الثغر ومن رشيد ودمنهور بان في يوم الاثنين ثامن عشره وردت مراكب
وعمارات للفرنسيين كثيرة فارسوا في البحر وارسلوا جماعة يطلبون القنصل وبعض اهل
البلد فلما نزلوا اليهم عوقوهم عندهم فلما دخل الليل تحولت منهم مراكب الى جهة
العجمي وطلعوا الى البر ومعهم آلات الحرب والعساكر فلم يشعر اهل الثغر وقت الصباح
الا وهم كالجراد المنتشر حول البلد فعندها خرج اهل الثغر وما انظم اليهم من
العربان المجتمعة وكاشف البحيرة فلم يستطيعوا مدافعتهم ولا امكنهم ممانعتهم ولم يثبتوا
لحربهم وانهزم الكاشف ومن معه من العربان ورجع أهل الثغر الى التترس في البيوت
والحيطان ودخلت الافرنج البلد وانبث فيها الكثير من ذلك العدد كل ذلك واهل البلد
لهم بالرمي يدافعون عن انفسهم وأهليهم يقاتلون ويمانعون فلما أعياهم الحال وعلموا
انهم مأخوذون بكل حال وليس ثم عندهم للقتال استعداد لخلو الابراج من آلات الحرب
والبارود وكثرة العدو وغلبيته طلب أهل الثغر الامان فآمنوهم ورفعوا عنهم القتال
ومن حصونهم انزلوهم ونادى الفرنسيس بالامان في البلد
ورفع بنديراته عليها وطلب أعيان الثغر فحضروا بين يديه فالزمهم بجمع السلاح
واحضاره اليه وان يضعوا الجوكار في صدورهم فوق ملبوسهم والجوكار ثلاث قطع من جوخ
او حرير او غير ذلك مستديرة في قدر الريال سوداء وحمراء وبيضاء توضع بعضها فوق بعض
بحيث تكون كل دائرة اقل من التي تحتها حتى تظهر الالوان الثلاثة كالدوائر المحيط
بعضها ببعض ولما وردت هذه الاخبار مصر حصل للناس انزعاج وعول اكثرهم على الفرار والهجاج
وأما ما كان من حال الامراء بمصر فان إبراهيم بك ركب الى قصر العيني وحضر عنده
مراد بك من الجيزة لانه كان مقيما بها واجتمع باقي الامراء والعلماء والقاضي
وتكلموا في شأن هذا الامر الحادث الى اسلامبول وان مراد بك يجهز العساكر ويخرج
لملاقاتهم وحربهم وانفض المجلس على ذلك وكتبوا المكاتبة وارسلها بكر باشا مع رسوله
على طريق البرلياتية بالترياق من العراق وأخذوا في الاستعداد للثغر وقضاء اللوازم
والمهمات في مدة خمسة ايام فصاروا يصادرون الناس ويأخذون أغلب ما يحتاجون اليه
بدون ثمن ثم ارتحل مراد بك بعد صلاة الجمعة وبرز خيامه ووطاقه الى الجسر الاسود
فمكث به يومين حتى تكامل العسكر وصناجقه وعلي باشا الطرابلسي وناصف باشا فانهم كانوا
من اخصائه ومقيمين معه بالجيزة وأخذ معه عدة كثيرة من المدافع والبارود وسار من
البر مع العساكر الخيالة وأما الرجال وهم الالداشات القلينجية والاروام والمغاربة
فانهم ساروا في البحر مع الغلايين الصغار التي أنشأها الامير المذكور ولما ارتحل
من الجسر الاسود ارسل الى مصر يأمر بعمل سلسلة من الحديد في غاية الثخن والمتانة
وطولها مائة ذراع وثلاثون ذراعا لتنصب على البغاز عند برج مغيزل من البر الى البر
لتمنع مراكب الفرنسيين من العبور لبحر النيل وذلك باشارة علي باشا وان يعمل عندها
جسر من المراكب وينصب عليها متاريس ومدافع ظنا منهم
ان الافرنج لا يقدرون على محاربتهم في البر وانهم يعبرون
في المراكب ويقاتلونهم وهم في المراكب وانهم يصابرونهم ويطاولونهم في القتال حتى
تأتيهم النجدة وكان الامر بخلاف ذلك فان الفرنسيس عندما ملكوا الاسكندرية ساروا
على طريق البر الغربي من غير ممانع وفي اثناء خروج مراد بك والحركة بدت الوحشة في
الاسواق وكثر الهرج بين الناس والارجاف وانقطعت الطرق واخذت الحرامية في كل ليلة تطرق
اطراف البلد وانقطع مشي الناس من المرور في الطرق والاسواق من المغرب فنادى الاغا
والوالي بفتح الاسواق والقهاوي ليلا وتعليق القناديل على البيوت والدكاكين وذلك
لامرين الاول ذهاب الوحشة من القلوب وحصول الاستئناس والثاني الخوف من الدخيل في
البلد
وفي يوم الاثنين وردت الاخبار بان الفرنسيس وصلوا الى
دمنهور ورشيد وخرج معظم أهل تلك البلاد على وجوههم فذهبوا الى فوة نواحيها والبعض
طلب الامان وأقام ببلده وهم العقلاء وقد كانت الفرنسيس حين فلولهم بالاسكندرية
كتبوا مرسوما وطبعوه وأرسلوا منه نسخا الى البلاد التي يقدمون عليها تطمينا لهم
ووصل هذا المكتوب مع جملة من الاسارى الذين وجدوهم بمالطة وحضروا صحبتهم وحضر منهم
جملة الى بولاق وذلك قبل وصول الفرنسيس بيوم او بيومين ومعهم منه عدة نسخ منهم
مغاربة وفيهم جواسيس وهم على شكلهم من كفار مالطه ويعرفون باللغات
وصورة ذلك المكتوب بسم الله الرحمن الرحيم لا اله الا
الله لا ولد له ولا شريك له في ملكه من طرف الفرنساوية المبنى على أساس الحرية
والتسوية السر عسكر الكبير أمير الجيوش الفرنساوية بونابارته يعرف أهالي مصر
جميعهم ان من زمان مديد الصناجق الذين يتسلطون في البلاد المصرية يتعاملون بالذل
والاحتقار في حق الملة الفرنساوية ويظلمون تجارها بانواع الايذاء والتعدي فحضر
الان ساعة عقوبتهم وأخرنا من مدة عصور طويلة هذه الزمرة المماليك المجلوبين من
بلاد الابازة والجراكسة يفسدون
في الاقليم الحسن الاحسن الذي لا يوجد في كرة الارض كلها
فاما رب العالمين القادر على كل شيء فأنه قد حكم على انقضاء دولتهم يا أيها
المصريون قد قيل لكم انني ما نزلت بهذا الطرق الا بقصد ازالة دينكم فذلك كذب صريح
فلا تصدقوه وقولوا للمفترين انني ما قدمت اليكم الا لاخلص حقكم من يد الظالمين
وانني اكثر من المماليك اعبد الله سبحانه وتعالى واحترم نبيه والقرآن العظيم
وقولوا ايضا لهم ان جميع الناس متساوون عند الله وان الشيء الذي يفرقهم عن بعضهم
هو العقل والفضائل والعلوم فقط وبين المماليك والعقل والفضائل تضارب فماذا يميزهم
عن غيرهم حتى يستوجبوا ان يتملكوا مصر وحدهم ويختصوا بكل شيء أحسن فيها من الجواري
الحسان والخيل العتاق والمساكن المفرحة فان كانت الارض المصرية التزاما للماليك
فليرونا الحجة التي كتبها الله لهم ولكن رب العالمين رؤوف وعادل وحليم ولكن بعونه
تعالى من الان فصاعدا لا ييأس احد من اهالي مصر عن الدخول في المناصب الساميةوعن
اكتساب المراتب العالية فالعلماء والفضلاء والعقلاء بينهم سيدبرون الامور وبذلك
يصلح حال الامة كلها وسابقا كان في الاراضي المصرية المدن العظيمة والخلجان
الواسعة والمتجر المتكاثر وما أزال ذلك كله الا الظلم والطمع من المماليك أيها
المشايخ والقضاة والائمة والجربجية واعيان البلد قولوا لامتكم ان الفرنساوية هم
ايضا مسلمون مخلصون واثبات ذلك انهم قد نزلوا في رومية الكبرى وخربوا فيها كرسي
الباب الذي كان دائما يحث النصارى على محاربة الاسلام ثم قصدوا جزيرة مالطة وطرودا
منها الكوا للرية الذين كانوا يزعمون ان الله تعالى يطلب منهم مقاتلة المسلمين ومع
ذلك الفرنساوية في كل وقت من الاوقات صاروا محبين مخلصين لحضرة السلطان العثماني
وأعداء اعدائه أدام الله ملكه ومع ذلك أن المماليك امتنعوا من اطاعة السلطان غير
ممتثلين لامره فما أطاعوا أصلا الا لطمع انفسهم طوبى ثم طوبى لاهالي مصر الذين
يتفقون معنا بلا تأخير فيصلح
حلهم وتعلو مراتبهم طوبى ايضا للذين يقعدون في مساكنهم
غير مائلين لاحد من الفريقين المتحاربين فإذا عرفونا بالاكثر تسارعوا الينا بكل
قلب لكن الويل ثم الويل للذين يعتمدون على المماليك في محاربتنا فلا يجدون بعد ذلك
طريقا الى الخلاص ولا يبقى منهم أثر
المادة الاولى جميع القرى الواقعة في دائرة قريبة بثلاث
ساعات من المواضع التي يمر بها عسكر الفرنساوية فواجب عليها ان ترسل للسر عسكر من
عندها وكلاء كيما يعرف المشار اليه انهم أطاعوا وانهم نصبوا علم الفرنساوية الذي
هو ابيض وكحلي واحمر
المادة الثانية كل قرية تقوم على العسكر الفرنساوي تحرق
بالنار
المادة الثالثة كل قرية تطيع العسكر الفرنساوي ايضا تنصب
صنجاق السلطان العثماني محبنا دام بقاؤه
المادة الرابعة المشايخ في كل بلد يختمون حالا جميع
الارزاق والبيوت والاملاك التي تتبع المماليك وعليهم الاجتهاد التام لئلا يضيع
أدنى شيء منها
المادة الخامسة الواجب على المشايخ والعلماء والقضاة
الائمة انهم يلازمون وظائفهم وعلى كل احد من اهالي البلدان ان يبقى في مسكنه
مطمئنا وكذلك تكون الصلاة قائمة في الجوامع على العادة والمصريون بأجمعهم ينبغي ان
يشكروا الله سبحانه وتعالى لانقضاء دولة المماليك قائلين بصوت عالي ادام الله
اجلال السلطان العسكر الفرنساوي لعن الله المماليك وأصلح حال الامة المصرية
تحريرا بمعسكر اسكندرية في 13 شهر سيدور سنة 1213 من
اقامه الجمهور الفرنساوي يعني في آخر شهر محرم سنة هجرية اه بحروفه
وفي يوم الخميس الثاني والعشرين من الشهر وردت الاخبار
بان الفرنسيس وصلوا الى نواحي فوة ثم الى الرحمانية
واستهل شهر صفر سنة 1213 وفي يوم الاحد غرة شهر صفر وردت
الاخبار بأن في يوم الجمعة التاسع والعشرين من شهر محرم التقى العسكر
المصري مع الفرنسيس فلم تكن الا ساعة وانهزم مراد بك ومن
معه ولم يقع قتال صحيح وانما هي مناوشة من طلائع العسكرين بحيث لم يقتل الا القليل
من الفريقين واحترقت مراكب مراد بك بما فيها من الجبخانة والآلات الحربية واحترق
بها رئيس الطبجية خليل الكردل وكان قد قاتل في البحر قتالا عجيبا فقدر الله ان
علقت نار بالقلع وسقط منها نار الى البارود فاشتعلت جميعها بالنار واحترقت المركب
بما فيه من المحاربين وكبيرهم وتطايروا في الهواء فلما عاين ذلك مراد بك داخله
الرعب وولى منهزم وترك الاثقال والمدافع وتبعته عساكره ونزلت المشاة في المراكب
ورجعوا طالبين مصر ووصلت الاخبار بذلك الى مصر فاشتد انزعاج الناس وركب ابراهيم بك
الى ساحل بولاق وحضر الباشا والعلماء ورؤوس الناس وأعملوا رأيهم في هذا الحادث
العظيم فاتفق رأيهم على عمل متاريس من بولاق الى شبرا ويتولى الاقامة ببولاق
ابراهيم بك وكشافه ومماليكه وقد كانت العلماء عند توجه مراد بك تجتمع بالازهر كل
يوم ويقرأو البخارى وغيره من الدعوات وكذلك مشايخ فقراء الأحمدية والرفاعية والبراهمة
والقادرية والسعدية وغيرهم من الطوائف وارباب الاشاير ويعملون لهم مجالس بالازهر
وكذلك اطفال المكاتب ويذكرون الاسم اللطيف وغير من الاسماء
وفي يوم الاثنين حضر مراد بك الى برانبابة وشرع في عمل
متاريس هناك ممتدة الى بشتيل وتولى ذلك هو وصناجقة وامراؤه وجماعة من خشداشينه واحتفل
في ترتيب ذلك وتنظيمه بنفسه هو وعلي باشا الطرابلسي ونصوح باشا واحضروا المراكب
الكبار والغلايين التي أنشأها بالجيزة واوقفها على ساحل انبابة وشحنها بالعساكر
والمدافع فصار البر الغربي والشرقي مملوئين بالمدافع والعساكر والمتاريس والخيالة
والمشاة ومع ذلك فقلوب الامراء لم تطمئن بذلك فانهم من حين وصول الخبر لهم من
الاسكندرية شرعوا في نقل امتعتهم من البيوت الكبار المشهورة المعروفة
الى البيوت الصغار التي لا يعرفها احدوا ستمروا طول
الليالي ينقلون الامتعة ويوزعونها عند معارفهم وثقاتهم وأرسلوا البعض منها لبلاد
الارياف وأخذوا ايضا في تشهيل الاحمال واستحضار دواب للشيل وادوات الارتحال فلما
رأى اهل البلدة منهم ذلك داخلهم الخوف الكثير والفزع واستعد الاغنياء واولوا
المقدرة للهروب ولولا ان الامراء منعوهم من ذلك وزجروهم وهددوا من اراد النقلة لما
بقى بمصر منهم احد
وفي يوم الثلاثاء نادوا بالنفير العام وخروج الناس
للمتاريس وكرروا المناداة بذلك كل يوم فاغلق الناس الدكاكين والاسواق وخرج الجميع لبر
بولاق قكانت كل طائفة من طوائف أهل الصناعات يجمعون الدراهم من بعضهم وينصبون لهم
خياما او يجلسون في مكان خرب او مسجد ويرتبون لهم فيما يصرف عليهم ما يحتاجون له
من الدراهم التي جمعوها من بعضهم وبعض الناس يتطوع بالانفاق على البعض الآخر ومنهم
من يجهز جماعة من المغاربة والشوام بالسلاح والاكل وغير ذلك بحيث ان جميع الناس
بذلوا وسعهم وفعلوا ما في قوتهم وطاقتهم وسمحت نفوسهم بانفاق أموالهم فلم يشح في
ذلك الوقت احد بشيء يملكه ولكن لم يسعفهم الدهر وخرجت الفقراء وارباب الاشاير
بالطبول والزمور واعلام والكاسات وهم يضجون ويصيحون ويذكرن باذكار مختلفة وصعد
السيد عمر افندي نقيب الاشراف الى القلعة فأنزل منها بيرقا كبيرا سمته العامة
البيرق النبوي فنشره بين يديه من القلعة الى بولاق وامامه وحوله الوف من العامة بالنبابيت
والعصي يهللون ويكبرون ويكثرون من الصياح ومعهم الطبول والزمور وغير ذلك وأما مصر
فانها باقية خالية الطرق لا تجد بها احدا سوى النساء في البيوت والصغار وضعفاء
الرجال الذين لا يقدرون على الحركة فانهم مستترون مع النساء في بيوتهم والاسواق
مصفرة والطرق مجفرة من عدم الكنس والرش وغلا سعر البارود والرصاص بحيث بيع الرطل
البارود بستين نصفا والرصاص بتسعين وغلا جنس انواع السلاح
وقل وجوده وخرج معظم الرعايا بالنبابيت والعصي والمساوق
وجلس مشايخ العلماء بزاوية علي بك ببولاق يدعون ويبتهلون الى الله بالنصر واقام
غيرهم من الرعايا البعض بالبيوت والبعض بالزوايا والبعض بالخيام
ومحصل الأمر أن جميع من بمصر من الرجال تحول الى بولاق وأقام
بها من حين نصب ابراهيم بك العرضي هناك الى وقت الهزيمة سوى القليل من الناس الذي
لا يجدون لهم مكانا ولا ماوى فيرجعون الى بيوتهم يبيتون بها ثم يصيحون الى بولاق
وأرسل ابراهيم بك الى العربان المجاورة لمصر ورسم لهم أن يكونوا في المقدمة بنواحي
شبرا وما والاها وكذلك اجتمع عند مراد بك الكثير من عرب البحيرة والجيزة والصعيد
والخبيرية والقيعان وأولاد علي والهنادي وغيرهم وفي كل يوم يتزايد الجمع ويعظم
الهول ويضيق الحال بالفقراء الذين يحصلون أقواتهم يوما فيوما لتعطيل الاسباب
واجتماع الناس كلهم في صعيد واحد وانقطعت الطرق وتعدى الناس بعضهم على بعض لعدم
التفات الحكام واشتغالهم بما دهمهم
وأما بلاد الارياف فانها قامت على ساق يقتل بعضهم بعضا
وينهب بعضهم بعضا وكذلك العرب غارت على الاطراف والنواحي وصار قطر مصر من أوله الى
آخره في قتل ونهب واخافة طريق وقيام شر واغارة على الاموال وافساد المزارع وغير ذلك
من انواع الفساد الذي لا يحصى وطلب أمراء مصر التجار من الافرنج بمصر فحبسوا بعضهم
بالقلعة وبعضهم بأماكن الامراء وصاروا يفتشون في محلات الافرنج على الاسلحة وغيرها
وكذلك يفتشون بيوت النصارى الشوام والاقباط والاروام والكنائس والاديرة على
الاسلحة والعامة لا ترضى الا ان يقتلوا النصارى واليهود فيمنعهم الحكام عنهم ولولا
ذلك المنع لقتلتهم العامة وقت الفتنة ثم في كل يوم تكثر الاشاعة بقرب الفرنسيس الى
مصر وتختلف الناس في الجهة التي يقصدون المجيء منها فمنهم من يقول انهم واصلون من
البر الغربي ومنهم من يقول بل يأتون من الشرقي ومنهم من يقول بل يأتون من الجهتين
هذا وليس لاحد من امراء العساكر همة ان يبعث جاسوسا أو طليعة تناوشهم بالقتال قبل
دخولهم وقربهم ووصولهم الى فناء المصر بل كل من ابراهيم
بك ومراد بك جمع عسكره ومكث مكانه لا ينتقل عنه ينتظر ما يفعل بهم وليس ثم قلعة
ولا حصن ولا معقل وهذا من سوء التدبير واهمال أمر العدو
ولما كان يوم الجمعة سادس الشهر وصل الفرنسيس الى الجسر
الاسود واصبح يوم السبت فوصلوا الى أم دينار فعندها اجتمع العالم العظيم من الجند والرعايا
والفلاحين المجاورة بلادهم لمصر ولكن الاجناد متنافرة قلوبهم منحلة عزائمهم مختلفة
آراؤهم حريصون على حياتهم وتنعمهم ورفاهيتهم مختالون في رئيسهم مغترون بجمعهم
محتقرون شأن عدوهم مرتبكون في رويتهم مغمورون في غفلتهم وهذا كله من أسباب ما وقع
من خذلانهم وهزيمتهم وقد كان الظن بالفرنسيس ان يأتوا من البرين بل أشيع في عرضي
ابراهيم بك انهم قادمون من الجهتين فلم يأتوا الا من البر الغربي
ولما كان وقت القائلة ركب جماعة من العساكر التي بالبر
الغربي وتقدموا الى ناحية بشتيل بلد مجاورة لانبابة فتلاقوا مع مقدمة الفرنسيس
فكروا عليهم بالخيول فضربهم الفرنسيس ببنادقهم المتتابعة الرمي وابلى الفريقان
وقتل أيوب بك الدفتردار وعبد الله كاشف الجرف وعدة كثير من كشاف محمد بك الالفي
ومماليكهم وتبعهم طابور من الافرنج في نحو الستة آلاف وكبيره ويزه الذي ولى علي
الصعيد بعد تملكهم وأما بونابارته الكبير فإنه لم يشاهد الواقعة بل حضر بعد
الهزيمة وكان بعيدا عن هؤلاء بكثير ولما قرب طابور الفرنسيس من متاريس مراد بك
ترامى الفريقان بالمدافع وكذلك العساكر المحاربون البحرية وحضر عدة وافرة من عساكر
الارنؤد من دمياط وطلعوا الى انبابة وانضموا الى المشاة وقاتلوا معهم في المتاريس فلما
غاين وسمع عسكر البر الشرقي القتال ضج العامة والغوغاء من الرعية واخلاط الناس
بالصياح ورفع الاصوات بقولهم يا رب ويا لطيف ويا رجال الله ونحو ذلك وكأنهم
يقاتلون ويحاربون بصياحهم وجلبتهم فكان
العقلاء من الناس يصرخون عليهم ويأمرونهم بترك ذلك
ويقولون لهم ان الرسول والصحابة والمجاهدين انما كانوا يقاتلون بالسيف والحراب
وضرب الرقاب لا برفع الاصوات والصراخ النباح فلا يستمعون ولا يرجعون عما هم فيه
ومن يقرأ ومن يسمع وركب طائفة كبيرة من الامراء والاجناد من العرض الشرقي ومنهم
ابراهيم بك الوالي وشرعوا في التعدية الى البر الغربي في المراكب فتزاحموا على
المعادي لكون التعدية من محل واحد والمراكب قليلة جدا فلم يصلوا الى البر الاخر
حتى وقعت الهزيمة به على المحاربين هذا والريح النكباء اشتد هبوبها وأمواج البحر
في قوة اضطرابها والرمال يعلو غبارها وتنسفها الريح في وجوه المصريين فلا يقدر أحد
ان يفتح عينيه من شدة الغبار وكون الريح من ناحية العدو وذلك من أعظم أسباب
الهزيمة كما هو منصوص عليه
ثم ان الطابور الذي تقدم لقتال مراد بك انقسم على كيفية
معلومة عندهم في الحرب وتقارب من المتاريس بحيث صار محيطا بالعسكر من خلفة وامامه
ودق طبوله وأرسل بنادقه المتتالية والمدافع واشتد هبوب الريح وانعقد الغبار وأظلمت
الدنيا دخان البارود وغبار الرياح وصمت الاسماع من توالي الضرب بحيث خيل للناس ان
الارض تزلزلت والسماء عليها سقطت واستمر الحرب والقتال نحو ثلاث أرباع ساعة ثم
كانت هذه الهزيمة على العسكر الغربي فغرق الكثير من الخيالة في البحر لاحاطة العدو
بهم وظلام الدنيا والبعض وقع اسيرا في أيدي الفرنسيين وملكوا المتاريس وفر مراد بك
ومن معه الى الجيزة فصعد الى قصره وقضى بعض أشغاله في نحو ربع ساعة ثم ركب وذهب
الى الجهة القبلية وبقيت القتلى والثياب والامتعة والاسلحة والفرس ملقاة على الارض
ببرانبابة تحت الارجل وكان من جملة من ألقى نفسه في البحر سليمان بك المعروف
بالاغا وأخوه ابراهيم بك الوالي فاما سليمان بك فنجا وغرق ابراهيم بك الصغير وهو
صهر ابراهيم بك الكبير ولما انهزم العسكر الغربي حول
الفرنسيس المدافع والبنادق على البر الشرقي وضربوها وتحقق
أهل البر الآخر الهزيمة فقامت فيهم ضجة عظيمة وركب في الحال ابراهيم بك والباشا
والامراء والعسكر والرعايا وتركوا جميع الاثقال والخيام كما هي لم يأخذوا منها
شيئا فأما ابراهيم بك والباشاوالامراء فساروا الى جهاةالعادلية وأما الرعايا
فهاجوا وماجوا ذاهبين الى جهة المدينة ودخلوها افواجا افواجا وهم جميعا في غاية
الخوف والفزع وترقب الهلاك وهم يضجون بالعويل والنحيب ويبتهلون الى الله من شهر
هذا اليوم العصيب والنساء يصرخن بأعلى اصواتهن من البيوت وقد كان ذلك قبل الغروب
فلما استقر ابراهيم بك بالعادلية أرسل يأخذ حريمه وكذلك من كان معه من الامراء
فاركبوا النساء بعضهن على الخيول وبعضهن على البغال والبعض على الحمير والجمال
والبعض ماش كالجواري والخدم واستمر معظم الناس طول الليل خارجين من مصر البعض
بحريمه والبعض ينجو بنفسه ولا يسأل احد عن أحد بل كل واحد مشغول بنفسه عن ابيه وابنه
فخرج تلك الليلة معظم أهل مصر البعض لبلاد الصعيد والبعض لجهة الشرق وهم الاكثر
وأقام بمصر كل مخاطر بنفسه لا يقدر على الحركه ممتثلا للقضاء متوقعا للمكروه وذلك
لعدم قدرته وقلة ذاته يده وما ينفقه على حمل عياله واطفاله ويصرفه عليهم في الغربة
فاستسلم للمقدور ولله عاقبة الامور والذي أزعج قلوب الناس بالاكثر ان في عشاء تلك
الليلة شاع في الناس ان الافرنج عدوا الى بولاق واحرقوها وكذلك الجيزة وان اولهم
وصل الى باب الحديد يحرقون ويقتلون ويفجرون بالنساء وكان السبب في هذه الاشاعة ان
بعض القلينجية من عسكر مراد بك الذي كان في الغليون بمرسي انبابة لما تحقق الكسرة
أضرم النار في الغليون الذي هو فيه وكذلك مراد بك لما رحل من الجيزة أمر بانجرار الغليون
الكبير من قبالة قصره ليصحبه معه الى جهة قبلي فمشوا به قليلا ووقف لقلة الماء في
الطين وكان به
عدة وافرة من آلات الحرب والجبخانة فأمر بحرقه ايضا فصعد
لهيب النار من جهة الجيزة بولاق ظنوا بل أيقنوا انهم أحرقوا البلدين فماجوا
واضطربوا زيادة عما هم فيه من الفزع والروع والجزع وخرج اعيان الناس وافندية
الوجاقات واكابرهم ونقيب الاشراف وبعض المشايخ القادرين فلما عاين العامة والرعية
ذلك اشتد ضجرهم وخوفهم وتحركت عزائمهم للهروب واللحاق بهم والحال ان الجميع لا
يدرون أي جهة يسلكون وأي طريق يذهبون وأي محل يستقرون فتلاحقوا وتسابقوا وخرجوا من
كل حدب ينسلون وبيع الحمار الاعرج او البغل الضعيف باضعاف ثمنه وخرج اكثرهم ماشيا
او حامل متاعه على رأسه وزوجته حاملة طفلها ومن قدر عل مركوب أركب زوجته او ابنته ومشى
هو على اقدامه وخرج غالب النساء ماشيات حاسرات وأطفالهم على اكتافهن يبكين في ظلمة
الليل واستمروا على ذلك بطول ليلة الاحد وصبحها وأخذ كل انسان ما قدر على حمله من
مال ومتاع فلما خرجوا من أبواب البلد وتوسطوا الفلاة تلقتهم العربان والفلاحون
فأخذوا متاعهم ولباسهم وأحمالهم بحيث لم يتركوا لمن صادفوه ما يستر به عورته أو
يسد جوعته فكان ما أخذته العرب شيئا كثيرا يفوق الحصر بحيث ان الاموال والذخائر التي
خرجت من مصر في تلك الليلة أضعاف ما بقي فيها بلا شك لان معظم الاموال عند الامراء
والاعيان وحريمهم وقد أخذوه صحبتهم وغالب مساتير الناس واصحاب المقدرة أخرجوا ايضا
ما عندهم والذي أقعده العجز وكان عنده ما يعز عليه من مال أو مصاغ أعطاه لجاره او
صديقه الراحل ومثل ذلك أمانات وودائع الحجاج من المغاربة والمسافرين فذهب ذلك
جميعه وربما قتلوا من قدروا عليه أو دافع عن نفسه ومتاعه وسلبوا ثياب النساء
وفضحوهن وهتكوهن وفيهم الخوندات والاعيان فمنهم من رجع من قريب وهم الذين تأخروا
في الخروج وبلغهم ما حصل للسابقين ومنهم من جازف متكلا عل كثرته
وعزوته وخفارته فسلم او عطب وكانت ليل وصباحها في غاية
الشناعة جرى فيها ما لم يتفق مثله في مصر ولا سمعنا بما شابه بعضه في تواريخ
المتقدمين فما راء كمن سمعا ولما أصبح يوم الاحد المذكور والمقيمون لا يدرون ما
يفعل بهم ومتوقعون حلول الفرنسيس ووقوع المكروه ورجع الكثير من الفارين وهم في
أسوأ حال من العري والفزع فتبين ان الافرنج لم يعدو الى البر الشرقي وان الحريق
كان في المراكب المتقدم ذكرها فاجتمع في الازهر بعض العلماء والمشايخ وتشاوروا
فاتفق رأيهم على أن يرسلوا مراسلة الى الافرنج ينتظروا ما يكون من جوابهم ففعلوا
ذلك وأرسلوها صحبة شخص مغربي يعرف لغتهم وآخر صحبته فغابا وعادا فاخبرا انهما
قابلا كبير القوم وأعطياه الرسالة فقرأها عليه ترجمانة ومضمونها الاستفهام عن
قصدهم فقال على لسان الترجمان وأين عظماؤكم ومشايخكم لم تأخروا عن الحضور الينا لنرتب
لهم ما يكون فيه الراحة وظمنهم وبش في وجوههم فقالوا نريد أمانا منكم فقال أرسلنا
لكم سابقا يعنون الكتاب المذكور فقالوا وايضا لاجل اطمئنان الناس فكتبوا لهم ورقة
اخرى مضمونها من معسكر الجيزة خطاب لاهل مصر اننا أرسلنا لكم في السابق كتابا فيه
الكفاية وذكرنا لكم اننا حضرنا إلا بقصد ازالة المماليك الذين يستعملون الفرنساوية
بالذل والاحتقار وأخذ مال التجار ومال السلطان ولما حضرنا الى البر الغربي خرجوا
الينا فقابلناهم بما يستحقونه وقتلنا بعضهم وأسرنا بعضهم ونحن في طلبهم حتى لم يبق
احد منهم بالقطر المصري وأما المشايخ والعلماء وأصحاب المرتبات والرعية فيكونوا مطمئنين
وفي مساكنهم مرتاحين إلى آخر ما ذكرته ثم قال لهم لا بد ان المشايخ والشربجية
يأتون الينا لنرتب لهم ديوانا ننتخبه من سبعة اشخاص عقلاء يدبرون الامور ولما رجع
الجواب بذلك اطمأن الناس وركب الشيخ مصطفى الصاوي والشيخ سليمان الفيومي وآخرون
الى الجيزة فتلقاهم وضحك
لهم وقال أنتم المشايخ الكبار فاعلموه ان المشايخ الكبار
خافوا وهربوا فقال لاي شيء يهربون اكتبوا لهم بالحضور ونعمل لكم ديوانا لاجل
راحتكم وراحة الرعية واجراء الشريعة فكتبوا منه عدة مكاتبات بالحضور والامان ثم
انفصلوا من معسكرهم بعد العشاء وحضروا الى مصر واطمأن برجوعهم الناس وكانوا في وجل
وخوف على غيابهم وأصبحوا فأرسلوا الامان الى المشايخ فحضر الشيخ السادات والشيخ
الشرقاوي والمشايخ ومن انضم اليهم من الناس الفارين من ناحيةالمطرية وأما عمر
افندي نقيب الاشراف فانه لم يطمئن ولم يحضر وكذلك الروزنامجي والافندية وفي ذلك
اليوم اجتمعت الجعيدية واوباش الناس ونهبوا بيت ابراهيم بك ومراد بك اللذين بخطة
قوصون وأحرقوهما ونهبوا ايضا عدة بيوت من بيوت الامراء وأخذوا ما فيها من فرش
ونحاس وامتعة وغير ذلك وباعوه بأبخس الأثمان
وفي يوم الثلاثاء عدت الفرنساوية الى بر مصر وسكن
بونابارته ببيت محمد بك الالفي بالازبكية بخط الساكت الذي أنشأه الامير المذكور في
السنة الماضية وزخرفه وصرف عليه اموالا عظمية وفرشه بالفرش الفاخرة وعند تمامه وسكناه
فيه حصلت هذه الحاثة فأخلوه وتركوه بما فيه فكأنه انما كان يبنيه لامير الفرنسيس
وكذلك حصل في بيت حسن كاشف جركس بالناصرية ولما عدى كبيرهم وسكن بالازبكية كما ذكر
استمر غالبهم بالبر الآخر ولم يدخل المدينة الا القليل منهم ومشوا في الاسواق من
غير سلاح ولا تعديل صاروا يضاحكون الناس ويشترون ما يحتاجون اليه بأغلى ثمن فيأخذ
أحدهم الدجاجة ويعطي صاحبها في ثمنها ريال فرانسة ويأخذ البيضة بنصف فضة قياسا على
اسعار بلادهم وأثمان بضائعهم فلما رأى منهم العامة ذلك أنسوا بهم وأطمأنوا لهم
وخرجوا اليهم بالكعك وأنواع الفطير والخبز والبيض والدجاج وانواع المأكولات وغير
ذلك مثل السكر والصابون والدخان والبن وصاروا يبيعون عليهم
بما أحبوا من الاسعار وفتح غالب السوقة الحوانيت
والقهاوي
وفي يوم الخميس ثالث عشر صفر ارسلوا بطلب المشايخ
والوجاقلية عند قائمقام صارى عسكر فلما استقر بهم الجلوس خاطبوهم وتشاوروا معهم في
تعيين عشرة انفار من المشايخ للديوان وفصل الحكومات
فوقع الاتفاق على الشيخ عبد الله الشرقاوي والشيخ خليل
البكري والشيخ مصطفى الصاوي والشيخ سليمان الفيومي والشيخ محمد المهدي والشيخ موسى
السرسي والشيخ مصطفى الدمنهوري والشيخ احمد العريشي والشيخ يوسف الشبرخيتي والشيخ
محمد الدواخلي وحضر ذلك المجلس ايضا مصطفى كتخدا بكر باشا والقاضي وقلدوا محمد اغا
المسلماني أغات مستحفظان وعلي أغا الشعراوي والى الشرطة وحسن اغا محرم امين احتساب
وذلك باشارة أرباب الديوان فانهم كانوا ممتنين من تقليد المناصب لجنس المماليك فعرفوهم
ان سوقة مصر لا يخافون الا من الاتراك ولا يحكمهم سواهم وهؤلاء المذكورون من بقايا
البيوت القديمة الذين لا يتجاسرون على الظلم كغيرهم وقلدوا ذا الفقار كتخدا محمد
بك كتخدا بونابارته ومن ارباب المشورة الخواجا موسى كانوا وكلاء الفرنساوي ووكيل
الديوان حنا بينو
وفيه اجتمع أرباب الديوان عند رئيسه فذكر لهم ما وقع من
نهب البيوت فقالوا له هذا فعل الجعيدية وأوباش الناس فقال لأي شيء يفعلون ذلك وقد
أوصيناكم بحفظ البيوت والختم عليها فقالوا هذا أمر لا قدرة لنا على منعه وانما ذلك
من وظيفة الحكام فأمروا الاغا والوالي ان ينادوا بالامان وفتح الدكاكين والاسواق والمنع
من النهب فلم يسمعوا ولم ولم ينتهوا واستمر غالب الدكاكين والاسواق معطلة والناس
غير مطمئنين وفتح الفرنسيس بعض البيوت المغلوقة التي للامراء ودخلوها وأخذوا منها
اشياء وخرجوا وتركوها مفتوحة فعند ما يخرجون منها يدخلها طائفة الجعيدية ويستأصلون
ما فيها واستمروا على ذلك عدة ايام ثم
انهم تتبعوا بيوت الامراء وأتباعهم وختموا على بعضها
وسكنوا بعضها فكان الذي يخاف على داره من جماعة الوجاقلية او من اهل البلد يعلق له
بنديرة على باب داره أو يأخذ له ورقة من الفرنسيس بخطهم يلصقها على داره
وفيه قلدوا برطلمين النصراني الرومي وهو الذي تسميه
العامة فرط الرمان كتخدا مستحفظان وركب بموكب من بيت صارى عسكر وامامه عدة من
طوائف الاجناد والبطالين مشاة بين يده وعلى رأسه حشيشة من الحرير الملون وهو لابس
فروة بزعادة وبين يديه الخدم بالحراب المفضضة ورتب له بيوك باشي وقلقات عينوا لهم
مراكز باخطاط البلد يجلسون بها وسكن المذكور ببيت يحيى كاشف الكبير بحارة عابدين
اخذه بما فيه من فر ومتاع وجواري وغير ذلك والمذكور من أسافل نصارى الاروام
العسكرية القاطنين بمصر وكان من الطبجية عند محمد بك الالفي وله حانوت بخط الموسكي
يبيع فيه القوارير الزجاج ايام البطالة وقلدوا ايضا شخصا افرنجيا وجعلوه أمين
البحرين واخر جعلوه اغات الرسالة وجعلوا الديوان ببيت قائد اغا بالازبكية قرب
الرويعي وسكن به رئيس الديوان وسكن روتوي قائمقام مصر ببيت ابراهيم بك الوالي
المطل على بركة الفيل وسكن شيخ البلد ببيت ابراهيم بك الكبير وسكن مجلون ببيت مراد
بك على رصيف الخشاب وسكن بوسليك مدير الحدود ببيت الشيخ البكري القديم ويجتمع عنده
النصارى القبط كل يوم طلبوا الدفاتر من الكتبة ثم ان عساكرهم صارت تدخل المدينة
شيئا فشيئا حتى امتلأت منها الطرقات وسكنوا في البيوت ولكن لم يشوشوا على أحد
ويأخذون المشتروات بزيادة عن ثمنها ففجر السوقة وصغروا اقراص الخبز وطحنوه بترابه وفتح
الناس عدة دكاكين بجواره ساكنهم يبيعون فيها اصناف المأكولات مثل الفطير والكعك
والسمك المقلي واللحوم والفراخ المحمرة وغير ذلك وفتح نصارى الاورام عدة دكاكين
لبيع انواع
الاشربة وخمامير وقهاوي وفتح بعض الافرنج البلديين بيوتا
يصنع فيها انواع الاطعمة والاشربة على طرائفهم في بلادهم فيشتري الاغنام والدجاج
والخضارات والاسماك والعسل والسكر وجميع اللوازم ويطبخه الطباخون ويصنعون انواع
الاطعمة والحلاوت ويعمل على بابه علامة لذلك يعرفونها بينهم فاذا مرت طائفة بذلك
المكان تريد الاكل دخلوا الى ذلك المكان وهو يشتمل على عدة مجالس دون واعلى وعلى
كل مجلس علامته ومقدار الدراهم التي يدفعها الداخل فيه فيدخلون الى ما يريدون من
المجالس وفي وسطه دكة من الخشب وهي الخوان التي يوضع عليها الطعام وحولها كراسي فيجلسون
عليها ويأتيهم الفراشون بالطعام على قوانينهم فيأكلون ويشربون على نسق لا يتعدونه
وبعد فراغ حاجتهم يدفعون ما وجب عليهم من غير نقص ولا زيادة ويذهبون لحالهم
وفيه تشفع أرباب الديوان في أسرى المماليك فقبلوا شفاعتهم
وأطلقوهم فدخل الكثير منهم الى الجامع الازهر وهم في أسوأ حال وعليهم الثياب الزرق
المقطعة فمكثوا به يأكلون من صدقات الفقراء المجاورين به ويتكففون المارين وفي ذلك
عبرة للمعتبرين
وفي يوم السبت اجتمعوا بالديوان وطلبوا دراهم سلفة وهي
مقدار خمسمائة ألف ريال من التجار المسلمين والنصارى القبط والشوام وتجار الافرنج
ايضا فسالوا التخفيف فلم يجابوا فاخذوا في تحصيلها
وفيه نادوا من أخذ شيئا من نهب البيوت يحضر به الى بيت
قائمقام وان لم يفعل وظهر بعد ذلك حصل له مزيد الضرر ونادوا ايضا على نساء الامراء
بالامان وانهن يسكن بيوتهن وان كان عندهن شيء من متاع أزواجهن يظهرنه فان لم يكن
عندهن شيء من متاع أزواجهن يصالحن على أنفسهن ويأمن في دورهن فظهرت الست نفيسة
زوجة مراد بيك وصالحت عن نفسها واتباعها من نساء الامراء والكشاف بمبلغ قدره مائة
وعشرون
ألف ريال فرانسا وأخذت في تحصيل ذلك من نفسها وغيره ووجهوا
عليها الطلب وكذلك بقية النساء بالوسائط المتداخلين في ذلك كنصارى الشوام والافرنج
البلدين وغيرهم فصاروا يعملون عليهن ارصاهات وتخويفات وكذلك مصالحات على الغز
والاجناد المختفين والغائبين والفارين فجمعوا بذلك اموالا كثيرة وكتبوا للغائبين
اوراقا بالامان بعد المصالحه ويختم على تلك الاوراق المتقيدون بالديوان
وفي يوم الاحد طلبوا الخيول والجمال والسلاح فكان شيئا
كثيرا وكذلك الابقار والاثوار فحصل فيها ايضا مصالحات واشاعوا التفتيش على ذلك
وكسروا عدة دكاكين بسوق السلاح وغيره واخذوا ما وجدوه فيها من الاسلحة هذا وفي كل
يوم ينقلون على الجمال والحمير من الامتعة والفرش والصناديق والسروج وغير ذلك مما
لا يحصى ويستخرجون الخبايا والودائع ويطلبون البنائين والمهندسين والخدام الذين
يعرفون بيوت اسيادهم بل يذهبون بانفسهم ويدلونهم على اماكن الخبايا ومواضع الدفائن
ليصير لهم بذلك قربة ووجاهة ووسيلة ينالون بها غراضهم
وفيه قبضوا على شيخ الجعيدية ومعه آخر وبندقوا عليهما
بالرصاص ببركة الازبكية ثم على اخرين ايضا بالرميلة وأحضر النهابون أشياء كثيرة من
الامتعة التي نهبوها عند ما داخلهم الخوف ودل على بعضهم البعض
وفي يوم الثلاثاء طلبوا أهل الحرف من التجار بالاسواق
وقرروا عليهم دراهم على سبيل القرض والسلفة مبلغا يعجزون عنه واجلوا لها اجلا
مقداره ستون يوما فضحوا واستغاثوا وذهبوا الى الجامع الازهر والمشهد الحسيني
وتشفعوا بالمشايخ فتكلموا لهم ولطفوها الى نصف المطلوب ووسعوا لهم في ايام المهلة
وفيه شرعوا في تكسير ابواب الدروب والبوابات النافذة
وخرج عدة من عساكرهم يخلعون ويقلعون ابواب الدروب والعطف والحارات
فاستمروا على ذلك عدة ايام وداخل الناس من ذلك وهم وخوف
شديد وظنوا ظنونا وحصل عندهم فساد مخيلة ووسوسة تجسمت في نفوسهم بالفاظ نطقوا بها
وتصوروا حقيقتها وتناقلوها فيما بينهم كقولهم ان عساكر الفرنسيس عازمون على قتل المسلمين
وهم في صلاة الجمعة ومنهم من يقول غير ذلك وذلك بعد ان كان حصل عندهم بعض اطمئنان
وفتحوا بعض الدكاكين فلما حصلت هاتان النكتتان انكمش الناس ثانيا وارتجفت قلوبهم
وفي عشرينه حضرت مكاتب الحجاج من العقبة فذهب ارباب
الديوان الى باش العسكر واعلموه بذلك وطلبوا منه امانا لامير الحاج فامتنع وقال لا
أعطيه ذلك ألا بشرط أن يأتي في قلة ولا يدخل معه مماليك كثيرة ولا عسكر فقالوا له
ومن يوصل الحجاج فقال لهم انا ارسل لهم اربعة آلاف من العسكر يوصولونهم الى مصر
فكتبوا لامير الحاج مكاتبة بالملاطفة وانه يحضر بالحجاج الى الدار الحمراء وبعد
ذلك يحصل الخير فلم تصل اليهم الجوابات حتى كاتبهم ابراهيم بك يطلبهم للحضور الى
جهة بلبيس فتوجهوا على بلبيس وأقاموا هناك اياما وكان ابراهيم بك ومن معه ارتحل من
بلبيس الى المنصورة وأرسلوا الحريم الى القرين
وفي ثالث عشرينه خرجت طائفة من العسكر الفرنساوي الى جهة
العادلية وصار في كل يوم تذهب طائفة بعد اخرى ويذهبون الى جهة الشرق فلما كان ليل
الاربعاء خرج كبيرهم بونابارته وكانت أوائلهم وصلت الى الخانكة وأبى زعبل وطلبوا
كلفة من أبي زعبل فامتنعوا فقاتلوهم وضربوهم وكسروهم ونهبوا البلدة وأحرقوها
وارتحلوا الى بلبيس وأما الحجاج فانهم نزلوا ببلبيس واكترت حجاج الفلاحين مع العرب
فأوصلوهم الى بلادهم بالغربية والمنوفية والقليبونجية وغيرها وكذلك فعل الكثير من
الحجاج فتفرقوا في البلاد بحريمهم ومنهم من أقام ببلبيس واما امير
الحاج صالح بك فأنه لحق بإبراهيم بك وصحبته جماعة من
التجار وغيرهم
وفي ثامن عشرنيه ملك الفرنساوية مدينة بلبيس من غير قتال
وبها من بقي من الحجاج فلم يشوشوا عليهم وأرسلوها الى مصر وصحبتهم طائفة من
عساكرهم ومعهم طبل فلما كان ليلة الاحد غايته جاء الرائد الى الامراء بالمنصورة
وأخبرهم بوصول الافرنج وقربهم منهم فركبوا نصف الليل وترفعوا الى جهة القرين
وتركوا التجار واصحاب الاثقال فلما طلع النهار حضر إليهم جماعة من العربان واتفقوا
معهم على انهم يحملونهم الى القرين وحلفوا لهم وعاهدوهم على انهم لا يخونونهم فلما
توسطوا بهم الطريق نقضوا عهدهم وخانوهم ونهبوا حمولهم وتقاسموا متاعهم وعروهم من
ثيابهم وفيهم كبير التجار السيد احمد المحروقي وكان ما يخصه نحو ثلثمائة ألف ريال
فرانسة نقودا ومتجرا من جميع الأصناف الحجازية وصنعت العرب معهم مالا خير فيه
ولحقهم عسكر الفرنساوية فذهب السيد احمد المحروقي الى صارى عسكر وواجهه وصحبته
جماعة من العرب المنافقين فشكا له ما حل به وباخوانه فلامهم على تنقلهم وركونهم
الى المماليك والعرب ثم قبض على بي خشبة شيخ بلد القرين وقال له عرفني عن مكان
المنهوبات فقال أرسل معي جماعة الى القرين فأرسل معه جماعة دلهم على بعض الاحمال
فأخذها الافرنج ورفعوها ثم تبعوه الى محل آخر فأوهمهم انه يدخل ويخرج اليهم احمالا
كذلك فدخل وخرج من مكان آخر وذهب هاربا فرجع اولئك العسكر بجمل ونصف جمل لا غير
وقالوا هذا الذي وجدناه والرجل فر من أيدينا فقال صارى عسكر لا بد من تحصيل ذلك
فطلبوا منه الاذن في التوجه الى مصر فأصحب معهم عدة من عسكره أوصلوهم الى مصر
وامامهم طبل وهم في أسوأ حال وصحبتهم ايضا جماعة من النساء اللاتي كن خرجن ليلة
الحادثة وهن أيضا في اسوأ حالة تسكب عند مشاهدتهن العبرات
واستهل شهر ربيع الاول بيوم الاثنين سنة 1213
في ثانيه وصل الفرنساويه الى نواحي القرين وكان ابراهيم
بك ومن معه وصلوا الى الصالحية وأودعوا مالهم وحريمهم هناك وضمنوا عليها العربان
وبعض الجند فأخبر بعض العرب الفرنساوية بمكان الحملة فركب صارى عسكر واخذ معه
الخيالة وقصد الاغارة على الحملة وعلى ابراهيم بك بذلك ايضا فركب هو وصالح بك وعدة
من الامراء والمماليك وتحاربوا معهم ساعة أشرف فيها الفرنسيس على الهزيمة لكونهم
على الخيول واذا بالخبر وصل الى ابراهيم بك بان العرب مالوا على الحملة يقصدون
نهبها فعند ذلك فر بمن معه على أثره وتركوا قتال الفرنسيس ولحقوا بالعرب وجلوهم عن
متاعهم وقتلوا منهم عدة وارتحلوا الى قطيا ورجع صارى عسكر الى مصر وترك عدة من
عساكره متفرقين في البلاد فدخل مصر ليلا وذلك ليل الخميس رابعه
وفي يوم الجمعة خامسه الموافق لثالث عشر مسرى القبطي كان
وفاء الفيل المبارك فأمر صارى عسكر بالاستعداد وتزيين العقبة كالعادة وكذلك زينوا
عدة مراكب وغلايين ونادوا على الناس بالخروج الى النزهة في النيل والمقياس والروضة
على عادتهم وأرسل صحارى عسكر اوراقا لكتخدا الباشا والقاضي وأرباب الديوان وأصحاب
المشورة والمتولين للمناصب وغيرهم بالحضور في صبحها وركب صحبتهم بموكبه وزينته
وعساكره وطبوله وزموره الى قصر قنطرة السد وكسروا الجسر بحضرتهم وعملوا شنك مدافع
ونفوطا حتى جرى الماء في الخليج وركب وهم صحبته حتى رجع الى داره وأما أهل البلد
فلم يخرج منهم أحد تلك الليلة للتنزه في المراكب على العادة سوى النصارى الشوام والقبط
والأروام والافرنج البلديين ونسائهم وقليل من الناس البطالين حضروا في صبحها
وفيه تواترت الاخبار بحضور عدة مراكب من الانكليز الى
ثغر
الاسكندرية وانهم حاربوا مراكب الفرنساوية الراسية
بالمينا وكانت أشيعت هذه الاخبار قبل وتحدث الناس بها فصعب ذلك على الفرنساوية
واتفق ان بعض النصارى الشوام نقل عن رجل شريف يسمى السيد احمد الزر ومن أعيان
التجار بوكالة الصابون أنه تحدث بذلك فأمروا باحضاره وذكروا له ذلك فقال أنا حكيت ما
سمعته من فلان النصراني فأحضروه ايضا وامروا بقطع لسانيهما أو يدفع كل واحد منهما
مائة ريال فرانسة نكالا لهما وزجرا عن الفضول فيما لا يعنيهما فتشفغ المشايخ فلم
يقبلوا فقال بعضهم أطلقوهما ونحن نأتيكم بالدراهم فلم يرضوا فأرسل الشيخ مصطفى
الصاوي وأحضر مائتي ريال ودفعها في الحضرة فلما قبضها الوكيل ردها ثانيا اليه وقال
فرقها على الفقراء كما أشار وردها الى صاحبها فانكف الناس عن التكلم في شأن ذلك
والواقع ان الانكليز حضروا في أثرهم الى الثغر وحاربوا مراكبهم فنالوا منهم
واحرقوا لقايق الكبير المسمى بنصف الدنيا وكان به أموالهم وذخائرهم وكان مصفحا
بالنحاس الاصفر واستمر الانكليز بمراكبهم بميناء الاسكندرية يغدون ويروحون يرصدون
الفرنسيس وفي ذلك اليوم سافر عدة من عساكرهم الى بحري والى الشرقية ولما جرى الماء
في الخليج منعوا دخول الماء الى بركة الازبكية وسدوا قنطرة الدكة بسبب وطاقهم ومدافعهم
وآلتهم التي فيها
وفيه سأل صارى عسكر عن المولد النبوي ولماذا لم يعملوه
كعادتهم فاعتذر الشيخ البكري بتعطيل الامور وتوقف الاحوال فلم يقبل وقال لا بد من
ذلك وأعطى له ثلثمائة ريال فرانسا معاونة وامر بتعلق تعاليق واحبال وقناديل واجتمع
الفرنساوية يوم المولد ولعبوا ميادينهم وضربوا طبولهم ودبادبهم وأرسل الطبلخانة
الكبيرة الى بيت الشيخ البكري واستمروا يضربونها بطول النهار والليل بالبركة تحت
داره وهي عبارة عن طبلات كبار مثل طبلات النوبة التركية وعدة آلات ومزامير مخلفة
الاصوات مطربة وعملوا في الليل حراقة نفوط مختلفة
وسواريخ تصعد في الهواء
وفي ذلك اليوم ألبس الشيخ خليل البكري فروة وتقلد نقابة
الاشراف ونودي في المدينة بان كل من كان له دعوى على شريف فليرفعها الى النقيب
وفيه ورد الخبر بأن ابراهيم بك والامراء المصرية استقروا
بغزة
وفي خامس عشرة سافر عدة كبيرة من عسكر الفرنساوية الى
جهة الصعيد وكبيرهم ديزة وصحبتهم يعقوب القبطي ليعرفهم الامور ويطلعهم على
المخباءات
وفيه حضر القاصد الذي كان أرسله كبير الفرنساوية
بمكاتبات وهدية الى أحمد باشا الجزار بعكا وذلك عند استقرارهم بمصر وصحبته أنفار
من النصارى الشوام في صفة تجار ومعهم جانب أرز ونزلوا من ثغر دمياط في سفينة من
سفائن أحمد باشا فلما وصلوا الى عكا وعلم بها احمد باشا أمر بذلك الفرنساوي فنقلوه
الى بعض التقارير ولم يواجهه ولم يأخذ منه شيئا وأمره بالرجوع من حيث أتى وعوق
عنده نصارى الشوام الذين كانوا بصحبته
وفيه حضر جماعة من عسكر الفرنساوية الى بيت رضوان كاشف
بباب الشعرية وصحبتهم ترجمان ومهندس فانزعجت زوجته وكانت قبل ذلك بأيام صالحت على
نفسها وبيتها بألف ريال وثلثمائة ريال وأخذت منهم ورقة ألصقتها على باب دارها وردت
ماكانت وزعته من المال والمتاع عند معارفها وأطمأنت فلما حضر اليها الجماعة
المذكورون قالوا لها بلغ صارى عسكران عندك اسلحة وملابس للمماليك فانكرت ذلك
فقالوا لازم من التفتيش فقالت دونكم فطلعوا الى مكان وفتحوا مخبأة فوجدوا بها
أربعة وعشرين شروالا وبلكات وأمتعة وغير ذلك ووجدوا في أسفلها مخبأة أخرى بها عدة
كثيرة من الطبنجات والاسلحة والبنادق وصناديق بارود وغير ذلك فاستخرجوا جميع ذلك
ثم نزلوا الى تحت السلالم
وفجروا الارض وأخرجوا منها دراهم كثيرة وحجاب ذهب في
داخله دنانير ثم أنزلوا صاحبة الدار ومعها جارية بيضاء وأخذوهما مع الجواري السود
وذهبوا بهن فأقمن عندهم ثلاثة ايام ونهبوا ما وجدوه بالدار من فرش وأمتعة ثم قرروا
عليها أربعة آلاف ريال آخرى قامت بدفعها وأطلقوها رجعت الى دارها وبسبب هذه
الحادثة شددوا في طلب الاسلحة ونادوا بذلك وانهم بعد ثلاثة ايام يفتشون البيوت
وقال الناس ان هذه حيلة على نهب البيوت ثم بطل ذلك وحصل بينها وبين مباشرها القبطي
منافسة فذهب وأغرى بها ودل على ذلك
وفي عشرينه قلدوا مصطفى بك كتخدا الباشا على امارة الحاج
فحضروا الى المحكمة عند القاضي ولبس هناك الخلعة بحضرة مشايخ الديوان والتزم
بونابارته بتسهيل مهمات الحج وعمل محلا جديدا
وفيه سأل أصحاب الحصص الالتزام في التصرف في حصصهم
فطلبوا منهم حلوانا فلم يرتضوا بذلك فواعدهم لتمام التحرير والاملاء وقالوا كل من
كان له التزام وتقسيط ناطق باسمه يحضره ويمليه ففعلوا ذلك في عدة أيام
وفيه قدروا فرضة من المال على القرى والبلاد ونشروا بذلك
أوراقا وذكروا فيها انها تحسب من المال وقيدوا بذلك الصيارف من القبط
وفيه طلب صارى عسكر بونابارته المشايخ فلما استقروا عنده
نهض بونابارته من المجلس ورجع وبيده طيلسانات ملونة بثلاثة الوان كل طيلسان ثلاثة
عروض أبيض وأحمر وكحلي فوضع منها واحدا على كتف الشيخ الشرقاوي فرمى به الى الارض واستعفى
وتغير مزاجه ونزلوا في البلاد مثل الحكام يحبسون ويضربون ويشددون في الطلب وانتفع
لونه واحتد طبعه فقال الترجمان يا مشايخ انتم صرتم أحبابا لصارى عسكر وهو يقصد
تعظيمكم وتشريفكم بزيه وعلامته فان تميزتم بذلك عظمتكم العساكر والناس وصار لكم
منزلة في قولهم فقالوا
له لكن قدرنا يضيع عند الله وعند اخواننا من المسلمين
فاغتاظ لذلك وتكلم بلسانه وبلغ عنه بعض المترجمين انه قال عن الشيخ الشرقاوي انه
لا يصلح للرياسة ونحو ذلك فلاطفه بقية الجماعة واستعفوه من ذلك فقال ان لم يكن ذلك
فلازم من وضعكم الجوكار في صدروكم وهي العلامة التي يقال لها الوردة فقالوا
أمهلونا حتى نتروى في ذلك واتفقوا على اثني عشر يوما
وفي ذلك الوقت حضر الشيخ السادات باستدعاء فصادفهم
منصرفين فلما استقر به الجلوس بش له وضاحكه صارى عسكر ولاطفه في القول الذي يعربه
الترجمان واهدى له خاتم الماس وكلفه الحضور في الغد عنده وأحضر له جوكار أوثقه
بفراجته فسكت وسايره وقام وانصرف فلما خرج من عنده رفعه على ان ذلك لا يخل بالدين
وفي ذلك اليوم نادى جماعة القلقات على الناس بوضع
العلامات المذكورة المعروفة بالوردة وهي اشارة الطاعة والمحبة فانف غالب الناس من
وضعها وبعضهم رأى ان ذلك لا يخل بالدين اذ هو مكره وربما ترتب على عدم الامتثال
الضرر فوضعها ثم في عصر ذلك اليوم نادوا بابطالها من العامة والزموا بعض الاعيان
ومن يريد الدخول عندهم لحاجة من الحاجات بوضعها فكانوا يضعونها اذا حضرا عندهم
ويرفعونها اذا انفصلوا عنهم وذلك ايام قليلة وحصل ما يأتي ذكره فتركت
وفي اواخره كان انتقال الشمس لبرج الميزان وهو الاعتدال
الخريفي فشرع الفرنساويه في عمل عيدهم ببركة الازبكية وذلك اليوم كان ابتداء قيام
الجمهور ببلادهم فجعلوا ذلك اليوم عيدا وتاريخا فنقلوا اخشابا وحفروا حفرا وأقاموا
بوسط بركة الازبكية صاريا عظيما بآلة وبناء وردموا حوله ترابا كثيرا عاليا بمقدار
قامة وعملوا في أعلاه قالبا من الخشب محددا لاعلى مربع الاكان ولبسوا باقيه على
سمت القالب قماشا تخينا طلوه بالحمرة الجزعة وعملوا اسفله قاعدة نقشوا عليها
تصاوير سواد في بياض ووضعوا قبالة باب الهواء بالبركة
شبه بوابة كبيرة عالية من خشب مقفص وكسوها بالقماش المدهون مثل لون الصاري وفي
أعلى القوصرة طلاء ابيض وبه تصاوير بالأسود مصور فيه مثل حرب المماليك المصرية
معهم وهم في شبه المنهزمين بعضهم واقع على بعض وبعضهم متلفت الى خلف وعلى موازاة
ذلك من الجهة الاخرى بناحية قنطرة الدكة التي يدخل منها الماء الى البركة مثال
بوابة اخرى على غير شكلها لاجل حراقة البارود وأقاموا أخشابا كثيرة منتصبة مصطفة
منها الى البوابة الاخرى شبه الدائرة متسعة محيطة بمعظم قضاء البركة بحيث صار
عامود الصاري الكبير المنتصف المذكور في المركز وربطوا بين تلك الاخشاب حبالا
ممتدة وعلقوا بها صفين من القناديل وبين ذلك تماثيل لحراقة البارود ايضا وأقاموا
في عمل ذلك عدة أيام
واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الاربعاء سنة 1213 فيه وردت
الاخبار بان مراد بك ومن معه لما بلغه ورود الفرنسيس عليهم رجعوا الى جهة الفيوم
وان عثمان بك الاشقر عدى الى البر الشرقي وذهب من خلف الجبل الى استاذه ابراهيم بك
بغزة وخرج جماعة من الفرنساوية الى جهة الشرق ومعهم عدة جمال وأحمال فخرج عليهم
الغزو العرب الذين يصحبونهم فأخذوا منهم عدة جمال باحمالها ولم يلحقوهم
وفي ثالثه حضرت مكاتبة من ابراهيم بك خطابا للمشايخ
وغيرهم مضمونها انكم تكونون مطمئنين ومحافظين على انفسكم والرعية وان حضرة مولانا
السلطان وجه لنا عساكر وان شاء الله تعالى عن قريب نحضر عندكم فلما وردت تلك
المكاتبة وقد كان سأل عنها بونابارته فأرسلوها له وقرئت عليه فقال المماليك كذابون
ووافق ايضا انه حضر آغا رومي وكان معوقا بالاسكندرية فمر بالشارع وذهب لزيارة
المشهد الحسيني فشاهده الناس فاستغربوا هيئته وفرحوا برؤيته وقالوا هذا رسول الحي
حضر من عند السلطان بجواب للفرنسيس يأمرهم بالخروج من مصر
واختلفت رواياتهم وآراؤهم واخبارهم وتجمعوا بالمشهد
الحسيني وتبع بعضهم بعضا وصادف ذلك ان بونابارته في ذلك الوقت بلغه مما نقل وتناقل
بين الناس انه ورد مكتوب الى المشايخ ايضا وأخفوه فركب من فوره وحضر الى بيت الشيخ
السادات بالمشهد الحسيني وكان الوقت بعد الظهر فدخل على حين غفلة ولم يكن تقدم له
مجيء وهو في كبكبة وخيول كثيرة وعساكر فانزعج الشيخ وكان منحرف المزاج ونزل اليه
وهو لا يعرف السبب في مجيئه في مثل هذا الوقت على هذه الصورة فعندما شاهده سأله عن
ذلك المكتوب فقال لا علم لي بذلك ولم يكن بلغه الخبر ثم جلس مقدار ساعة وركب ومر
بعسكره وطوافيه من باب المشهد والناس قد كثر ازدحامهم بالجامع والخطة وهم يلغطون
ويخلطون فلما نظروه وشاهد هو جميعتهم داخله امر من ذلك فصاحوا باجمعهم وقالوا بصوت
عال الفاتحة فشخص اليهم وصار يسأل من معه عن ازدحامهم فلطفوا له القول وقالوا له
انهم يدعون لك وذهب الى داره وكانت نكتة غريبة وساعة اتفاقية عجيبة كاد ينشأ منها
فتنة
وفيه شرعوا في خلع البوابات والدروب غير النافذة ايضا
ونقلوا الجميع الى بركة الازبكية عند رصيف الخشاب والبوابة الكبيرة يقطعونها نصفين
ويرفعونها بالعتالين الى هناك فاجتمع من ذلك شيء كثير جدا وامتلأ من رصيف الخشاب
الى قريب وسط البركة
وفي يوم السبت حادي عشرة كان يوم عيدهم الموعود به
فضربوا في صبيحته مدافع كثيرة ووضعوا على كل قائم من الخشب بنديرة من بنديراتهم
الملونة وضربوا طبولهم واجتمعت عساكرهم بالبركة الخيالة والرجالة واصطفوا صفوفا
علىطرائقهم المعروفة بينهم ودعوا المشايخ وأعيان المسلمين والقبطة والشوام
فاجتمعوا ببيت صارى عسكر بونابارته وجلسوا حصة من النهار ولبسوا في ذلك اليوم
ملابس الافتخار ولبس المعلم جرجس الجوهري كركه بطرز قصب على اكتافها
الى أكمامها وعلى صدره شمسات قصب بازرار وكذلك فلتيوس
وتعمموا بالعمائم الكشميري وركبوا البغال الفارهة وأظهروا البشر والسرور في ذلك
اليوم الى الغاية ثم نزل عظماؤهم وصحبتهم المشايخ والقاضي وكتخدا الباشا فركبوا وذهبوا
عند الصاري الكبير الموضوع بوسط البركة وقد كانوا فرشوا في أسفله بسطا كثيرة ثم ان
العساكر لعبوا ميدانهم وعملوا هيئة حربهم وضربوا البنادق والمدافع فلما انقضى ذلك
اصطفت العساكر صفوفا حول ذلك الصاري وقرأ عليهم كبير قسوسهم ورقة بلغتهم لا يدري
معناها الاهم وكأنها كالوصية أو النصيحة أو الوعظ ثم قاموا وانفض الجمع ورجع صارى
عسكر الى داره فمد سماطا عظيما للحاضرين فلما كان عند الغروب أوقدوا جميع القناديل
التي على الحبال والتماثيل والاحمال التي على البيوت وعند العشاء عملوا حراقة
بارود وسواريخ ونفوط وشبه سواقي ودواليب من قار ومدافع كثيرة نحو ساعتين من الليل واستمرت
القناديل موقدة حتى طلع النهار ثم فكوا الحبال والتعاليق والتماثيل المصنوعة وبقيت
البوابة المقابلة لباب الهواء والصاري الكبير وتحته جماعة ملازمون الاقامة عنده
ليلا ونهار من عساكرهم لأنه شعارهم واشارة الى قيام دولتهم في زعمهم
وفي ثاني ليلة منه ركب كبيرهم الى بر الجيزة وسفر عساكر
الى الجهة التي بها مراد بك وكذلك الى جهة الشرقية ومعهم مدافع على عجل وفيه ارسل
دبوي قائممقام الى الست نفيسة وطلب منها احضار زوجة عثمان بك الطنبرجي فأرسلت الى
المشايخ تستغيث بهم فحضر اليها الشيخ محمد المهدي والشيخ موسى السرسي وقصدوا منعها
فلم يمكنهم فذهبوا صحبتها ونظروا في قصتها والسبب في طلبها انهم وجدوا رجلا فراشا
معه جانب دخان وبعض ثياب فقبضوا عليه وقرروه فأخبر انه تابعها وانها أعطته ذلك
ووعدته بالرجوع اليها لتسلمه شبكي دخان وفروة وخمسمائة محبوب ليوصل ذلك الى سيده
فهذا هو السبب في طلبها
فقالوا وأين الفراش فبعثوا لاحضاره وسألوها فانكرت ذلك بالمرة
فانتظروا حضور الفراش الى بعد الغروب فلم يحضر فقال لهم المشايخ دعوها تذهب الى
بيتها وفي غد تأتي وتحقق هذه القضية فقال دبوى نونو ومعناه بلغتهم النفي أي لا
تذهب فقالوا له دعها تذهب هي ونحن نبيت عوضا عنها فلم يرض ايضا وعالجوا في ذلك
بقدر طاقتهم فلما أيسوا تركوها ومضوا فباتت عندها في ناحية من البيت وصحبتها جماعة
من النساء المسلمات والنساء الافرنجيات فلما اصبح النهار ركب المشايخ الى كتخدا
الباشا والقاضي فركبا معا وذهبا الى بيت صاري عسكر الكبير فاحضرها وسلمها الى القاضي
ولم يثبت عليها شيء من هذه الدعوة وقرروا عليها ثلاثة آلاف ريال فرانسة وذهبت الى
بيت لها مجاور لبيت القاضي وأقامت فيه لتكون في حمايته
وفي يوم الخميس نادوا في الاسواق بان كل من كان عنده
بغلة يدهب بها الى بيت قائمقام ببركة الفيل ويأخذ ثمنها واذا لم يحضرها بنفسه تؤخذ
منه قهرا ويدفع ثلثمائة ريال فرانسا وكان احضرها باختياره يأخذ في ثمنها خمسين
ريالا قلت قيمتها او كثرت فغنم صاحب الخسيس وخسر صاحب النفيس ثم ترك ذلك وفيه
نادوا بوقود قناديل سهارى بالطرق والاسواق وان يكون على كل دار قنديل وعلى كل
ثلاثة دكاكين قنديل وان يلازموا الكنس والرش وتنظيف الطرق من العفوشات والقاذورات
وفيه نادوا على الاغراب من المغاربة وغيرهم والخدامين
والبطالين ليسافروا الى بلادهم وكل من وجد بعد ثلاثة ايام يستأهل الذي يجري عليه
وكرروا المناداة بذلك وأجلوهم بعدها أربعة وعشرين ساعة فذهبت جماعة من المغاربة
الى صارى عسكر وقالوا له ارنا طريقا للذهاب فان طريق البرغير مسلوكة والانكليز
واقفون بطريق البحر يمنعون المسافرين ولا نقدر على المقام في الاسكندرية من الغلاء
وعدم الماء بها فتركهم
وفيه جعلوا ابراهيم اغات المتفرقة المعمار قبطان السويس
وسافر معه انفار ببيرق فرنساوي فخرج عليهم العربان في الطريق فنهبوهم وقتلوا
ابراهيم اغا المذكور ومن بصحبته ولم يسلم منهم الا القليل وفيه أهمل آمر الديوان
الذي يحضره المشايخ ببيت قائد آغا فاستمروا آياما يذهبون فلم يأتهم أحد فتركوا
الذهاب فلم يطلبوا
وفيه شرعوا في ترتيب ديوان آخر وسموه محكمة القضايا
وكتبوا في شأن ذلك طومارا وشرطوا فيه شروطا ورتبوا فيه ستة أنفار من النصارى القبط
وستة أنفار من تجار المسلمين وجعلوا قاضيه الكبير ملطى القبطي الذي كان كاتبا عند
ايوب بك الدفتردار وفوضوا اليهم القضايا في امور التجار والعامة والمواريث
والدعاوي وجعلوا لذلك الديوان قواعد واركانا من البدع السيئة وكتبوا نسخا من ذلك
كثيرة ارسلوا منها الى الاعيان ولصقوا منها نسخا في مفارق الطرق ورؤوس العطف
وابواب المساجد وشرطوا في ضمنه شروطا وفي ضمن تلك الشروط شروطا اخرى بتعبيرات سخيفة
يفهم منها المراد بعد التأمل الكثير لعدم معرفتهم قوانين التراكيب العربية ومحصله
التحيل على أخذ الاموال كقولهم بان أصحاب الاملاك يأتون بحججهم وتمسكاتهم الشاهدة
لهم بالتمليك فإذا احضروها وبينوا وجه تملكهم لها اما بالبيع أو الانتقال لهم
بالارث لا يكتفي بذلك بل يؤمر بالكشف عليها في السجلات ويدفع على ذلك الكشف دراهم
بقدر عينوه في ذلك الطومار فان وجد تمسكه مقيدا بالسجل طلب منه بعد ذلك الثبوت
ويدفع على ذلك الاشهاد بعد ثبوته وقبوله قدرا آخر ويأخذ بذلك تصحيحا ويكتب له بعد
ذلك تمكين وينظر بعد ذلك في قيمته ويدفع على كل مائة اثنين فان لم يكن له حجة او
كانت ولم تكن مقيدة بالسجل أو مقيدة ولم يثبت ذلك التقييد فانها تضبط لديوان
الجمهور وتصير من حقوقهم وهذا شيء متعذر وذلك ان الناس انما وضعوا أيديهم على أملاكهم
اما بالشراء أو بايلولتهالهم من مورتهم او نحو
ذلك بحجة قريبة او بعيدة العهد او بحجج اسلافهم ومورثيهم
فاذا طولبوا باثبات مضمونها تعسر أو تعذر لحادث الموت او الاسفار او ربما حضرت
الشهود فلم تقبل فان قبلت فعل به ما ذكر ومن جملة الشروط مقررات على المواريث
والموتى ومقاديرها متنوعة في القلة والكثرة كقولهم اذا مات الميت يشاورون عليه
ويدفعون معلوما لذلك ويفتحون تركته بعد أربع وعشرين ساعة فإذا بقيت اكثر من ذلك ضبطت
للديوان ايضا ولا حق فيها للورثة وان فتحت على الرسم بأذن الديوان يدفع على ذلك
الاذن مقررا أو كذلك على ثبوت الوراثة ثم عليهم بعد قبض ما يخصهم مقرر وكذلك من
يدعي دينا على الميت يثبته بديوان الحشريات ويدفع على اثباته مقرر او يأخذ له ورقة
يستلم بها دينه فاذا استلمه رفع مقررا ايضا ومثل ذلك في الرزق والاطيان بشروط
وانواع وكيفية اخرى غير ذلك والهبات والمبايعات والدعاوي والمنازعات والمشاجرات
والاشهادات الجزئيات والكليات والمسافر كذلك لا يسافر الا بورقة ويدفع عليها قدرا
وكذلك المولود اذا ولد ويقال له اثبات الحياة وكذلك المؤاجرات وقبض أجر الاملاك
وغير ذلك
وفيه نادى أصحاب الدرك على العامة بترك الفضول والكلام
في أمور الدولة فإذا مر عليهم جماعة من العسكر مجروحون او منهزمون لا يسخرون بهم
ولا يصفقون عليهم كما هي عادتهم
وفيه نهبوا أمتعة عسكر القلينجية الذين كانوا عسكر عند
الامراء فأخذوا مكانا بوكالة علي بساحل بولاق وبالجمالية واخذوا متاعهم ومتاع
شركائهم محتجين بانهم قاتلوا مع المماليك وهربوا معهم
وفيه أحضروا محمد كتخدا اباسيف الذي كان سردارا بدمياط
من طرف الامراء المصريين وكان سابقا كتخدا حسن بك الجداوي فلما حضر حبسوه في
القلعة وحبسوا معه فراشا لابراهيم بك
وفيه أمروا سكان القلعة بالخروج من منازلهم والنزول الى
المدينة
ليسكنوا بها فنزلوا وأصعدوا الى القلعة مدافع ركزوها
بعدة مواضع وهدموا بها ابنية كثيرة وشرعوا في بناء حيطان وكرانك واسوار وهدموا
أبنية عالية واعلوا مواضع متخفضة وبنوا على بدنات باب العزب بالرميلة وغيروا
معالمها وأبدلوا محاسنها ومحوا ما كان بها من معالم السلاطين وآثار الحكماء والعظماء
وما كان في الابواب العظام من الاسلحة والدرق والبلط والحوادث والحرب الهندية وأكر
الفداوية وهدموا قصر يوسف صلاح الدين ومحاسن الملوك والسلاطين ذوات الأركان
الشاهقة والاعمدة الباسقة
وفيه عينت عساكر الى مراد بك وذهبوا اليه ببجر يوسف جهة
الفيوم
وفي يوم الخميس سادس عشرة نودي بان كل من تشاجر مع
نصراني او يهودي يشهد احد الخصمين على الاخر ويطلبه لبيت صارى عسكر
وفيه قتلوا شخصين وطافوا برؤسهما و هم ينادون عليهما
ويقولون هذا جزاء من يأتي بمكاتيب من عند المماليك او يذهب اليهم بمكاتيب
وفيه نبهوا على الناس بالمنع من دفن الموتى بالترب
القريبة من المساكن كتربة الازبكية والرويعي ولا يدفنون الموتى الا في القرافات
البعيدة والذي ليس له تربة بالقرافة يدفن ميته في ترب المماليك وإذا دفنوا يبالغون
في تسفيل الحفر ونادوا ايضا بنشر الثياب والامتعة والفرش بالاسطحة عدة أيام وتبخير
البيوت بالبخورات المذهبة للعفونة كل ذلك للخوف من حصول الطاعون وعدوه ويقولون ان
العفونة تنحبس باغوار الارض فاذا دخل الشتاء وبردت الاغوار بسريان النيل والامطار
والرطوبات خرج ما كان منحبسا بالارض من الابخرة الفاسدة فيتعفن الهواء فيحصل
الوباء والطاعون ومن قولهم ايضا ان مرض مريض لابد من الاخبار عنه فيرسلون من جهتهم
حكيما للكشف عليه ان كان مرضه بالطاعون او بغيره ثم يرون رأيهم فيه
وفي يوم السبت ثامن عشره ذهبت جماعة من القواسة الذين
يخدمون
الفرنساوية وشرعوا في هدم التراكيب المبنية على المقابر
بتربة الازبكية وتمهيدها بالارض فشاع الخبر بذلك وتسامع أصحاب الترب بتلك البقعة
فخرجوا من كل حدب ينسلون وأكثرهم النساء الساكنات بحارات المدابغ وباب اللوق وكرم الشيخ
سلامة والفوالة والمناصرة وقنطرة الامير حسين وقلعة الكلاب الى أن صاروا كالجراد
المنتشر ولهم صياح وضجيج واجتمعوا بالازبكية ووقفوا تحت بيت صارى عسكر فنزل لهم
المترجمون واعتذروا بان صارى عسكر لاعلم له بذلك الهدم ولم يأمر به وانما أمر بمنع
الدفن فقط فرجعوا الى أماكنهم ورفع الهدم عنهم
وفيه كتبوا من المشايخ كتابا ليرسلوه الى السلطان وآخر
الى شريف مكة ثم انهم بصموا منه عدة نسخ ولصقوها بالطرق والمفارق وصورته ملخصا بعد
الصدر وذكر ورودهم وقتالهم مع المماليك وهروبهم وان جماعة من العلماء ذهبت اليهم بالبر
الغربي فأمنوهم وكذلك الرعية دون المماليك وذكروا فيه انهم من اخصاء السلطان
العثماني وأعداء اعدائه وان السكة والخطبة بأسمه وشعائر الاسلام مقامة على ما هي
عليه وباقية بمعنى الكلام السابق من قولهم انهم مسلمون وانهم محترمون القرآن
والنبي وانهم اوصلوا الحجاج المتشتتين واكرموهم وأركبوا الماشي واطعموا الجيعان
وسقوا العطشان واعتنوا بيوم الزينة يوم جبر البحر وعملوا له شأنا ورونقا استجلا
بالسرور المؤمنين وانفقوا أموالا برسم الصدقة على الفقراء وكذلك اعتنوا بالمولد
النبوي وأنفقوا اموالا في شأن انتظامه وتفق راينا ورأيهم على لبس حضرة الجناب
المحترم مصطفى أغا كتخدا بكر باشا والي مصر حالا فاستحسنا ذلك لبقاء علقة الدولة
العلية وهم ايضا مجتهدون في اتمام مهمات الحرمين وأمرونا أن نعلمكم بذلك والسلام
وفيه وقعت حادثة جزئية من جملة الجزئيات وهو ان رجلا
صيرفيا بجوار حارة الجوانية وقع من لفظه انه قال السيد احمد البدوي بالشرق والسيد
ابراهيم الدسوقي بالغرب يقتلان كل من يمر عليهما من النصارى
وكان هذا الكلام بمحضر النصارى الشوام فجاوبه بعضهم
واسمعه قبيح القول ووقع بينهما التشاجر فقام النصراني وذهب الى دبوى وأخبره بالقصة
فأرسل وقبض على ذلك الصيرفي وحبسه وسمر حانوته وختم على داره وتشفع فيه المشايخ
عدة مرار فأطلقوه بعد يومين وأرسلوه الى بيت الشيخ البكري ليؤدب هناك بالضرب او
يدفع خمسمائة ريال فرانسة فضرب مائة سوط وأطلق سبيله وكذلك أفرجوا عن بقية
المسجونين
وفي يوم الاثنين طاف أصحاب الدرك على الاخطاط والوكائل
فكتبوا أسماءها وأسماء البوابين وامروهم ان لا يسكنوا احدا من الاغراب ولا يطلقوا
احدا بلا أذن من اغات مستحفظان
وفي يوم الثلاثاء عمل المولد الحسيني وكان من العزم تركه
في هذا العام فدس بعض المنافقين دسيسة عند الفرنسيس وذلك انه وقعت المذاكرة بان من
المعتاد أن يعمل المولد الحسيني بعد مولد النبي فقال بونابارته ولم لم يعملوه فقال
ذلك المنافق غرض الشيخ السادات عدم عمله الا أذا حضر المسلمون فبلغ شيخ السادات
ذلك فشرع في عمله عل سبيل الاختصار وحضر صارى عسكر وشاهد الوقدة ورجع الى داره بعد
العشاء
وفيه حضر علماء الاسكندرية واعيانها وكذلك رشيد ودمياط
وبقية البنادر باستدعاء صارى عسكر ليحضروا الديوان الشارعين فيه لترتيب النظام
الذي سبقت الاشارة اليه
وفيه سافر ايضا جماعة من الفرنسيس الى جهة مراد بك ومن
معه التقوا معهم وتراموا ساعة ثم انهزموا عنهم واطمعوهم في أنفسهم فتتبعوهم الى
اسفل جبل اللاهون ثم خرجوا عليهم على مثل حالهم رجالا وتراموا معهم واكمنوا لهم وثبتوا
معهم وظهر عليهم المصريون وقتل من الفرنساوية مقتلة كبيرة
وفيه سقطت البوابة المصنوعة ببركة الازبكية المقابلة
لباب الهواء التي
كانوا وضعوها في يوم عيدهم وقد تقدم شرحها ووصفها وسبب
سقوطها انهم لما منعوا الماء من دخوله للبركةوسدوا القنطرة كما تقدم علا الماء في
أرض البركة وتخلخلت الارض فسقطت تلك البوابة
وفي يوم الجمعة رابع عشرينه نبهوا على المشايخ والاعيان
التجار ومن حضر من الاقطار بالحضور الى الديوان العام ومحكمة النظام بكرة تاريخه
وذلك ببيت مرزوق بك بحارة عابدين فلما أصبح يوم السبت أعادوا التنبيه بحضورهم
بالديوان القديم ببيت قائد أغا بالازبكية فتوجه المشايخ المصرية والذين حضروا من
الثغور والبلاد وحضر الوجاقات وأعيان التجار ونصارى القبط والشوام ومديروا الديوان
من الفرنسيس وغيرهم جمعا موفورا فلما استقر بهم الجلوس شرع ملطى القبطي الذي عملوه
قاضي في قراءة فرمان الشروط وفي المناقشة فابتدر كبير المدبرين في اخراج طومار آخر
وناوله للترجمان فنشره وقرأه وملخصه ومضمونه الاخبار بان قطر مصر هو المركز الوحيد
وانه اخصب البلاد وكان يجلب اليه المتاجر من البلاد البعيدة وان العلوم والصنائع
والقراءة والكتابة التي يعرفها الناس في الدنيا أخذت عن أجداد أهل مصر الاول ولكون
قطر مصر بهذه الصفات طمعت الامم في تملكه فملكه أهل بابل وملكه اليونانيون والعرب
والترك الان الا ان دولة الترك شددت في خرابه لانها اذا حصلت الثمرة قطعت عروقها
فلذلك لم يبقوا بأيدي الناس الا القدر اليسير وصار الناس لاجل ذلك مختفين تحت حجاب
الفقر وقاية لانفسهم من سوء ظلمهم ثم ان طائفة الفرنساوية بعدما تمهد امرهم وبعد
صيتهم بقيامهم بأمور الحروب اشتاقت أنفسهم لاستخلاص مصر مما هي فيه واراحة أهلها من
تغلب هذه الدولة المفعمة جهلا وغباوة فقدموا وحصل لهم النصرة ومع ذلك لم يتعرضوا
لاحد من الناس ولم يعاملوا الناس بقسوة وان غرضهم تنظيم امور مصر واجراء خلجانها
التي دثرت ويصير لها طريقان طريق الى البحر الاسود وطريق الى البحر الاحمر فيزداد
خصبها وريعها ومنع القوى من ظلم الضعيف وغير ذلك استجلا
بالخواطر أهلها وابقاء للذكر الحسن فالمناسب من اهلها ترك
الشغب واخلاص المودة وان هذه الطوائف المحضرة من الاقاليم يترتب على حضورها أمور
جليلة لانهم اهل خبرة وعقل فيسألون عن امور ضرورية ويجيبون عنها فينتج لصارى عسكر
من ذلك ما يليق صنعه الى آخر ما سطروه من الكلام قلت ولم يعجبني في هذا التركيب
الا قوله المفعمة جهلا وغباوة بعد قوله بعد ذلك ومع ذلك لم يتعرضوا لاحد الى آخر
العبارة ثم قال الترجمان نريد منكم مشايخ أن تختاروا شخصا منكم يكون كبيرا ورئيسا
عليكم ممتثلثين أمره واشارته فقال بعض الحاضرين الشيخ الشرقاوي فقال نونو وإنما
ذلك يكون بالقرعة فعملوا قرعة باوراق فطلع الاكثر على الشيخ الشرقاوي فقال حينئذ
يكون الشيخ عبد الله الشرقاوي هو الرئيس فما تم هذا الامر حتى زالت الشمس فأدنوا
لهم في الذهاب وألزموهم بالحضور في كل يوم
وفيه وقعت كائنة الحاج محمد بن قيمو المغربي التاجر
الطرابلسي وهو انه كان بينه وبين بعض نصارى الشوام المترجمين منافسة فانهى الى
عظماء الفرنسيس انه ذو مال وانه شريك عبد الله المغربي تابع مراد بك فأرسلوا بطلبه
فذهب الى بيت الشيخ عبد الله الشرقاوي لنسابة بينهما فقال الشيخ للقواسة المرسلين
بعد سؤالهم عن سبب طلبهم له فقالوا لدعوة ليست شرعية فقال لهم في غدا حضروا خصمه
ويتداعى معه فان توجه الحق عليه الزمناه بدفعه فرجعت الرسل وتغيب الرجل لخوفه فبعد
مضي مقدار نحو ساعة حضر نحو الخمسين عسكريا من الفرنسيس الى بيت الشيخ وطالبوه به فأخبرهم
انه هرب فلم يقبلوا عذره والحوا في طلبه ووقفوا ببنادقهم وأرهبوا فركب المهدي
والدواخلي الى صاري عسكر وأخبروه بالقضية وبهروب الرجل فقال ولاي شيء يهرب فقالوا
من خوفه فقال لولا ان جرمه كبير لما هرب وأنتم غيبتموه وأظهر الحنق والغيظ فلاطفاه
واستعطفا خاطر الترجمان فكلمه وسكن غيظه ثم سأل عن منزله ومخزنه فأخبراه عنهما
فقال نذهب معكما من يختم
عليهما حتى يظهر في غد فاطمأنوا لذلك ورجعوا عن الغروب
وختموا على مخزنه ومنزله فلما أصبح النهار فلم يظهر الرجل فأخذوا ما وجدوه فيهما
من البضائع والامانات
وفي يوم الاحد ذهبوا الى الديوان وعملوا مثل عملهم الاول
حتى تمموا أسماء المنتخبين بديوان مصر من الثغور والمشايخ والوجاقلية والقبط
والشوام وتجار الملسلمين وذلك الترتيب غير ترتيب الديوان السابق
وفي يوم الاثنين اجتمعوا بالديوان ونادى المنادي في ذلك
اليوم بالاسواق على الناس باحضارهم حجج املاكهم الى الديوان والمهلة ثلاثون يوما
فان تأخر عن الثلاثين يضاعف المقرر ومهلة البلاد ستون يوما ولما تكامل الجميع شرع ملطي
في قراءة المنشور وتعداد ما به من الشروط مسطور وذكر من ذلك أشياء منها أمر
المحاكم والقضايا الشرعية وحجج العقارات وأمر المواريث وتناقشوا في ذلك حصة من
الزمن وكتبوا هذه الاربعة أشياء أرباب ديوان الخاصة يدبرون رأيهم في ذلك وينظرون
المناسب والاحسن وما فيه الراحة لهم وللرعية ثم يعرضون مادبروه يوم الخميس وما بين
ذلك له مهلة وانفض المجلس
واستهل شهر جمادى الاولى يوم الخميس الموعود سنة 1213 م
واجتمعوا بالديوان ومعهم مالخصوه واستأصلوه في الجملة فاما أمر المحاكم والقضايا
فالاولى ابقاؤها على ترتيبها ونظامها وعرفوهم عن كيفية ذلك ومثل ذلك ما عليه أمر
محاكم البلاد فاستحسنوا ذلك الا أنهم قالوا يحتاج الى ضبط المحاصيل وتقريرها على أمر
لا يتعداه القضاة ولا نوابهم فقرروا ذلك وهو انه اذا كان عشرة آلاف فما دونها يكون
على كل الف ثلاثون نصفا واذا كان المبلغ مائة يكون على الالف خمسة عشر فان زاد على
ذلك فعشرة واتفقوا على تقرير القضاة ونوابهم على ذلك وأما حجج العقارات فأنه امر
شاق طويل الذيل فالمناسب فيه والاولى ان يجعلوا عليها دراهم من بادىء الرأي ليسهل
تحصيلها ويحسن عليها السكوت ويكون المحصول أعلى وأدنى وأوسط وبينوا القدر المناسب
بتفصيل الاماكن وكتبوه وابقوه حتى يرى الآخرون رأيهم فيه
وانفض الديوان وفي ذلك اليوم نودي في الاسواق بنشر الثياب والامتعة خمسة عشر يوما
وقيدوا على مشايخ الاخطاط والحارات والقلقات بالفحص والتفتيش فعينوا لكل حارة
امرأة ورجلين يدخلون البيوت للكشف عن ذلك فتصعد المرأة الى أعلى الدار وتخبرهم عن
صحة نشرهم الثياب ثم يذهبون بعد التأكد على أهل المنزل والتحذير من ترك الفعل وكل
ذلك لذهاب العفونة الموجبة للطاعون وكتبوا بذلك أرواقا لصقوهم بحيطان الاسواق على
عادتهم في ذلك
وفيه حضر الى بيت البكري جم غفير من اولاد الكتاتيب والفقهاء
والعميان والمؤذنين وأرباب الوظائف والمستحقين من الزمني والمرضي بالمرستان
المنصوري واوقاف عبد الرحمن كتخدا وشكوا من قطع رواتبهم وخبزهم لان الاوقاف تعطل
ايرادها واستولى على نظارتها النصارى القبط والشوام وجعلوا ذلك مغنما لهم فواعدهم
على حضورهم الديوان وينهوا شكواهم ويتشفع لهم فذهبوا راجعين وفيه قدمت مراكب من
جهة الصعيد وفيها عدة من العسكر مجروحين
وفيه وضعوا على التلال المحيطة بمصر ببارق بيضا فأكثر
الناس من اللغط ولم يعلموا سبب ذلك
وفي يوم الاحد اجتمعوا في الديوان واخذوا فيما هم فيه
فذكروا أمر المواريث فقال ملطي مشايخ أخبرونا عما تصنعونه في قسمة المواريث فأخبره
بفروض المواريث الشرعية فقال ومن أين لكم ذلك فقالوا من القرآن وتلوا عليهم بعض آيات
المواريث فقال الافرنج نحن عندنا لا نورث الولد ونورث البنت ونفعل كذا وكذا بحسب
تحسين عقولهم لان الولد أقدر على التكسب من البنت فقال ميخائيل كحيل الشامي وهو من
أهل الديوان ايضا نحن والقبط يقسم لنا مواريثنا المسلمون ثم التمسوا من المشايخ أن
يكتبوا لهم كيفية القسمة ودليلها فسايروهم ووعدوهم بذلك وانفضوا وفي ذلك اليوم
عزلوا محمد أغا
المسلماني أغات مستحفظان وجعلوه كتخدا أمير الحاج
واستقروا بمصطفى أغا تابع عبد الرحمن أغا مستحفظان سابقا عوضا عنه ونودي بذلك
وفي يوم الاثنين عملوا لهم ديوانا وكتبوا لهم كيفية قسمة
المواريث وفروض القسمة الشرعية وحصص الورثة والآيات المتعلقة بذلك فاستحسنوا ذلك
وفي يوم السبت عاشر جمادى الاولى عملوا الديوان واحضروا
قائمة مقررات الاملاك والعقار فجعلوا على الاعلى ثمانية فرانسة والاوسط ستة
والادنى ثلاثة وما كان أجرته أقل من ريال في الشهر فهو معافى وأما الوكائل
والخانات والحمامات والمعاصر والسيارج والحوانيت فمنها ما جعلوا عليه ثلاثين
وأربعين بحسب الخمسة والرواج والاتساع وكتبوا بذلك مناشير على عادتهم وألصقوها
بالمفارق والطرق وأرسلوا منها نسخا للاعيان وعينوا المهندسين ومعهم اشخاص لتمييز الاعلى
من الادنى وشرعوا في الضبط والاحصاء وطافوا ببعض الجهات لتحرير القوائم وضبط اسماء
أربابها ولما أشيع ذلك في الناس كثر لغطهم واستعظموا ذلك والبعض استسلم للقضاء
فانتبذ جماعة من العامة وتناجوا في ذلك ووافقهم على ذلك بعض المتعممين الذي لم
ينظر في عواقب الامور ولم يتفكر أنه في القبضة مأسور فتجمع الكثير من الغوغاء من
غير رئيس يسوسهم ولا قائد يقودهم وأصبحوا يوم الاحد متحزبين وعلى الجهاد عازمين
وأبرزوا ما كانوا أخفوه من السلاح وآلات الحرب والكفاء وحضر السيد بدر وصحبته
حشرات الحسينية وزعر الحارات البرانية ولهم صياح عظيم وهول جسيم ويقولون بصياح في
الكلام نصر الله دين الاسلام فذهبوا الى بيت قاضي العسكر وتجمعوا وتبعهم ممن على شاكلتهم
نحو الالف والاكثر فخاف القاضي العاقبة وأغلق أبوابه واوقف حجابه فرجموه بالحجارة
والطوب وطلب الهرب فلم يمكنه الهروب وكذلك اجتمع بالأزهر العالم الاكبر وفي ذلك
الوقت حضر دبوى بطائفة من فرسانه وعساكره وشجعانه فمر بشارع الغورية وعطف على خط
الصنادقية وذهب الى بيت القاضي فوجد ذلك الزحام فخاف
وخرج من بين القصرين وباب الزهومة وتلك الاخطاط بالخلائق مزحومة فبادروا اليه
وضربوه واثخنوا جراحاته وقتل الكثير من فرسانه وابطاله وشجعانه فعند ذلك أخذ
المسلمون حذرهم وخرجوا يهرعون ومن كل حدب ينسلون ومسكوا الاطراف الدائرة بمعظم
اخطاط القاهرة كباب الفتوح وباب النصر والبرقية الى باب زويلة وباب الشعرية وجهة
البندقانيين وما حاذاها ولم يتعد جهة سواها وهدموا مساطب الحوانيت وجعلوا احجارها
متاريس للكرنكة لتعوق هجوم العدو في وقت المعركة ووقف دون كل متراس جمع عظيم من
الناس واما الجهات البرانية والنواحي الفوقانية فلم يفزع منهم فازع ولم يتحرك منهم
أحد ولم يسارع وكذلك شذ عن الوفاق مصر العتيقة وبولاق وعذرهم الاكبر قربهم من
مساكن العسكر ولم تزل طائفة المحاربين في الازقة متترسين فوصل جماعة من الفرنساوية
وظهروا من ناحية المناخلية وبندقوا على متراس الشوائين وبه جماعة من مغاربة
الفحامين فقاتلوهم حتى أجلوهم وعن المناخلية أزالوهم عند ذلك زاد الحال وكثر الرجف
والزلزال وخرجت العامة عن الحد وبالغوا في القضية بالعكس والطرد وامتدت أيديهم الى
النهب والخطف والسلب فهجموا على حارة الجوانية ونهبوا دور النصارى الشوام والاروام
وما جاورهم من بيوت المسلمين على التمام وأخذوا الودائع والامانات وسبوا النساء
والبنات وكذلك نهبوا خان الملايات وما به من الامتعة والموجودات وأكثروا من
المعايب ولم يفكروا في العواقب وباتوا تلك الليلة سهرانين وعلى هذا الحل مستمرين
وأما الافرنج فانهم اصبحوا مستعدين وعلى تلال البرقية والقلعة واقفين وأحضروا جميع
الآلات من المدافع والقنابر والبنبان ووقفوا مستحضرين ولامر كبيرهم منتظرين وكان
كبير الفرنسيس أرسل الى المشايخ مراسلة فلم يجيبوه عنها ومل من المطاولة هذا
والرمي متتابع من الجهتين وتضاعف الحال ضعفين حتى مضى وقت العصر وزاد القهر والحصر
فعند ذلك ضربوا بالمدافع والبنبات
على البيوت والحارات وتعمدوا بالخصوص بالجامع الازهر
وجروا عليه المدافع والقنبر وكذلك ما جاوره من اماكن المحاربين كسوق الغورية
والفحامين فلما سقط عليهم ذلك ورأوه ولم يكونوا في عمرهم عاينوه نادوا يا سلام من
هذه الآلام يا خفي الالطاف نجنا مما نخاف وهربوا من كل سوق ودخلوا في الشقوق وتتابع
الرمي من القلعة والكيمان حتى تزعزعت الاركان وهدمت في مرورها حيطان الدور وسقطت
في بعض القصور ونزلت في البيوت والوكائل وأصمت الآذان بصوتها الهائل فلما عظم هذا
الخطب وزاد الحال والكرب ركب المشايخ الى كبير الفرنسيس ليرفع عنهم هذا النازل
ويمنع عسكره من الرمي المتراسل ويكفهم كما تكف المسلمون عن القتال والحرب خدعة
وسجال فلما ذهبوا اليه واجتمعوا عليه عاتبهم في التأخير وأتهمهم في التقصير
فاعتذروا اليه فقبل عذرهم وأمر برفع الرمي عنهم وقاموا من عنده وهم ينادون بالامان
في المسالك وتسامع الناس بذلك فردت فيهم الحرارة وتسابقوا لبعضهم بالبشارة واطمأنت
منهم القلوب وكان الوقت قبل الغروب وانقضى النهار وأقبل الليل وغلب على الظن ان
القضية لهاذيل وأما أهل الحسينية والعطوف البرانية فانهم لم يزالوا مستمرين وعلى الرمي
والقتال ملازمين ولكن خانهم المقصود وفرغ منهم البارود والافرنج اثخنوهم بالرمي
المتتابع بالقنابر والمدافع الى ان مضى من الليل نحو ثلاث ساعات وفرغت من عندهم
الادوات فعجزوا عن ذلك وانصرفوا وكف عنهم القوم وانحرفوا وبعد هجعة من الليل دخل
الافرنج المدينة كالسيل ومروا في الازقة والشوارع لا يجدون لهم ممانع كأنهم
الشياطين أو جند ابليس وهدموا ما وجدوه من المتاريس ودخل طائفة من باب البرقية
ومشوا الى الغورية وكروا ورجعوا وترددوا ما هجعوا وعلموا باليقين ان لا دافع لهم
ولا كمين وتراسلوا ارسالا ركبانا ورجالا ثم دخلوا الى الجامع الازهر وهم راكبون
الخيول وبينهم المشاة كالوعول وتفرقوا بصحته ومقصورته وربطوا خيولهم بقبلته وعاثوا
بالاورقة والحارات
وكسروا القناديل والسهارات وهشموا خزائن الطلبة والمجاورين
والكتبة ونهبوا ما وجدوه من المتاع والاواني والقصاع والودائع والمخبآت بالدواليب
والخزانات ودشتوا الكتب والمصاحف وعلى الارض طرحوها وبأرجلهم ونعالهم داسوها
وأحدثوا فيه وتغوطوا وبالوا وتمخطوا وشربوا الشراب وكسروا أوانيه وألقوها بصحنه
ونواحيه وكل من صادفوه به عروه ومن ثيابه أخرجوه وأصبح يوم الثلاثاء فأصطف منهم
خرب بباب الجامع فكل من حضر للصلا يراهم فيكر راجعا ويسارع وتفرقت طوائفهم بتلك
النواحي افواجا واتخذوا السعي والطواف بها منهاجا وأحاطوا بها احاطة السوار ونهبوا
بعض الديار بحجة التفتيش على النهب وآلة السلاح والضرب وخرجت سكان تلك الجهة
يهرعون وللنجاة بأنفسهم طالبون وانتهكت حرمة تلك البقعة بعد ان كانت أشرف البقاع
ويرغب الناس في سكناها ويودعون عند أهلها ما يخافون عليه الضياع والفرنساوية لا يمرون
بها الا في النادر ويحترمونها عن غيرها في الباطن والظاهر فانقلب بهذه الحركة منها
الموضوع وانخفض على غير القياس المرفوع ثم ترددوا في الاسواق ووقفوا صفوفا مئينا والوفا
فان مر بهم أحد فتشوه وأخذوا ما معه وربما قتلوه ورفعوا القتلى والمطروحين من
الافرنج والمسلمين ووقف جماعة من الفرنسيس ونظفوا مراكز المتاريس وإزالة ما بها من
الاتربة والاحجار المتراكمة ووضعوها في ناحية لتصير طرق المرور خالية وتحزبت نصارى
الشوام وجماعة ايضا من الاروام الذين انتهبت دورهم بالحارة الجوانية ليشكوا لكبير الفرنسيس
مالحقهم من الرزية واغتنموا الفرصة في المسلمين وأظهروا ما هو بقلوبهم كمين وضربوا
فيهم المضارب وكأنهم شاركوا الافرنج في النوائب وما قصدهم المسلمون ونهبوا ما
لديهم الا لكونهم منسوبين اليهم مع أن المسلمين الذين جاوروهم نهبهم الذعر ايضا
وسلبوهم وكذلك خان الملايات المعلوم الذي عند باب حارة الروم فيه بضائع المسلمين
وودائع الغائبين فسكت المصاب على غصته واستعوض الله في قضيته لانه ان تكلم لا تسمع
دعواه ولا يلتفت الى شكواه وانتدب برطلمين للعسس على من حمل السلاح
أو اختلس وبث اعوانه في الجهات يتجسسون في الطرقات
فيقبضون على الناس بحسب اغراضهم وما ينهبه النصارى من أبغاضهم فيحكم فيهم بمراده
ويعمل برأيه واجتهاده ويأخذ منهم الكثير ويركب في موكبه ويسير وهم موثوقون بين
يديه بالحبال ويسحبهم الاعوان بالقهر والنكال فيودعونهم السجونات ويطالبونهم
بالمنهوبات ويقررونهم بالعقاب والضرب ويسألونهم عن السلاح وآلات الحرب ويدل بعضهم
على بعض فيضعون على المدلول عليهم ايضا القبض وكذلك فعل مثل ما فعله اللعين الاغا
وتجبر في افعاله وطغى وكثير من الناس ذبحوهم وفي بحر النيل قذفوهم ومات في هذين
اليومين وما بعدهما أمم كثيرة لا يحصى عددها الا الله وطال بالكفرة بغيهم وعنادهم
ونالوا من المسلمين قصدهم ومرادهم واصبح يوم الاربع فركب فيه المشايخ أجمع وذهبوا
لبيت صارى عسكر وقابلوه وخاطبوه في العفو ولاطفوه والتمسوا منه أمانا كافيا وعفوا
ينادون به باللغتين شافيا لتطمئن بذلك قلوب الرعية ويسكن روعهم من هذه الرزية
فوعدهم وعدا مشوبا بالتسويف وطالبهم بالتبيين والتعريف عمن تسبب من المتعممين في
اثارة العوام وحرضهم على الخلاف والقيام فغالطوه عن تلك المقاصد فقال على لسان
الترجمان نحن نعرفهم بالواحد فترجوا عنده في اخراج العسكر من الجامع الأزهر
فأجابهم لذلك السؤال وأمر باخراجهم في الحال وأبقوا منهم السبعين اسكنوهم في الخطة
كالضابطين ليكونوا للامور كالراصدين وبالاحكام متقيدين ثم انهم فحصوا على المتهمين
في اثارة الفتنة فطلبوا الشيخ سليمان الجوسقي شيخ طائفة العميان والشيخ احمد
الشرقاوي والشيخ عبد الوهاب الشبراوي والشيخ يوسف المصيلحي والشيخ اسمعيل البراوي
وحبسوهم ببيت البكري وأما السيد بدر المقدسي فانه تغيب وسافر الى جهة الشام وفحصوا
عليه فلم يجدوه وتردد المشايخ لتخليص الجماعة المعوقين فغولطوا واتهم ايضا ابراهيم
افندي كاتب البهار بانه جمع له جمعا من الشطار وأعطاهم الاسلحة والمساوق وكان عنده
عدة من المماليك المخفيين
والرجال المعدودين فقبضوا عليه وحبسوه ببيت الاغا
وفي يوم الاحد ثامن عشرة توجه شيخ السادات وباقي المشايخ
الى بيت صار عسكر الفرنسيس وتشفعوا عنده في الجماعة المسجونين ببيت الاغا وقائمقام
والقلعة فقيل لهم وسعوا بالكم ولا تستعجلوا فقاموا وانصرفوا
وفيه نادوا في الاسواق بالامان ولا احد يشوش على أحد مع
استمرار القبض على الناس وكبس البيوت بادنى شبهة ورد بعضهم الامتعة التي نهبت
للنصارى
وفيه توسط عمر القلقجي لمغاربة الفحامين وجمع منهم ومن
غيرهم عدة وافرة وعرضهم على صارى عسكر فأختار منهم الشباب وأولي القوة وأعطاهم
سلاحا وآلات حرب ورتبهم عسكرا ورئيسهم عمر المذكور وخرجوا وامامهم الطبل الشامي
على عادة عسكر المغاربة وسافروا الى جهة بحرى بسبب ان بعض البلاد قام على عسكر
الفرنساوية وقت الفتنة وقاتلوهم وضربوا ايضا مركبين بها عدة من عساكرهم فحاربوهم
وقاتلوهم فلما ذهب اولئك المغاربة سكنوا الفتنة وضربوا عشما وقتلوا كبيرها المسمى بأبن
شعير ونهبوا داره ومتاعه وماله وبهائمه وكان شيئا كثيرا جدا واحضروا اخوته وأولاده
وقتلوهم ولم يتركوا منهم سوى ولد صغير جعلوه شيخا عوضا عن ابيهم وسكن العسكر
المغربي بدار عند باب سعادة ورتبوا له من الفرنسيس جماعة يأتون اليهم في كل يوم
ويدربونهم على كيفية حربهم وقانونهم ومعنى أشاراتهم في مصافاتهم فيقف المعلم
والمتعلمون مقابلون له صفا وبأيديهم بنادقهم فيشير اليهم بألفاظ بلغتهم كان يقول
مردبوش فيرفعونها قابضين بأكفهم على أسافلها ثم يقول مرش فيمشون صفوفا الى غير ذلك
وفيه سافر برطلمين الى ناحية سرياقوس ومعه جملة من
العسكر بسبب الناس الفارين الى جهة الشرق فلم يدركهم وأخذ من في البلاد وعسف في
تحصيها ورجع بعد أيام
وفي يوم الاربعاء خاطب الشيخ محمد المهدي صارى عسكر في
أمر ابراهيم افندي كاتب البهار وتلطف به بمعونة بوسليك المعروف بمدير الحدود وهو
عبارة عن الروزنامجي ونقله من بيت الاغا الىداره وطلبوا منه قائمة كشف عما يتعلق بالمماليك
بدفتر البهار
وفي يوم الخميس سافر عدة من المراكب نحو الاربعين بها
عسكر الفرنسيس الى جهة بحرى
وفي ليلة السبت رابع عشرينه حضر هجان من ناحية الشام
وعلىيده مكاتبات وهي صورة فرمان وعليه طرة ومكتوب من أحمد باشا الجزار وآخر من بكر
باشا الى كتخدائه مصطفى بك ومكتوب من ابراهيم بك خطابا للمشايخ وذلك كله بالعربي ومضمون
ذلك بعد براعة الاستهلال والآيات القرآنية والاحاديث والاثار المتعلقة بالجهاد
ولعن طائفة الافرنج والحط عليهم وذكر عقيدتهم الفاسدة وكذبهم ونحيلهم وكذلك قية
المكاتبات بمعنى ذلك فأخذها مصطفى بك كتخدا وذهب بها الى صارى عسكر فلما اطلع
عليها قال هذا تزوير من ابراهيم بك ليوقع بيننا وبينكم العداوة والمشاحنة وأما
احمد باشا فهو رجل فضولي لم يكن واليا بالشام ولا مصر لان والي الشام ابراهيم باشا
واما والي مصر فهو عبد الله باشا بن العظم الذي هو الآن والي الشام فانا أعلم بذلك
وسيأتي بعد أيام والي ويقيم معه كما كانت المماليك مع الولاة وورد خبر ايضا
بانفصال محمد باشا عزت عن الصدارة وعزل كذلك أنفار من رجال الدولة وفي مدة هذه
الايام بطل الاجتماع بالديوان المعتاد وأخذوا في الاهتمام في تحصين النواحي والجهات
وبنوا ابنية على التلول المحيطة بالبلد ووضعوا بها عدة مدافع وقنابر وهدموا اماكن
بالجيزة وحصنوها تحصينا زائدا وكذلك مصر العتيقة ونواحي شبرا وهدموا عدة مساجد
منها المساجد المجاورة لقنطرة انبابة الرمة ومسجد المقس المعروف الان باولاد عنان
على الخليج الناصري بباب البحر وقطعوا نخيلا كثيرة واشجار الجيزة التي عند أبي
هريرة قطعوها وحفروا هناك خنادق كثيرة وغير
ذلك وقطعوا نخيل جهة الحلي وبولاق وخربوا دورا كثيرة
وكسروا شبابيكها وأبوابها وأخذوا أخشابها لاحتياج العمل والوقود وغير ذلك
وفي ليلة الاحد حضر جماعة من عسكر الفرنسيس الى بيت
البكري نصف الليل وطلبوا المشايخ المحبوسين عند صارى عسكر ليتحدث معهم فلما صاروا
خارج الدار وجدوا عدة كثيرة في انتظارهم فقبضوا عليهم وذهبوا بهم الى بيت قائمقام بدرب
الجماميز وهو الذي كان به دبوىا قائمقام المقتول وسكنه بعده الذي تولى مكانه فلما
وصلوا بهم هناك عروهم من ثيابهم وصعدوا بهم الى القلعة فسجنوهم الى الصباح
فأخرجوهم وقتلوهم بالبنادق وألقوهم من السور خلف القلعة وتغيب حالهم عن أكثر الناس
أياما وفي ذلك اليوم ركب بعض المشايخ الى مصطفى بك كتخدا الباشا وكلموه في أن يذهب
معهم الى صارى عسكر ويشفع معهم في الجماعة المذكورين ظنا منهم انهم في قيد الحياة
فركب معهم اليه وكلموه في ذلك فقال لهم الترجمان أصبروا ما هذا وقته وتركهم وقام
ليذهب في بعض أشغاله فنهض الجماعة ايضا وركبوا الى دورهم
وفي يوم الثلاثاء حضر عدة من عسكر الفرنسيس ووقفوا بحارة
الازهر فتخيل الناس منهم المكروه ووقعت فيهم كرشة وأغلقوا الدكاكين وتسابقوا الى
الهروب وذهبوا الى البيوت والمساجد واختلفت اراؤهم ورأوا في ذلك اقضية بحسب
تخمينهم وظنهم وفساد مخيلهم فذهب بعض المشايخ الى صارى عسكر واخبروه بذلك وتخوف
الناس فأرسل اليهم وأمرهم بالذهاب فذهبوا وتراجع الناس وفتحوا الدكاكين ومر الاغا
والوالي وبرطلمين ينادون بالامان وسكن الحال وقيل ان بعض كبرائهم حضر عند القلق
الساكن بالمشهد وجلس عنده حصة هؤلاء كانوا اتباعه ووقفوا ينتظرونه ولعل ذلك قصدا للتخويف
والارهاب خشية من قيام فتنة لما اشيع قتل المشايخ المذكورين وهو الارجح
وفيه كتبوا اوراقا والصقوها بالاسواق تتضمن العفو
والتحذير من اثارة الفتنة وان من قتل من المسلمين في نظير من قتل من الفرنسيس
وفيه شرعوا في احصاء الاملاك والمطالبة بالمقرر فلم
يعارض في ذلك معارض ولم يتفوه بكلمة والذي لم يرض بالتوت يرضى بحطبه
وفيه ايضا قلعوا ابواب الدروب والحارات الصغيرة الغير
النافذة وهي التي كانت تركت وسومح اصحابها وبرطلوا عليها وصالحوا عليها قبل
الحادثة وبرطلوا القلقات والوسايط على ابقائها وكذلك دروب الحسينية فلما انقضت هذه
الحادثة ارتجعوا عليها وقلعوها ونقلوها الى ما جمعوه من البوابات بالازبكية ثم كسروا
جميعها وفصلوا اخشابها ورفعوا بعضها على العربات الىحيث اعمالهم بالنواحي والجهات
وباعوا بعضها حطبا للوقود وكذلك ما بها من الحديد وغيره
وفي ليلة الخميس هجم المنسر على بوابة سوق طولون وكسروها
وعبروا منها الى السوق فكسروا القناديل وفتحوا ثلاثة حوانيت وأخذوا ما بها من متاع
المغاربة التجار وقتلوا القلق الذي هناك وخرجوا بدون مدافع ولا منازع
وفي يوم الخميس المذكور ذهب المشايخ الى صارى عسكر
وتشفعوا في ابن الجوسقي شيخ العميان الذي قتل ابوه وكان معوقا ببيت البكري فشفعهم
فيه واطلقوه
واستهل شهر جمادى الثانية بيوم السبت سنة 1213
فيه كتبوا عدة اوراق على لسان المشايخ وارسلوها الى
البلاد والصقوا منها نسخا بالاسواق والشوارع
وصورتها نصيحة من كافة علماء الاسلام بمصر المحروسة نعوذ
بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ونبرأ الى الله من الساعين في الارض بالفساد
نعرف اهل مصر المحروسة من طرف الجعيدية واشرار الناس حركوا الشرور بين الرعية وبين
العساكر الفرنساوية بعدما كانوا اصحابا واحبابا لسوية وترتب على ذلك قتل جملة من
المسلمين ونهبت بعض البيوت ولكن حصلت الطاف الله الخفية وسكنت الفتنة بسبب شفاعتنا
عند أمير الجيوش يونابارته وارتفعت هذه البلية لانه رجل كامل العقل
عنده رحمة وشفقة على المسلمين ومحبة الى الفقراء والمساكين
ولولاه لكانت العساكر احرقت جميع المدينة ونهبت جميع الاموال وقتلوا كامل اهل مصر
فعليكم ان لا تحركوا الفتن ولا تطيعوا أمر المفسدين ولا تسمعوا كلام المنافقين ولا
تتبعوا الاشرار ولا تكونوا من الخاسرين سفهاء العقول الذين لا يقرأون العواقب لاجل
ان تحفظوا أوطانكم وتطمئنوا على عيالكم وأديانكم فان الله سبحانه وتعالى يؤتى ملكه
من يشاء ويحكم ما يريد وتخبركم ان كل من تسبب في تحريك هذه الفتنة قتلوا من آخرهم
وأراح الله منهم العباد والبلاد ونصيحتنا لكم ان لا تلقوا بأيديكم الى التهلكة
واشتغلوا باسباب معايشكم وأمور دينكم وادفعوا الخراج الذي عليكم الدين النصيحة والسلام
وفيه امروا بقية السكان على بركة الازبكية وما حولها
بالنقلة من البيوت ليسكنوا بها جماعتكم المتباعدين منهم يكون الكل في حومة واحدة وذلك
لما داخلهم من المسلمين حتى ان الشخص منهم صار لا يمشي بدون سلاح بعد ان كانوا من
حين دخولهم البلد لا يمشون به أصلا الا لغرض والذي لم يكن معه سلاح يأخذ بيده عصا
أو سوطا أو نحو ذلك وتنافر قلوبهم من المسلمين وتحذروا منهم وانكف المسلمون عن
الخروج والمرور بالاسواق من الغروب الى طلوع النهار ومن جملة من انتقل من الدرب
الاحمر الى الازبكية كفرلي المسمى بأبي خشبة وهو يمشي بها بدون معين ويصعد الدرج ويهبط
منها أسرع من الصحيح ويركب الفرس ويرمحه وهو على هذه الحالة وكان من جملة المشار
اليهم فيهم والمدبر لامور القلاع وصفوف الحروب ولهم به عناية عظيمة واهتمام زائد
كان يسكن ببيت مصطفى كاشف طرا وفي وقت الحادثة هجمت على الدار العامة ونهبوها
وقتلوا منها بعض الفرنساوية وفر الباقون فأخبروا من بالقلعة الكبيرة فنزل منهم عدة
وافرة وقف بعضهم خارج الدار بعد أن طردوا المزدحمين ببابها وضربوهم بالبندق ودخل الباقون
فقتلوا من وجدوه بها من المسلمين وكانوا جملة كثيرة وكان بتلك الدار شيء كثير
من آلات الصنائع والنظارات الغربية والالات الفلكية
والهندسية والعلوم الرياضية وغير ذلك مما هو معدوم النظير كل آلة لا قيمة لها عند
من يعرف صنعتها ومنفعتها فبدد ذلك كله العامة وكسروه قطعا وصعب ذلك على الفرنسيس
جدا وقاموا مدة طويلة يفحصون عن تلك الالآت ويجعلون لمن يأتيهم بها عظيم الجعالات
وممن قتل في وقعة هذه الدار الشيخ محمد الزهار
وفي خامسة افرجوا عن ابراهيم افندي كاتب البهار وتوجه
الى بيته
وفي ثامنه قتلوا اربعة أنفار من القبط منهم اثنان من
النجارين قيل انهم سكروا في الخمارة ومروا في سكرهم وفتحوا بعض الدكاكين وسرقوا
منها أشياء وقد تكرر منهم ذلك عدة مرار فاغتاظ لذلك القبطة
وفيه كتبوا عدة اوراق وأرسلوا منها نسخا للبلاد والصقوا
منها بالاخطاط والاسواق ذلك على لسان المشايخ ايضا ولكن تزيد صورتها عن الاولى
وصورتها نصيحة من علماء الاسلام بمصر المحروسة نخبركم يا
أهل المدائن والامصار من المؤمنين ويا سكان الارياف من العربان والفلاحين أن
ابراهيم بك ومراد بك وبقية دولة المماليك أرسلوا عدة مكاتبات ومخاطبات الى سائر
الاقاليم المصرية لاجل تحريك الفتنة بين المخلوقات وادعوا أنها من حضرة مولانا
السلطان ومن بعض وزراءه بالكذب والبهتان وبسبب ذلك حصل لهم شدة الغم والكرب الزائد
واغتاظوا غيظا شديدا من علماء مصر ورعاياها حيث لم يوافقوهم على الخروج معهم ويتركوا
عيالهم وأوطانهم فارادوا أن يوقعوا الفتنة والشر بين الرعية والعسكر الفرنساوية
لاجل خراب البلاد وهلاك كامل الرعية وذلك لشدة ما حصل لهم من الكرب الزائد بذهاب
دولتهم وحرمانهم من مملكة مصر المحمية ولو كانوا في هذه الاوراق صادقين بانها من
حضرة سلطان السلاطين لأرسلها جهارا مع اغوات معينين ونخبركم ان الطائفة الفرنساوية
بالخصوص عن بقية الطوائف الافرنجية دائما يحبون المسلمين وملتهم ويبغضون المشركين
وطبيعتهم أحباب لمولانا السلطان قائمون بنصرته
وأصدقاء له ملازمون لمودته وعشرته ومعونته يحبون من
والاه ويبغضون من عاداه ولذلك بين الفرنساوية والموسكوف غاية العداوة الشديدة من
اجل عداوة المسكوف القبيحة الرديئة والطائفة الفرنساوية يعاونون حضرة السلطان على
أخذ بلادهم ان شاء الله تعالى ولا يبقون منهم بقية فننصحكم ايها الاقاليم المصرية
انكم لا تحركوا الفتن ولا الشرور بين البرية ولا تعارضوا العساكر الفرنساوية بشيء
من أنواع الأذية فيحصل لكم الضرر والهلاك ولا تسمعوا كلام المفسين ولا تطيعوا أمر
المسرفين الذين يفسدون في الارض ولا يصلحون فتصبحوا على ما فعلتم ناديم وانما
عليكم دفع الخراج المطلوب منكم لكامل الملتزمين لتكونوا بأوطانكم سالمين وعلى أموالكم
وعيالكم آمنين مطمئنين لان حضرة صارى عسكر الكبير أمير الجيوش بونابارته اتفق معنا
على انه لا ينازع أحد في دين الاسلام ولا يعارضنا فيما شرعه الله من الاحكام ويرفع
عن الرعية سائر المظالم ويقتر على أخذ الخراج ويزيل ما أحدثه الظلمة من المغارم
فلا تعلقوا آمالكم بابراهيم ومراد وراجعوا الى مولاكم مالك الملك وخالق العباد فقد
قال نبيه ورسوله الاكرم الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها بين الامم عليه افضل
الصلاة والسلام وفي ثالث عشره قتلوا شخصين عند باب زويلة أحدهما يهودي لم يتحقق
السبب في قتلهما
وفيه اخرجوا من بيت نسيب ابراهيم كتخدا صناديق ضمنها
مصاغ وجواهر وأواني ذهب وفضة وأمتعة وملابس كثيرة
وفي خامس عشرة حضر جماعة من الفرنساوية بباب زويلة
وفتحوا بعض دكاكين السكرية وأخذوا منها سكرا وضاع على أصحابه
وفيه دلوا على انسان عنده صندوقان وديعة لايوب بك
الدفتردار فطلبوه وأمروه باحضارهما فأحضرهما بعد الانكار والحجد عدة مرار فوجدوا
ضمنهما أسلحة جواهر وسبح لؤلؤ وخناجر مجوهرة وغير ذلك
وفي عشرينه كتبوا عدة أوراق مطبوعة وألصقوها بالاسواق
مضمونها
أن في يوم الجمعة حادي عشرينه قصدنا أن نطير مركبا ببركة
الازبكية في الهواء بحيلة فرنساوية فكثر لغط الناس في هذا كعادتهم فلما كان ذلك
اليوم قبل العصر تجمع الناس والكثير من الافرنج ليروا تلك العجيبة وكنت بجملتهم فرأيت
قماشا على هيئة الادية على عمود قاتم وهو ملون احمر وأبيض وأزرق على مثل دائرة
الغربال وفي وسطه مسرجة بها فتيلة مغموسة ببعض الادهان وتلك المسرجة مصلوبة بسلوك
من حديد منها الى الدائرة وهي مشدودة ببكر واحبال واطراف الاحبال بأيدي اناس
قائمين باسطحة البيوت القريبة منها فلما كان بعد العصر بنحو ساعة أوقدوا تلك
الفتيلة فصعد دخانها الى ذلك القماش وملأه فانتفخ وصار مثل البكرة وطلب الدخان
الصعود الى مركزه فلم يجد منفذا فجذبها معه الى العلو فجذبها بتلك الاحبال مساعدة
لها حتى ارتفعت عن الارض فقطعوا تلك الحبال فصعدت الى الجو مع الهواء ومشت هنيهة
لطيفة ثم سقطت طارتها الفتيلة وسقط ايضا ذلك القماش وتناثر منها أوراق كثيرة من
نسخ الاوراق المبصومة فلما حصل لها ذلك انكسف طبعهم لسقوطها ولم يتبين صحة ما
قالوه من انها على هيئة مركب تسير في البلاد البعيدة لكشف الاخبار وارسال
المراسلات بل ظهر انها مثل الطيارة التي يعملها الفراشون بالمواسم والافراح
وفي تلك الليلة طاف منهم أنفار بالاسواق ومعهم مقاطف بها
لحوم مسمومة فأطعموها للكلاب فمات منها جملة كثيرة فلما طلع النهار وجد الناس
الكلاب مرمية وطرحى بالاسواق وهي موتى فأستأجروا لها من أخرجها الى الكيمان وسبب
ذلك انهم لما كانوا يمرون بالاسواق في الليل وهم سكوت كانت الكلاب تنبحهم وتعدو
خلفهم ففعلوا بها ذلك وارتاحوا هم والناس منها
وفي خامس عشرينه سافر عدة عساكر الى جهة مراد بك وكذلك
الى جهة كرداسة بسبب العربان وكذلك الى السويس الصالحية وأخذوا جمال
السقائين برواياها وحميرهم ولكن يعطونهم أجرتهم فشح
الماء وغلا وبلفت القرية عشرة انصاف فضة
وفيه ظفروا بعدة ودائع وخبايا بأماكن متعددة بها صناديق
وأمتعة وأسلحة وأواني صيني وأواني نحاس قناطير وغير ذلك وانقضى هذا الشهر وما حصل
به من الحوادث الكلية والجزئية التي لا يمكن ضبطها لكثرتها
منها انهم أحدثوا بغيط النوبي المجاور للازبكية ابنية
على هيئة مخصوصة منتزهة يجتمع بها النساء والرجال للهو والخلاعة في أوقات مخصوصة
وجعلوا على كل من يدخل اليه قدرا مخصوصا يدفعه أو يكون مأذونا وبيده ورقة
ومنها أنهم هدموا وبنوا بالمقياس والروضة وهدموا اماكن
بالجيزة ومهدوا التل المجاور لقنطرة الليمون وجعلوا في اعلاه طاحونا تدور في
الهواء عجيبة وتطحن الارادب من البر وهي بأربعة أحجار وطاحونا أخرى بالروضة تجاه
مساطب النشاب وهدموا الجامع المجاور لقنطرة الدكة وشرعوا في ردم جهات حوالي بركة
الازبكية وهدموا الاماكن المقابلة لبيت صارى عسكر حتى جعلوها رحبة متسعة وهدموا
الاماكن المقابلة لها من الجهة الاخرى والجنائن التي خلف ذلك وقطعوا اشجارها
وردموا مكانها بالاتربة الممهدة على خط معتدل من الجهتين مبتدأ من حد ببيت صارى عسكر
الى قنطرة المغربي وجددوا القنطرة المذكورة وكانت آلت الى السقوط وفعلوا بعدها
كذلك على الوضع والنسق بحيث صار جسرا عظيما ممتدا ممهدا مستويا على خط مستقم من
الازبكية الى بولاق قسمين قسم الى طريق أبي العلا وقسم يذهب الى جهة التبانة وساحل
النيل وبطريقة الطريق المسلوكة الواصلة من طريق أبي العلاء وجامع الخطيري الى
ناحية المدابغ وحفروا في جانبي ذلك الجسر من مبدئه الى منتهاه خندقين وغرسوا
بجانبه اشجارا وسيسبانا واحدثوا طريقا اخرى فيما بين باب الحديد وباب العدوى عند
المكان المعروف بالشيخ شعيب حيث معمل الفواخير وردموا جسر ممتدا ممهدا مستطيلا
يبتدي
من الحد المذكور وينتهي الى جهة المذبح خارج الحسينية
وازلوا ما يتخلل بين ذلك من الابنية والغيطان والاشجار والتلول وقطعوا جانبا كبيرا
من التل الكبير المجاور لقنطرة الحاجب وردموا في طريقهم قطعة من خليج بركة الرطلي
وقطعوا اشجار بستان كاتب البهار المقابل لجسر بركة الرطلي واشجار الجسر ايضا والابنية
التي بين باب الحديد والرحبة التي بظاهر جامع المقس وساروا على المنخفض بحيث صارت
طريقا ممتدة من الازبكية الى جهة قبة النصر المعروفة بقبة العزب جهة العادلية على
خط مستقيم من الجهتين وقيدوا بذلك انفارا منهم يتعاهدون تلك الطرق ويصلحون ما يخرج
منها عن قالب الاعتدال بكثرة الدروس وحوافر الخيول والبغال والحمير وفعلوا هذا
الشغل الكبير والفعل العظيم في أقرب زمن ولم يسخروا احدا في العمل بل كانوا يعطون
الرجال زيادة عن اجرتهم المعتادة ويصرفونهم من بعد الظهيرة ويستعينون في الاشغال 2
وسرعة العمل بالآلات القريبة المأخذ السهلة التناول المساعدة في العمل وقلة الكلفة
كانوا يجعلون بدل الغلقان والقصاع عربات صغيرة ويداها
ممتدتان من خلف يملؤها الفاعل ترابا او طينا او احجارا من مقدمها بسهولة بحيث تسع
مقدار خمسة غلقان ثم يقبض بيديه على خشبتيها المذكورتين ويدفعها امامه فتجرى على عجلتها
بأدنى مساعدة الى محل العمل فيمليها باحدى يديه ويفرغ ما فيها من غير تعب ولا مشق
وكذلك لهم فؤوس وقزم محكمة الصنعة متقنة الوضع وغالب الصناع من جنسهم ولا يقطعون
الاحجار والاخشاب الا بالطرق الهندسية على الزوايا القائمة والخطوط المستقيمة
وجعلوا جامع الظاهر بيبرس خارج الحسينية قلعة ومنارته برجا ووضعوا علىأسواره مدافع
واسكنوا به جماعة من العسكر وبنوا في داخله عدة مساكن تسكنها العسكر المقيمة به
وكان هذا الجامع معطل الشعائر من مدة مدة طويلة وباع نظاره منه أنقاضا وعمدا كثيرة
ومنها أنهم احدثوا على التل المعروف بتل العقارب
الناصرية ابنية وكرانك
وابراجا ووضعوا فيها عدة من آلات الحرب والعساكر
المرابطين فيه
وهدموا عدة دور من دور الامراء وأخدوا أنقاضها ورخامها
لابنيتهم وافردوا للمدبرين والفلكيين وأهل المعرفة والعلوم الرياضية كالهندسة
والهيئة والنقوشات والرسومات والمصورين والكتبة والحساب والمنشئين حارة الناصرية حيث
الدرب الجديد وما به من البيوت مثل بيت قاسم بك وأمير الحاج المعروف بأبي يوسف
وبيت حسن كاشف جركس القديم والجديد الذي أنشأه وشيده وزخرفه وصرف عليه اموالا
عظيمة من مظالم العبادة وعند تمام بياضه وفرشه حدثت هذه الحادثة ففر مع الفارين
وتركه فيه جملة كبيرة من كتبهم وعليها خزان ومباشرون يحفظونها ويحضرونها للطلبة
ومن يريد المراجعة فيراجعون فيها مرادهم فتجتمع الطلبة منهم كل يوم قبل الظهر
بساعتين ويجلسون في فسحة المكان المقابلة لمخازن الكتب على كراسي منصوبة موازية
لتختاة عريضة مستطيلة فيطلب من يريد المراجعة ما يشاء منها فيحضرها له الخازن
فيتصفحون ويراجعون ويكتبون حتى أسافلهم من العساكر واذا حضر اليهم بعض المسلمين
ممن يريد الفرجة لا يمنعونه الدخول الى أعز اماكنهم ويتلقونه بالبشاشة والضحك وأظهار
السرور بمجيئه اليهم وخصوصا أذا رأوا فيه قابلية أو معرفة او تطلعا للنظر في
المعارف بذلوا له مودته ومحبتهم ويحضرون له أنواع الكتب المطبوع بها والاقاليم
والحيوانات والطيور والنباتات وتواريخ القدماء وسير الامم وقصص الانبياء بتصاويرهم
وآياتهم ومعجزاتهم وحوادث اممهم مما يحير الافكار ولقد ذهبت اليهم مرارا واطلعوني
على ذلك فمن جملة ما رأيته كتاب كبير يشتمل على سيرة النبي صلى الله عليه و سلم
ومصورون به صورته الشريفة على قدر مبلغ علمهم واجتهادهم وهو قائم على قدميه ناظرا
الى السماء كالمرهب للخليقة وبيده اليمنى السيف وفي اليسرى الكتاب وحوله الصحابة
رضي الله عنهم بأيديهم السيوف وفي صفحة اخرى صورة الخلفاء الراشدين وفي الاخرى
صورة المعراج والبراق وهو صلى الله عليه و سلم راكب عليه
من صخوره بيت المقدس وصورة بيت المقدس والحرم المكي
والمدني وكذلك صورة الائمة المجتهدين وبقي الخلفاء والسلاطين ومثال اسلامبول وما
بها من المساجد العظام كأياصوفي وجامع السلطان محمد وهيئة المولد النبوي وجمعية
اصناف الناس لذلك السلطان سليمان وهيئة صلاة الجمعة فيه وأبى ايوب الانصاري وهيئة
صلاة الجنازة فيه وصور البلدان والسواحل والبحار والاهرام وبرابي الصعيد والصور والاشكال
والافلام المرسومة وما يختص بكل بلد من أجناس الحيوان والطيور والنبات والاعشاب
وعلوم الطب والتشريح والهندسيات وجر الاثقال وكثير من الكتب الاسلامية مترجم
بلغتهم ورأيت عندهم كتاب الشفاء للقاضي عياض ويعبرون عنه بقولهم شفاء شريف والبردة
للبوصيري ويحفظون جملة من أبياتها وترجموها بلغتهم ورأيت بعضهم يحفظ سورا من
القرآن ولهم تطلع زائد للعلوم وأكثرها الرياضة ومعرفة اللغات واجتهاد كبير في
معرفة اللغة والمنطق ويدأبون في ذلك الليل والنهار وعندهم كتب مفردة لأنواع اللغات
وتصاريفهما واشتقاقاتها بحيث يسهل عليهم نقل ما يريدون من أي لغة كانت الى لغتهم
في أقرب وقت وعند توت الفلكي وتلامذته في مكانهم المختص بها الآلات الفلكية
الغريبة المتقنة الصنعة وآلات الارتفاعات البديعة العجيبة التركيب الغالية الثمن
المصنوعة من الصفر المموه وهي تركب براريم مصنوعة محكمة كل آلة عدة قطع تركب مع بعضها
البعض برباطات وبراريم لطيفة بحيث اذا ركبت صارت آلة كبير أخذت قدرا من الفراغ
وبها نظارات وثقوب ينفذ النظر منها الى المرئي واذا انحل تركيبها وضعت في ظرف صغير
وكذلك نظارات للنظر في الكواكب وارصادها ومعرفة مقاديرها واجرامها وارتفاعاتها
واتصالاتها ومناظرتها وأنواع المنكابات والساعات التي تسير بثواني الدقائق الغريبة
الشكل الغالية الثمن وغير ذلك وأفردوا لجماعة منهم بيت ابراهيم كتخدا السنارى وهم
المصورون لكل شيء ومنهم اريجو المصور وهو يصور صور الآدميين تصويرا يظن من يراه
انه بارز
في الفراغ بجسم يكاد ينطق حتى انه صور صورة المشايخ كل
واحد على حدته في دائرة وكذلك غيرهم من الاعيان وعلقوا ذلك في بعض مجالس صارى عسكر
وآخر في مكان اخر يصور الحيوانات والحشرات واخر يصور الاسماك والحيتان بانواعها
وأسمائها ويأخذون الحيوان او الحوت الغريب الذي لا يوجد ببلادهم فيضعون جسمه بذاته
في ماء مصنوع حافظ للجسم فيبقى على حالته وهيئته لا يتغير ولا يبلى ولو بقي زمنا
طويلا
وكذلك أفردوا اماكن للمهندسين وصناع الدقائق وسكن الحكيم
رويا ببيت ذي الفقار كتخدا بجوار ذلك ووضع آلاته ومساحقه وأهوانه في ناحية وركب له
تنانير وكوانين لتقطير المياه والادهان واستخراج الاملاح وقدورا عظيمة وبرامات
وجعل له مكانا أسفل واعلى وبهما رفوف عليها القدور المملوءة بالتراكيب والمعاجين
والزجاجات المتنوعة وبها كذلك عدة من الاطباء والجرايحية
وأفردوا مكانا في بيت حسن كاشف جركس لصناعة الحكمة والطب
الكيماوي وبنوا فيه تنانير مهندمة وآلات تقاطير عجيبة الوضع والات تصاعيد الارواح
وتقاطير المياه وخلاصات المفردات وأملاح الارمدة المستخرجة من الاعشاب والنباتات
واستخراج المياه الجلاءة والحلالة وحول المكان الداخل قوارير وأوان من الزجاج
البلوري المختلف الاشكال والهيئات على الرفوف والسدلات وبداخلها انواع المستخرجات
ومن أغرب ما رأيته في ذلك المكان ان بعض المتقيدين لذلك
أخذ زجاجة من الزجاجات الموضوع فيها بعض المياه المستخرجة فصب منها شيئا في كأس ثم
صب عليها شيئا من زجاجة اخرى فعلا المآن وصعد منه دخان ملون حتى انقطع وجف مافي
الكأس وصار حجرا أصفر فقلبه على البرجات حجرا يابسا أخذناه بأيدينا ونظرناه ثم فعل
كذلك بمياه أخرى فجمد حجرا أزرق وباخرى فجمد حجرا أحمر ياقوتيا وأخذ مرة شيئا قليلا
حدا من غبار أبيض ووضعه على السندال وضربه بالمطرقة بلطف
فخرج له صوت هائل كصوت القرابانة انزعجنا منه فضحكوا منا
واخذ مرة زجاجة فارغة مستطيلة في مقدار الشبر ضيقة القسم فغمسها في ماء قراح موضوع
في صندوق من الخشب مصفح الداخل بالرصاص وأدخل معها اخرى على غير هيئتها وأنزلهما
في الماء وأصعدهما بحركة انحبس بها الهواء في أحدهما وآتى آخر بفتيلة مشتعلة وأبرز
ذلك فم الزجاجة من الماء وقرب الآخر الشعلة اليها في الحال فخرج ما فيها من الهواء
المحبوس وفرقع بصوت هائل ايضا وغير ذلك امور كثيرة وبراهين حكمية تتولد من اجتماع
العناصر وملاقاة الطبائع ومثل الفلكة المستديرة التي يديرون بها الزجاج فيتولد من
حركتها شرر يطير بملاقاة ادنى شيء كثيف ويظهر له صوت وطقطقة واذا مسك علاقتها شخص
ولو خيطا لطيفا متصلابها ولمس آخر الزجاجة الدائرة او ما قرب منها بيده الاخرى
ارتج بدنه وارتعد جسمه وطقطقت عظام أكتافه وسواعده في الحال برجة سريعة ومن لمس
هذا اللامس او شيئا من ثيابه او شيئا متصلا به حصل له ذلك ولو كانوا ألفا أو أكثر
ولهم فيه امور وأ وال وتراكيب غريبة ينتج منها نتائج لا يسعها عقول امثالنا
وأفردوا ايضا مكنا للنجارين وصناع الالآت والاخشاب
وطواحين الهواء والعربات واللوازم لهم في اشغالهم وهندساتهم وارباب صنعائهم ومكانا
آخر للحدادين وبنوا فيه كوانين عظاما وعليها منافيخ كبار يخرج منها الهواء متصلا
كثيرا بحيث يجذبه النافخ من أعلى بحركة لطيفة وصنعوا السندانات والمطارق العظام
لصناعات الآلات من الحديد والمخارط وركبوا مخارط عظيمة لخرط القلوزات الحديد العظيمة
ولهم فلكات مثقلة يديرها الرجال للمعلم الخراط للحديد بالاقلام المتينة الجافية
وعليها حق صغير معلق مثقوب وفيه ماء يقطر على محل الخرط لتبريد النارية الحادثة من
الاصطكاك وباعلى هذه الامكنة صناع الامور الدقيقة مثل البركارات وآلات الساعات
والآلات الهندسية المتقنة وغير ذلك
شهر رجب سنة استهل بيوم الاحد في ثالثه قتلوا شخص من
الاجناد يقال له مصطفى كاشف من جماعة حسين بك المعروف بشفت وكان قد فر مع الفارين
ثم رجع من غير استئذان وأقام أياما مستترا ببيت الشيخ سليمان الفيومي فسلمه لمصطفى
أغا مستحفظان ليأخذ له أمانا فأخبر الفرنسيس بشأنه وأغراهم عليه فأمروه بقتله فقطع
رأسه وطافوا بها ينادون عليها بقولهم هذا جزاء من يدخل الى مصر بغير أذن الفرنسيس
وفي يوم الخميس حضر كبير الفرنسيس الذي بناحية قليوب وصحبته
سليمان الشواربي شيخ الناحية وكبيرها فلما حضر حبسوه بالقلعة قبل انهم عثروا له
على مكتوب ارسله وقت الفتنة السابقة الى سر ياقوس لينهض أهل تلك النواحي في القيام
ويأمرهم بالحضور وقت ان يرى الغلبة على الفرنسيس ولما حبسوه وحبسوا معه اربعة من
الاجناد ايضا
وفيه احدثوا مرمارا يضربونه في كل يوم وقت الزوال لان
ذلك الوقت عندهم ابتداء اليوم
وفي يوم الاربعاء عاشره نادوا في الاسواق بان من أراد أن
يشتري فرسا أو حمارا فليحضر يوم الجمعة ثالث عشره ببولاق ويشتري من الفرنساويه ما
أحب من ذلك وكتبوا بذلك اوراقا وألصقوها بالاسواق والازقة وهي مطوعة وعليها الصورة
ونصها فليكن معلوما عند كافة الرعايا المصرية ان في يوم الجمعة ثلاثة عشر من شهر
رجب الساعة اثنين يباع في بولاق جملة خيل من المشيخة الفرنساوية فلاجل هذا المشتري
كل من اراد ان يقتنى خيلا فمنحنا له الاجازة انه يقتنى كما يريد ويشاء
وفي يوم الاثنين سادس عشره سافر صارى عسكر بونابارته الى
السويس وأخذ صحبته السيد احمد المحروقي وابراهيم افندي كاتب البهار وأخذ معه ايضا
بعض المدبرين والمهندسين والمصورين وجرجس الجوهري والطون أبو طاقية وغيرهم وعدة
كثيرة من عساكر الخيالة والمشاة وبعض مدافع وعربات وتختروان وعدة جمال لحمل
الذخيرة والماء والقومانية
وفيه شرعوا في ترتيب الديوان على تنظيم اخر وعينوا له
ستين نفرا منهم اربعة عشر يقال لهم خصوص وهم الذين يحضرون دائما ويقال لهم الديوان
الخصوصي والديوان الديمومي والباقي بحسب الاقتضاء والاربعة عشر هم من المشايخ
الشرقاوي والمهدي والصاوي والبكري والفيومي ومن التجار المحروقي واحمد محرم ومن
النصارى القبطة لطف الله المصري ومن الشوام يوسف فرحات ومخاييل كحيل ورواحة الانكليزي
وبودني وموسى كافر الفرنساوي ومعهم وكلاء ومباشرون من الفرنسيس ومترجمون وأما العمومي
فأكثره مشايخ حرف وكتبوا بذلك طومارا كبيرا بصموا منه نسخا كثيرة وأرسلوا منها
نسخا كثيرة للاعيان وألصقوا منها بالاسواق على العادة وأرسلوا اللذين عينوا
بالديوان أوراقا باسمائهم شبه التقارير وصورة صدر ذلك الطومار المكتتب في شأن ذلك
وقد أوردت ذلك وان كان فيه بعض طول للاطلاع على ما فيه من التمويهات على العقول
والتسلق على دعوى الخواص من البشر بفاسد التخيلات التي تنادى على بطلانها بديهة
العقل فضلا عن النظر وهي مقولة على لسان بونابارته كبير الفرنسيس ونصه
بسم الله الرحمن الرحيم من امير الجيوش الفرنساويه خطابا
الى كافة أهالي مصر الخاص والعام نعلمكم ان بعض الناس الضالين العقول الخليين من
المعرفة وادراك العواقب سابقا اوقعوا الفتنة والشرور بين القاطنين بمصر فأهلكهم
لله بسبب فعلهم ونيتهم القبيحة والباري سبحانه وتعالى أمرني بالشفقة والرحمة على
العباد فامتثلث أمره وصرت رحيما بكم شفوقا عليكم ولكن كان حصل عندي غيظ وغم شديد بحسب
تحريك هذه الفتنة بينكم ولاجل ذلك أبطلت الديوان الذي كنت رتبته لنظام البلد وصلاح
اموالكم من مدة شهرين والان توجه خاطرنا الى ترتيب الديوان كما كان لان حسن
احوالكم ومعاملتكم في المدة المذكورة انسانا ذنوب الاشرار وأهل الفتنة التي وقعت
سابقا أيها العلماء والاشراف أعلم وأمتكم ومعاشر رعيتكم بان الذي يعاديني ويخاصمني
انما خصامه
من ضلال عقله وفساد فكرة فلا يجد ملجأ ولا مخلصا ينجيه
مني في هذا العالم ولا ينجو من بين يدي الله لمعارضته لمقادير الله سبحانه وتعالى
والعاقل يعرف ان ما فعلناه بتقدير الله تعالى وارادته وقضائه ومن يشك في ذلك فهو
احمق واعمى البصيرة واعلموا ايضا امتكم ان الله قدر في الازل هلاك اعداء الاسلام
وتكسير الصلبان على يدي وقدر في الآزل أني اجيء من المغرب الى أرض مصر لهلاك الذين
ظلموا فيها واجراء الامر الذي امرت به ولا يشك العاقل ان هذا كله بتقدير الله
وارادته وقضائه واعلموا ايضا أمتكم ان القرآن لعظيم صرح في ايات كثيرة بوقوع الذي
حصل واشار في ايات اخرى الى امور تقع في المستقبل وكلام الله في كتابه صدق وحق لا
يتخلف اذا تقرر هذا وثبتت هذه المقالات في آذانكم فلترجع أمتكم جميعا الى صفاء
النية واخلاص الطوية فان منهم من يمتنع عن الغي واظهار عداوتي خوفا من سلاحي وشدة
سطوتي ولم يعلموا ان الله مطلع على السرائر يعلم خائنه الاعين وما تخفي الصدور
والذي يفعل ذلك يكون معارضا لاحكام الله ومنافقا وعليه اللعنة والنقمة من الله
غلام الغيوب واعلموا ايضا اني أقدر على اظهار ما في نفس كل أحد منكم لانني أعرف
احوال الشخص وما انطوى عليه بمجرد ما اراه وان كنت لا اتكلم ولا انطق بالذي عنده
ولكن يأتي وقت ويوم يظهر لكم بالمعاينة ان كل ما فعلته وحكمت به فهو حكم الهي لا
يرد وان اجتهاد الانسان غاية جهده ما يمنعه عن قضاء الله الذي قدره وأجراه على يدي
فطوبى للذين يسارعون في اتحادهم وهمتهم مع صفاء النية واخلاص السريرة والسلام
ورتبوا لارباب الديوان الديمومي شهرته تدفع اليهم نظير
تقيدهم بمصالح العامة والدعاوى وما يترتب عليه النظام بينهم وبين المسلمين
وفي ثامن عشرة طافوا على الطواحين واختاروا من كل طاحون
فرسا اخذوها
وفي رابع عشرينه حضر السيد المحروقي وكاتب البهار من
السويس
وكان سارى عسكر ذهب الى ناحية بلبيس فأستأذونه في ذهابهم
الى مصر فأذن لهم وأرسل معهم خمسين عسكريا ليوصلوهم الى مصر فلما حضروا حكوا أن
أهل السويس لما بلغهم مجيء الفرنساوية هربوا وأخلوا البلدة فذهبوا الى الطور وذهب البعض
الى العرب بالبادية فنهب الفرنسيس ما وجدوه بالبندر من البن والمتاجر والامتعة
وغير ذلك وهدموا الدور وكسروا الاخشاب وخوابي الماء فلما حضر كبيرهم وكان متأخرا
عنهم كلمه التجار الذاهبون معه وأعلموه أن هذا الفعل غير صالح فاسترد من العسكر
بعض الذي أخذوه ووعدهم باسترجاع الباق أو دفع ثمنه بمصر وأن يكتبوا قائمة
بالمنهوبات ثم انه وجد مركبان حضرا الى قريب من السويس بهما بن ومتاجر فغرقت
احداهما فنزلت طائفة من الفرنسيس في مراكب صغار وذهبوا اليها في الغاطس وأخرجوها
بآلات ركبوها واصطنعوها من علم جر الاثقال وفي مدة اقامته بالسويس صار يركب ويتأمل
في النواحي وجهات ساحل البحر والبر ليلا ونهارا وكان معه من الادم في هذه السفرة
ثلاثة طيور دجاج محمرة ملفوفة في ورق وليس معه طباخ ولا فراش ولا فرش ولا خيمة وكل
شخص من عسكره معه رغيف كبير مرشوق في طرف خربته يتزود منه ويشرب من سقاء لطيف من صفيح
معلق في عنقه
وفي يوم السبت حضر عدة من العسكر الفرنساوية من ناحية
بلبيس ومعهم عدة من العربان نحو الثلاثين نفرا موثقون بالحبال وأسروا ايضا عدة من
اولادهم ذكورا واناثا ودخلوا بهم الى مصر يزفونهم بالطبول أمامهم ومعهم ايضا ثلاثة
حمول من حمول التجار وبعض جمال مما كان نهب منهم عند رجوعهم من الحج
وفي ليلة الاثنين غايته حضر سارى عسكر من ناحية بلبيس
الى مصر ليلا وأحضر معه عدة عربان وعبد الرحمن أباظة أخو سليمان أباظة شيخ
العيايدة وخلافه رهائن وضربوا أبو زعبل والمنير وأخذوا مواشيهم وحضروا بهم الى
القاهرة وخلفهم اصحابهم رجالا ونساء وصغارا وفي
ذلك اليوم قتلوا شيخ العرب سليمان الشواربي شيخ قليوب
ومعه ايضا ثلاثة رجال يقال لهم عرب الشرقية فأنزلوهم من القلعة الى الرميلة على يد
الاغا وقطعوا رؤوسهم وحملوا جثة الشواربي مع رأسه في تابوت وأخذه اتباعه في بلده
قليوب ليدفن هناك عند اسلافه وانقضى هذا الشهر وحوادثه الجزئية والكلية
منها ان في ليلة السابع والعشرين منه أتت جماعة الى دار
الشيخ محمد ابن الجوهري الكائن بالازبكية بالقرب من باب الهواء فخلعوا الشباك
المطل على البركة ودخلوا منه وصعدوا الى أعلى الدار وكان بها ثلاثة من النساء
الخدامات وابنة خدامة ايضا وبواب الدار ولم يكن رب الدار بها ولا الحريم بل كانوا
قد انتقلوا الى دار أخرى لما سكن معظم العسكر بالازبكية فاستيقظ النساء وصرخن فضربوهن
وقتلوا منهن امرأة واختفت البنت في جهة وعاثوا في الدار وأخذوا متاعا ومصاغا
ونزلوا واستيقظ البواب فأختفى خوفا منهم فلما طلع النهار وشاع الخبر وكان سارى
عسكر غائبا فلم يقع كلام في شأن ذلك فلما قدم من سفره ركب مشايخ الديوان وأخبروه
فاغتم لذلك وأظهر الغيظ وذم فاعل ذلك لما فيه من العار الذي يلحقه واهتم في الفحص
عمن فعل ذلك وقتله
ومنها كثرة تعدي القلقات وتشديدهم على وقود القناديل
بالازقة هم من أهل البلد واذا مروا بالليل ووجدوا قنديلا اطفاه الهواء وفرغ زيته
سمروا الحانوت او الدار التي هو عليها ولا يقلعون المسمار حتى يصالحهم صاحبها على
ما احبوه من الدراهم وربما تعمدوا كسر القناديل لاجل ذلك واتفق ان المطراطفا عدة
قناديل بسوق أمير الجيوش بسبب كونها في ظروف من الورق والجرير فابتل الورق وسال
الماء فأطفأ القنديل فسمروا حوانيت السوق واصبح اهلها صالحوا عليها ووقع مثل ذلك في
طرق عديدة فجمعوا في ذلك اليوم جملة من الدراهم وامثال ذلك حتى في الازقة والعطف
الغير النافذة حتى كان الناس ليس لهم شغل الا القناديل وتفقد حالها وخصوصا في ليل
الشتاء الطويل
شهر شعبان المعظم سنة استهل بيوم الثلاثاء فيه قتلوا
ثلاثة انفار من الفرنسيس وبندقوا عليهم بالرصاص بالميدان تحت القلعة قيل انهم من
المتسلقين على الدور
وفيه اخبر السفار بان مراد بك ومن معه ترفعوا الى قبلي
ووصلوا الى عقبة الهواء وكلما قرب منهم عسكر الفرنساوية انتقلوا وقبلوا ولقد
داخلهم من الفرنساوية خوف شديد ولم يقع بينهم ملاقاة ولا قتال
وفيه قدمت رباعة تحمل البن الذي حضر من السويس بالمركب
الداو يصحبه جماعة من الفرنساوية لخفارتها من قطاع الطريق
وفي يوم الاحد سادسه نادى القبطان الفرنساوي الساكن
بالمشهد الحسيني على أهل تلك الخطة وما جاورها بفتح الحوانيت والاسواق لاجل مولد
الحسين وشد في ذلك ووعد من اغلق حانوته بتسميره وتغريمه عشرة ريال فراسنة مكافأة
له على ذلك وكان السبب في ذلك والاصل فيه ان هذا المولد ابتدعه السيد بدوي بن فتيح
مباشر وقف المشهد فكان قد اعتراه مرض الحب الافرنجي فنذر على نفسه هذا المولد أن
شفاه الله تعالى فحصلت له بعض افاقة فابتدأ به وأوقد في المسجد والقبة قناديل وبعض
شموع ورتب فقهاء يقرأون القرآن بالنهار مدارسة واخرين بالمسجد يقرأون بالليل دلائل
الخيرات للجذولي ثم زاد الحال وانضم اليهم كثير من اهل البدع كجماعة العفيفي
والسمان والعربي والعيسوية فمنهم من يتحلق ويذكر الجلالة ويحرفها وينشد له
المنشدون القصائد والموالات ومنهم من يقول أبياتا من بردة المديح للبوصيري
ويجاوبهم آخرون مقابلون لهم بصيغة صلاة على النبي صلى الله عليه و سلم وأما
العيسوية فهم جماعة من المغاربة وما دخل فيهم من أهل الاهواء ينسبون الى شيخ من
اهل المغرب يقال له سيدي محمد بن عيسى وطريقتهم انهم يجلسون قبالة بعضهم صفين
ويقولون كلاما معوجا بلغتهم بنغم وطريقة مشوا عليها وبين أيديهم طبول ودفوف يضربون
عليها على
قدر النغم ضربا شديدا مع ارتفاع اصواتهم وتقف جماعة اخرى
قبالة الذين يضربون بالدفوف فيضعون اكتافهم في اكتاف بعض لا يخرج واحد عن الآخر
ويلتوون وينتصبون ويرتفعون وينخفضون ويضربون الارض بأرجلهم كل ذلك مع الحركة العنيفة
والقوة الزائدة بحيث لا يقوم هذا المقام الا كل من عرف بالقوة وهذه الحركات
والايقاعات على نمط الضرب بالدفوف فيقع بالمسجد دوى عظيم وضجات من هؤلاء ومن غيرهم
من جماعة الفقراء كل احد له طريقة وكيفية تباين الاخرى هذا مع ما ينضم الى ذلك من
جمع العوام وتحلقهم بالمسجد للحديث والهذيان وكثرة اللغط والحكايات والاضاحيك
والتلفت الى حسبان الغلمان الذين يحضرون للتفرج والسعي خلفهم والافتتان بهم ورمى
قشور اللب والمكسرات والمأكولات في المسجد وطواف الباعة بالمأكولات علىالناس فيه
وسقاة الماء فيصير المسجد بما اجتمع فيه من هذه القاذورات والعفوش ملتحقا بالاسواق
الممتهنة ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ثم زاد الحال على ذلك بقدوم
جماعة الاشاير من الحارات البعيدة والقريبة وبين أيديهم مناور القناديل والجوامع
العظيمة التي تحملها الرجال والشموع والطبول والزمور ويتكلمون بكلام محرف يظنون
انه ذكر وتوسلات يثابون عليها وينسبون من يلومهم او يعترضهم الى الاعتزال والخروج
والزندقة وغالبهم السوقة وأهل الحرف السافلة ومن لا يملك قوت ليلته فتجد أحدهم
يجتهد بقوة سعيه ويبيع متاعه او يستدين الجملة من الدراهم ويصرفها في وقود
القناديل وأجرة الطبالة والزمارة وكل يجتمع عليه ما هو من أمثاله من الحرافيش ثم
يقطع ليلته تلك سهرانا ويصبح دايخا كسلانا ويظن انه بات يتعبد ويذكر ويتهجد واستمر
هذا المولد أكثر من عشر سنين ولم يزدد الناذر لذلك الا مرضا ومقتا واستجلب خدمة
الضريح مالاح لهم من خساف العقول مثل الشمع والدراهم واتخذوا ذلك حبالة لاكل أموال
الناس بالباطل فلما حصلت هذه الحادثة بمصر ترك هذا المولد في جملة المتروكات ثم
حصلت الفتنة التي حصلت وسكن هذا الفرنساوي
في خط المشهد الحسيني لضبط تلك الجهة وفيه مسايرة
ومداهنة فصار يظهر المحبة للمسلمين ويلاطفهم ويدخل بيوت الجيران ويقبل شفاعة
المتشفعين ويجل الفقهاء ويعظمهم ويكرمهم وأبطل وقوف عسكره بالسلاح كعادتهم في غير
هذه الجهة وكذلك منع ما يفعله القلقات من أنواع التشديد على الناس في مثل القناديل
فأطمأن به أهل الخطة وتراجعوا للبكور الى الصلاة في المساجد بعد تخوفهم من العسكر
الذي رتب معهم وتركهم التبكير فلما أنسوا به وعرفوا اخلاقه رجعوا لعادتهم ومشوا
بالليل ايضا بدون فزع وخوف وترجمانه على مثل طريقته وهو رجل شريف من أهل حلب كان
اسيرا بمالطة فاستخلصه الفرنسيس في جملة من استخلصوه من أسرىمالطة وقدم معهم مصر فلما
أجلس هذا الضبط الخط كان ترجمانه يهوديا فأحتال بعض أعيان الجهة ورتب هذا الشريف
المذكور ليكون فيه راحة للناس ففتح له قهوة بالخط بالقرب من دار مخدومه وجمع الناس
للجلوس فيها والسهر حصة من الليل وامرهم بعدم غلق الحوانيت مقدارا من الليل
كعادتهم القديمة فأستأنسوا بالاجتماعات والتسلي والخلاعات وعم ذلك جهات تلك الخطة
ووافق ذلك هوى العامة لان أكثرهم مطبوع على المجون والخلاعة وتلك هي طبيعة
الفرنساوية فصاروا يجتمعون عنده للسمر والحديث واللعب والممازحة ويحضر معهم ذلك
الضابط ومعه زوجته وهي من اولاد البلد المخلوعين ايضا فانساق الحديث لذكر هذا
المولد الشهري وما يقع في لياليه من الجمعيات والمهرجان وحسنوا له اعادته فوافقهم
على ذلك وأمر بالمناداة وفتح الحوانيت ووقود القناديل وشدد في ذلك
وفي يوم الاربعاء كتبوا أوراقا بتطيير طيارة ببركة
الازبكية مثل التي سبق ذكرها وفسدت فاجتمعت الناس لذلك وقت الظهر وطيروها وصعدت
الى الاعلى ومرت الى أن وصلت تلال البرقية وسقطت ولو ساعدها الريح وغابت عن الاعين
لتمت الحيلة وقالوا انها سافرت الى البلاد البعيدة بزعمهم
وفيه سافر الخواجة مجلون الى الصعيد واليا على جرجا
لتحرير البلاد وقبض الاموال والغلال المتأخرة بالنواحي للعز
وفيه سافرت قافلة بها احمال كثيرة ومواش ونساء افرنجيات
وصناديق قيل انهم ارسلوها الى الطور وصحبتهم عدة من العسكر
وفي يوم الخميس عاشره حضر طائفة من العسكر الفرنساوي الى
وكالة ذي الفقار بالجمالية ففتحوا طبقة كانت لكتخدا علي باشا الطرابلسي وأخذوا ما
وجدوه بها من الامتعة وختموا عدة حواصل وطباق بذلك الخان وبالوكالة الجديدة وغيرها
للمسافرين والهاربين والقليونجية وضبطوا ما بها وقبضوا على جماعة من الاتراك
والقليونجية التجار وسجنوهم بالقلعة وصاروا يفتشون على من بقى منهم بالقاهرة
وبولاق خصوصا الكرتلية الذين كانوا عسكرا لمراد بك وأخذوا الكثير من نصارى الاروام
والقليونجية الذين كانوا مع مراد بك وبعضهم كان بمصر فأدخلوهم في عسكرهم وزيوهم
بزيهم وأعطوهم اسلحة وانتظموا في سلكهم
وفيه تواترت الاخبار ان علي باشا ونصوح باشا فارقا مراد
بك وذهبا من خلف الجبل على الهجن الى جهة الشام وصحبتهم جماعة ابراهيم بك وكان
ذهابهم في اواخر رجب
وفيه نادوا بأبطال القناديل التي توقد في الليل على
البيوت والدكاكين وان يوقدوا عوضها في وسط السوق مجامع في كل مجمع اربع قناديل بين
كل مجمع ثلاثون ذراعا ويقوم بذلك الاغنياء دون الفقراء ولا علاقة للقلقات في ذلك
ففرح بذلك فقراء الناس وانفرجت عنهم هذه الكربة
وفيه نادوا ايضا ان كل من كان له دعوى شرعية او ظلامة
فليذهب الى العلماء والقاضي
وفيه ذهب طائفة من العسكر وضربوا عرب الكوامل ورجعوا
بمنهوباتهم من الغنم والمعز والدجاج والاوز والحمير وغير ذلك
وفيه حضر رجل من ناحية غزة يطلب امانا للست فاطمة زوجة
مراد بك ولابنة المرحوم محمد افندي البكري وزوجها الامير ذي الفقار وخشداشينه
والخطاب للشيخ خليل البكري فعرض ذلك على ساري عسكر وترجى
عنده فكتب له امان بحضورهم وارسل لهم نفقة وكان ذلك حيلة منهم لتأتيهم النفقة وبعض
الاحتياجات واخبر ذلك الرسول ان عبد الله باشا ابن العظم بغزة وابراهيم بك ومن معه
خارج البلد وهم في ضيق وحصر وحيز عنهم داخل البلد
وفيه ذهب عدة من العسكر الفرنساوية الى قطبا وشرعوا في
بناء ابنية هناك واشيع سفر ساري عسكر الى جهة الشام والاغارة عليها
وفي ليل الاحد ثالث عشرة كان انتقال الشمس لبرج الدلو
وهو اول شهر من شهورهم وعملوا تلك الليلة حراقة بارود وسواريخ كما هي عادتهم عند
كل انتقال الشمس من برج الى برج
وفي يوم الاثنين رابع عشره نادى المحتسب على اللحم
الضاني بسبعة انصاف الرطل وكان بثمانية واللحم الجاموسي بخمسة وكان بستة
وفيه ذهب طائفة من العسكر وضربوا عرب العيايدة نواحي
الخانكة وقتلوا منهم طائفة ونهبوهم ووجدوا من منهوبات الناس وأمتعة عسكر
الفرنساوية واسلحتهم جملة فأخذوا ذلك مع ما أخذوه وأحضروا معهم بعض رجال ونساء
حبسوهم بالقلعة وفيه ذهب عدة من العسكر الى صنافير واجهور الورد وقرنفيل وكفر
منصور وبلاد اخرى للتفتيش على العرب فأخذوا ما وجدوه للعرب من بهائم وغيرها والذي
عصى عليهم ضربوه ونهبوه ايضا ونهبوا جمالا وبهائم ممن لم يعص ايضا ودخلوا بذلك المدينة
فصاروا يبيعون البقرة بريالين وثلاثة والنعجة وابنها بريال فاشترى غالب ذلك نصارى
القبط
وفي يوم السبت قتلوا بالقلعة نحو التسعين نفرا وغالبهم
من المماليك الذين وجدوهم هاربين في البلاد والذين عس عليهم الخبيث الاغا وبرطلمين
والقلقات ووجدوهم مختفين في البيوت
وفيه قبضوا على خمسة أنفار من اليهود وأمرأتين فألقوا
الجميع في بحر النيل وفيه نادوا بان كل من اشترى شيئا من منهوبات العرب التي
نهبتها العسكر يحضره لبيت صارى عسكر
وفيه كثر الاهتمام والحركة بسفر الفرنسيس الى جهة الشام
وطلبوا وهيؤا جملة من الهجن وأحضروا جمال عرب الترابين ليحملوا عليها الذخيرة
والدقيق والعليق والبقسماط ثم رسموا على الاهالي عدة كبيرة من الحمير وكذلك عدة من
البغال فطلب شيخ الحمارة وأمر بجمع ذلك وكذلك الركبداريه أمرهم بجمع البغال فاختفى
غالب أصحاب الحمير وخاف الناس على حميرهم فأمتنع خروج السقائين الذين ينقلون الماء
بالقرب على الحمير وسقائين الجمال والبراسمية فحصل للناس ضيق بسبب ذلك
وفي يوم الاثنين حادي عشرينه كتبوا أرواقا ولصقوها
بالاسواق على العادة ونصها
الحمد لله وحده وهذا خطاب الى جميع اهل مصر من خاص وعام
من محفل الديوان الخصوصي من عقلاء الانام علماء الاسلام والوجاقات والتجار الفخام
نعلمكم معاشر اهل مصر ان حضرة ساري عسكر الكبير بونابارته أمير الجيوش الفرنساوية صفح
الصفح الكلي عن كامل الناس والرعية بسبب ما حصل من أراذل أهل البلد والجعيدية من
الفتنة والشر مع العساكر الفرنساوية وعفا عفوا شاملا وأعاد الديوان الخصوصي في بيت
قائد اغا بالازبكية ورتبه من اربعة عشر شخصا اصحاب معرفة واتقان خرجوا بالقرعة من
ستين رجلا كان انتخبهم بموجب فرمان وذلك لاجل قضايا حوايج الرعايا وحصول الراحة
لاهل مصر من خاص وعام وتنظيمها على أكمل نظام واحكام كل ذلك من كمال عقله وحسن
تدبيره ومزيد حبه بمصر وشفقته على سكانها من صغير القوم قبل كبيره رتبهم بالمنزل
المذكور كل يوم لاجل خلاص المظلوم من الظالم وقد اقتص من عسكره الذين اساؤا بمنزل
الشيخ محمد الجوهري وقتل منهم اثنين بقراميدان وأنزل طائفة منهم عن مقامهم العالي
الى أدنى مقام لان الخيانة ليست من عادة الفرنسيس خصوصا مع النساء الارامل فان ذلك
قبيح عندهم
لا يفعله الا كل خسيس ووضع القبض بالقلعة على رجل نصراني
مكاس لانه بلغه انه زاد المظالم في الجمرك بمصر القديمة على الناس ففعل ذلك بحسن
تدبيره ليمتنع غيره من الظلم ومراده رفع الظلم عن كامل الخلق ويفتح الخليج الموصل
من بحر النيل الى بحر السويس لتخف اجرة الحمل من مصر الى قطر الحجاز الافخم وتحفظ
البضائع من اللصوص وقطاع الطريق وتكثر عليهم أسباب التجارة من الهند واليمن وكل فج
عميق فاشتغلوا بأمر دينكم واسباب دنياكم واتركوا الفتنة والشرور ولا تطيعوا
شيطانكم وهواكم وعليكم بالرضا بقضاء الله وحسن الاستقامة لاجل خلاصكم من اسباب
العطب والوقوع في الندامة رزقنا الله واياكم التوفيق والتسليم ومن كانت له حاجة
فليأت الى الديوان بقلب سليم الا من كان له دعوى شرعية فليتوجه الى قاضي العسكر
المتولي بمصر المحمية بخط السكرية والسلام عن أفضل الرسل على الدوام
وفيه أرسلوا الوالي لينبه على السقائين بنقل الماء وعدم
التعرض لهم ولحميرهم
وفي ليلة الاربعاء ثالث عشرينه خرج عدة كبيرة من العسكر
وطلب كبير الفرنساوية بونابارته ان يأخذ معه مصطفى بك كتخدا الباشا المتولي أمير الحاج
ويأخذ ايضا قاضي العسكر بجمقشي زاده وأربعة أنفار من المتعممين وهم الفيومي
والصاوي والعريشي والدواخلي وجماعة ايضا من التجار والوجاقلية ونصارى القبط
والشوام
وفي سادس عشرينه نادوا للناس بالامان وفتح الاسواق ليلا
في رمضان حكم المعتاد
وفيه انتقل قائمقام من بيته المطل على بركة الفيل وهو
بيت ابراهيم بك الوالي وسكن بيت أيوب بك الكبير المطل على بركة الفيل وانتقلوا
جميعهم الى بركة الازبكية
وفيه أعرض حسن أغا محرم المحتسب لسارى عسكر امر ركوبه
المعتاد لاثبات هلال رمضان فرسم له بذلك على العادة القديمة فاحتفل لذلك
المحتسب احتفالا زائدا وعمل وليمة عظيمة في بيته أربعة
ايام اولها السبت وآخرها الثلاثاء دعا في اول يوم العلماء والفقهاء والمشايخ
والوجاقلية وغيرهم وفي ثاني التجار والاعيان وكذلك ثالث يوم ورابع يوم دعا ايضا
أكابر الفرنساوية وأصاغرهم وركب يوم الثلاثاء بالابهة الكاملة زيادة عن العادة وامامه
مشايخ الحرف بطبولهم وزمورهم وشق القاهرة على الرسم المعتاد ومر على قائمقام وامير
الحاج وسارى عسكر بونابارته ثم رجع بعد الغروب الى بيت القاضي بين القصرين فانبتوا
هلال رمضان ليلة الاربعاء ثم ركب من هناك بالموكب وامامه المشاغل الكثيرة والطبول
والزمور والنقاقير والمناداة بالصوم وخلفه عدة خيالة عارية رؤسهم وشعورهم مرخية
على أقفيتهم بشكل بشيع مهو ل وانقضى شهر شعبان وحوادثه
فمنها ان اهل مصر جروا على عادتهم في بدعهم التي كانوا
عليها وانكمشوا عن بعضها واحتشموها خوفا من الفرنسيس فلما تدرجوا فيها وأطلق لهم
الفرنساوية القيد ورخصوا لهم وسايروهم رجعوا اليها وانهمكوا في عمل مواليد الاضرحة
التي يرون فرضيتها وانها قربة تنجيهم بزعمهم من المهالك وتقربهم الى الله زلفى في
المسالك فرمحوا في غفلاتهم مع ماهم فيه من الاسر وكساد غالب البضائع وغلوها
وانقطاع الاخبار ومنع الجالب ووقوف الانكليز في البحر وشدة حجزهم على الصادر
والوارد حتى غلت اسعار جميع الاصناف المجلوبة من البحر الرومي وانقطع أثر كثير من
رباب الصنائع التي كسدت لعدم طلابها واحتاجوا الى التكسب بالحرف الدنيئة كبيع
الفطير وقلي السمك وطبخ الاطعمة والمأكولات والاكل في الدكاكين واحداث عدة قهاوى
وأما ارباب الحرف الدنيئة الكاسدة فأكثرهم عمل حمارا مكاريا حتى صارت الازقة خصوصا
جهات العسكر مزدحمة بالحمير التي تكرى للتردد في شوارع مصر فان للفرنسيس بذلك
عناية عظيمة ومغالاة في الاجرة بحيث ان الكثير منهم يظل طول النهار فوق ظهر الحمار
بدون حاجة سوى ان يجري
به مسرعا في الشارع وكذلك تجتمع الجماعة منهم ويركبون
الحمير ويجهدونها في المشي والاسراع وهم يغنون ويضحكون ويصيحون ويتمسخرون ويشاركهم
المكارية في ذلك كما ان لهم العناية وبذل الاموال والتردد الى حانات الراح
والتغالي في شراء الفواكه والبوأطي والاقداح
ومن طبعهم في الشرب انهم يتعاطون لحد النشوة وترويح النفس
فان زادوا عن ذلك الحد لا يخرجون من منازلهم ومن سكر وخرج الى السوق ووقع منه أمر
مخل عاقبوه وعزروه
ومنها ترفع أسافل النصارى من القبط والشوام والاروام
واليهود وركوبهم الخيول وتقلدهم بالسيوف بسبب خدمتهم للفرنسيس ومشيهم الخيلاء وتجاهرهم
بفاحش القول واستذلالهم المسلمين كل ذلك بما كسبت ايديهم وما ربك بظلام للعبيد
والحال الحال والمركوز في الطبع ما زال والبعض استهوته الشياطين ومرق والعياذ
بالله من الدين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
ومنها تواتر الاخبار من ابتداء شهر رجب بان رجلا مغربيا
يقال له الشيخ الكيلاني كان مجاورا بمكة والمدينة والطائف فلما وردت اخبار
الفرنسيس الى الحجاز وانهم ملكوا الديار المصرية انزعج اهل الحجاز ويدعوهم الى
الجهادويحرضهم على نصرة الحق والدين وقرأ بالحرم كتابا مؤلفا في معنى ذلك فاتعظ
جملة من الناس وبذلوا اموالهم وانفسهم واجتمع نحو الستمائة من المجاهدين وركبوا
البحر الى القصير مع ما انضم اليهم من أهل ينبع وخلافه فورد الخبر في اواخره انه
انضم اليهم جملة من اهل الصعيد وبعض اتراك ومغاربة ممن كان خرج معهم مع غز مصر عند
وقعة انبابة وركب الغز معهم ايضا وحاربوا الفرنسيس فلم تثبت الغز كعادتهم وانهزموا
وتبعهم هوارة الصعيد والمتجمعة من القرى وثبت الحجازيون ثم انكفوا لقلتهم وذلك
بناحية جرجا وهرب الغز والمماليك الى ناحية اسنا وصحبتهم حسن بك الجداوي
وعثمان بك حسن تابعه ووقع بين أهل الحجاز والفرنسيس بعض
حروب غير هذه المرة بعدة مواضع وينفصل الفريقان بدون طائل
ومنها ان الفرنسيس عملوا كرنتيلة بجزيرة بولاق وبنوا
هناك بناء فيحجزون بها القادمين من السفار اياما معدودة كل جهة من الجهات القبلية
لذلك وضجوا بالحرم وجردوا الكعبة وان هذا الشيخ صار يعط الناس والبحرية بحسبها
والله اعلم
ثم استهل شهر رمضان المعظم بيوم الاربعاء سنة 1213
وفيه أخذ بونابارته في الاهتمام بالسفر الى جهة الشام
وجهزوا طلبا كثيرا وصاروا في كل يوم يخرج منهم طائفة بعد طائفة
وفي يوم السبت عمل ساري عسكر ديوانا واحضر المشايخ
والوجاقات وتكلم معهم في أمر خروجه للسفر وانهم قتلوا المماليك الفارين بالصعيد
واجلوا باقيهم الى اقصى الصعيد وانهم متوجهون الى الفرقة الاخرى بناحية غزة
فيقطعونهم ويمهدون البلاد الشامية لاجل سلوك الطريق ومشى القوافل والتجارات برا
وبحرا لعمار القطر وصلاح الاحوال واننا نغيب عنكم شهرا ثم نعود وعند عودنا نرتب النظام
في البلد والشرائع وغير ذلك فعليكم ضبط البلد والرعية في مدة غيابنا ونبهوا مشايخ
الاخطاط والحارات كل كبير يضبط طائفته خوفا من الفتن مع العسكر المقيمين بمصر
فالتزموا له بذلك وكتبوا له اوراقا مطبوعة على العادة في معنى ذلك وألصقوها بالطرق
وفي ذلك اليوم خرج القاضي ومصطفى كتخدا الباشا والمشايخ المعينون للسفر الى جهة
العادلية وخرج ايضا عدة كبيرة من عسكرهم ومعهم احمال كثيرة حتى الاسرة والفرش
والحصر وعدة مواهي ومحفات للنساء والجواري البيض والسود والحبوش اللاتي أخذوها من
بيوت الامراء وتزيا اكثرهن بزي نسائهم الافرنجيات وغير ذلك
وفي يوم الاحد خامسه ركب ساري عسكر الفرنسيس وخرج ايضا
الى العادلية وذلك في الساعة الرابعة بطالع الحمل وفيه القمر في تربيع
زحل وابقى بمصر عدة من العسكر بالقلعة والابراج التي
بنوها على التلول وقائمقام وبوسليك وساري عسكر وبزة بجملة من العسكر في الصعيد
وكذلك سوارى عسكر الاقاليم كل واحد معه عسكر في جهة من الجهات وأخذ معه المديرين
واصحاب المشورة والمترجمين وأرباب الصنائع منهم كالحدادين والنجارين ومهندسي الحروب
وكبيرهم أبو خشبة بمصر ثم تراسل المتخلفون في الخروج كل يوم تخرج منهم جماعة
وفي يوم الثلاثاء سابعه انتدب للنميمة ثلاث من النصارى الشوام
وعرفوهم ان المسلمين قاصدون الوثوب على الفرنسيس في يوم الخميس تاسعه فأرسل
قائمقام خلف المهدي والاغا فأحضرهما وذكر لهما ذلك فقالا له هذا كذب لا أصل له
وانما هذه نميمة من النصارى كراهة منهم في المسلمين ففحص عمن اختلق ذلك فوجدهم
ثلاثة من النصارى الشوام فقبضوا عليهم وسجنوهم بالقلعة حتى مضى يوم الخميس فلم
يظهر صحة ما نقلوه فأبقاهم في الاعتقال ثم ان نصارى الشوام رجعوا الى عادتهم
القديمة في لبس العمائم السود والزرق وتركوا لبس العمائم البيض والشيلان الكشميري
الملونة والمشجرات وذلك بمنع الفرنسيس لهم من ذلك ونبهوا ايضا بالمنادة في أول
رمضان بأن نصارى البلد يمشون على عادتهم مع المسلمين اولا ولا يتجاهرون بالاكل ولا
يشربون الدخان ولا شيئا من ذلك بمرآى منهم كل ذلك للاستجلاب خواطر الرعية حتى ان
بعض الرعية من الفقهاء مر على بعض النصارى وهو يشرب الدخان فانتهزه فرد عليه ردا
شنيعا فنزل ذلك المتعمم وضرب النصراني واجتمع عليه الناس وحضر حاكم الخطة فرفعهما
الى قائمقام فسأل من النصارى الحاضرين عن عادتهم في ذلك فأخبروه ان من عادتهم
القديمة انه اذا استهل شهر رمضان لا يأكلون ولا يشربون في الاسواق ولا بمرأى من
المسلمين ابدا فضرب النصراني وترك المتعمم لسبيله
وفي تاسع عشرينه أحضروا مراد أغا تابع سليمان بك الاغا
ومعه آخر من الاجناد من ناحية قبلي فأصعدوهما القلعة قبل قتلهما
وفي خامس عشرينه ورد الخبر بان الفرنساويه ملكوا قلعة
العريش وطاف رجل من اتباع الشرطة ينادي في الاسواق ان الفرنساوية ملكوا قلعة
العريش وأسروا عدة من المماليك وفي غد يعملون شنكا ويضربون مدافع فاذا سمعتم ذلك
فلا تفزعوا فلما اصبح يوم الاحد حضر المماليك المذكورة وهم ثمانية عشر مملوكا
وأربعة من الكشاف وهم راكبون الحمير ومتقلدون بأسلحتهم ومعهم نحو المائة من عسكر الفرنسيس
وأمامهم طبلهم وخرج بعض الناس فشاهدهم ولما وصلوا الى خارج القاهرة حيث الجامع
الظاهري خرج الاغا وبرطلمين بطوافيهما ينتظرانهم ومعهم طبول وبيارق وطوائف ومشوا
معهم الى الازبكية من الطريق التي أحدثوها ودخلوا بهم الى بيت قائمقام فأخذوا
سلاحهم وأطلقوهم فذهبوا الى بيوتهم وفيهم أحمد كاشف تابع عثمان بن الاشقر وآخر
يقال له حسن كاشف الدويدار وكاشفان اخران وهما يوسف كاشف الرومي واسمعيل كاشف تابع
احمد كاشف المذكور وكان من خبرهم انهم كانوا مقيمين بقلعة العريش وصحبتهم نحو الف
عسكري مغاربة وأرنؤد فحضر لهم الفرنسيس الذين كانوا في المقدمة في أواخر شعبان
فأحاطوا بالقلعة وحاربوهم من داخلها ونالوا منهم ما نالوه ثم حضر اليهم سارى عسكر
بجموعه بعد ايام والحوا في حصارهم فارسل من بالعريش الى غزة فطلب نجدة فأرسلوا لهم
نحو السبعمائة وعليهم قاسم بك امين البحرين فلم يتمكنوا من الوصول الى القلعة
لتحلق الفرنساوية بها وأحاطتهم حولها فنزلوا قريبا من القلعة فكبستهم عسكر
الفرنسيس بالليل فأستشهد قاسم بك وغيره وانهزم الباقون ولم يزل أهل القلعة يحاربون
ويقاتلون حتى فرغ ما عندهم من البارود والذخيرة فطلبوا عند ذلك الامان فأمنوهم ومن
القلعة انزلوهم وذلك بعد أربعة عشر يوما فلما نزلوا على أمانهم ارسلوهم الى مصر مع
الوصية بهم وتخلية سبيلهم فحضروا الى مصر كما ذكر واخذوا سلاحهم وخلوا سبيلهم
وصاروا يترددون عليهم ويعظمونهم ويلاطفونهم ويفرجونهم على صنائعهم
وأحوالهم وأما العسكر الذين كانوا معهم بقلعة العريش
فبعضهم انضاف اليهم وأعطوهم جامكية وعلوفة وجعلوهم بالقلعة مع عسكر من الفرنسيس
والبعض لم يرض بذلك فأخذوا سلاحهم وأطلقوهم الى حال سبيلهم وذهب الفرنسيس الى
ناحية غزة وفي ذلك اليوم بعد الظهرعملوا الشنك الموعود به وضربوا عدة مدافع
بالقلعة والازبكية وأظهر النصارى الفرح والسرور بالاسواق والدور واولموا في بيوتهم
الولائم وغيروا الملابس والعمائم وتجمعوا للهو والخلاعة وزادوا في القبح والشناعة
وفي يوم الاربعاء تدفي احمد كاشف المذكور فجأة وفي عصر
ذلك اليم حضر جماعة من الفرنسيس نحو الخمسة والعشرين وهم راكبون الهجن وعلى رؤوسهم
عمائم بيض ولابسون برانس بيضا على اكتافهم فذهبوا الى بيت قائمقام بالازبكية فلما اصبح
يوم الخميس عملوا الديوان وقرأوا المكاتبة التي حضرت مع الهجانة حاصلها ان
الفرنسيس اخذوا غزة وخان يونس وأخبار مختلفة
منها انهم وجدوا ابراهيم بك ومن معه ارتحلوا من هناك
وكانوا أرسلوا حريمهم واثقالهم الى جبل نابلس وقيل بل تحاربوا معهم وانهزموا وفي
ذلك اليوم بعد العصر بنحو عشرين درجة حضر عدة من الفرنسيس ومعهم كبير منهم وهم
راكبون الخيول وعدة من المشاة وفيهم جماعة لابسون عمائم بيضا وجماعة ايضا ببرانيط
ومعهم نفير ينفخ فيه وبيدهم بيارق وهي التي كانت عند المسلمين على قلعة العريش الى
أن وصلوا الى الجامع الأزهر فأصطفوا رجالا وركبانا بباب الجامع وطلبوا لشيخ الشرقاوي
فسلموه تلك البيارق وأمروه برفعها ونصبها على منارات الجامع الازهر فنصبوا بيريقين
ملونين علىالمنارة الكبيرة ذات الهلالين عند كل هلال بيرقين وعلى منارة اخرى بيرقا
ثالثا وعند دفعهم ذلك ضربوا عدة مدافع من القلعة بهجة وسرورا وكان ذلك ليلة عيد
الفطر فلما كان عند الغروب ضربوا عدة مدافع ايضا اعلاما بالعيد وبعد العشاء الاخير
طاف اصحاب الشرطة ونادوا بالامان وبخروج الناس
على عادتهم لزيارة القبور بالقرافتين والاجتماع لصلاة
العيد وان يلبسوا احسن ثيابهم ولما ملكوا العريش كتبوا اوراقا وأرسلوها الى البلاد
ونصها فرمان عام موجه من امير الجيوش الى اهالي الشام قاطبة
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين من طرف بونابارته امير
الجيوش الفرنساوية الى حضرة المفتين والعلماء وكافة اهالي نواحي غزة والرملة ويافا
حفظهم الله تعالى بعد السلام نعرفكم اننا حررنا لكم هذه السطور نعلمكم اننا حضرنا
في هذا الطرف لقصد طرد المماليك وعسكر الجزار عنكم والى أي سبب حضور عسكر الجزار
وتعديه على بلاد يافا وغزة التي ما كانت من حكمه والى أي سبب ايضا ارسل عساكره الى
قلعة العريش بذلك هجم على اراضي مصر فلا شك كان مراده اجراء الحروب معنا ونحن
حضرنا لنحاربه فاما انتم يا أهالي الاطراف المشار اليها فلم نقصد لكم أذية ولا
أدنى ضرر فأنتم استمروا في محلكم ووطنكم مطمئنين ومرتاحين وأخبروا من كان خارجا عن
محله ووطنه أن يرجع ويقيم في محله ووطنه ومن قبلنا عليكم ثم عليهم الامان الكافي
والحماية التامة ولا أحد يتعرض لكم في مالكم وما تملكه يدكم وقصدنا ان القضاة يلازمون
خدمهم ووظائفهم على ما كانوا عليه وعلى الخصوص ان دين الاسلام لم يزل معتزا
ومعتبرا والجوامع عامرة بالصلاة وزيارة المؤمنين اذ كل خير يأتي من الله تعالى وهو
يعطي النصر لمن يشاء ولا يخفاكم ان جميع ما تأمر به الناس ضدنا فيغدو باطلا ولا
نفع لهم به لان كل ما نضع به يدنا لا بد من تمامه بالخير والذي يتظاهر بالغدر يهلك
ومن كل ما حصل تفهمون جيدا اننا نقمع أعداءنا ونعضد من يحبنا وعلى الخصوص من كوننا
متصفين بالرحمة والشفقة على الفقراء والمساكين
ولما أخذوا غزة أرسلوا طومارا بصورة الواقعة وبصموه نسخا
وقرىء بالديوان وألصقوا نسخة المطبوعة بالاسواق وصورته
بسم الله الرحمن الرحيم ولا عدوان الا على الظالمين نخبر
اهل مصر وأقاليمها انه حضر فرمان مكتوب من غزة من حضرة الجنرال اسكندر
برتبه خطابا الى حضرة سارى عسكر دوجا وكيل الجيوش بمصر
يخبره فيه بان العساكر الفرنساوية باتوا ليلة تسعة عشر شهر رمضان في خان يونس وفي
فجر تلك الليلة توجهوا سائرين الى ناحية غزة فكشفوا قبل الظهر بساعة عسكر المماليك
وعسكر الجزار جالسين تجاه غزة فتوجه اليهم الجنرال مرارا مع عساكر الفرنساوية من
خيالة ومشاة مراده اغتيال عسكر المماليك وعسكر الجزار فلما انتبهوا له فروا هاربين
ووقع بينه وبين أطراف العساكر بعض مضاربة يسيرة لم ينجرح فيها الا شخصان من
الفرنساوية مات عسكري واحد ومات من عسكر المماليك والجزار ناس قلائل وحين تشاغل
سارى عسكر مراد بالمضاربة والمقاتلة دخل حضرة سارى عسكر كلهبر الذي كان حاكما
بالاسكندرية وكان ساكنا بالازبكية الى بندر غزة وملكها من غير معارض له ووجدوا
فيها حواصل مشحونة بالذخائر من بقسماط وشعير وأربعمائة قنطار بارود واثني عشر
مدفعا وحاصلا كبيرا مملوا بالخيام الكثيرة وجللا وبنبات مهيئآت محضرات كصنعة
الافرنج هذا ما وقع لملكهم لغزة وقد اخبرناكم على ما وقع في كيفية ملك العريش
سابقا فاستقيموا عباد الله وارضوا بقضاء اله وتأدبوا في احكام مولاكم الذي خلقكم
وسواكم والسلام ختام
وانقضى شهر رمضان ووقع به قبل ورود هذه الاخبار من السكون
والطمأنينة وخلوا الطرقات من العسكر وعدم مرور المتخلفين منهم الا في النادر
واختفائهم بالليل جملة كافية وانفتاح الاسواق والدكاكين والذهاب والمجيء وزيارة
الاخوان ليلا والمشي على العادة بالفوانيس ودونها واجتماع الناس للسهر في الدور
والقهاوي ووقود المساجد صلاة التراويح وطواف المسحرين والسلي بالرواية والنقول
وترجي المأمول وانحلال الاسعار فيما عدا المجلوبات من الاقطار
ومنها ان الفرنساوية صاروا يدعون أعيان الناس والمشايخ
والتجار للافطار والسحور ويعملون لهم الولائم ويقدمون لهم الموائد على نظام
المسلمين وعادتهم وبتولي أمر ذلك الطباخون والفراشون من
المسلمين تطمينا لخواطرهم ويذهبون هم ايضا ويحضرون عندهم الموائد وياكلون معهم في
وقت الافطار ويشاهدون ترتيبهم ونظامهم ويحذون حذوهم ووقع منهم من المسايرة للناس
وخفض الجانب ما يتعجب منه والله اعمل
شهر شوال سنة استهل بيوم الجمعة وفي صبح ذلك اليوم ضربوا
عدة مدافع لشنك العيد واجتمع الناس لصلاة العيد في المساجد والازهر واتفق ان امام
الجامع الازهر نسي قراءة الفاتحة في الركعة الثانية فلما سلم اعاد الصلاة بعد ما
شنع عليه الجماعة وخرج الرجال والنساء لزيارة القبور فانتبذ بعض الحرافيش نواحي
تربة باب النصر وأسرع في مشيه وهو يقول نزلت عليكم العرب يا ناس فهاجت الناس
وانزعجت النساء ورمحت الجعيدية والحرافيش وخطفوا ثياب النساء وأزرهن وما صادفوه من
عمائم الرجال وغير ذلك واتصل ذلك بتربة المجاورين وباب الوزير والقرافة حتى ان بعض
النساء مات تحت الارجل ولم يكن لهذا الكلام صحة وانما ذلك من مخترعا الاوباش
لينالوا اغراضهم من الخطف بذلك
وفيه ركب أكابر الفرنسيس وطافوا على أعيان البلد وهنوهم
بالعيد وجاملهم الناس بالمدارة ايضا
وفي اوائله وردت الاخبار بان الامراء المصرية القبليين
تفرقوا من بعضهم فذهب مراد بك وآخرون الى نواحي إبراهيم بك ومنهم من ذهب الى ناحية
اسوان والالفي عدي بجماعته الى البر الشرقي
وفي خامسه قدم الشيخ محمد الدواخلي من ناحية القرين
متمرضا وكان بصحبته الصاوي والفيومي متخلفين بالقرين وسبب تخلفهم ان كبير الفرنسيس
لما ارتحل من الصالحية أرسل الى كتخدا الباشا والقاضي والجماعة الذين بصحبتهم
يأمرهم بالحضور الى الصالحية لانهم كانوا يباعدون عنه مرحلة فلما ارادوا ذلك بلغهم
وقوف العرب بالطريق فخافوا من المرور فذهبوا الى العرين فأقاموا هناك واتخذ عسكر
الفرنسيس
جمالهم فأقاموا بمكانهم فتقلق هؤلاء الثلاثة وخافوا سوء
العاقبة ففارقوهم وذهبوا للقرين وتخلف عنهم الفيومي فأقام مع كتخدا الباشا والقاضي
فحصل للدواخلي توعك فحضر الى مصر وبقي رفيقاه في حيرة
وفي سابعه احضر الاغا رجلا ورمى عنقه عند باب زويلة وشنق
امرأة علىشباك السبيل تجاه الباب والسبب في ذلك ان الفرنساوي حاكم خط الخليفة وجهة
الركيبة ويسى دلوى احضر باعة الغلال بالرميلة وصادرهم ومنعهم من دفع معتاد الوالي
فاجتمعوا وذهبوا الى كبير الفرنسيس الذي يقال له شيخ البلد وشكوا اليه وكان الامير
ذو الفقار حاضرا وهو يسكن تلك الجهة فعضدهم وعرف شيخ البلد عن شكواهم فأرسل شيخ
البلد الى دلوى فأنتهره وأمره برد ما أخذه فأخبره اتباعه ان ذا الفقار هو الذي
عضدهم وأنهى شكواهم الى كبيرهم فقام دلوى المذكور ودخل على ذي الفقار في بيته وسبه
وشتمه بلغته وفزع عليه ليضربه فلما خرج من عنده قام ودهب الى كبيرهم واخبره بفعل
دلوى معه فأمر باحضاره وحبسه بالقلعة ثم أخبر بعض الناس شيخ البلد ان العرض الذي
وقع من دلوى لباعة الغلة انما هو باغراء خادمة وعرفه ان خادمه المذكور مولع بأمرأة
رقاصة من الرميلة تأتيه باشكالها هو واضرابه وترقص لهم تلك المرأة في القهوة التي
بخطهم ليلا ونهارا وتبيت معهم في البيت ويصبحون على حالهم فلما حبس أميرهم اختفوا فدلوا
على الرجل والمرأة فقبضوا عليهما وفعلوا بهما ما ذكر ولا بأس بما حصل
وفي ثامنه يوم الجمعة نودى في الاسواق بموكب كسوة الكعبة
المشرفة من قراميدان والتنبيه باجتماع الوجاقات وأرباب الاشاير وخلافهم على العادة
في عمل الموكب فلما أصبح يوم السبت اجتمع الناس في الاسواق وطريق المرور وجلسوا
للفرجة فمروا بذلك وامامها الوالي المحتسب وعليهم القفاطين والبينشات وجميع
الاشاير بطبولهم وزمورهم وكاساتهم ثم برطلمين كتخدا مستحفظان وامامه نفر الينكجرية
من المسلمين نحو المائتين او اكثر وعدة كثيرة من نصارى الاروام بالاسلحة
والملازمين
بالبراقع وهو لابس فروة عظيمة ثم مواكب القلقات ثم موكب
ناظر الكسوة وهو تابع مصطفى كتخدا الباشا وخلفه النوبة التركية فكانت هذه الركبة
من أغرب المواكب واعجب العجائب لما اشتملت عليه من اختلاف الاشكال وتنوع الامثال
واجتماع الملل وارتفاع السفل وكثرة الحشرات وعجائب المخلوقات واجتماع الاضداد
ومخالفة الوضع المعتاد وكان نسيج الكسوة بدار مصطفى كتخدا المذكور وهو على خلاف العادة
من نسجها بالقلعة
وفي يوم الاربعا ثالث عشرة حضر عدة من الفرنسيس وهم
راكبون الهجن ومعهم عدة بيارق وأعلام بعد المهر وأخبروا ان الفرنسيس ملكوا قلعة
يافا وبيدهم مكاتبة من سارى عسكرهم بالاخبار عما وقع فلما كان يوم الخميس واجتمع
أرباب الديوان فقرأ عليهم تلك المراسلة بعد تعريبها وترصيفها علىهذه الكيفية وهي
عن لسان رؤساء الديوان الى الكافة وذلك بالزامهم وأمرهم بذلك
وصورتها بسم الله الرحمن الرحيم سبحان مالك الملك يفعل
في ملكه ما يريد سبحان الحكم العدل الفاعل المختار ذي البطش الشديد هذه صورة تمليك
الله سبحانه وتعالى جمهور الفرنساوية لبندر يافا من الاقطار الشامية نعرف أهل مصر
واقاليمها من سائر البرية ان العساكر الفرنساوية انتقلوا من غزة ثالث عشرين رمضان
ووصلوا الى الرملة في الخامس والعشرين منه في أمن واطمئنان فشاهدوا عسكر احمد باشا
الجزار هاربين بسرعة قائلين الفرار الفرار ثم ان الفرنساوية وجدوا في الرملة
ومدينة لد مقدار كبير من مخازن البقسماط والشعير ورأوا فيها ألفا وخمسمائة قربة
مجهزة جهزها الجزار يسير بها الى اقليم مصر مسكن الفقراء والمساكين ومراده ان
يتوجه اليها باشرار العربان من سطح الجبل ولكن تقادير الله تفسد المكر والحيل قاصدا
سفك دماء الناس مثل عوائده الشامية وتجبره وظلمه مشهور لانه تربية المماليك الظلمة
المصرية ولم يعلم من خسافة عقله وسوء تدبيره ان الامر لله كل شيء
بقضائه وتدبيره وفي سادس عشرين شهر رمضان وصلت مقدمات الفرنساوية
الى بندر يافا من الاراضي الشامية واحاطوا بها وحاصروها من الجهة الشرقية والغربية
وأرسلوا الى حاكمها وتحيل الجزار أن يسلمهم القلعة قبل أن يحل به ويعسكره الدمار
فمن خسافة رأيه وسوء تدبيره سعى في هلاكه وتدميره ولم يرد لهم جواب وخالف قانون
الحرب والصواب
وفي أواخر ذلك اليوم السادس والعشرين تكاملت العساكر
الفرنساوية على محاصرة يافا وصاروا كلهم مجتمعين وانقسموا على ثلاثة طوابير
الطابور الاول توجه على طريق عكا بعيدا عن يافا ربع ساعات وفي السابع والعشرين من
الشهر المذكور أمر حضرة ساري عسكر الكبير بحفر خنادق حول السور لاجل ان يعملوا
متاريس أمينة وحصارات متقنة حصينه لانه وجد سور يافا ملآنا بالمدافع الكثيرة
ومشحونة بعسكر الجزار الغزيرة
وفي تاسع عشرين الشهر لما قرب حفر الخندق الى السور
مقدار مائة وخمسين خطوة امر حضرة سارى عسكر المشار اليه ان ينصب المدافع على
المتاريس وان يضعوا اهوان القنبر باحكام وتأسيس وامر بنصب مدافع اخر بجانب البحر
لمنع الخارجين اليهم من مراكب المينا لانه وجد في المينا بعض مراكب اعدها عسكر
الجزار للهروب ولا ينفع الهروب من القدر المكتوب ولما رأت عساكر الجزار الكائنون
بالقلعة المحاصرون ان عسكر الفرنساوية قلائل في رأى العين للناظرين لمداراة
الفرنساوية في الخنادق وخلف المتاريس غرهم الطمع فخرجوا لهم من القلعة مسرعين
مهرولين وظنوا انهم يغلبون الفرنساوية فهجم عليهم الفرنسيس وقتلوا منهم جملة كثيرة
في تلك الواقعة والجؤهم للدخول ثانيا في القلعة
وفي يوم الخميس غاية شهر رمضان حصل عند سارى عسكر شفقة
قلبية وخاف على اهل يافا من عسكره اذا دخلوا بالقهر والاكراه فأرسل اليهم مكتوبا
من رسول مضمونه لا اله الا الله وحده لا شريك له
بسم الله الرحمن الرحيم من حضرة ساري عسكر اسكندر برتية
كتخدا العسكر الفرنساوي الىحضرة حاكم يافا نخبركم ان حضرة ساري عسكر الكبير
بونابارته امرنا ان نعرفك في هذا الكتاب أن سبب حضوره الى هذا الطرف اخراج عسكر
الجزار فقط من هذه البلدة لانه تعدى بارسال عسكره الى العريش ومرابطته فيها والحال
انها من اقليم مصر التي أنعم الله بها علينا فلا يناسبه الاقامة بالعريش لانها ليس
من أرضه فقد تعدى على ملك غيره ونعرفكم يا أهل يافا ان بندركم حاصرناه من جميع
اطرافه وجهاته وربطناه بأنواع الحرب وآلات المدافع الكثيرة والجلل والقنابر وفي
مقدرا ساعتين ينقلب سوركم وتبطل آلاتكم وحروبكم ونخبكرم أن حضرة ساري عسكر المشار
اليه لمزيد رحمته وشفقته خصوصا بالضعفاء من الرعية خاف عليكم من سطوة عسكره
المحاربين اذا دخلوا عليكم بالقهر اهلكوكم اجمعين فلزمنا أننا نرسل لكم هذا الخطاب
أمانا كافيا لأهل البلد والاغراب ولاجل ذلك اخر ضرب المدافع والقنابر الصاعدة عنكم
ساعة فلكية واحدة واني لكم لمن الناصحين وهذا آخر جواب الكتاب فجعلوا جوابنا حبس
الرسول مخالفين للقوانين الحربية والشريعة المطهرة المحمدية وحالا في الوقت
والساعة هيج سارى عسكر واشتد غضبه على الجماعة وأمر بابتداء ضرب المدافع والقنابر
الموجب للتدمير وبعد مضي زمان يسير تعطلت مدافع يافا المقابلة لمدافع المتاريس
وانقلب عسكر الجزار في وبال وتنكيس وفي وقت الظهر من هذا اليوم انخرق سور يافا
وارتج له القوم ونقب من الجهة التي ضرب فيها المدافع من شدة النار ولا راد لقضاء
الله ولا مدافع وفي الحال أمر حضرة ساري عسكر بالهجوم عليهم وفي أقل من ساعة ملكت
الفرنساوية جميع البندر والابراج ودار السيف في المحاربين واشتد بحر الحرب وهاج
وحصل النهب فيها تلك الليلة
وفي يوم الجمعة غرة شوال وقع الصفح الجميل من حضر ساري
عسكر الكبير ورق قلبه على أهل مصر من غني وفقير الذين كانوا في يافا وأعطاهم
الامان وأمرهم برجوعهم الى بلدهم مكرمين وكذلك امر اهل
دمشق وحلب برجوعهم الى أوطانهم سالمين لاجل أن يعرفوا مقدار شفقته ومزيد رأفته
ورحمته يعفو عند المقدرة ويصفح وقت المعذرة مع تمكينه ومزيد اتقانه وتحصينه في هذه
الواقعة قتل اكثر من اربعة الاف من عسكر الجزار بالسيف والبندق لما وقع منهم من
الانحراف وأما الفرنساوية فلم يقتل منهم الا القليل والمجروحون منهم ليسوا بكثير
وسبب ذلك سلوكهم الى القلعة من طريق امينة خافية عن العيون وأخذوا ذخائر كثيرة
وأموالا غزيرة واخذوا المراكب التي في المينة واكتسبوا امتعة غالية ثمينة ووجدوا
في القلعة اكثر من ثمانين مدفع ولم يعلموا مع مقادير الله ان آلات الحرب لا تنفع
فاستقيموا عباد الله وارضوا بقضاء الله ولا تعترضوا على احكام الله وعليكم بتقوى
الله واعلمو ان المك لله يؤتيه من يشاء والسلام عليكم ورحمة الله
فلما تحقق الناس هذا الخبر تعجبوا وكانوا يظنون بل
يتيقنون استحالة ذلك خصوصا في المدة القليلة ولكن المقضي كائن
وفي يوم الجمعة خامس عشرة شق جماعة من اتباع الشرطة في
الاسواق والحمامات والقهاوي ونبهوا على الناس بترك الفضول والكلام واللغط في حق
الفرنسيس ويقولون لهم من كان يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر فلينته ويترك الكلام
في ذلك فان ذلك مما يهيج العداوة وعرفوهم انه ان بلغ الحاكم من المتجسسين عن أحد
تكلم في ذلك عوقب أو قتل فلم ينتهوا وربما قبض على البعض وعاقبوه بالضرب والتغريم
وفي ذلك اليوم كان التحويل الربيعي وانتقال الشمس لبرج
الحمل وهو اول شهر من شهورهم فعملوا ليلة السبت شنكا وحراقة وسواريخ وتجمعوا بدار
الخلاعة نساء ورجالا وتراقصوا وتسابقوا وأوقدوا سراجا وشموعا وغير ذلك وأظهر
الاقباط والشوام مزيد الفرح والسرور
وفي يوم السبت المذكور ارسلوا الاعلام والبيارق التي
أحضروها من قلعة يافا وعدتها ثلاثة عشر وفيها من له طلائع فضة كبار الى الجامع
الازهر وكانوا انزلوا اعلام قلعة العريش قبل ذلك بيوم من
أعلى المنارات وأرسلوا بدلها اعلام يافا وعملوا لها موكبا بطائفة من العسكر بقدمهم
طبلهم وخلفهم الاغا بجماعته وطائفته والمحتسب ومدبروا الديوان وخلفهم طبل آخر يضربون
عليه بأزعاج شديد وخلف ذلك الطبل جماعة من العسكر يحملون البنادق على اكتافهم
كالطائفة الاولى وبعدهم عدة من العسكر على رؤوسهم عمائم بيض يحملون تلك الاعلام
الكبار والبيارق المذكورة وخلفهم جماعة خيالة من كبار العسكر وآخرون راكبون على
حمير المكارية فلما وصلوا الى باب الجامع الازهر رتبوا تلك الاعلام وضعوها على
أعلى الباب الكبير فوق المكتب منشورة وبعضها على الباب الاخر من الجهة الاخرى عند
حارة كتامة المعروفة الان بالعينية ولم يصعدوا منها عل المنارات كما صنعوا في
اعلام العريش
وفي يوم الاحد سابع عشره رتبوا أوامر وكتبوها في أوراق
مبصومة والصقوها بالاسواق أحداها بسبب مرض الطاعون واخرى بسبب الضيوف الاغراب
ومضمون الاولى بتقاسيمه ومقالاته خطابا لاهل مصر وبلاق ومصر القديمة ونواحيها انكم
تمتثلون هذه الاوامر وتحافظون عليها ولا تخالفوها وكل من خالفها وقع له مزيد من الانتقام
والعقاب الاليم والقصاص العظيم وهي المحافظة من تشويش الكبة وكل من تيقنتم أو
ظننتم او توهمتم او شككتم فيه ذلك في محل من المحلات أو بيت أو وكالة أو ربع
يلزمهم ويتحتم عليكم ان تعملوا كرنتيلة ويجب قفل ذلك المكان ويلزم شيخ الحارة او
السوق الذي فيه ذلك ان يخبر حالا قلق الفرنساوية حاكم ذلك الخط القلق يخبر شيخ
البلد قائمقام مصر وأقاليمها ويكون ذلك فورا وكذلك كل ملة من سكان مصر وأقاليمها
وجوانبها والاطباء اذا تحققوا وعلموا حصول ذلك المرض يتوجه كل طبيب الى قائمقام
ويخبره ليأمر بما هو مناسب للصيانة والحفظ من التشويش وكل من كان عنده خبر من كبار
الاخطاط او مشايخ الحارات وقلقات الجهات ولم يخبر بهذا المرض يعاقب بما يراه قائمقام
ويجازى
مشايخ الحارات بمائة كرباج جزاء للتقصير وملزوم ايضا من
اصابه هذا التشويش او حصل في بيته لغيره من عائلته او عشيرته وانتقل من بيته الى
آخر ان يكون قصاصة الموت وهو الجاني على نفسه بسبب انتقاله وكل رئيس ملة في خط اذا
لم يخبر بالكبة الواقعة في خطه او بمن مات بها ايضا حالا فوريا كان عقاب ذلك
الرئيس وقصاصة الموت والمغسل ان كان رجلا او امرأة اذا رأى الميت انه مات بالكبة
اوشك في موته ولم يخبر قبل مضي اربع وعشرين ساعة كان جزاؤه وقصاصةالموت وهذه
الاوامر الضرورية بلزوم اغات الينكجرية وحكام البلد الفرنساوية والاسلامية تنبيه
الرعية واستيقاظهم لها فانها امور مخفية وكل من خالف حصل له مزيد من الانتقام من
قائمقام وعلى القلقات البحث والتفتيش عن هذه العلة الردية لاجل الصيانة والحفظ
لاهل البلد والحذر من المخالفة والسلام
ومضمون الثانية الخطاب السابق من سارى عسكر دوجا الوكيل
وحاكم البلد دسني قائمقام يلزم المدبرين بالديوان انهم يشهرون الاوامر وينتبهوا
لها وكل من خالف يحصل له مزيد الانتقام وهو انه يتحتم ويلزم صاحب كل خمارة او
وكالة او بيت الذي يدخل في محله ضيف او مسافر أو قادم من بلدة او اقليم ان يعرف
عنه حالا حاكم البلد ولا يتأخر عن الاخبار الا مدة اربعة وعشرين ساعة يعرفه عن
مكانه الذي قدم منه وعن سبب قدومه وعن مدة سفره ومن أي طائفة او ضيفا او تاجرا أو
زائرا أو غريما مخاصما لا بد لصاحب المكان من ايضاح البيان والحذر ثم الحذر من
التلبيس والخيانة واذا لم يقع تعريف عن كامل ما ذكر في شأن القادم بعد الاربعة وعشرين
ساعة باظهار اسمه وبلده وسبب قدومه يكون صاحب المكان متعديا ومذنبا وموالسا مع
المماليك
ونخبركم معاشر الرعايا وأرباب الخمامير والوكائل ان تكونوا
ملزومين بغرامة عشرين ريالا فرانسة في المرة الاولى وأما في المرة الثانية فان
الغرامة تضاعف ثلاث مرات ونخبركم ان الامر بهذه الاحكام مشترك
بينكم وبين الفرنسيس الفاتحين للخمامير والبيوت والوكائل
والسلام
وفيه اجتمعوا الديوان وتفاوضوا في شأن مصطفى بك كتخدا
الباشا المولى امير الحاج وهو انه لما ارتحل مع سارى عسكر وصحبته القاضي والمشايخ
الذين عينوا للسفر والوجاقلية والتجار وافترق منهم عند بلبيس وتقدم هو الى
الصالحية ثم انهم انتقلوا الى العرين فحضر جماعة من العساكر المسافرين فاحتاجوا
الى الجمال فأخذوا جمالهم فلما واصل سارى عسكر الى وطنه أرسل يستدعيهم الى الحضور
فلم يجدوا ما يحملون عليه متاعهم وبلغهم أن الطريق مخيفة من العرب فلم يمكنهم
اللحاق به فأقاموا بالعرين بالعين المهملة عدة أيام وأهمل أمرهم سارى عسكر ثم ان
الشيخ الصاوي والعريشي والدواخلي وآخرين خافوا عاقبة الامر ففارقوهم وذهبوا الى
القرين بالقاف وحصل للدواخلي توعك وتشويش فحضر الى مصر كما تقدم ذكر ذلك وانتقل
مصطفى بك المذكور والقاضي وصحبتهم الشيخ الفيومي وآخرون من التجار والوجاقلية الى
كفور نجم وأقاموا هناك أياما واتفق ان الصاوي أرسل الى داره مكتوبا وذكر في ضمنه
ان سبب افتراقهم من الجماعة انهم رأوا من كتخدا الباشا امور غير لائقة فلماحضر ذلك
المكتوب طلبه الفرنساوية المقيمين في مصر وقرأوه وبحثوا عن الامور اللائقة فأولها بعض
المشايخ انه قصر في حقهم والاعتناء بشأنهم فسكتوا وأخذوا في التفحص فظهر لهم
خيانته ومخامرته عليهم واجتمع عليه الجبالي وبعض العرب العصاة واكرمهم وخلع عليهم
وانتقل بصحبتهم الى منية غمر ودقدوس وبلاد الوقف وجعل يقبض منهم الاموال وحين
كانوا علىالبحر مر بهم مراكب تحمل الميرة والدقيق الى الفرنسيس بدمياط فقاطعوا
عليهم وأخذوا منهم ما معهم قهرا وأحضروا المراكبية بالديوان فحكوا على ما وقع لهم
معه فأثبتوا خيانة مصطفى بك المذكور وعصيانه وأرسلوا هجانا باعلام سارى عسكرهم
بذلك فرجع اليهم بالجواب يأمرهم فيه بان يرسلو له عسكرا ويرسلوا الى داره جماعة
ويقبضون عليه ويختمون على داره ويحبسون جماعته
وفي يوم الاحد رابع عشرينه عينوا عليه عسكرا وأرسلوا الى
داره
جماعة ومعهم وكلاء فقبضوا على كتخدائه الذي كان ناظرا
على الكسوة وعلى ابن اخيه ومن معهم وأودعوهم السجن بالجيزة وضبطوا موجوداته وما
تركه مخدومه بكر باشا بقائمة واودعوا ذلك بمكان بالقلعة فوجدوا غالب امتعة الباشا
وبرقة وملابسه وعبى الخيل والسروج وغيرها شيئا كثيرا وجدوا بعض خيول وجمال اخذوها
ايضا فانقبض خواطر الناس لذلك فانهم كانوا مستأنسين بوجوده ووجود القاضي ويتوسلون
بشفاعتهما عند الفرنسيس وكلمتهما عندهم مقبولة وأوامرهما مسموعة ثم انهم ارسلوا
أمانا للمشايخ الوجاقلية والتجار بالحضور الى مصر مكرمين ولا بأس عليهم
وفيه ورد الخبر بان السيد عمر افندي نقيب الاشراف حضر
الى دمياط وصحبته جماعة من افندية الروزنامة الفارين مثل عثمان افندي العباسي وحسن
افندي كاتب اشهر ومحمد افندي ثاني قلفة وباش جاجرت والشيخ قاسم المصلي وغيرهم وذلك
انهم كانوا بقلعة يافا فلما حاصرها الفرنساوية وملكوا القلعة والبلد لم يتعرضوا
للمصريين وطلبهم اليه وعاتبهم على نقلهم وخروجهم من مصر وألبسهم ملابس وأنزلهم في
مركب وأرسلهم الى دمياط من البحر
وفي يوم الاثنين نادوا في الاسواق على المماليك والغز والاجناد
الاغراب بأنهم يحضرون الى بيت الوكيل ويأخذون لهم ارواقا بعد معرفتهم والتضمين على
أنفسهم ومن وجد من غير وثيقة في يده بعد ذلك يستاهل الذي يجري عليه وسبب ذلك اشاعة
دخول الكثير منهم الى مصر خفية بصفة الفلاحين
وفي يوم الثلاثاء نادوا في الاسواق والشوارع بأن من اراد
الحج فليحج في البحر من السويس صحبة الكسوة والصرة وذلك بعد ان عملوا مشورة في ذلك
وفيه حضر امام كتخدا الباشا ومعه مكتوب فيه الثناء على الفرنساوية
وشكر صنيعهم واعتنائهم بعملهم موكب الكسوة والدعاء لهم وانه مستمر
علىمودته ومحبته معهم ويطلب منهم الاجازة بالحضور الى
مصر ليسافر بصحبة الكسوة والحجاج فان الوقت ضاق ودخل أوان السفر للحج وفي آخر المكتوب
وان بلغكم من المنافقين عنا شيء فهو كذب ونميمة فلا تصدقوه فقرىء كتابه بالديوان
فلما فهمه الفرنسيس كذبوه ولم يصغوا اليه وقالوا ان خيانته ثبتت عندنا فلا ينفعه
هذا الاعتذار ثم كتبوا له جوابا وارسلوه صحبة امامه مضمونه ان كان صادقا في مقالته
فليذهب الى جهة سارى عسكر بالشام وامهلوه ست ساعات بعد وصول الجواب اليه وان تأخر
زيادة عليها كان كاذبا في مقالته وأمروا العسكر بمحاربته والقبض عليه
وفيه كتبوا اوراقا ونادوا بها في الشوارع وهي يا أهل مصر
نخبركم ان امير الحاج رفعوه عن سفره بالحاج بسبب ما حصل منه وان اهل مصر علماء
ووجاقات ورعايا لم يخالطوه في هذا الامر ولم ينسب لهم شيء فالحمد لله الذي برأ اهل
مصر من هذه الفتنة وهم حاضرون سالمون غانمون ما عليهم سوء ومن كان مراده الحج يؤهل
نفسه ويسافر صحبة الصرة والكسوة في البحر والمراكب حاضرة والمعينون المحافظون من
اهل مصر صحبة الحاج حاضرون يكون في علمكم ان تكونوا مطمئنين واتركوا كلام الحشاشين
وفي يوم السبت غايته حضر المشايخ والوجاقات والتجار ما
خلا القاضي فانه لم يحضر وتخلف مع مصطفى كتخدا وانقضى هذا الشهر وما تجدد به من
الحوادث التي منها ان الفرنساوية عملوا جسرا من مراكب مصطفة وعليها اخشاب مسمرة من
بر مصر بالقرب العيني الى الروضة الى الجيزة
ومنها ان توت الفلكي رسم في فسحة دارهم العليا ببيت حسن
كاشف جركس خطوط البسيطة لمعرفة فضل الدائر لنصف النهار على البلاط
المفروش بطول الفسحة ووضع لها بدل الشاخص دائرة مثقوبة
بثقب عديدة في اعلى الرفوف مقابلة لعرض الشمس ينزل الشعاع من تلك الثقب ويمر على
الخطوط المرسومة المقسومة ويعرف منه الباقي للزوال ومدارات البروج شهرا شهرا وعلى كل
برج صورته ليعلم منه درجة الشمس ورسم ايضا مزولة بالحائط الاعلى على حوش المكان
الاسفل المشترك بين الدارين بشاخص على طريق وضع المنحرفات والمزاول ولكن لساعات
قبل الزوال وبعده خلاف الطريق المعروفة عندنا بوقت العصر وفضل دائر الغروب وقوس
الشفق والفجر وسمت القبلة وتقسيم الدرج وامثال ذلك لاجل تحقيق اوقات العبادة وهم
لا يحتاجون الى ذلك فلم يعانوه ورسم ايضا بسيطة على مربعة من نحاس أصفر منزلة
بخطوط عديدة في قاعدة عامود قصير طوله اقل من قامة قايم بوسط الجنينه وشاخصها مثلث
من حديد يمر ظل طرفه على الخطوط المتقاطعة وهي متقنة الرسم والصناعة وحولها
معاريفها واسم واضعها بالخط الثلث العربي المجود حفرا في النحاس وفيها تنازيل
الفضة على طريق اوضاع العجم وغير ذلك
ومنها انهم لما سخطوا على كتخدا الباشا وقبضوا على اتباعه
وسجنوهم وفيهم كتخداه الذي كان ناظرا على الكسوة فقيدوا في النظر على مباشرة
اتمامها صاحبنا السيد اسمعيل الوهبي المعروف بالخشاب احد العدول بالمحكمة فنقلها
لبيت أيوب جاويش بجوار مشهد السيدة زينب وتمموها هناك واظهروا ايضا الاهتمام
بتحصيل مال الصرة وشرعوا في تحرير دفتر الارسالية خاصة
واستهل شهر القعدة بيوم الاحد سنة في سادسه يوم الجمعة
حضرت هجانة من الفرنسيس ومعهم مكاتبة مضمونها انهم اخذوا حيفا وبعدها ركبوا على
عكا وضربوا عليها وهدموا جانبا من سورها وانهم بعد اربعة وعشرين ساعة يملكونها وانهم
استعجلوا في ارسال هذه الهجانة لطول المدة والانتظار لئلا يحصل
لاصحابهم القلق فكونوا مطمئنين وبعد سبعة ايام نحضر
عندكم السلام
وفيه حضرت مغاربة حجاج الى بر الجيزة فتحدث الناس وكثر
لغطهم وتقولوا بانهم عشرون ألفا حضروا لينقذوا مصر من الفرنسيس فأرسل الفرنسيس
للكشف عليهم فوجدوهم طائفة من خلايا وقرى فاس مثل الفلاحين فآذنوا لهم في تعدية بعض
أنفار منهم لقضاء أشغالهم فحضر شخص منهم الى الفرنسيس ووشى اليهم انهم قدموا
لمحاربتهم والجهاد فيهم وانهم اشتروا خيلا وسلاحا وقصدهم اثارة فتنة فأرسل
الفرنسيس اليهم جماعة ينظرون في أمرهم فذهبوا اليهم وتكلموا معهم ومع كبيرهم وعن
الذي نقل عنهم فقالوا انما جئنا بقصد الحج لا لغيره ثم رجعوا وصحبتهم كبير
المغاربة فعملوا الديوان في صبحها وأحضروه وكذلك أحضروا الرجل الذي وشى عليهم
فتكلموا مع كبير المغاربة وسألوه وناقشوه فقال انا لم نأت الا بقصد الحج فقيل له
ولاي شيء تشترون الاسلحة والخيول فقال نعم لازم لنا ذلك ضرورة فقيل له انه نقل
عنكم انكم تريدون محاربة الفرنساوية وتقولون الجهاد افضل من الحج فقال هذا كلام لا
أصل له فقيل له ان الناقل لذلك رجل منكم فقال ان هذا رجل حرامي أمسكناه بالسرقة
وضربناه فحمله الحقد على ذلك وان هذه البلاد ليست لنا ولا لسلطاننا حتى نقاتل
عليها ولا يصح ان نقاتلكم بهذه الشرذمة القليلة وليس معنا الا نصف قنطار وبارود ثم
اتفقوا معه على أن يجمعوا سلاحهم ويقيم كبيرهم عندهم رهينة حتى يعدي جماعته
ويسافروا ويلحقهم بعد يومين بالسلاح فأجابهم الى ذلك فشكروه وأهدوا له هدية فلما
كان يوم السبت خرجت عدة من العسكر الى بولاق ومعهم مدفعان ليقفوا للمغاربة حتى يعدوا
البحر ويمشوا معهم الى العادلية فلما رأى الناس خروج العسكر والمدافع فزعوا في
المدينة وبولاق ورمحوا كعادتهم في كرشاتهم وصياحهم وأشاعوا ان الفرنسيس خرجت لقتال
المغاربة وأغلقوا غالب الاسواق والدكاكين وأمثال ذلك من تخيلاتهم فلم يعد المغاربة
ذلك اليوم وعدوا في ثاني يوم ومشى معهم عسكر الفرنسيس
الى العادلية وهم يضربون الطبول وامامهم مدفع وخلفهم
مدفع مع جملة من العساكر
وفي يوم الثلاثاء عاشره سافر عدة من عسكر الفرنسيس الى
عرب الجزيرة فان مصطفى بك كتخدا الباشا ذهب اليهم والتجأ لهم فعينوا عليهم تلك
العساكر
وفي يوم الاربعاء فرجوا عن جماعة من القليونجية وغيرهم
الذين كانوا محبوسين بالقلعة وفيهم المعلم نقولا النصراني الارمني الذي كان رئيس
مركب مراد بك الحربية التي أنشأها بالجيزة وأسكنوه ببيت حسن كتخدا بباب الشعرية
وفيه حضر بن شديد شيخ عرب الحويطات بأمان وكان عاصيا
فأعطوه الامان وخلعوا عليه وسفروا معه قافلة دقيق وبقسماط العسكر بالشام
وفي يوم السبت حادي عشرينه حضر مجلون من الناحية القبلية
وصحبته اموال البلاد والغنائم من بهائم وخلافها
وفيه عملوا كرنتيلة عند العادلية لمن يأتي من بر الشام
من العسكر الى ناحية شرق اطفيح بسبب محمد بيك الالفي
وفيه حضر الذين كانوا ذهبوا الى عرب الجزيرة فضربوهم
ونالوا منهم بعض النيل وأما مصطفى بك فلم تعلم عنه حقيقة حال قيل انه ذهب الى
الشام
وفي خامس عشرينه وصلت مراسلة من المذكور خطابا للمشايخ
مضمونها انهم يعرفون أكابر الفرنسيس انه متوجه الى ساري عسكرهم بالشام ويرجون
الافراج عن قريبه وكتخدائه ويتحفظون على الامتعة التي أخذوها فانها من متعلقات
الدولة فلما أطلعوهم على تلك المكاتبة قالوا لا يمكن الافراج عن المذكورين حتى
تتحقق انه ذهب الى سارى عسكر ويأتينا منه خطاب في شأنه فانه من الجائز انه يكذب في
قوله
وفيه ثبت ان محمد بك الالفي مر من خلف الجبل وذهب الى
عرب الجزيرة ومعه من جماعته نحو المائة وقيل أكثر والتف عليه الكثير من
الغز والماليك المشردين بتلك النواحي وقدم له العربان
التقادم والكف فارسل له الفرنسيس عدة من العسكر
وفي سابع عشرينه لخص الفرنساوية طومارا قرىء بالديوان
وطبع منه عدة نسخ وألصقت بالاسواق على العادة وكان الناس أكثروا من اللغط بسبب
انقطاع الاخبار عن الفرنسيس المحاصرين لعكا والروايات عمن بالصعيد والكيلاني والاشراف
الذين معه وغير ذلك
وصورتها من محفل الديوان الكبير بمصر بسم الله الرحمن
الرحيم ولا عدوان الا على الظالمين نخبر أهل مصر أجمعين أنه حضر جواب من عكا من
حضرة ساري عسكر الكبير خطابا منه الى حضرة ساري عسكر الوكيل بثغر دمياط تاريخه
تاسع القعدة سنة تاريخه يخبر فيه اننا أرسلنا لكم نقيرتين لدمياط الاولى ارسلناها
في خمسة وعشرين شوالا والثانية في ثمانية وعشرين منه أخبرناكم فيهما عن مطلوبنا
ارسال جانب جليل وذخائر الى عساكرنا المحافظين في غزة ويافا لاجل زيادة المحافظة
والصيانة واما من قبل العرضي فان الجلل عندنا كثيرة والذخائر والمآكل والمشارب
والخيرات غزيرة حتى انها زادت عندنا الجلل بكثرة جمعناها مما رمته الاعداء فكأن
اعداءنا أعانونا وتخبركم اننا عملنا لغما مقدار عمقه ثلاثون قدما وسرنا به حتى
قربناه الى السور الجواني بمسافة نحو ثمانية عشر قدما وقد قربت عساكرنا من الجهة
التي تحارب فيها حتى صار بينهم وبين السور ثمانية واربعون قدما بمشيئة الله تعالى
عند وصول كتابنا اليكم وقبل اتمام قراءته عليكم نكون ظافرين بملك قلعة عكا اجمعين
فاننا تهيأنا الى دخولها يأتيكم خبر ذلك بعد هذا الكتاب واما بقية اقليم الشام وما
يلي عكا من البلاد فانهم لنا طائعون وبالاعتناء ومزيد المحبة راغبون يأتوننا بكل
خير عظيم ويحضرون لنا افواجا بالهدايا الكثيرة والحب الجسيم من القلب السليم وهذا
من فضل الله علينا ومن شدة بغضهم الجزار باشا ونخبركم ايضا ان الجنرال يونوت انتصر
على أربعة الاف مقاتل حضروا من الشام خيالة ومشاة
فقابلتهم بثلثمائة عسكري مشاة من عسكرنا فكسروا التجريدة
المذكورة واوقع منهم نحو ستمائة نفس ما بين مقتول ومجروح وأخذ منهم خمسة بيارق
وهذا أمر عجيب لم يقع نظيره في الحروب ان ثلثمائة نفس تهزم نحو اربعة آلاف نفس
فعلمنا ان النصرة من عند الله لا بالقلة ولا بالكثرة هذا اخر كتاب سارى عسكر
الكبير الى وكيله بدمياط وارسل الينا بالديوان حضرة الوكيل سارع عسكر دوجا الوكيل
بمصر المحروسة يخبرنا بصورة هذا المكتوب ويأمرنا اننا نلزم الرعايا من اهل مصر
والارياف ان يلزموا الادب والانصاف ويتركوا الكذب والخراف فان كلام الحشاشين يوقع
الضرر للناس المعتبرين فان حضرة سارى عسكر دوجا الوكيل بلغة ان اهل مصر واهل الارياف
يتكلمون بكلام لا أصل له من قبل الاشراف والحال ان الاشراف الذين يذكرونهم ويكذبون
عليهم جاءت اخبارهم من حضرة سارى عسكر الصعيد يخبر الوكيل دوجا بان الاشراف
المذكورين الذين صحبة الكيلاني قد مزقوا كل ممزق وانهزموا وتفرقوا فلم يكن الان في
بلاد الصعيد شيء يخالف المراد وسلم من الفتن والعناد فأنتم يا أهل مصر ويا أهل
الارياف اتركوا الامور التي توقعكم في الهلاك والتلاف وامسكوا ادبكم قبل ان يحل
بكم الدمار ويلحقكم الندم والعار والاولى للعاقل اشتغاله بأمر دينه ودنياه وان
يترك الكذب وان يسلم لاحكام الله وقضاه فان العاقل يقرأ العواقب وعلى نفسه يحاسب
هذا شأن اهل الكمال يتركون القيل والقال ويشتغلون باصلاح الاحوال ويرجعون الى
الكبير المتعال والسلام
وفي هذا الشهر كتبوا اوراقا بأوامر ونصها من محفل الديوان
العمومي الى جميع سكان مصر وبولاق ومصر القديمة اننا قد تأملنا وميزنا ان الواسطة
الاقرب والايمن لتلطيف او لمنع الخطر الضروري وهو تشويش الطاعون عدم المخالطة مع
النساء المشهورات لانهن الواسطة الاولى للتشويش المذكور فلاجل ذلك حتمنا ورتبنا
ومنعنا الى مدة ثلاثين يوما من تاريخه اعلاه لجميع الناس ان كان فرنساويا او مسلما
او روميا
او نصرانيا او يهوديا من أي ملة كان كل من ادخل الى مصر
او بولاق او مصر القديمة النساء المشهورات ان كان في بيوت العسكر او كل من كان
داخل المدينة فيكون قصاصه بالموت كذلك من قبل النساء والبنات المشهورات بالعسكر ان
دخلن من انفسهن ايضا يقاصصن بالموت
ومن حوادث هذا الشهر انه حضر الى القلزم مركبان
انكليزيان وقيل أربعة ووقفوا قبالة السويس وضربوا مدافع ففر أناس من سكان السويس
الى مصر واخبروا بذلك وانهم صادفوا بعض داوات تحمل البن التجارة فحجزوها ومنعوها
من الدخول الى السويس
ومنها ان طائفة من عرب البحيرة يقال لهم عرب الغز جاءوا
وضربوا دمنهور وقتلوا عدة من الفرنسيس وعاثوا في نواحي تلك البلاد حتى وصلوا الى
الرحمانية ورشيد وهم يقتلون من يجدونه من الفرنسيس وغيرهم وينهبون البلاد
والزروعات
ومنها ان الكيلاني المذكور آنفا توفي رحمه الله تعالى
وتفرقت طائفته في البلاد حتى انه حضر منهم جملة الى مصر وكان أكثر من يخامر عليهم
اهل بلاد الصعيد فيوهمونهم معاونتهم وعند الحروب يتخلون عنهم وبعض البلاد يضيفون
ويسلط عليهم الفرنسيس فيقبضون عليهم
ومنها انه حضر الى مصر الاكثر من عسكر الفرنسيس الذين
كانوا بالجهة القبلية وضربوا في حال رجوعهم بني عدي بلدة من بلاد الصعيد مشهورة
وكان اهلها ممتنعين عليهم في دفع المال والكلف ويرون في انفسهم الكثرة والقوة
والمنعة فخرجوا عليهم وقاتلوهم فملك عليهم الفرنسيس تلا عاليا وضربوا عليهم
بالمدافع فأتلفوهم واحرقوا جرونهم ثم كبسوا عليهم وأسرفوا في قتلهم ونهبهم وأخذوا
شيئا كثيرا وأموالا عظيمة وودائع جسيمة للغز وغيرهم من مساتير اهل البلاد القبلية
لظن منعتهم وكذلك فعلوا بالميمون
واستهل شهر ذي الحجة بيوم الثلاثاء سنة في ثانيه خرج نحو
الالف من عسكر الفرنسيس للمحافظة على البلاد
الشرقية لتجمع العرب والمماليك على الالفي وكذلك تجمع
الكثير من الفرنسيس وذهبوا الى جهة دمنهور وفعلوا بها ما فعلوا في بني عدي من
القتل والنهب لكونهم عصوا عليهم بسبب انه ورد عليهم رجل مغربي يدعى المهدوية ويدعو
الناس ويحرضهم على الجهاد وصحبته نحو الثمانين نفرا فكان يكاتب اهل البلاد ويدعوهم
الى الجهاد فاجتمع عليه اهل البحيرة وغيرهم وحضورا الى دمنهور وقاتلوا من بها من
الفرنساوية واستمر اياما كثيرة تجتمع عليه اهل تلك النواحي وتفترق والمغربي
المذكور تارة يغرب وتارة يشرق
وفيه اشيع ان الالفي حضر الى بلاد الشرقية وقاتل من بها
من الفرنسيس ثم ارتحل الى الجزيرة
وفي سابعه حضر جماعة من فرنسيس الشام الى الكرنتيلة
بالعادلية وفيهم مجاريح واخبر عنهم بعضهم ان الحرب لم تزل قائمة بينهم وبين أحمد
باشا بعكا وان مهندس حروبهم المعروف بأبي خشبة عند العامة واسمه كفرللي مات وحزنوا
لموته لانه كان من دهاتهم وشياطينهم وكان له معرفة بتدبير الحروب ومكايد القتال
واقدام عند المصاف مع ما ينضم لذلك من معرفة الابنية وكيفية وضعها وكيفية اخذ
القلاع ومحاصرتها
وفي يوم الاربعاء كان عبد النحر وكان حقه يوم الخميس
وعند الغروب من تل الليلة ضربوا مدافع من القلعة اعلاما بالعيد وكذلك عند الشروق
ولم يقع في ذلك العيد اضحية على العادة لعدم المواشي لكونها محجوزة في الكرنتيلة
والناس في شغل عن ذلك
ومن الحوادث في ذلك اليوم ان رجلا روميا من باعة الرقيق
عنده غلام مملوك ساكن في طبقة بوكالة ذي الفقار بالجمالية خرج لصلاة العيد ورجع
الى طبقته فوجد ذلك الغلام متقلدا بسلاح ومتزيبا بمثل ملابس القليونجية فقال له من
أين لك هذا اللباس فقال من عند جارنا فلان العسكري فأمره بنزع ذلك فلم يستمع له
ولم ينزعها فشتمه ولطمه على وجهه فخرج من الطبقة وحدثته نفسه بقتل سيده ورجع يريد
ذلك
فوجد عند سيده ضيفا فلم يتجاسر عليه لحضور ذلك الضيف
فوقف خارج الباب ورآه سيده فعرف من عينه الغدر فلما قام ذلك الضيف قام معه وخرج
واغلق الباب على الغلام فصعد الغلام على السطح وتسلق الى سطح آخر ثم تدلى بحبل الى
اسفل الخان وخرج الى السوق وسيفه مسلول بيده ويقول الجهاد يا مسلمين اذبحوا الفرنسيس
ونحو ذلك من الكلام ومر الى جهة الغورية فصادف ثلاثة اشخاص من الفرنسيس فقتل منهم
شخصا وهرب الاثنان ورجع على اثره والناس يعدون خلفه من بعد الى ان وصل الى درب
بالجمالية غير نافذ فدخله وعبر الى دار وجدها مفتوحة وربها واقف على بابها
والفرنسيس تجمع منهم طائفة وظنوا ظنونا أخر وبادروا الى القلاع وحضرت منهم طائفة
من القلق يسألون عن ذلك الممولك وهاجت العامة ورمحت الصغار وأغلق بعض الناس
حوانيتهم ثم لم تزل الفرنسيس تسأل عن ذلك المملوك والناس يقولون لهم ذهب من هنا
حتى وصلوا الى ذلك الدرب فدخلوه فلما أحس بهم نزع ثيابه وتدلى ببئر في تلك الدار
فدخلوا الدار وأخرجوه من البئر واخذوه وسكنت الفتنة فسألوه عن أمره وما السبب في
فعله ذلك فقال انه يوم الاضحية فاحببت ان أضحي على الفرنسيس وسألوه عن السلاح فقال
انه سلاحي فحبسوه لينظروا في أمره وطلبوا سيده فوجدوه عند الشيخ المهدي وأخذوا بعض
جماعة من اهل الخان ثم أطلقوهم بدون ضرر وأخذوا سيده من عند المهدي وحبسوه وحضر
الاغا وبرطلمين الى الخان بعد العشاء وطلبوا البواب والخانجي والجيران وصعدوا الى
الطباق وفتشوا على السلاح حتى قلعوا البلاط فلم يجدوا شيئا وأرادوا فتح الحواصل
فمنعهم السيد احمد بن محمود محرم فخرجوا وأخذوا معهم الخانجي وجيران الطبقة وجملة
أنفار وحبسوهم ايضا وقتلوا المملوك في ثاني يوم واستمر الجماعة في الحبس الى أن
أطلقوهم بعد ايام عديدة من الحادثة
وفي ذلك اليوم ايضا مر نصراني من الشوام على المشهد
الحسيني وهو
راكب على حمار فرآه ترجمان ضابط الخطة ويسمى السيد عبد
الله فأمره بالنزول اجلالا للمشهد على العادة فامتنع فانتهزه وضربه والقاه على
الارض فذهب ذلك النصراني الى الفرنسيس وشكا اليهم السيد عبد الله المذكور فأحضروه
وحبسوه فشفع فيه مخدومه فلم يطلقوه وادعى النصراني انه كان بعيدا عن المشهد واحضر من
شهد له بذلك وان السيد عبد الله متهور في فعله وادعى انه ضاع له وقت ضربه دراهم
كانت في جيبه واستمر الترجمان محبوسا حتى دفع تلك الدراهم وهي ستة آلاف درهم
وفيه ارسل فرنسيس مصر الى رئيس الشام ميرة على جمال العرب
نحو الثمانمائة جمل وذهب صحبتها برطلمين وطائفة من العسكر فأوصلوها الى بلبيس
ورجعوا بعد يومين
وفيه حضر الى السويس تسعة داوات بها بن وبهار وبضائع
تجارية وفيها لشريف مكة نحو خمسمائة فرق بن وكانت الانكليز منعتهم الحضور فكاتبهم
الشريف فأطلقوهم بعد ان حددوا عليهم أياما مسافة التنقيل والشحنة وأخذوا منهم
عشورا وسامح الفرنسيس بن الشريف من العشور لانه أرسل لهم مكاتبة بسبب ذلك وهدية
قبل وصول المراكب الى السويس بنحو عشرين يوما وطبعوا صورتها في أوراق وألصقوها
بالاسواق وهي خطاب لبوسليك
من مات في هذه السنة من الاعيان ومن له ذكر في الناس
مات الامام العمدة الفقيه العلامة المحقق الفهامة المتقن
المتفنن المتجر عين أعيان الفضلاء الازهرية الشيخ احمد بن موسى بن احمد بن محمد
البيلي العدوي المالكي ولد ببني عدي سنة احدى وأربعين ومائة والف وبها نشأ فقرأ القرآن
وقدم الجامع الازهر ولازم الشيخ علي الصعيدي ملازمة كلية حتى تمهر في العلوم وبهر
فضله في الخصوص والعموم وكان له قريحة جيدة وحافظة غريبة يملي في تقريره خلاصة ما
ذكره أرباب الحواشي مع حسن سبك والطلبة يكتبون ذلك بين يديه وقد جمع من تقاريره =
الاثنين، 23 مايو 2022
مجلد 6. من كتاب : تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار لعبد الرحمن بن حسن الجبرتي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
-
مجلد 9.تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: ...
-
مجلد6. تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: ...
-
مجلد 5. تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى:...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق